تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : سلامة القلب (2)


نسر الشام
11-04-2018, 12:33 AM
سلامة القلب (2)

القلوب الصالحة درجات في المجتمعات المفلحة، والقلوب الكالحة هي دركات في المجتمعات الطالحة؛ فهي المضغة التي إذا صحلت صلح الجسد كله؛ لأنها محل التقوى، وعبَّر عن ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((التقوى ها هنا))، وأشار إلى قلبه الشريف ثلاث مرات، ومعنى ذلك أن تقوى الله تعالى محلها القلب، فإذا اتَّقى القلب اتقت الجوارح، وفي رواية أخرى ورَد قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم...)).

التقوى محلها القلب؛ لذلك فهي لا تليق إلا بقلب المؤمن بربه، المطمئن لخالقه، الخاضع لرازقه، المتوجه إليه، المتوكل عليه، الخاشع بين يديه، به يُفكِّر ويدبر، وبه يُبصر ويسمَع، وبه يقوم ويَقعُد، وبه يتحرك ويمشي... القلب السليمعظُمَ الخالقُ في نفسه، فصغُر ما دونه في عينه.

قال عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه: "ليس تقوى الله بصيام النهار، ولا بقيام الليل، والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله ترك ما حرَّم الله، وأداء ما افترض الله، فمَن رُزق بعد ذلك خيرًا، فهو خيرٌ إلى خير".



المؤمن يعيش سليم الصدر، طاهر القلب، بعيدًا عن الأحقاد والغليان، معزولاً عن وساوس الشيطان، مُتجنِّبًا للظلم والطغيان! يعيش خالي الهمِّ، قرير العين، سعيد الحظ، يفرح لأخيه المسلم في أفراحه، ويَحزن له في أتراحه، وبذلك يَحيا المسلم راضيًا عن الله، مُستبشرًا بالحياة، باحثًا عن النجاة!



الحقد الأسود يفسد الأعمال الصالحة، ويَطمِس بهجتها، ويُعكِّر صفوها، أما القلب المشرق العَمُور بالإيمان يَنساق إلى الصواب، ويَنطلِق إلى الحق، ولا يَخرج منه إلا خير البلاد وراحة العباد؛ لذلك يبارك الله في قليله، وهو إليه بكل خير أسرع؛ عن عبدالله بن عمرو: قيل: يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: ((كل مخموم القلب، صدوق اللسان))، قيل: صدوق اللسان نَعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: ((هو التقيُّ النقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غلَّ ولا حسد))، ومِن ثَم كانت الجماعة المسلمة حقًّا هي التي تقوم على عواطف الحب المشترك، والود الشائع، والتعاون المتبادَل، لا مكان فيها للفردية، ولا مجال فيها للأنانية، بل هي كما وصف القرآن: ﴿ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].



إن الخصومة إذا نمَت وتفرَّعت وترعرعت أسقطت المروءة، وأوجبت اللعنة، ومِن ثَمَّ تُخفي في عينه الفضائل، ولا تُظهر إلا الرذائل، وقد يذهب بها الحقد إلى افتراض الأكاذيب، ونسج العيوب، وطمس الحسنات، ووأد القربات..!!



قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟)) قالوا: بلى! قال: ((إصلاح ذات البَين؛ فإن فساد ذات البين هو الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدِّين)).



والشر قد يتطور، والحقد ربما يتنامى فيسقط بصاحبه إلى أسفل سافلين؛ روى ابن عباس أن رسول الله قال: ((ألا أنبئكم بشراركم؟))، قالوا: بلى، إن شئتَ يا رسول الله، قال: ((إن شراركم الذي يَنزل وحده، ويجلد عبده، ويمنع رفده، أفلا أنبئكم بشرٍّ من ذلك؟)) قالوا: بلى، إن شئت يا رسول الله، قال: ((من يبغض الناس ويبغضونه، قال: أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟)) قالوا: بلى، إن شئتَ يا رسول الله، قال: ((الذين لا يقيلون عثرة، ولا يقبلون معذرة، ولا يَغفرون ذنبًا، قال: أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟)) قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: ((مَن لا يُرجى خيره ولا يؤمن شره)).



بل قد يصل به إلى أربى الربا، كيف؟! روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: ((أتدرون أربى الرِّبا عند الله؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم؟ قال: ((فإن أربى الربا عند الله استحلالُ عِرض امرئ مسلم، ثم قرأ رسول الله: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58])).



تتبُّع العورات وتلمُّس العيوب جريمة يُعاقب عليها الشرع؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19]؛ لذلك نصح الإسلام لمن عليه الحق، أما من له الحق فقد رغب إليه أن يَلين ويسمح، وأن يمسحَ أخطاء الأمس بقبول المعذرة، عندما يجيء له أخوه معتذرًا ومُستغفرًا، ورفْضُ الاعتذار خطأ كبير.



