تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : لطيفة حديثية نادرة لحديث عظيم المعنى والمغزى


Şøķåŕą
03-20-2024, 10:05 PM
لطيفة حديثية نادرة لحديث عظيم المعنى والمغزى



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فمن اللطائف الحديثية النادرة في السنة النبوية أن تجتمع أربع نسوة في رواية حديث واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكلهن قد رأين النبي صلى الله عليه وسلم، فهن صحابيات جليلات القدر، وعظيمات المنزلة، وهن: ثنتان من أزواجه، وهما: أم حبيبة، وزينب بنت جحش، وثنتان ربيبتاه، وهن: زينب بنت أم سلمة، وحبيبة بنت أم حبيبة رضي الله عنهن جميعهن[1].



قال راوي الحديث سفيان بن عيينة رحمه الله عن هذا الحديث، وهو يفتخر بروايته: (أحفظ في هذا الحديث أربع نسوة من الزهري، وقد رأين النبي صلى الله عليه وسلم: ثنتين من أزواجه: أم حبيبة، وزينب بنت جحش، وثنتين ربيبتاه: زينب بنت أم سلمة، وحبيبة بنت أم حبيبة)[2].



ولعلو مقامه عنده قال عنه: (لا نحتاج فيهإلى أحد -أي يجوِّده ويقوِّيه-هكذا فهم تلميذه الحميدي من كلامه)[3].



والحديث أخرجه الترمذي بسنده عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن زينب بنت أبي سلمة، عن حبيبة، عن أم حبيبة، عن زينب بنت جحش قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نوم محمرًّا وجهه وهو يقول: «لا إله إلا الله- يرددها ثلاث مرات- ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وعقد عشرًا»، قالت زينب: قلت: يا رسول الله، أفنهلِك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم، إذا كثر الخبث».



وقال عنه: هذا حديث حسن صحيح، وقد جوَّد سفيان هذا الحديث، هكذا روى الحميدي، وعلي بن المديني، وغير واحد من الحفاظ، عن سفيان بن عيينة نحو هذا.



وقال الحميدي: قال سفيان بن عيينة: حفظت من الزهري في هذا الحديث أربع نسوة: زينب بنت أبي سلمة، عن حبيبة، وهما ربيبتا النبي صلى الله عليه وسلم، عن أم حبيبة، عن زينب بنت جحش زوجَي النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا روى معمر وغيره هذا الحديث، عن الزهري، ولم يذكروا فيه عن حبيبة، وقد روى بعض أصحاب ابن عيينة هذا الحديث عن ابن عيينة ولم يذكروا فيه عن أم حبيبة[4].



وأخرجه الحميدي من طريق سفيان، وقال فيه: (ثنا سفيان، قال: ثنا الزهري- لا نحتاج فيه إلى أحد- قال: أخبرني عروة بن الزبير...ثم قال الحميدي: وعقد سفيان عشرةً، قلت: يا رسول الله، أنهلِك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا كثر الخبث»، قال سفيان: أحفظ في هذا الحديث أربع نسوة من الزهري وقد رأين النبي صلى الله عليه وسلم: ثنتين من أزواجه؛ أم حبيبة، وزينب بنت جحش، وثنتين ربيبتاه؛ زينب بنت أم سلمة، وحبيبة بنت أم حبيبة، أبوها عبدالله بن جحش مات بأرض الحبشة)[5]، وكذا أخرجه الإمام أحمد من طريقه أيضًا[6].



وأخرجه البخاري بسنده عن عقيل عن ابن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، أن زينب بنت أبي سلمة، حدثته عن أم حبيبة بنت أبي سفيان، عن زينب بنت جحش، رضي الله عنهن أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعًا يقول: «لا إله إلا الله، ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه» وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش: فقلت: يا رسول الله، أنهلِك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا كثر الخبث»[7].



وأخرجه البخاري في موضع آخر من كتابه بأطول سند عنده فهو تساعي[8]، قال ابن حجر: (وهذا السند كله مدنيون، وهو أنزل من الذي قبله بدرجتين، ويقال: إنه أطول سندًا في البخاري فإنه تساعي)[9].



قلت: وما نزل بسنده إلا لأهميته.



قال العيني وهو يتكلم عن حديث البخاري أعلاه: اجتمع فيه ثلاث صحابيات: (وأندر منه ما في إحدى روايات مسلم أربع من الصحابيات)[10]، قلت: وهي رواية الترمذي، وهو حديث الباب الذي ذكرناه.



