تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : دروس وفوائد من قصة سيدنا شعيب


Şøķåŕą
02-18-2024, 02:19 PM
معلوم أن الله عز وجل ذكر قصص الأنبياء في القرآن للعظة والعبرة والتذكير والمواساة، وفي كل قصة من هذه القصص فوائد وأحكام وتنبيهات يدركها من يطالعها، ومن هذه القصص قصة سيدنا شعيب، ففيها من الفوائد والعبر الكثير والكثير نبَّه عليها أئمة التفسير في كتبهم، ولما كانت هذه الفوائد منثورة في موضع القصة في القرآن وفي كتب التفسير أردتُ جمعها وتقريب فوائدها رجاء الأجر والمثوبة ودعوة صالحة، وقدمت ذلك بذكر سياق القصة في موضعين في القرآن﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ * وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [الأعراف: 85 - 87] ﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ * وَيَاقَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ * قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ * قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 84 - 88].



الفوائد والعبر:

التوحيد هو الأساس:

﴿ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ فهذا هو أساس دعوة نبي الله شعيب بل أساس دعوة الأنبياء جميعًا، وهو توحيد الله عز وجل وعبادة الله وحده.



تطفيف الكيل:

ومع الدعوة إلى التوحيد تأتي الدعوة لترك كبريات الخطايا التي درج عليها القوم، وفي هذا ما فيه من التنبيه على عظم هذه الخطايا؛ لأن النهي عنها قُرِن بالنهي عن الشرك.



فكانت أول خطيئة نهى سيدنا شعيب قومه عن ارتكابها -بعد الشرك- هي خطيئة نقص الكيل والميزان، وإنك لتدرك عظم هذه الخطيئة وسوء مغبتها عندما ترى النهي عنها والنهي عن الشرك قرينين في آية واحدة، ثم تأمل سياق الآيات في سورة هود "ففِي الْآيَةِ الْأُولَى نَهَى عَنِ النُّقْصَانِ، وَفِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ أَمَرَ بِإِعْطَاءِ قَدْرٍ مِنَ الزِّيَادَةِ، وَلَا يَحْصُلُ الْجَزْمُ وَالْيَقِينُ بِأَدَاءِ الْوَاجِبِ إِلَّا عِنْدَ أَدَاءِ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنَ الزِّيَادَةِ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى نَهَى أَوَّلًا عَنْ سَعْيِ الْإِنْسَانِ فِي أَنْ يَجْعَلَ مَالَ غَيْرِهِ نَاقِصًا لتحصل له تلك الزيادة، وفي الثاني أَمَرَ بِالسَّعْيِ فِي تَنْقِيصِ مَالِ نَفْسِهِ لِيَخْرُجَ بِالْيَقِينِ عَنِ الْعُهْدَةِ، وَقَوْلُهُ: ﴿ بِالْقِسْطِ ﴾ يَعْنِي بِالْعَدْلِ، وَمَعْنَاهُ: الْأَمْرُ بِإِيفَاءِ الْحَقِّ بِحَيْثُ يَحْصُلُ مَعَهُ الْيَقِينُ بِالْخُرُوجِ عَنِ الْعُهْدَةِ، فَالْأَمْرُ بِإِيتَاءِ الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ حَاصِلٍ"[1]، فإذا أردنا موضعًا آخر يُنبِّه فيه الشارع على عظيم جرم هذه الخطيئة، فستجد سورة مسماة بهذا الاسم "المطففين" يفتتحها الله عز وجل بوعيد شديد ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ* لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ "[المطففين: 1 - 4]، وهو وعيد شديد مع ما جاء في السنة"ولا انتقَص قوم المكيالَ والميزانَ إلَّا أُخِذُوا بالسِّنينَ وشِدَّةِ المؤنةِ وجورِ السُّلطانِ عليهم"[2].



النهي عن البخس:

﴿ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ﴾ [الأعراف: 85] الخطيئة الثانية التي دعا سيدنا شعيب قومه لتركها خطيئة بخس الناس حقوقهم المادية والمعنوية، فقال كما حكاه القرآن: ﴿ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ﴾ وَالْبَخْسُ هُوَ النَّقْصُ فِي كُلِّ الْأَشْيَاءِ، وَقَدْ َ دَلَّتْ الْآيَةُ الْأُولَى عَلَى الْمَنْعِ مِنَ النَّقْصِ فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ النَّقْصِ فِي كُلِّ الْأَشْيَاءِ[3]، ويدخل في ذلك بخس الرجل حقَّه من حسن المعاملة والتوقير اللائق به، وبيان فضله على ما هو عليه للسائل عنه"[4].



