Şøķåŕą
01-19-2024, 07:04 PM
وأقصر البحث على المساوئ والعيوب منها، كما لمستها في الجماعات والكتل والأفراد والمؤسسات، وسيرى إخواني أن ليس لي فضل أو نتاج في هذه المحاضرة، إنما هي نظرات جمعتها في هذه الصفحات... وأود في بادئ الأمر أن أقرر بأن الأمة التي لا تتفهم عيوبها لا تهتدي إلى شفائها، وأن من المؤسف المخجل أن نضيف إلى عيوبنا الكثيرة عيب الغرور، وأن ندخله على العاطفة والإحساس، فننتحل القوة واليقظة والبسالة والبطولة وما إلى ذلك مما نتملق به شعور العامة وأشباه العامة.
ثم أريد أن أمهد لهذه المحاضرة بملاحظات عامة يقتضيها البحث، ذلك أنه من الثابت المقرر بأن تطوير الأمم في رقي وانحطاط، وذل ورفعة، منوط بتطور أخلاقها ومشاعرها وإحساساتها، وأن تأثير العقل ضعيف في تكوين الجماعات والشعوب وبقائها، والأدلة التاريخية على هذا كثيرة متضافرة، فالأمة الإسلامية لم تنحط مداركها عند تدهورها، ولم تسف في قواها العقلية عند سقوطها، إنما انحلت عقيدة، وفسدت أخلاقاً، وانحطت نـزاعاتٍ، فأصابها الوهن والضعف، واعتراها الذل والعجز؛ وكذلك دولة الرومان واليونان وغيرهما من الأمم التي تهافت مجدها عندما فقدت أخلاقها وخصائصها، ومثال آخر على ذلك أنه قد تستوي في أمتين القوى العقلية والقدرة على الاختراع والاكتشاف، ولكن إحداهن تتفوق على الأخرى في السيادة والسيطرة بسبب تفوقها في الصفات وفي الطبائع، وهذا هو حال إنكلترا.
والملاحظة الثانية:
أن الجماعات تتفرد بصفات وخصائص عن الأفراد، فالجماعة أقل تفكيراً، وأكثر اندفاعاً، وأشد تأثراً، وأقوى شعوراً وأظهر أخلاقاً، وأحب تسلطاً، وغير ذلك مما يذكره علماء الاجتماع، وهذه الصفات يمكن استخدامها لخير الجماعة كما يمكن استخدامها لشرها إذا أحسن أو أسي استثمارها.
والملاحظة الثالثة:
أن لكل أمة محاسن ومساوئ تغلب عليها، فالتمرد على الظلم من خصائص العرب، والفردية قوية في إنكلترا، واحترام النظام محبب في ألمانيا، والحريات محترمة في فرنسا، وكذلك المساوئ والعيوب.
والملاحظة الأخيرة:
هي أن للدين والوراثة والمدنية والماضي والتقليد والثقافة والعصبية أثراً ظاهراً في تكوين الأخلاق. وقبل أن أعود إلى أصل البحث أريد أن ألفت النظر إلى أنني لم أستقصِ في هذه المحاضرة جميع العيوب والنقائص، وإنما اقتصرت على المهم الظاهر منها، وأبتدئ بالعيب الخطر في حياتنا القومية وهو: ضعف الاشتراك أو تخاذل الجماعات.- المقصود من هذا العيب أننا ضعاف في كتلنا وجماعاتنا، يقول حافظ إبراهيم: ما رأيت كالشرقيين تكمن القوة في أفرادهم، ويظهر الضعف من مجموعهم، فالفردية في السوري قوية، تلمسها في تجارته وغربته وطموحه، فإذا اجتمع السوري إلى السوري لمست تخاذل الرأي، واضطراب الخلق، وتفرق الكلمة. والسبب في هذا على ما أرى أنه في عملنا المنفرد تختفي عيوبنا من أنانية، وتوكل، ورياء وخداع، وطمع في سبيل المنفعة الخاصة، ما دام الفرد في هذا الشكل يستأثر بالربح كله، والشهرة كلها، والتقدير كله، فإذا اجتمعنا هيئات أو كتلاً أو أحزاباً بدا النقص، وظهر العيب، وسبب آخر لهذا النقص أننا نجتمع على تفاوت في العقيدة، واختلاف في الخلق وتفرق في الثقافة، فتنشأ عن ذلك جماعة مختلفة النـزعات، متفاوتة الأهداف، مضطربة الخلق، وينتج عن هذا التخاذل عيب ثان وهو عدم الثبات، هذا العيب من أخطر العيوب التي تلابس حياتنا القومية، وأشدها ضرراً... عدّوا إذا شئتم الجمعيات التي تشكلت، والأحزاب التي قامت، والنوادي التي افتتحت، والمشاريع التي عرضت، ثم قارنوا بينها في عددها وبين التي بقيت حية متماسكة، إنكم تنتهون إلى نتيجة مؤسفة مؤلمة، هي أننا لم نتهيأ بعد لتشكل الهيئات، وتأليف الجماعات، كأن الفكرة ما وجدت إلا لتموت، وكأن المشروع ما اقترح إلا ليقبر.