واجتماعهن في رواية هذا الحديث يدل على أهميته وخطورة معناه ومغزاه، فقد حوى هذا الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم تنبيهًا عظيمًا للأمة بأن شرًّا قريبًا سيقدم عليهم فلا بد من الحيطة والحذر.



حتى وصفت أمنا زينب رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لشدة فزعه من اهتمامه بهذا الأمر، فقالت: "دخل عليها فزعًا"، وفي رواية: "استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نوم محمرًّا وجهه".



وهو يقول: «لا إله إلا الله، ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه».



والردم هو: السدُّ الذي بناه ذو القرنين الذي ورد ذكره بقوله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ﴾ [الكهف: 93 - 98].



قلت: وهذا الكلام صدر عن النبي المعصوم قبل ألف وأربعمائة سنة، أو يزيد، فما حالنا اليوم؟! نسأل الله العون والسداد.



قال ابن بطال: (هذه الأحاديث كلها مما أنذر النبي صلى الله عليه وسلم بها أمته، وعرفهم قرب الساعة لكي يتوبوا قبل أن يهجم عليهم وقت غلق باب التوبة حين لا ينفع نفسًا إيمانُها لم تكن آمنت من قبل.



وقد ثبت أن خروج يأجوج ومأجوج من آخر الأشراط، فإذا فتح من ردمهم في وقته صلى الله عليه وسلم مثل عقد التسعين أو المائة، فلا يزال الفتح يستدير ويتسع على مر الأوقات، وهذا الحديث في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (بُعِثت أنا والساعة كهاتين، وأشار بأصبعَيه السبابة والتي تليها[11]) [12].



قال المناوي: "ويل": كلمة تُقال لمن وقع في هلكة ولا يترحم عليه بخلاف "ويح"؛ كذا في التنقيح.



"للعرب": يعني المسلمين[13].



وفي الحديث أن النبي استخدم الإشارة بأصابعه الشريفة لتقريب صورة ثقب الجدار: "فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد عشرًا" وفي رواية: "وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها" كما نقلت ذلك أُمُّنا زينب رضي الله عنها.



والملاحظ: أن هذا التصوير بالإشارة بالأصابع قد نقل من رواية الحديث، فهذا سفيان بن عيينة ينقل ذلك؛ قال الحميدي: "وعقد سفيان عشرةً"[14].



وقولها: (أنهلِك): بكسر اللام على اللغة الفصيحة المشهورة، وحُكي فتحها وهو ضعيف أو فاسد[15].



والملحظ المهم: الذي سألت عنه أُمُّنا زينب قولها، وهي تعلم أنه إذا خرج يأجوج ومأجوج فمعنى ذلك هلاك الأمة، فقالت متعجبة وهي تنظر إلى وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهراني الأمة، ووجود أصحابه وكل الصالحين في زمانه، فهي تعلم يقينًا أنها تعيش في حقبة خير القرون، وهم أصحابه صلى الله عليه وسلم، فقالت: (أفنهلِك وفينا الصالحون؟).



فكان الجواب من المعصوم صلى الله عليه وسلم: «نعم، إذا كثر الخبث»، إذا كثر الخبث وفي الأمة صالحون، فإن العذاب واقع لا محالة. حقيقة صادمة للسامع والناقل لهذا الحديث، وهي مصداق قول الله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 25].



قال ابن حجر: (وكأنها فهمت من فتح القدر المذكور من الردم أن الأمر إن تمادى على ذلك اتسع الخرق بحيث يخرجون، وكان عندها علم أن في خروجهم على الناس إهلاكًا عامًّا لهم)[16].



والملاحظ أنَّ أُمَّنا زينب رضي الله عنها لم تقل: (أنهلِك وأنت فينا؟) وإنما قالت: (وفينا الصالحون؟)؛ وذلك لأنها تعلم قول الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33]، فالله تبارك وتعالى عصم الأمة من الهلاك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيها؛ فعن ابن عباس قال: "كان في هذه الأمة أمانان: رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاستغفار، فذهب أمان -يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم- وبقي أمان -يعني الاستغفار-"[17].



وعن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنزل الله عليَّ أمانين لأمتي: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33]، فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة» [18].



والخَبَث هو: بفتح الخاء والباء [19]، وفسَّره العلماء بالآتي:

قال النووي: وفسَّره الجمهور بالفسوق والفجور. وقيل: المراد الزنا خاصة، وقيل: أولاد الزنا، والظاهر أنه المعاصي مطلقًا [20].