«البخس في لسان العرب هو النَّقْص بالتعييب والتَّزهيد أو المخادعة عن القيمة أو الاحتيال في التزيد في الكيل والنّقصان منه» فلنَبْنِ على أساس كلامه فنقول: البخس هو إنقاص شيء من صفة أو مقدار هو حقيق بكمالٍ في نوعه. ففيه معنى الظلم والتحيُّل، وقد ذكر ابن سِيدة في «المخصص» البَخْس في باب الذهاب بحقِّ الإنسان.. "وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْبَخْسُ مُتَعَلِّقًا بِالْكَمِّيَّةِ كَمَا يَقُولُ الْمُشْتَرِي: هَذَا النِّحْيُ لَا يَزِنُ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَرْطَالٍ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ مِثْلَهُ يَزِنُ اثْنَيْ عَشَرَ رطْلًا، أَوْ يَقُولُ: لَيْسَ عَلَى هَذَا النَّخْلِ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ قَنَاطِيرَ تَمْرًا فِي حِينِ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَبْلُغُ عِشْرِينَ قِنْطَارًا، وَقَدْ يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِالصِّفَةِ كَمَا يَقُولُ: هَذَا الْبَعِيرُ شَرُودٌ وَهُوَ مِنَ الرَّوَاحِلِ، وَيَكُونُ طَرِيقُ الْبَخْسِ قَوْلًا، كَمَا مَثَّلْنَا، وَفِعْلًا كَمَا يَكُونُ مِنْ بَذْلِ ثَمَنٍ رَخِيصٍ فِي شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُبَاعَ غَالِيًا، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْبَخْسِ أَنْ يَنْتَفِعَ الْبَاخِسُ الرَّاغِبُ فِي السِّلْعَةِ الْمَبْخُوسَةِ بِأَنْ يَصْرِفَ النَّاسَ عَنِ الرَّغْبَةِ فِيهَا فَتَبْقَى كَلًّا عَلَى جَالِبِهَا؛ فَيَضْطَرُّ إلى بَيْعِهَا بِثَمَنٍ زَهِيدٍ، وَقَدْ يُقْصَدُ مِنْهُ إِلْقَاءُ الشَّكِّ فِي نَفْسِ جَالِبِ السِّلْعَةِ بِأَنَّ سِلْعَتَهُ هِيَ دُونَ مَا هُوَ رَائِجٌ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَدْخُلُهُ الْيَأْسُ مِنْ فَوَائِدِ نِتَاجِهِ؛ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْبَخْسَ هُوَ بِمَعْنَى النَّقْصِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْفَاعِلِ بِالْمَفْعُولِ، لَا النَّقْصُ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الشَّيْءِ النَّاقِصِ، فَهُوَ أَخَصُّ مِنَ النَّقْصِ فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنْهُ فِي الْمَعْنَى أَيْضًا.."[5].



فلَمَّا مَنَعَ قَوْمَهُ مِنَ الْبَخْسِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ مَنَعَهُمْ الْبَخْس وَالتَّنْقِيص بِجَمِيعِ الْوُجُوهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَنْعُ مِنَ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَأَخْذِ الرِّشْوَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَانْتِزَاعِ الْأَمْوَالِ بِطَرِيقِ الْحِيَلِ[6]، فعلى هذا يكون الْبَخْسُ وَالتَّطْفِيفُ عِبَارَةٌ عَنِ الْخِيَانَةِ بِالشَّيْءِ الْقَلِيلِ وَهُوَ أَمْرٌ مُسْتَقْبَحٌ فِي الْعُقُولِ وَمَعَ ذَلِكَ قَدْ جَاءَتِ الْبَيِّنَةُ وَالشَّرِيعَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْحُرْمَةِ فَلَمْ يَبْقَ لَكُمْ فِيهِ عُذْرٌ[7].



النهي عن الفساد:

﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ [الأعراف: 56] وهذا النهي متعلق بالأمرين السابقين"؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَخْذُ أَمْوَالِ النَّاسِ بِغَيْرِ رِضَاهَا يُوجِبُ الْمُنَازَعَةَ وَالْخُصُومَةَ وَهُمَا يُوجِبَانِ الْفَسَادَ لَا جَرَمَ قَالَ بَعْدَهُ: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ وَقَدْ ذَكَرُوا في تَفْسِير هَذِهِ الْكَلِمَةِ وُجُوهًا، فَقِيلَ: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ بِأَنْ تُقْدِمُوا عَلَى الْبَخْسِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتْبَعُهُ الْفَسَادُ.



وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْمَنْعَ مِنْ كُلِّ مَا كَانَ فَسَادًا حَمْلًا لِلَّفْظِ عَلَى عُمُومِهِ.



وَقِيلَ: قَوْلُهُ: ﴿ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ﴾ مَنْعٌ مِنْ مَفَاسِدِ الدُّنْيَا، وَقَوْلُهُ: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ ﴾ مَنْعٌ مِنْ مَفَاسِدِ الدِّينِ حَتَّى تَكُونَ الْآيَةُ جَامِعَةً لِلنَّهْيِ عَنْ مَفَاسِدِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.



وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى ﴿ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ قِيلَ: بَعْدَ أَنْ صَلَحَتِ الْأَرْضُ بِمَجِيءِ النَّبِيِّ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ فَاسِدَةً بِخُلُوِّهَا مِنْهُ فَنَهَاهُمْ عَنِ الْفَسَادِ وَقَدْ صَارَتْ صَالِحَةً.



وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَلا تُفْسِدُوا بَعْدَ أَنْ أَصْلَحَهَا اللَّهُ بِتَكْثِيرِ النِّعَمِ فِيهِمْ، وَحَاصِلُ هَذِهِ التَّكَالِيفِ يَرْجِعُ إلى أَصْلَيْنِ: التَّعْظِيم لِأَمْرِ اللَّهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْإِقْرَارُ بِالتَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ، وَالشَّفَقَة عَلَى خَلْقِ الله ويدخل فيها ترك البخس وترك الفساد، وَحَاصِلُهَا يَرْجِعُ إلى تَرْكِ الْإِيذَاءِ، كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إِيصَالُ النَّفْعِ إلى الْكُلِّ مُتَعَذِّرٌ، وَأَمَّا كَفُّ الشَّرِّ عَنِ الْكُلِّ فَمُمْكِنٌ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الأمور قَالَ: ﴿ ذلِكُمْ ﴾ وَهُوَ إِشَارَةٌ إلى التوحيد وإيفاء الكيل وعدم البخس.. وَالْمَعْنَى: خَيْرٌ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ بِالْآخِرَةِ، والمراد: اترك الْبَخْسِ، وَتَرْكُ الْإِفْسَادِ خَيْرٌ لَكُمْ فِي طَلَبِ الْمَالِ... لِأَنَّ النَّاسَ إِذَا عَلِمُوا مِنْكُمُ الْوَفَاءَ وَالصِّدْقَ وَالْأَمَانَةَ رَغِبُوا فِي الْمُعَامَلَاتِ مَعَكُمْ؛ فَكَثُرَتْ أَمْوَالُكُمْ ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾؛ أَيْ: إن كنتم مصدقين لي في قولي[8].



فإن قيل: العثوُّ: الفسادُ التَّامُّ، فقوله: ﴿ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ ﴾ جارٍ مجرى قولك: ولا تُفسِدُوا في الأرض مفسدين، فالجوابُ من وجوه:

الأول: أَنَّ مَنْ سَعَى فِي إِيصَالِ الضَّرَرِ إلى الْغَيْرِ فَقَدْ حَمَلَ ذَلِكَ الْغَيْرَ عَلَى السَّعْيِ إلى إِيصَالِ الضَّرَرِ إِلَيْهِ، فَقَوْلُهُ: ﴿ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ مَعْنَاهُ: وَلَا تَسْعَوْا فِي إِفْسَادِ مَصَالِحِ الْغَيْرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ سَعْيٌ مِنْكُمْ فِي إِفْسَادِ مَصَالِحِ أَنْفُسِكُمْ، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ مَصَالِحَ دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتِكُمْ. وَالثَّالِثُ: ﴿ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ مصالح الأديان[9].



الحلالُ خيرٌ من الحرام:

- ﴿ بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾.



قوله: ﴿ بَقِيَّتُ اللَّهِ ﴾ قال ابن عباس: معناه الذي يبقي الله لكم من أموالكم بعد توفيتكم الكيل والوزن خيرٌ لكم مما تستكثرون أنتم به على غير وجهه[10].



- قوله: ﴿ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾:

فِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: إِنِّي نَصَحْتُكُمْ وَأَرْشَدْتُكُمْ إلى الْخَيْرِ ﴿ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾؛ أَيْ: لَا قُدْرَةَ لِي عَلَى مَنْعِكُمْ عَنْ هَذَا الْعَمَلِ الْقَبِيحِ.



الثَّانِي: قَدْ أَشَارَ إلى أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْبَخْسِ وَالتَّطْفِيفِ يُوجِبُ زَوَالَ نِعْمَةِ اللَّه تَعَالَى، فَقَالَ: ﴿ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾ [هود: 85، 86]؛ يَعْنِي لَوْ لَمْ تَتْرُكُوا هَذَا الْعَمَلَ الْقَبِيحَ لَزَالَتْ نِعَمُ اللَّه عَنْكُمْ، وَأَنَا لَا أَقْدِرُ على حفظها عليكم في تلك الحالة[11].



عرقلة المصلحين مهمة شيطانية:

- قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ ﴾ [الأعراف: 86]:

"اعْلَمْ أَنَّ شُعَيْبًا عَلَيْهِ السَّلَامُ ضَمَّ إلى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ التَّكَالِيفِ أَشْيَاءَ:

الْأَوَّل: أَنَّهُ مَنَعَهُمْ مِنْ أَنْ يَقْعُدُوا عَلَى طُرُقِ الدِّينِ وَمَنَاهِجِ الْحَقِّ لِأَجْلِ أَنْ يَمْنَعُوا النَّاسَ عَنْ قَبُولِهِ وَفِي قَوْلِهِ: ﴿ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ ﴾ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: يُحْمَلُ الصِّرَاطُ عَلَى الطَّرِيقِ الَّذِي يَسْلُكُهُ النَّاسُ؛ رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْلِسُونَ عَلَى الطُّرُقَاتِ وَيُخَوِّفُونَ مَنْ آمَنَ بِشُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَالثَّانِي: أَنْ يُحْمَلَ الصِّرَاطُ عَلَى مَنَاهِجِ الدِّينِ[12]. قال في الكشاف: ﴿ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ ﴾؛ أَيْ: وَلَا تَقْتَدُوا بِالشَّيْطَانِ فِي قَوْلِهِ: ﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الأعراف: 16][13].