ويعود السبب في هذا إلى ضعف العقيدة، ووهن الإيمان، وإلى أن نتبنّى الفكرة غامضة، والمشروع فجاً، ونقيمهما على أسس ضعيفة ثم نأخذهما بحماس المتهوس، وجري الفار، ونهم الجائع، فما نكاد نمشي خطوة أو خطوتين حتى يدب الفتور في العمل، وتظهر المشقة في الاستمرار، وتصطدم الفكرة أو المشروع بالخيبة والخذلان، والسبب الثاني هو أننا لا نعتقد بأننا مطالبون بالعمل، وأنه من الواجب علينا القيام به وإنما نعدها نافلة، ونحسب أن لنا فضلاً في أدائه، ولذلك نتهاون في أمره، ونقصر في حقه، وسبب ثالث أننا لم نروض أنفسنا على الصبر واحتمال المشقة، تخذلنا العقبة، وتفت في نشاطنا الصدمات، ويجد اليأس إلى نفوسنا سبيلاً. يضاف إلى هذا ما ذكرته في سبب تخاذل الجماعات من نقائصنا الفردية، كالأنانية والأثرة والولوع بالمظاهر وفقدان التضحية إلى غير ذلك من المساوئ التي سنأتي على ذكرها.
ومن عيوبنا الظاهرة:
فقدان الثقة، وعدم الاعتماد على النفس، هذان العيبان متممان لبعضهما، وهما نتيجتان لهذه التربية الفاسدة، في المنـزل وفي المدرسة، تلمس عدم الثقة في كل شيء في بيت العائلة، ومدرسة التلميذ، وحانوت التاجر، ومؤسسات الحكومة، ألا تجد أن الحكومة اتخذت صنفاً من الموظفين للمراقبة والتفتيش والتحري لأنها لا تثق بوفاء الموظف ولا بأمانته ولا بإخلاصه، وقل مثل هذا في حوانيت التجار، فأنت تفرض في كل تاجر الغش والطمع والخداع ولا تركن لمعاملته.
هذان السببان يضعفان الإرادة، ويخذلان النشاط، ويوزعان المسؤولية ويربكان العمل، وهما كما قلت نتيجة لهذه التربية الفاسدة في المنـزل أو في المدرسة هذه التربية التي تقوم على الخمول والتواكل والصرامة والفرار من المسؤولية وقتل النشاط وغيرها.
ومن العيوب الظاهرة:
الجري مع الهوى، والتقلب في الرأي والتملق، في الحديث، وهكذا يتخذ المرء من هذه الأمة ألواناً مختلفة في شتى المذاهب، فهو مع هؤلاء ومع أولئك ومع غيرهم يماشيهم في الرأي، ويناصرهم في القول، وهذان إما عن الجهل وضعف التفكير والمحاكمة، فيتقلب ويتذبذب، ويتسم بألوان شتى وإما عن خلق ذميم كفقدان الصراحة، والاعتياد على الكذب، وضعف النفس، وينشأ عن هذه العيوب هذا الاضطراب في الرأي العام الذي لا نعلم له صفة ولا تعريفاً، إنا نصفق لكل الفئات، وننفر من كل الفئات، ونتقبل سائر الآراء، تبسط لفرد من الناس رأيك في السياسة أو الاجتماع فيؤكد لك أنه من هذا الرأي وأنك على حق، وأن من يخالفك مخطئ أو آثم، ثم يصادفه رجل آخر يختلف رأيه عن رأيك، فيبسط له حديثه، فما يلبث أن يصادقه ويوافقه، ويتنكر لكل رأي يخالفه، وقد يكون هذا مبرراً بعض التبرير في الوسط الساذج الأمي الجاهل الذي يؤخذ بالصور والألوان وخداع الحديث، ولكننا مع الأسف نلمسه حتى في الطبقة المثقفة المتعلمة؛ وما أحسب أن استقلالاً أو قوميات تبنى على مثل هذه النفوس المريضة السقيمة.