وقال القاضي عياض: (العرب تسمي الزنا خبثًا وخبثة، ومنه في المخرج: أنه وجد مع أمة يخبث بها- أي: يزني بها- وهو أحد التأويلين في قوله تعالى: ﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ ﴾ [النور: 26]، وقيل: "إذا كثر الخَبَث"؛ أي: أولاد الزنا. وقيل: إذا كثر الزنا. وقد جاء في حديث آخر مفسرًا: "ويكثر الزنا") [21].



وقال ابن عبدالبر: (اللفظة محتملة لذلك ولغيره، وجملة القول عندي في معناه: أنه اسم جامع يجمع الزنا وغيره من الشر والفساد والمنكر في الدين، والله أعلم) [22].



وقال ابن حجر وهو يبين معنى الخبث بعد أن ذكر أقوال العلماء فيه ورجح الآتي: (بالفسوق والفجور وهو أولى؛ لأنه قابله بالصلاح.



قال ابن العربي: فيه البيان بأن الخير يهلك بهلاك الشرير إذا لم يغير عليه خبثه، وكذلك إذا غير عليه؛ لكن حيث لا يجدي ذلك، ويصر الشرير على عمله السيئ، ويفشو ذلك ويكثر حتى يعم الفساد فيهلك حينئذٍ القليل والكثير، ثم يحشر كل أحد على نيته) [23].



وأضاف العيني معنًى جديدًا، فقال: (وقيل: إذا عز الأشرار وذل الصالحون) [24].



وأقول: النبي صلى الله عليه وسلم قرن بالخبث الكثرة، فلم يقل إذا ظهر الخبث، وإنما قال: (إذا كثر الخَبَث)؛ أي: يصبح حالةً عامةً وليس حالات فرديةً، فالمعاصي الفردية واقعة من أفراد الأمة لا محالة؛ ولكن أن تكون ظاهرةً عامةً ويرضى بها الجميع ويستسهلها المجتمع فتصبح هي الأصل، فهنا مؤشر الخطورة والنذارة ومكمن الخطر، وأن يصبح المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا هو الأدهى والأمر، وأكثر منه أن يصبح التطهُّر عيبًا والخبث شرفًا، فاقرأ على هذه الأمة السلام.



قال الله تعالى مبينًا انقلاب الموازين لدى قوم لوط: ﴿ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 82].



ولعن الله أقوامًا هذا شأنهم وهذا ديدنهم، قال الله تعالى: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: 78، 79].



وعنعبدالله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل، كان الرجل يلقى الرجل، فيقول: يا هذا، اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض"، ثم قال: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﴾ [المائدة: 78]إلى قوله: ﴿ فَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 81]، ثم قال: «كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يدي الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرًا، ولتقصرنه على الحق قصرًا»[25].



ومما ينبغي فعله على الأمة لتغير هذا الواقع المرتقب-فهو سنة من سنن الله الواقعة لا محالة عند توفر شروطها ومسبباتها-هو تغيير المنكر وإصلاح ما فسد من أخلاق الناس وتصرفاتهم وعدم الرضا به، فإن أدى الفرد ما عليه وكذلك الجماعات وكثر الخبث وتغلب مع قيام الأفراد والجماعات بواجبهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووقع العذاب أهلكوا جميعًا، ويبعثون على نياتهم يوم القيامة؛ فعن عائشة قالت: عبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه[26]، فقلنا: يا رسول الله، صنعت شيئًا في منامك لم تكن تفعله، فقال: «العجب أن ناسًا من أمتي يؤمون بالبيت برجل من قريش، قد لجأ بالبيت، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم»، فقلنا: يا رسول الله، إن الطريق قد يجمع الناس، قال: «نعم، فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل، يهلكون مهلكًا واحدًا، ويصدرون مصادر شتى، يبعثهم الله على نياتهم»[27].



قال ابن بطال: (فإذا ظهرت المعاصي ولم تغير، وجب على المؤمنين المنكرين لها بقلوبهم هجران تلك البلدة، والهرب منها، فإن لم يفعلوا فقد تعرضوا للهلاك، إلا أن الهلاك طهارة للمؤمنين، ونقمة على الفاسقين، وبهذا قال السلف. وروى ابن وهب عن مالك أنه قال: تهجر الأرض التي يصنع فيها المنكر جهارًا ولا يستقر فيها)[28].



وقال ابن قتيبة: (يريد: أنها تعم، فتصيب الظالم وغيره.... ثم قال: قد تبين لهم أن الله تعالى غرق أمة نوح عليه السلام كلها، وفيهم الأطفال والبهائم، بذنوب البالغين)[29].