إن هذه الآية تعبر تعبيرًا بليغًا وواقعيًّا عما كان يقوم به قوم شعيب وعما يقوم بهم من على شاكلتهم حتى اليوم؛ وهو الوقوف أمام الناس ومنعهم من سلوك طريق مرضاة الله فنجد أصنافًا يقفون في وجوه الناس بحجج مختلفة لصدهم عن الصدقة، وتجد أصنافًا من الناس يقفون في وجه القائمين بالإصلاح بين الناس بحجج مختلفة لمنعهم، وإفساد جهدهم في الإصلاح، وهكذا تجد صور الصد والمنع كثيرة، ومحصلة عمل هؤلاء هو القيام بمهمة إبليس في منع الناس وصدهم عما يقربهم إلى الله، ولا يقف القرآن عند الإشارة إلى هذا التصرف القبيح بل يبين لنا طريقتهم فيه، وهي طريقة كل ظالم وباغٍ يريد منع الناس وصدهم عن طرق الخيرات، وهي طريقة الوعد والوعيد، فقال: ﴿ تُوعِدُونَ ﴾ [الأعراف: 86] يَحْصُلُ بِذَلِكَ إِنْزَالُ الْمَضَارِّ بِهِمْ، وَأَمَّا الصَّدُّ فَقَدْ يَكُونُ بِالْإِيعَادِ بِالْمَضَارِّ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْوَعْدِ بِالْمَنَافِعِ بِمَا لَوْ تَرَكَهُ وَقَدْ يَكُونُ بِأَلَّا يُمَكِّنَهُ مِنَ الذَّهَابِ إلى الرَّسُولِ لِيَسْمَعَ كَلَامَهُ[14].



ولعل رسولنا صلى الله عليه وسلم أشار بصورة ما إلى هذا الصنف من الناس، فقال مبينًا عاقبة فعلهم فيما يرويه سيدنا سهل بن سعد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذا الخير خزائن، ولتلك الخزائن مفاتيح، فطُوبى لعبد جعله الله مفتاحًا للخير، مغلاقًا للشر، وويل لعبد جعله الله مفتاحًا للشر، مغلاقًا للخير»[15].



أَمَّا قَوْلُهُ: ﴿ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾ [الأعراف: 86] فَالْمُرَادُ: إِلْقَاءُ الشُّكُوكِ وَالشُّبُهَاتِ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ شُعَيْبًا مَنَعَ الْقَوْمَ مِنْ أَنْ يَمْنَعُوا النَّاسَ مِنْ قَبُولِ الدِّينِ الْحَقِّ بِأَحَدِ هَذِهِ الطُّرُقِ، وَإِذَا تَأَمَّلْتَ عَلِمْتَ أَنَّ أَحَدًا لَا يُمْكِنُهُ مَنْعَ غَيْرِهِ مِنْ قَبُولِ مَذْهَبٍ أَوْ مَقَالَةٍ إِلَّا بِأَحَدِ هَذِهِ الطُّرُقِ[16].



التذكير بالنعم مما انتهجه نبي الله شعيب في دعوة قومه تذكيرهم بنعم الله عليهم، فقالَ: ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ﴾ [الأعراف: 86]، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ أَنَّهُمْ إِذَا تَذَكَّرُوا كَثْرَةَ إِنْعَامِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ يَحْمِلُهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْبُعْدِ عَنِ الْمَعْصِيَة.



قَالَ الزَّجَّاجُ: وَهَذَا الْكَلَامُ يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: كَثَّرَ عَدَدُكُمْ بَعْدَ الْقِلَّةِ، وَكَثَّرَكُمْ بِالْغِنَى بَعْدَ الْفَقْرِ، وَكَثَّرَكُمْ بِالْقُدْرَةِ بَعْدَ الضَّعْفِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ أَوْ ضُعَفَاءَ فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْقَلِيلِ فِي أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مِنْ وُجُودِهِمْ قُوَّةٌ وَشَوْكَةٌ. فَأَمَّا تَكْثِيرُ عَدَدِهِمْ بَعْدَ الْقِلَّةِ فَهُوَ أَنَّ مَدْيَنَ بن ابراهيم تزوَّج رئيا بِنْتَ لُوطٍ فَوَلَدَتْ حَتَّى كَثُرَ عَدَدُهُمْ.



ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: ﴿ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [الأعراف: 86]، وَالْمَعْنَى: تَذَكَّرُوا عَاقِبَةَ الْمُفْسِدِينَ وَمَا لَحِقَهُمْ مِنَ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ لِيَصِيرَ ذَلِكَ زَاجِرًا لَكُمْ عَنِ الْعِصْيَانِ وَالْفَسَادِ، فَقَوْلُهُ: ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ﴾ الْمَقْصُودُ مِنْهُ أَنَّهُمْ إِذَا تَذَكَّرُوا نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهِمُ انْقَادُوا وَأَطَاعُوا وَقَوْلُهُ: ﴿ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ الْمَقْصُودُ مِنْهُ: أَنَّهُمْ إِذَا عَرَفُوا أَنَّ عَاقِبَةَ الْمُفْسِدِينَ الْمُتَمَرِّدِينَ لَيْسَتْ إِلَّا الْخِزْيَ وَالنَّكَالَ احْتَرَزُوا عَنِ الْفَسَادِ وَالْعِصْيَانِ وَأَطَاعُوا، فَكَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَيْنِ الْكَلَامَيْنِ حَمْلَهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ بِطَرِيقِ التَّرْغِيبِ أَوَّلًا وَالتَّرْهِيبِ ثَانِيًا[17].



مواساة المؤمنين وزجر المعرضين:

- ثُمَّ قَالَ: ﴿ وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا ﴾ [الأعراف: 87] وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ تَسْلِيَةُ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَزَجْرُ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿ فَاصْبِرُوا ﴾ تَهْدِيدٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا ﴾ [الأعراف: 87]، وَالْمُرَادُ: إِعْلَاءُ دَرَجَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِظْهَارُ هَوَانِ الْكَافِرِينَ، وَهَذِهِ الْحَالَةُ قَدْ تَظْهَرُ فِي الدُّنْيَا فَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ فِي الدُّنْيَا فَلَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهَا فِي الْآخِرَةِ.



ثُمَّ قَالَ: ﴿ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [الأعراف: 87] يَعْنِي أَنَّهُ حَاكِمٌ مُنَزَّهٌ عَنِ الْجَوْرِ وَالْمَيْلِ وَالْحَيْفِ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَخُصَّ الْمُؤْمِنَ التَّقِيَّ بِالدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ، وَالْكَافِرَ الشَّقِيَّ بِأَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [ص: 28][18].



الخوف على النفس من الانتكاس:

-﴿ وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 89]:

مَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنَّ نَعُودَ إلى مِلَّتِكُمْ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَنْ يُعِيدَنَا.



وَلَمْ تَزَلِ الْأَنْبِيَاءُ وَالْأَكَابِرُ يَخَافُونَ الْعَاقِبَةَ وَانْقِلَابَ الْأَمْرِ؛ أَلَا تَرَى إلى قَوْلِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، وَكَثِيرًا مَا كَانَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَقُولُ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ وَالْأَبْصَارِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ وَطَاعَتِكَ»[19].



لا يحكم في مصير العباد إلا الله:

لما قال قوم شعيب له: ﴿ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ﴾ [الأعراف: 88] فحصروا الموضوع في أمرين: إما عودته في ملتهم أو إخراجه، فبيَّن لهم شعيب أنه لن يعود في ملتهم وليس بيدهم مصير العباد، فربنا وسع كل شيء علمًا، فَرُبَّمَا كَانَ فِي عِلْمِهِ حُصُولُ قِسْمٍ ثَالِثٍ؛ وَهُوَ أَنَّ نَبْقَى فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَعُودَ إلى مِلَّتِكُمْ بَلْ يَجْعَلُكُمْ مَقْهُورِينَ تَحْتَ أَمْرِنَا ذَلِيلِينَ خَاضِعِينَ تَحْتَ حُكْمِنَا[20]، وهو ما حدث بالفعل حيث أهلكهم الله.



التحذير من رفض الحق لأجل مُعاداة قائله والاعتبار بمن سبق:

لَا يَنْبَغِي أَنْ تَحْمِلَكُمْ عَدَاوَتِي عَلَى مَذْهَبٍ وَدِينٍ تَقَعُونَ بِسَبَبِهِ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ مِنَ اللَّه تَعَالَى، كَمَا وَقَعَ فِيهِ أَقْوَامُ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وما قوم لوط منكم ببعيد، فَإِنَّ الْقُرْبَ فِي الْمَكَانِ وَفِي الزَّمَانِ يُفِيدُ زِيَادَةَ الْمَعْرِفَةِ، وَكَمَالَ الْوُقُوفِ عَلَى الْأَحْوَالِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: اعْتَبِرُوا بِأَحْوَالِهِمْ وَاحْذَرُوا مِنْ مُخَالَفَةِ اللَّه تَعَالَى وَمُنَازَعَتِهِ حَتَّى لَا يَنْزِلَ بِكُمْ مِثْلُ ذَلِكَ الْعَذَابِ[21].



