الدكتور على حسن
03-14-2024, 05:15 PM
كل آية استهلَّها الحق بقوله:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ»
تأمر بالأحكام الشـرعية، بينما تنحـو
الآيات التى بـدأت بقوله تعالي: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ»،
أو «يَا بَنِى آدَمَ»
منحى التذكير بالأصول العامة التى يشترك
فيها البشر بأكملهم، من نحو التذكير بقضية الخلق،
ولفت النظر إلى النعم والآيات الربانية،
أو الاحتراس من الشيطان وكيده أن يصدهم
عن سبيل الله، أو دعوتهم إلى الإقبال
على ما جاءت به الرسل، أو تعظيم
معالم الدين جملة، أو التعارف بين الأمم،
وما أشبه من القضايا المشتركة بين كل بنى آدم.
مما يؤكد لنا أنَّ قضية الهداية العامة بأكملها خادمة
لقضية الهداية الخاصة، ممهدة لها، وكأنها
جاءت لدعوة الناس أجمعين إلى منظومة
من القيم، والسنن الإلهية، وأصول الاجتماع البشري،
تلفت نظر الخلق إلى أصالة تلك المبادئ ونبلها،
وسمو مقاصدها، وتخطيها لحواجز الزمان والمكان،
مما يلفت النظر إلى ربانية مصدرها،
فتكون سائقًا وباعثًا على الدخول فى دين الله تعالي،
والاندراج فى الهداية الخاصة، فكأن
الهداية العامة تهيئ الناس للهداية الخاصة.
وأضرب لك مثالًا على أثر ذلك فى فهم النص القرآني،
قال تعالي:
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا..»
(سورة الحجرات، آية 13).
فقد عنى المفسرون فى كلامهم عليها
بقضية الأنساب والتفاخر بها، وأصول انتساب العرب،
والكفاءة بين الناس باعتبار تفاوت الأنساب،
وكرامة التقوي، ونحو ذلك، وقد طالعت
فى تفسير الآية جملة صالحة من التفاسير منها:
«الكشاف»، و«التسهيل»،
و«مفاتيح الغيب»، و«المحرر الوجيز»،
و«القرطبي»، و«روح المعاني»...
وغيرها كثير،
وكلامهم جميعًا يدور فى فلك المعانى المذكور.
لكن حضور قضية الهداية العامة على
النحو الذى شرحناه -مع ملاحظة
أن الخطاب للناس جميعًا- يدفعنا إلى الفهم الآتي:
الآية الكريمة خطاب للناس جميعًا،
أخبرتهم باتحاد أصلهم؛ توطئة لغرض عظيم،
ومقصد شريف، سيأتى بعد قليل،
وأخبرتهم أنهم انقسموا إلى شعوب
وقبائل تفرقت فى الأرض، فاستقلت
كل أمة بتجربة بشرية عريقة، وتاريخ طويل،
مشحونٍ بالخبرات، والعلوم والمعارف،
والآداب والفنون، وموروث حضارى
تكوَّنَ عند كل أمة من تلك الأمم،
على مدى قرون طويلة،
والأمم فى ذلك متفاوتة،
وطبيعة تلك العلوم عند الأمم مختلفة،
بحسب ما اهتدت إليه كل أمة من تحديد مصادر
معرفتها، وتصفية تلك المصادر،
وربطها بالله تعالى أو عدم ربطها به،
وصار لكل أمة طبيعة وخصوصية،
فتراث الهنود يختلف فى طبيعته
ومصادره عن تراث اليونان،
وهما معًا يختلفان عن تراث الفُرْس،
والكل يختلف مع التراث العربى الإسلامي؛
إذ لكل أمة طبيعةٌ، وهويةٌ، ومصادر.
ولا شك فى أن كل أمة عندها تراث
نافع للبشر أجمعين، وخبرات طويلة
ينتفع بها الخلق كلهم، وعندها أيضًا
حظ من تراثها الخاص بها من فكر منحرف،
أو عقائد وثنيّــة، أو أهــداف قوميّــة خاصــة بهـا،
أملت عليهــا توجُّهًا معيّنًا، انطبعـت
بـــه علومها وفنونها.