وأكد ابن حجر هذا المعنى فقال: (فيكون إهلاك الجميع عند ظهور المنكر والإعلان بالمعاصي قلت- أي ابن حجر-: الذي يناسب كلامه الأخير حديث أبي بكر الصديق سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب"؛ أخرجه الأربعة وصحَّحه ابن حبان.



وأما حديث ابن عمر في الباب وحديث زينب بنت جحش فمتناسبان، وقد أخرجه مسلم عقبه ويجمعهما أن الهلاك يعم الطائع مع العاصي، وزاد حديث ابن عمر أن الطائع عند البعث يُجازى بعمله.



ومثله حديث عائشة مرفوعًا: "العجب أن ناسًا من أمتي يؤمون هذا البيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، فقلنا: يا رسول الله، إن الطريق قد تجمع الناس، قال: نعم، فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل يهلكون مهلكًا واحدًا، ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله على نياتهم"؛ أخرجه مسلم.



وله من حديث أم سلمة نحوه ولفظه: "فقلت: يا رسول الله، فكيف بمن كان كارهًا؟ قال: يخسف به معهم ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته".



وله من حديث جابر رفعه: "يبعث كل عبد على ما مات عليه".



وقال الداودي: معنى حديث ابن عمر: أن الأمم التي تعذب على الكفر يكون بينهم أهل أسواقهم ومن ليس منهم، فيصاب جميعهم بآجالهم ثم يبعثون على أعمالهم) [30].



والمطلع على النصوص المذكورة أعلاه يتبين له لماذا كان حال رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف-"دخل عليها فزعًا"، وفي رواية "استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نوم محمرًّا وجهه"؛ لأنه مشفق وخائف على أمته من الهلاك واقترابه.



وهنا ينبغي الانتباه إلى أن الله أراد في الأمة المصلحين، وليس الصالحين فقط، فالصالح المصلح هو عنوان الرفعة والفخار، فليس كل صالح في نفسه مصلحًا لغيره كما لا يخفى على ذي لُبٍّ.



ومن كان هذا شأنهم صرف الله عنهم العذاب، قال الله تعالى: ﴿ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود: 116، 117].



قال النووي: (واعلم: أن هذا الباب- أعني باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- قد ضيع أكثره من أزمان متطاولة، ولم يبق منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جدًّا، وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث عمَّ العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمَّهم الله تعالى بعقابه ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]، فينبغي لطالب الآخرة والساعي في تحصيل رضا الله عز وجل أن يعتني بهذا الباب، فإن نفعه عظيم لا سيما وقد ذهب معظمه ويخلص نيته ولا يهابن من ينكر عليه لارتفاع مرتبته، فإن الله تعالى قال: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ﴾ [الحج: 40]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [آل عمران: 101]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ [العنكبوت: 69]، وقال تعالى: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 2، 3].



واعلم: أن الأجر على قدر النَّصَب ولا يتاركه أيضًا لصداقته ومودته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه، فإن صداقته ومودته توجب له حرمةً وحقًّا، ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته وينقذه من مضارها.



وصديق الإنسان ومحبه هو من سعى في عمارة آخرته وإن أدى ذلك إلى نقص في دنياه.



وعدوه من يسعى في ذهاب أو نقص آخرته وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه؛ وإنما كان إبليس عدوًّا لنا لهذا، وكانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أولياء للمؤمنين لسعيهم في مصالح آخرتهم وهدايتهم إليها.



ونسأل الله الكريم توفيقنا وأحبابنا وسائر المسلمين لمرضاته وأن يعمنا بجوده ورحمته والله أعلم) [31].



وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

мя Зάмояч
03-20-2024, 10:21 PM
جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك

ضامية الشوق
03-20-2024, 10:48 PM
جزاك الله خيرا

روحي تبيك
03-21-2024, 04:20 AM
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الأجر يارب
وأنار الله قلبك بنورلإيمان
أحترآمي لــ/سموك

إِيزآبَيل♡
03-21-2024, 06:56 AM
جَزاكِ اللهِ خُيرِ الجَزاء
ونفِعُ بكٌ وبطِرحكَ القيَيم
ولاَ حَرمُكِ الاًجَر
بُاركِ اللهِ فيُك ..~

نبضها مطيري
03-21-2024, 05:55 PM
يعطيك العآفيه..
طرح بقمة الذوووق والرووعه..
تسلم أيدك ع الطرح المميز لاعدمنـآك ,...
بانتظارجديدك بكل شوق

زمردة ❥
03-22-2024, 03:45 AM
يعطيك ربي ألف عافيه
بإنتظار جديدك بكل شوق.
لك مني جزيل الشكر والتقدير...
..}~ مودتي