أهمية العشيرة:

- ﴿ قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ﴾ [هود: 91]، عائلتك التي قد تعاديها وتقاطعها وتمنع عنها خيرك بغير سبب قد تكون سببًا لدفع الشرور عنك، وعلى الجانب الآخر فمن الحماقة وقلة الدين أن يعمل الناس حسابًا لأصحاب الجاه وأصحاب القوة، ولا يخافون من الله، والله محيط بأعمالهم، فإنهم زَعَمُوا أَنَّهُمْ تَرَكُوا إِيذَاءَهُ رِعَايَةً لِجَانِبِ قَوْمِهِ، فَقَالَ: أَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تَتْرُكُونَ قَتْلِي إِكْرَامًا لِرَهْطِي، واللَّه تَعَالَى أولى أن يتبع أمره، فكأنه يقول: حفظكم إِيَّايَ رِعَايَةً لِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى أَوْلَى مِنْ حِفْظِكُمْ إِيَّايَ رِعَايَةً لِحَقِّ رَهْطِي.



وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا ﴾ [هود: 92] فَالْمَعْنَى: أَنَّكُمْ نَسِيتُمُوهُ وَجَعَلْتُمُوهُ كَالشَّيْءِ الْمَنْبُوذِ وَرَاءَ الظَّهْرِ لَا يُعْبَأُ بِهِ[22].



الثقة في وعد الله:

﴿ وَيَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ﴾ [هود: 93].



اعْمَلُوا حَالَ كَوْنِكُمْ مَوْصُوفِينَ بِغَايَةِ الْمُكْنَةِ وَالْقُدْرَةِ وَكُلُّ مَا فِي وُسْعِكُمْ وَطَاقَتِكُمْ مِنْ إِيصَالِ الشُّرُورِ إِلَيَّ فَإِنِّي أَيْضًا عَامِلٌ بِقَدْرِ مَا آتَانِي اللَّه تَعَالَى مِنَ الْقُدْرَةِ[23].



فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: فَمَاذَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: سَوْفَ تَعْلَمُونَ من الكاذب فانْتَظِرُوا الْعَاقِبَةَ ﴿ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ﴾؛ أَيْ: مُنْتَظِرٌ.



العاقبة والعقوبة:

لقد عذب الله قوم شعيب بثلاث عقوبات: الصيحة والرجفة وعذاب يوم الظلة.



فالصَّيْحَةُ وَهِيَ صَيْحَةُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ، وَالْجَاثِمُ: الْمُلَازِمُ لِمَكَانِهِ الَّذِي لَا يَتَحَوَّلُ عَنْهُ؛ يَعْنِي أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا صَاحَ بِهِمْ تِلْكَ الصَّيْحَةَ زَهَقَ رُوحُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحَيْثُ يَقَعُ فِي مَكَانِهِ مَيِّتًا.



﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ﴾ [الأعراف: 91]؛ أَيِ: الزَّلْزَلَةُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ وَهِيَ الزَّلْزَلَةُ الشَّدِيدَةُ الْمُهْلِكَةُ، وفي الشعراء قال: ﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ﴾ [الشعراء: 189].



فَإِنْ قِيلَ: الْهَلَاكُ الَّذِي أَصَابَ قَوْمَ شُعَيْبٍ ذَكَرَ تَعَالَى فِي الْأَعْرَافِ أَنَّهُ رَجْفَةٌ، وَذَكَرَ فِي هُودٍ أَنَّهُ صَيْحَةٌ، وَذَكَرَ فِي الشُّعَرَاءِ أَنَّهُ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ.



فَالْجَوَابُ: مَا قَالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ: وَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ كُلُّهُ أَصَابَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ، وَهِيَ سَحَابَةٌ أَظَلَّتْهُمْ فِيهَا شَرَرٌ مِنْ نَارٍ وَلَهَبٍ وَوَهَجٍ عَظِيمٍ، ثُمَّ جَاءَتْهُمْ صَيْحَةٌ مِنَ السَّمَاءِ، وَرَجْفَةٌ مِنَ الْأَرْضِ شَدِيدَةٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَزَهَقَتِ الْأَرْوَاحُ، وَفَاضَتِ النُّفُوسُ، وَخَمَدَتِ الْأَجْسَامُ؛ ا هـ[24]، ولكل نوع من هذا العذاب مناسبة.



"فأخْبَرَ عَنْهُمْ فِي سُورَةِ "هُودٍ" فَقَالَ: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ [هود: 94] وَالْمُنَاسَبَةُ فِي ذَلِكَ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-أَنَّهُمْ لَمَّا تَهَكَّمُوا بِنَبِيِّ اللَّهِ شُعَيْبٍ فِي قَوْلِهِمْ: ﴿ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ﴾ [هود: 87] فَجَاءَتِ الصَّيْحَةُ فَأَسْكَتَتْهُمْ.



وَقَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْهُمْ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: ﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الشعراء: 189] وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ فِي سِيَاقِ الْقِصَّةِ: ﴿ فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [الشعراء: 187]، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَصَابَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ"[25]، ولعلها رسالة على قدر ظلمك وعصيانك على قدر ما ينزل بك من عقوبة.



متاع الدنيا كأنه لم يكن:

- ﴿ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ﴾ [الأعراف: 92]: يُقَالُ: غَنِيَ الْقَوْمُ فِي دَارِهِمْ إِذَا طَالَ مَقَامُهُمْ فِيهَا، أو كَأَنْ لَمْ يَعِيشُوا فِيهَا مُسْتَغْنِينَ.



﴿ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ﴾؛ أَيْ: كَأَنْ لَمْ يُقِيمُوا فِي دِيَارِهِمْ أَحْيَاءً مُتَصَرِّفِينَ مُتَرَدِّدِينَ، وهكذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فبؤس الدنيا مهما طال يذهبه أول لحظة في الجنة ونعيمها مهما طال ينسيكه أول لحظة في النار؛ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "يُؤْتى بأنعم أهل الدُّنْيَا من أهل النَّار يَوْم الْقِيَامَة، فيصبغ فِي النَّار صبغةً ثمَّ يُقَال: يَا بْن آدم، هَل رَأَيْت خيرًا قطُّ؟ هَل مَرَّ بك نعيمٌ قطُّ؟ فَيَقُول: لَا وَالله يَا رب، وَيُؤْتى بأشد النَّاس بؤسًا فِي الدُّنْيَا من أهل الْجنَّة، فَيُقَال لَهُ: يَا بْن آدم، هَل رَأَيْت بؤسًا قطُّ؟ هَل مَرَّ بك شدةٌ قطُّ؟ فَيَقُول: لَا وَالله، مَا مَرَّ بِي بؤسٌ قطُّ، وَلَا رَأَيْت شدَّة قطُّ"[26].

نبضها مطيري
02-18-2024, 02:45 PM
شكرا على جمـال طرحك المميز
لا حرمنا الله من إبداعك المُستمر
و الله يعطيكِ الف عافيه .
كل الشكر لعطائك الراقي

мя Зάмояч
02-18-2024, 09:02 PM
جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك

الدكتور على حسن
02-18-2024, 09:55 PM
كل الشكر وكل التقدير
لحضرتك
على روعة ما قدمت لنـــا
من موضوع اكثر من رائع
ربنا يبارك فيك ويسعدك ويكتب لك
كل الخير فى كل ما لمست يداك
وخطت قدمــاك
يااااااااااااااااارب
لك كل تحياتى وتقديرى وحبى
الدكتــور علــى

عاشق الغيم
02-19-2024, 12:18 AM
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك على ماطرحت
وجعله الله في موازين حسناتك
إحترامي وتقديري

☆Šømă☆
02-19-2024, 12:30 AM
طرحَ عَذب ..!!
أختيآر أنيق وحضور صآخب
سلة من الوردَ وآنحناءة شكر لسموك

حاء
02-19-2024, 03:35 AM
-


جزاك الله خيرًا
جعله الله في ميزان حسناتك
و شكرًا على طرحك المُفيد :x37:
و لا حرمنا الله من جديدك الرائع
و الله يعطيك الف عافيه
لك :f15:

غـرام الشوق
02-19-2024, 03:55 AM
انتقاء رائع ومتفّرد
وعطاء بآذخ لامس سماءالابدآع
دمت ي طٌهر

البرنس مديح آل قطب
02-19-2024, 12:37 PM
https://www.raed.net/img?id=389576



http://www.r-eshq.com/vb/images/icons/u11.gif
http://www.r-eshq.com/vb/images/icons/u11.gif
http://www.r-eshq.com/vb/images/icons/u11.gif
http://www.r-eshq.com/vb/images/icons/u11.gif
http://www.r-eshq.com/vb/images/icons/u11.gif
http://www.r-eshq.com/vb/images/icons/u11.gif

جزاكم الله خير الجزاء ..وبارك فيكم :hp2:
ماشاء الله .. أطروحاتكم راقت لي كثيراً :64:
جميل ورائع ماطرحتم هنا بحق :x33:
الطرح عشرة على عشرة والمعاني قيمهhttp://www.r-eshq.com/vb/images/icons/u11.gif
كل الشكر لكم لروعة طرحكم :eq-35:
دمتم بخير وصحة وعافية ودمتم نبراس لنا :d4:
لكم منا :501:
باقات فيــــــــــــــــــولا :em13:
يسلمواااااااااااااااااااا :x32:












https://www.raed.net/img?id=405932

القيصرالعاشق http://www.r-eshq.com/vb/images/icons/u10.gif
البـــــ http://www.r-eshq.com/vb/images/icons/q68.gifمديح آل قطبhttp://www.r-eshq.com/vb/images/icons/q68.gif ـــــــرنس




https://www.raed.net/img?id=389575

https://up6.cc/2024/01/170442848082963.png

بنت العز
02-19-2024, 02:51 PM
تسسسلم الايـآدي على روعه طرحك
الله يعطيك الف عافيه يـآرب