وقد كان النبي ينهى أن يُبلَّغ عن أصحابه ما يَسوءُه، قال: ((لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئًا؛ فإني أحب أن أَخرُج إليكم وأنا سليم الصدر)).



قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن عَلِمَ من أخيه سيئة فسترها، ستر الله عليه يوم القيامة))، وقال: ((مَن ستر على مؤمن عورة فكأنما أحيا موءودة)).



ذُكر أنه كان لأبي حنيفة جارٌ فاسد يَشرب الخمر، فنصحه حتى تعب من كثرة نصحه، فتركه، وذات يوم طرق على الباب زوجة السِّكير تدعو أبا حنيفة للصلاة على زوجها السكير، فرفضَ، وفي منامه جاءه السِّكير وهو يتمشَّى في بساتين الجنة ويقول: "قولوا لأبي حنيفة: الحمد لله لم تُجعَل الجنة بيده"، لما أفاق سأل زوجته عن حاله، فقالت: هو ما تعرف عنه، غير أنه كان في كل يوم جمعة يُطعم أيتامَ الحي، ويَمسح على رؤوسهم ويبكي، ويقول: "ادعوا لعمِّكم"، فلعلها كانت دعوة أحدهم، فندم إمامنا الجليل أشد الندم، وذكر: ((إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل الجنة فيدخلها)) ثم قال: "لا تسبوا أصحاب المعاصي ولا تَحتقِروهم؛ فإنما نحيا بستر الله، ولو كشف الله عنا ستره لفضَحَنا".



نموذج فريد لطهارة القلب وسلامة الصدر:

عن أنس بن مالك قال: كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((يطلعُ الآن عليكم رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار، تنطف لحيته من وضوئه، قد علق نعليه بيده الشمال))، فلما كان الغد قال النبي مثلَ ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلمَّا كان اليوم الثالث قال النبي مثل مقالته أيضًا، فطلع ذلك الرجل على مثال حاله الأولى، فلما قام النبي تبعه عبدالله بن عمرو - تبع الرجل - فقال: إني لاحَيتُ أبي، فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثًا، فإن رأيتَ أن تُؤويني إليك حتى تمضي فعلت! قال: نعم، قال أنس: فكان عبدالله يُحدِّث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي، فلم يرَه يقوم من الليل شيئًا، غير أنه إذا تعار - تقلب في فراشه - ذكر الله عز وجل، حتى ينهض لصلاة الفجر، قال عبدالله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما مضَت الليالي الثلاث، وكدتُ أحتقر عمله، قلت: يا عبدالله، لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة، ولكني سمعت رسول الله يقول لك - ثلاث مرات -: ((يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة)) فطلعت أنت الثلاث المرات، فأردتُ أن آوي إليك فأنظر ما عملك، فأقتدي بك، فلم أرك عملتَ كبير عمل! فما الذي بلَغ بك ما قال رسول الله؟ قال: ما هو إلا ما رأيتَ، قال عبدالله: فلما وليت دعاني فقال: "ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًّا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه"، فقال عبدالله: هذه التي بلغَت بك، وفي رواية: "ما هو إلا ما رأيتَ يا بن أخي، إلا أني لم أبِتْ ضاغنًا على مسلم".



والحسد مرض مدمِّر، ناتج من ضغائن القلب، بل يزرعها ويُنميها، والبون بعيد بين الحسد والطموح، وبين الحسد والغبطة، كيف؟

﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [ص: 35]، وفي سورة الفرقان: ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].



ومن سقوط الهمة وفقد القمة أن تَرتبِط الآمال بالتفاهة من الأحوال، وهناك شؤون يُعتبَر التشبث بطلبها عبثًا، لا يورث إلا الحسرة، وقد يَنتهي بالحقد على الناس، وفقد الإحساس، وضياع الأعمال، وسوء الحال، قال رسول الله: ((ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شِبرًا؛ رجل أَمَّ قومًا وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوانِ مُتصارِمان))، حفظني الله وإياكم مِن كل سوء، وساقني الله وإياكم إلى كل خير.

غـُـلايےّ
11-04-2018, 12:54 AM
طررح يفوق آلجمآل ,
‎كعآدتك إبدآع في صفحآتك ,
‎يعطيك آلعآفيـه يَ طررح يفوق آلجمآل ,
‎كعآدتك إبدآع في صفحآتك ,
‎يعطيك آلعآفيـه يَ رب ,
‎وبِ إنتظآر المزيد من هذآ الفيض ,
‎لقلبك السعآده والفـرح ..
‎ودي:239:

شيخة رواية
11-04-2018, 07:47 AM
عطاء مميز وحضور انيق ووفاء لكيان روايه

التمسه في متصفح الوفاء

راقني ماكان هنا وانتظر مزيدك

فكل الشكر والامتنان لهكذا هطل


دمت بكل الخير

الوسيم
11-04-2018, 09:30 AM
جزاك الله خيرا لما نقلت لنا من دُرر
اللهم ارزقنا لسانا ذاكرا
وقلبا خاشعا وعينا دامعا
دمت برضى الله