مثلي قليل
03-22-2024, 05:51 AM
جزاك الله خير
بارك الله فيك

☆Šømă☆
03-22-2024, 06:08 AM
سلمت يداك على الطرح الراقي
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك
لك اعجابي وتقديري

البرنس مديح آل قطب
03-22-2024, 11:58 AM
https://www.raed.net/img?id=664417

http://www.r-eshq.com/vb/images/icons/u11.gif
http://www.r-eshq.com/vb/images/icons/u11.gif
http://www.r-eshq.com/vb/images/icons/u11.gif
http://www.r-eshq.com/vb/images/icons/u11.gif
http://www.r-eshq.com/vb/images/icons/u11.gif
http://www.r-eshq.com/vb/images/icons/u11.gif









جزاكم الله خير الجزاء .. وبارك فيكم
دائماً أطروحاتكم تروق لي مميزة بحق
كتب الله أجر طرحكم في ميزان حسناتكم
الطرح عشرة على عشرة
دمتم بهذا التميز لطرحكم
دمتم برقي وسعادة وطمأنينة
إحتراماتي تعانق روحك
مع تقديري لكم
ولروحكم الزكية
باقات كليمانس
يسلمواااااااااااااااااااااااhttps://www.raed.net/img?id=405932
https://1.bp.blogspot.com/_Qx-uyFvhhx4/SVfywG175RI/AAAAAAAAAp8/bsrYGnRrA3w/s320/glitter-rose.gif (https://www.raed.net/)

القيصر العاشق:eq-32:
البــــ :hp2: مديح آل قطب :hp2: ــــــرنس:238:
https://www.raed.net/img?id=664419
https://www.raed.net/img?id=664408http://www.raaw9.com/up2/uploads/171100661027186.gif

إيلين
03-22-2024, 08:12 PM
-





:241:


موضوع مميز وجميل
مِنْ هنآ أقدمٌ لك بآقة وردْ ومحبة خآلصة لله تعآلىٌ
وَدوٍمآ نترٍقبٌ آلمَزٍيدْ
ودٍيٌ قبْلٌ رٍدْيٌ وسَلآإميٌ

غـرام الشوق
03-22-2024, 11:15 PM
/





طرح رائع وَ أختيار مميز
شكراً جزيلاً لك
يعطيك العافية ..

حاء
03-23-2024, 05:52 AM
-




بااقة ..من أرق عبارات الشكر
لهذا العطاءالمتميز والإنتقاء الراقي
بـ إنتظار جديدك وعذب أطرٌوحاتك
تحيتي وتقديري ض2

بنت العز
03-23-2024, 08:49 PM
شكرا لجمال طرحك

تهاني
03-25-2024, 02:19 AM
-





جزاك الله خير ..
وَ جعله في ميزان حسناتك.:241:

نور القمر
03-25-2024, 02:35 AM
تسسسلم الايـآدي على روعه طرحك
الله يعطيك الف عافيه يـآرب
بانتظـآر جــديدك القــآدم
آحتـرآمي لك

رزان
03-25-2024, 11:52 AM
سلمت الأيادي
عالطرح

الدكتور على حسن
03-25-2024, 11:23 PM
http://www.r-eshq.com/vb/images/icons/x35.gif


http://img-fotki.yandex.ru/get/5110/39663434.65f/0_9e3d5_faacd2aa_L.png
كل الشكر وكل التقدير
لحضرتك
على روعة ما قدمت لنـــا
من موضوع اكثر من رائع
ربنا يبارك فيك ويسعدك ويكتب لك
كل الخير فى كل ما لمست يداك
وخطت قدمــاك
يااااااااااااااااارب
لك كل تحياتى وتقديرى وحبى
الدكتور علـى حسـن
http://img-fotki.yandex.ru/get/5108/39663434.65f/0_9e3d6_26c6f4a0_L.png

كارا
06-09-2024, 01:25 AM
جَزآگ اللهُ خَيرَ آلجَزآءْ..،
جَعَلَ يومَگ نُوراً وَسُروراً
وَجَبآلاُ مِنِ آلحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحوراً..
جَعَلَهُا آلله في مُوآزيَنَ آعمآلَگ
دَآمَ لَنآعَطآئُگ..
دُمْتِ بــِطآعَة الله ..~
..:لƒ¦:..

نور القمر
10-26-2024, 03:04 PM
كالعادة ابداع رائع
وطرح يستحق المتابعة
شكراً لك
بانتظار الجديد القادم
دمت بكل خير