وأجتزئ الآن في ذكر العيوب لأحدث إخواني في فرصة ثانية عن ولوعنا بالمظاهر والأنانية والتملق وعدم الشعور بالكرامة والانغماس بالشهوات واضطراب الرأي العام، والجري مع الهوى.
ثم أريد أن أمهد لهذه المحاضرة بملاحظات عامة يقتضيها البحث، ذلك أنه من الثابت المقرر بأن تطوير الأمم في رقي وانحطاط، وذل ورفعة، منوط بتطور أخلاقها ومشاعرها وإحساساتها، وأن تأثير العقل ضعيف في تكوين الجماعات والشعوب وبقائها، والأدلة التاريخية على هذا كثيرة متضافرة، فالأمة الإسلامية لم تنحط مداركها عند تدهورها، ولم تسف في قواها العقلية عند سقوطها، إنما انحلت عقيدة، وفسدت أخلاقاً، وانحطت نـزاعاتٍ، فأصابها الوهن والضعف، واعتراها الذل والعجز؛ وكذلك دولة الرومان واليونان وغيرهما من الأمم التي تهافت مجدها عندما فقدت أخلاقها وخصائصها، ومثال آخر على ذلك أنه قد تستوي في أمتين القوى العقلية والقدرة على الاختراع والاكتشاف، ولكن إحداهن تتفوق على الأخرى في السيادة والسيطرة بسبب تفوقها في الصفات وفي الطبائع، وهذا هو حال إنكلترا.
والملاحظة الثانية:
أن الجماعات تتفرد بصفات وخصائص عن الأفراد، فالجماعة أقل تفكيراً، وأكثر اندفاعاً، وأشد تأثراً، وأقوى شعوراً وأظهر أخلاقاً، وأحب تسلطاً، وغير ذلك مما يذكره علماء الاجتماع، وهذه الصفات يمكن استخدامها لخير الجماعة كما يمكن استخدامها لشرها إذا أحسن أو أسي استثمارها.
والملاحظة الثالثة:
أن لكل أمة محاسن ومساوئ تغلب عليها، فالتمرد على الظلم من خصائص العرب، والفردية قوية في إنكلترا، واحترام النظام محبب في ألمانيا، والحريات محترمة في فرنسا، وكذلك المساوئ والعيوب.
والملاحظة الأخيرة:
هي أن للدين والوراثة والمدنية والماضي والتقليد والثقافة والعصبية أثراً ظاهراً في تكوين الأخلاق. وقبل أن أعود إلى أصل البحث أريد أن ألفت النظر إلى أنني لم أستقصِ في هذه المحاضرة جميع العيوب والنقائص، وإنما اقتصرت على المهم الظاهر منها، وأبتدئ بالعيب الخطر في حياتنا القومية وهو: ضعف الاشتراك أو تخاذل الجماعات.- المقصود من هذا العيب أننا ضعاف في كتلنا وجماعاتنا، يقول حافظ إبراهيم: ما رأيت كالشرقيين تكمن القوة في أفرادهم، ويظهر الضعف من مجموعهم، فالفردية في السوري قوية، تلمسها في تجارته وغربته وطموحه، فإذا اجتمع السوري إلى السوري لمست تخاذل الرأي، واضطراب الخلق، وتفرق الكلمة. والسبب في هذا على ما أرى أنه في عملنا المنفرد تختفي عيوبنا من أنانية، وتوكل، ورياء وخداع، وطمع في سبيل المنفعة الخاصة، ما دام الفرد في هذا الشكل يستأثر بالربح كله، والشهرة كلها، والتقدير كله، فإذا اجتمعنا هيئات أو كتلاً أو أحزاباً بدا النقص، وظهر العيب، وسبب آخر لهذا النقص أننا نجتمع على تفاوت في العقيدة، واختلاف في الخلق وتفرق في الثقافة، فتنشأ عن ذلك جماعة مختلفة النـزعات، متفاوتة الأهداف، مضطربة الخلق، وينتج عن هذا التخاذل عيب ثان وهو عدم الثبات، هذا العيب من أخطر العيوب التي تلابس حياتنا القومية، وأشدها ضرراً... عدّوا إذا شئتم الجمعيات التي تشكلت، والأحزاب التي قامت، والنوادي التي افتتحت، والمشاريع التي عرضت، ثم قارنوا بينها في عددها وبين التي بقيت حية متماسكة، إنكم تنتهون إلى نتيجة مؤسفة مؤلمة، هي أننا لم نتهيأ بعد لتشكل الهيئات، وتأليف الجماعات، كأن الفكرة ما وجدت إلا لتموت، وكأن المشروع ما اقترح إلا ليقبر.
ويعود السبب في هذا إلى ضعف العقيدة، ووهن الإيمان، وإلى أن نتبنّى الفكرة غامضة، والمشروع فجاً، ونقيمهما على أسس ضعيفة ثم نأخذهما بحماس المتهوس، وجري الفار، ونهم الجائع، فما نكاد نمشي خطوة أو خطوتين حتى يدب الفتور في العمل، وتظهر المشقة في الاستمرار، وتصطدم الفكرة أو المشروع بالخيبة والخذلان، والسبب الثاني هو أننا لا نعتقد بأننا مطالبون بالعمل، وأنه من الواجب علينا القيام به وإنما نعدها نافلة، ونحسب أن لنا فضلاً في أدائه، ولذلك نتهاون في أمره، ونقصر في حقه، وسبب ثالث أننا لم نروض أنفسنا على الصبر واحتمال المشقة، تخذلنا العقبة، وتفت في نشاطنا الصدمات، ويجد اليأس إلى نفوسنا سبيلاً. يضاف إلى هذا ما ذكرته في سبب تخاذل الجماعات من نقائصنا الفردية، كالأنانية والأثرة والولوع بالمظاهر وفقدان التضحية إلى غير ذلك من المساوئ التي سنأتي على ذكرها.
ومن عيوبنا الظاهرة:
فقدان الثقة، وعدم الاعتماد على النفس، هذان العيبان متممان لبعضهما، وهما نتيجتان لهذه التربية الفاسدة، في المنـزل وفي المدرسة، تلمس عدم الثقة في كل شيء في بيت العائلة، ومدرسة التلميذ، وحانوت التاجر، ومؤسسات الحكومة، ألا تجد أن الحكومة اتخذت صنفاً من الموظفين للمراقبة والتفتيش والتحري لأنها لا تثق بوفاء الموظف ولا بأمانته ولا بإخلاصه، وقل مثل هذا في حوانيت التجار، فأنت تفرض في كل تاجر الغش والطمع والخداع ولا تركن لمعاملته.
هذان السببان يضعفان الإرادة، ويخذلان النشاط، ويوزعان المسؤولية ويربكان العمل، وهما كما قلت نتيجة لهذه التربية الفاسدة في المنـزل أو في المدرسة هذه التربية التي تقوم على الخمول والتواكل والصرامة والفرار من المسؤولية وقتل النشاط وغيرها.
ومن العيوب الظاهرة:
الجري مع الهوى، والتقلب في الرأي والتملق، في الحديث، وهكذا يتخذ المرء من هذه الأمة ألواناً مختلفة في شتى المذاهب، فهو مع هؤلاء ومع أولئك ومع غيرهم يماشيهم في الرأي، ويناصرهم في القول، وهذان إما عن الجهل وضعف التفكير والمحاكمة، فيتقلب ويتذبذب، ويتسم بألوان شتى وإما عن خلق ذميم كفقدان الصراحة، والاعتياد على الكذب، وضعف النفس، وينشأ عن هذه العيوب هذا الاضطراب في الرأي العام الذي لا نعلم له صفة ولا تعريفاً، إنا نصفق لكل الفئات، وننفر من كل الفئات، ونتقبل سائر الآراء، تبسط لفرد من الناس رأيك في السياسة أو الاجتماع فيؤكد لك أنه من هذا الرأي وأنك على حق، وأن من يخالفك مخطئ أو آثم، ثم يصادفه رجل آخر يختلف رأيه عن رأيك، فيبسط له حديثه، فما يلبث أن يصادقه ويوافقه، ويتنكر لكل رأي يخالفه، وقد يكون هذا مبرراً بعض التبرير في الوسط الساذج الأمي الجاهل الذي يؤخذ بالصور والألوان وخداع الحديث، ولكننا مع الأسف نلمسه حتى في الطبقة المثقفة المتعلمة؛ وما أحسب أن استقلالاً أو قوميات تبنى على مثل هذه النفوس المريضة السقيمة.
وأجتزئ الآن في ذكر العيوب لأحدث إخواني في فرصة ثانية عن ولوعنا بالمظاهر والأنانية والتملق وعدم الشعور بالكرامة والانغماس بالشهوات واضطراب الرأي العام، والجري مع الهوى.