لكم خالص تحياتى وتقديرى
و
رمضــان كريــم
الدكتور علــى
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ»
تأمر بالأحكام الشـرعية، بينما تنحـو
الآيات التى بـدأت بقوله تعالي: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ»،
أو «يَا بَنِى آدَمَ»
منحى التذكير بالأصول العامة التى يشترك
فيها البشر بأكملهم، من نحو التذكير بقضية الخلق،
ولفت النظر إلى النعم والآيات الربانية،
أو الاحتراس من الشيطان وكيده أن يصدهم
عن سبيل الله، أو دعوتهم إلى الإقبال
على ما جاءت به الرسل، أو تعظيم
معالم الدين جملة، أو التعارف بين الأمم،
وما أشبه من القضايا المشتركة بين كل بنى آدم.
مما يؤكد لنا أنَّ قضية الهداية العامة بأكملها خادمة
لقضية الهداية الخاصة، ممهدة لها، وكأنها
جاءت لدعوة الناس أجمعين إلى منظومة
من القيم، والسنن الإلهية، وأصول الاجتماع البشري،
تلفت نظر الخلق إلى أصالة تلك المبادئ ونبلها،
وسمو مقاصدها، وتخطيها لحواجز الزمان والمكان،
مما يلفت النظر إلى ربانية مصدرها،
فتكون سائقًا وباعثًا على الدخول فى دين الله تعالي،
والاندراج فى الهداية الخاصة، فكأن
الهداية العامة تهيئ الناس للهداية الخاصة.
وأضرب لك مثالًا على أثر ذلك فى فهم النص القرآني،
قال تعالي:
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا..»
(سورة الحجرات، آية 13).
فقد عنى المفسرون فى كلامهم عليها
بقضية الأنساب والتفاخر بها، وأصول انتساب العرب،
والكفاءة بين الناس باعتبار تفاوت الأنساب،
وكرامة التقوي، ونحو ذلك، وقد طالعت
فى تفسير الآية جملة صالحة من التفاسير منها:
«الكشاف»، و«التسهيل»،
و«مفاتيح الغيب»، و«المحرر الوجيز»،
و«القرطبي»، و«روح المعاني»...
وغيرها كثير،
وكلامهم جميعًا يدور فى فلك المعانى المذكور.
لكن حضور قضية الهداية العامة على
النحو الذى شرحناه -مع ملاحظة
أن الخطاب للناس جميعًا- يدفعنا إلى الفهم الآتي:
الآية الكريمة خطاب للناس جميعًا،
أخبرتهم باتحاد أصلهم؛ توطئة لغرض عظيم،
ومقصد شريف، سيأتى بعد قليل،
وأخبرتهم أنهم انقسموا إلى شعوب
وقبائل تفرقت فى الأرض، فاستقلت
كل أمة بتجربة بشرية عريقة، وتاريخ طويل،
مشحونٍ بالخبرات، والعلوم والمعارف،
والآداب والفنون، وموروث حضارى
تكوَّنَ عند كل أمة من تلك الأمم،
على مدى قرون طويلة،
والأمم فى ذلك متفاوتة،
وطبيعة تلك العلوم عند الأمم مختلفة،
بحسب ما اهتدت إليه كل أمة من تحديد مصادر
معرفتها، وتصفية تلك المصادر،
وربطها بالله تعالى أو عدم ربطها به،
وصار لكل أمة طبيعة وخصوصية،
فتراث الهنود يختلف فى طبيعته
ومصادره عن تراث اليونان،
وهما معًا يختلفان عن تراث الفُرْس،
والكل يختلف مع التراث العربى الإسلامي؛
إذ لكل أمة طبيعةٌ، وهويةٌ، ومصادر.
ولا شك فى أن كل أمة عندها تراث
نافع للبشر أجمعين، وخبرات طويلة
ينتفع بها الخلق كلهم، وعندها أيضًا
حظ من تراثها الخاص بها من فكر منحرف،
أو عقائد وثنيّــة، أو أهــداف قوميّــة خاصــة بهـا،
أملت عليهــا توجُّهًا معيّنًا، انطبعـت
بـــه علومها وفنونها.
لكم خالص تحياتى وتقديرى
و
رمضــان كريــم
الدكتور علــى