ڞــمۭــۃ ۛ ּڂۡــڣــﯟڦ ❥
02-19-2024, 04:40 PM
جَزآگ اللهُ خَيرَ آلجَزآءْ..،
جَعَلَ يومَگ نُوراً وَسُروراً
وَجَبآلاُ مِنِ آلحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحوراً..
جَعَلَهُا آلله في مُوآزيَنَ آعمآلَگ
دَآمَ لَنآعَطآئُگ..
دُمْت بــِطآعَة الله ..~

نور القمر
02-20-2024, 12:54 PM
رائع ما جادت به..أناملك
طاب لنا حضورك العذب
لجديدك وسموك نرتقب
تقديري وتراتيل شكري

إيلين
02-20-2024, 02:25 PM
-





:241:


موضوع مميز وجميل
مِنْ هنآ أقدمٌ لك بآقة وردْ ومحبة خآلصة لله تعآلىٌ
وَدوٍمآ نترٍقبٌ آلمَزٍيدْ
ودٍيٌ قبْلٌ رٍدْيٌ وسَلآإميٌ

بروووج
02-21-2024, 09:06 PM
سلمت الايادي على الطرح الرائع
ماننحرم منك ومن جمال عطاءك
لك قوافل الورد شكراً ووداً
واجمل الامنيات

رزان
02-22-2024, 09:28 AM
سلمت الأيادي
وشكرا لكم

ضامية الشوق
02-22-2024, 10:43 AM
جزاك الله خيرا

نور القمر
02-24-2024, 02:03 PM
سلمت الأيادي
على هذا الجلب المميز والعطر
ننتظر بشوق رؤية القادم..
دمت بخير .

مثلي قليل
02-24-2024, 02:33 PM
جزاك الله خير
بارك الله فيك

زمردة ❥
02-24-2024, 04:55 PM
سلمت يمناك ع روعة طرحك
نترقب المزيد من جديدك
الرائع والمفيد
تحيتي لك https://www.r-eshq.com/vb/images/smilies/23.png

روحي تبيك
02-29-2024, 06:26 AM
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الأجر يارب
وأنار الله قلبك بنورلإيمان
أحترآمي لــ/سموك

الدكتور على حسن
03-01-2024, 11:23 PM
http://img-fotki.yandex.ru/get/5110/39663434.65f/0_9e3d5_faacd2aa_L.png
كل الشكر وكل التقدير
لحضرتك
على روعة ما قدمت لنـــا
من موضوع اكثر من رائع
ربنا يبارك فيك ويسعدك ويكتب لك
كل الخير فى كل ما لمست يداك
وخطت قدمــاك
يااااااااااااااااارب
لك كل تحياتى وتقديرى وحبى
الدكتور علـى حسـن
http://img-fotki.yandex.ru/get/5108/39663434.65f/0_9e3d6_26c6f4a0_L.png

الدكتور على حسن
03-01-2024, 11:23 PM
http://img-fotki.yandex.ru/get/5110/39663434.65f/0_9e3d5_faacd2aa_L.png
كل الشكر وكل التقدير
لحضرتك
على روعة ما قدمت لنـــا
من موضوع اكثر من رائع
ربنا يبارك فيك ويسعدك ويكتب لك
كل الخير فى كل ما لمست يداك
وخطت قدمــاك
يااااااااااااااااارب
لك كل تحياتى وتقديرى وحبى
الدكتور علـى حسـن
http://img-fotki.yandex.ru/get/5108/39663434.65f/0_9e3d6_26c6f4a0_L.png

الدكتور على حسن
03-01-2024, 11:24 PM
http://img-fotki.yandex.ru/get/5110/39663434.65f/0_9e3d5_faacd2aa_L.png
كل الشكر وكل التقدير
لحضرتك
على روعة ما قدمت لنـــا
من موضوع اكثر من رائع
ربنا يبارك فيك ويسعدك ويكتب لك
كل الخير فى كل ما لمست يداك
وخطت قدمــاك
يااااااااااااااااارب
لك كل تحياتى وتقديرى وحبى
الدكتور علـى حسـن
http://img-fotki.yandex.ru/get/5108/39663434.65f/0_9e3d6_26c6f4a0_L.png

إِيزآبَيل♡
05-16-2024, 05:07 AM
جَزاكِ اللهِ خُيرِ الجَزاء
ونفِعُ بكٌ وبطِرحكَ القيَيم
ولاَ حَرمُكِ الاًجَر
بُاركِ اللهِ فيُك ..~

كارا
05-30-2024, 04:15 PM
اسراب من الامتنان
لروحك عناقيد الورد

نور القمر
04-01-2025, 12:12 PM
سلمت كفوفك ..
لطيب الجهد وَ تمُيز العطاء
لاحرمنا الله روائِع مجهوداتك
لقلبك الفرح.