نور القمر
11-04-2018, 09:51 AM
جزاك الله خيرا

جعله في ميزان حسناتك

الياقوتة
11-04-2018, 05:41 PM
جزآك الله خير
وباارك الله فيك وجعله في ميزا ن حسناتك
ويعطيك الف عاافيه

ذآتَ حُسن♔
11-04-2018, 07:55 PM
جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض ..
بآرك الله فيك على الطَرح القيم وَ في ميزآن حسناتك ..
آسأل الله أنْ يَرزقـك فسيح آلجنات !!
دمت بحفظ الله ورعآيته ..
لِ روحك

بسمة فجر
11-04-2018, 09:45 PM
بارك الله فيك ع طرحك القيم
وبإنتظار جديدك القادم
ارق التحايا لك

لَـحًـــنِ ♫
11-04-2018, 09:54 PM
طـــرح رآآآئــــــع ..||
دام التألق ...ودام عطاء نبضك
كل الشكر لهذا الإبداع,والتميز
لك مني كل التقدير ...!!
وبآنتظار روائع جديدك بكل شوق...!
ودي وعبق وردي ..~


https://img1.picmix.com/output/stamp/thumb/2/5/0/7/337052_0ede8.gif

شيخة رواية
11-05-2018, 03:02 AM
عطاء مميز وحضور انيق ووفاء لكيان روايه

التمسه في متصفح الوفاء

راقني ماكان هنا وانتظر مزيدك

فكل الشكر والامتنان لهكذا هطل


دمت بكل الخير

شيخة رواية
11-05-2018, 03:02 AM
عطاء مميز وحضور انيق ووفاء لكيان روايه

التمسه في متصفح الوفاء

راقني ماكان هنا وانتظر مزيدك

فكل الشكر والامتنان لهكذا هطل


دمت بكل الخير

انثى برائحة الورد
11-05-2018, 12:40 PM
متصفح قييم
بارك الله فيك عالإختيااااار
في ميزااااااان حسنااااااتك

الجوهرة
11-05-2018, 08:43 PM
جزاك الله عناا كل خير
وباااارك الله فيك وبك
اشكرك على الموضوع القيييم
والاكثر من راااائع سلمت الايااادي
ع روووعة الجلب والطرح الطيب
دمت بحفظ الله ورعايته
وبانتظااار جديدك القااادم
تحيتي لك والتقديري كون بخير


https://img0.liveinternet.ru/images/attach/c/9/106/869/106869700_01.gif

sham
11-05-2018, 09:33 PM
احسنت الإنتقاء
جزاك الله خير الجزاء .

,:241:

ريُـ‘ـُآحُـ‘ـُ آلُـ‘ـُشُـ‘ـُۅقُـ‘ـُ
11-06-2018, 08:11 AM
إختيار موفق ..وطرح مميز
لا يليق إلا بمن أتينا لنرى مايقدمه لنا ذوقه الراقي
عافاك الله واجزل لك الأجر

شموخ الغلا
11-08-2018, 09:42 AM
جزَآك آللَه خَيِرآ علىَ طَرْحِكْ الرٍآَئع وَآلقيَم
وًجعلهآ فيِ ميِزآن حسًنآتكْ
دمتِ. .

أبو علياء
11-10-2018, 02:19 PM
جزاكم الله خيراً ونفع بكم
على الموضوع الرائع والمميز
وجعل كل ما تقدمونه في موازين حسناتكم
لكم مني ارق المنى
وخالص التقدير والاحترام

روحي تبيك
11-11-2018, 04:53 PM
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الأجر يارب
وأنار الله قلبك بنورالإيمان
أحترآمي لــ/سموك

لذة مطر ..!
11-20-2018, 04:13 AM
جزاك الله خير ع طرحك ونفع بك .. :20:

raneem
11-20-2018, 05:03 PM
جزاك الله خيرا
وبارك الله فيك
وانار قلبك بطاعه الرحمن
مودتي

دلوعة عشق
06-28-2019, 08:23 AM
جزاك المولى الجنه
وكتب الله لك اجر هذه الحروف
كجبل احد حسنات
وجعله المولى شاهداً لك لا عليك
لاعدمنا روعتك
ولك احترامي وتقديري

Şøķåŕą
07-29-2022, 07:14 AM
_


سلمت الايادي
ويعطيك العافية لـ جمال الآنتقاء
لروحك جنائن الورد .

نور القمر
08-01-2024, 01:28 PM
جزاك الله خيرا

نور القمر
08-01-2024, 01:29 PM
جزاك الله خيرا

Şøķåŕą
09-27-2024, 12:05 PM
شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير