Şøķåŕą
11-16-2023, 05:20 PM
العلوم التي لا يحتاج إليها المجتهد
ذكرنا في المسألة السابقة جملة من العلوم التي يحتاج لها المجتهد في عملية اجتهاده، وفي هذه المسألة نذكر جملة من العلوم التي أشار الشَّاطبي إلى عدم احتياج المجتهد لها في اجتهاده.
رأي الشَّاطبي:
ذكر الشَّاطبي جملة من العلوم التي لا حاجة إليها في عملية الاجتهاد، ويمكن - من خلال فهم كلام الشَّاطبي - ضبط هذا القسم بضابط، وهو كل علم لا يؤدي فائدة عملية، ولا هو مما تعرفه العرب، فهو علم لا يحتاجه المجتهد، بل قد يكون محرمًا عليه، ويمكن فهم هذا الضابط من قول الشَّاطبي: "كل مسألة لا ينبني عليها عمل، فالخوض فيها خوض فيما لم يدل على استحسانه دليل شرعي"[1].
وقوله - ضمن رده لعلم من العلوم التي لا يتعلق بها عمل -: "وكذلك القول في كل علم يعزى إلى الشريعة لا يؤدي فائدة عمل، ولا هو مما تعرفه العرب"[2].
ودليل هذا الضابط: استقراء الشريعة؛ فمَن استقرأ نصوص الشرع، أيقن أن الشارع يعرض عما لا يفيد عملًا مكلفًا به.
ومن أمثلة العلوم التي لا تفيد عملًا، ولا يحتاج لها المجتهد: علم المنطق:
فهو مِن جملة العلوم التي يرى الشَّاطبي أن المجتهد لا يحتاج لها في اجتهاده، ويعلل ذلك الشَّاطبي بقوله: "لأن التزام الاصطلاحات المنطقية والطرائق المستعملة فيها مبعد عن الوصول إلى المطلوب في الأكثر؛ لأن الشريعة لم توضع إلا على شرط الأمية، ومراعاة علم المنطق في القضايا منافٍ لذلك"[3].
وينقل الشَّاطبي عن المازري التنبيه على أن في الطرق الشرعية في تقرير الأحكام ما يغني عن طريق أهل المنطق في تقرير الأحكام، ويقره على ذلك، بل ويصحح كلامه في الجملة[4]، ولأجل ما سبق يرى الشَّاطبي أنه لا داعي لضوابط علم المنطق في العلوم الشرعية، وأنه يمكن الاستغناء عنها، ويمثل على ذلك بقوله: "وهكذا يقال في القياس الشرطي[5] في نحو قوله تعالى: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾ [الأنبياء: 22]؛ لأن "لو" لما سيقع لوقوع غيره، فلا استثناء لها في كلام العرب مقيدًا، وهو معنى تفسير سيبويه[6]، ونظيرها[7] "إن"؛ لأنها تفيد ارتباط الثاني بالأول في التسبب[8]، والاستثناء لا تعلق له بها في صريح كلام العرب؛ فلا احتياج إلى ضوابط المنطق في تحصيل المراد في المطالب الشرعية"[9].
ومن العلوم التي لا مدخل لها في العلوم الشرعية ولا يحتاج لها المجتهد في اجتهاده:
علوم الطبيعيات[10]، والتعاليم[11]، وعلم الحروف[12]، ونحو ذلك من العلوم؛ فإن السلف الصالح لم يتكلموا في هذه العلوم مع أنهم كانوا أعرف بالكتاب والسنة، فلو كانت هذه العلوم مما يحتاج إليه المجتهد لكانوا أسبق الناس إلى معرفتها، كما أن هذه العلوم غير جارية على أمية العرب، والشريعة أمية جارية على مذهب العرب، قال الشَّاطبي في بيان القواعد المبنية على أمية الشريعة: "منها: أن كثيرًا من الناس تجاوزوا في الدعوى على القرآن الحد، فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين من علوم الطبيعيات، والتعاليم، والمنطق، وعلم الحروف، وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها، وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح، وإلى هذا، فإن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم كانوا أعرف بالقرآن وبعلومه وما أودع فيه، ولم يبلُغْنا أنه تكلم أحد منهم في شيء من هذا المدعى"[13].
ومِن تلك العلوم التي قد يدعي أنها وسيلة لتحقيق الفهم في الشريعة: علم الهيئة[14].
وقد ثرَّب الشَّاطبي على ابن رشد الحفيد؛ حيث زعم أن علوم الفلسفة مطلوبة لفهم الشريعة[15]، وعلى الرازي في ادِّعائه أن علمَ الهيئة وسيلةٌ إلى فهم قوله تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ﴾ [ق: 6].
وقد تعقَّب الشَّاطبي هذين الرأيين بقوله: "ولو قال قائل: إن الأمر بالضد مما قال، لَمَا بعُد في المعارضة"، ثم قال: "وشاهد ما بين الخصمين شأن السلف الصالح في تلك العلوم، هل كانوا آخذين فيها أم كانوا تاركين لها أو غافلين عنها؟ مع القطع بتحقُّقهم بفهم القرآن؛ يشهد لهم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم والجمُّ الغفير؛ فلينظُرِ امرؤٌ أين يضع قدمه؟!"[16].
وبالجملة، فكل علم لا فائدة منه فائدة عملية، وليس هو من العلوم الموافقة لأمية العرب، فليس هو من العلوم التي يحتاجها المجتهد في اجتهاده.
أما الأصوليون فقد وافقوا الشَّاطبي في أن هذه العلوم غير مطلوبة لرتبة الاجتهاد؛ ولذا فهم لا يذكرونها في العلوم التي يُشترط على المجتهد معرفتُها.
ومنها علم المنطق؛ فإن أكثر الأصوليين لم يذكروه في العلوم المشترطة للاجتهاد، وصرح بعدم اشتراطه ابن دقيق[17]، والطوفي[18]، والسيوطي[19]، وابن بدران[20].
ولكن خالف الشَّاطبيَّ بعضُ الأصوليين، فاشترطوا معرفة علم المنطق: كالقَرافي[21]من المالكية، وبعض الشافعية[22]، وذكره الزركشي عن المتأخرين[23].
والذي يظهر لي أنه لا خلاف بين الفريقين؛ لأن مَن لم يشترطه رأى أن المعاني التي يتوصل بها عن طريق المنطق يمكن أن يتوصل بها عن طريق غيره.
ومن رأى اشتراطه إنما اشترطه لأنه طريق يتوصل به إلى المطلوب، ومقصود الفريقين واحد، وهو "معرفة نصب الأدلة، وشروطها التي بها تصير البراهين والأدلة منتجة"، كما قال الغزالي[24].
ويؤيد ما ذكر ما قاله القرافي جوابًا عن أمر قد يعترض به على من رأى اشتراطه، وهو أن الشافعي ومالكًا وغيرهما من المتقدمين لم يكونوا على علم به، فأجاب بقوله: "نعم، هذه العبارات الخاصة والاصطلاحات المعينة في زماننا لا يشترط معرفتها، بل معرفة معانيها فقط"[25].
وقال ابن دقيق العيد: "لا شك أن في اشتراط ذلك حسب ما يقع اصطلاح أرباب هذا الفن غير معتبر؛ لعِلمنا بأن الأولين من المجتهدين لم يكونوا خائضين فيه، ولا شك أيضًا أن كل ما يتوقف عليه تصحيح الدليل ومعرفة الحقائق لا بد من اعتباره"[26].
ذكرنا في المسألة السابقة جملة من العلوم التي يحتاج لها المجتهد في عملية اجتهاده، وفي هذه المسألة نذكر جملة من العلوم التي أشار الشَّاطبي إلى عدم احتياج المجتهد لها في اجتهاده.
رأي الشَّاطبي:
ذكر الشَّاطبي جملة من العلوم التي لا حاجة إليها في عملية الاجتهاد، ويمكن - من خلال فهم كلام الشَّاطبي - ضبط هذا القسم بضابط، وهو كل علم لا يؤدي فائدة عملية، ولا هو مما تعرفه العرب، فهو علم لا يحتاجه المجتهد، بل قد يكون محرمًا عليه، ويمكن فهم هذا الضابط من قول الشَّاطبي: "كل مسألة لا ينبني عليها عمل، فالخوض فيها خوض فيما لم يدل على استحسانه دليل شرعي"[1].
وقوله - ضمن رده لعلم من العلوم التي لا يتعلق بها عمل -: "وكذلك القول في كل علم يعزى إلى الشريعة لا يؤدي فائدة عمل، ولا هو مما تعرفه العرب"[2].
ودليل هذا الضابط: استقراء الشريعة؛ فمَن استقرأ نصوص الشرع، أيقن أن الشارع يعرض عما لا يفيد عملًا مكلفًا به.
ومن أمثلة العلوم التي لا تفيد عملًا، ولا يحتاج لها المجتهد: علم المنطق:
فهو مِن جملة العلوم التي يرى الشَّاطبي أن المجتهد لا يحتاج لها في اجتهاده، ويعلل ذلك الشَّاطبي بقوله: "لأن التزام الاصطلاحات المنطقية والطرائق المستعملة فيها مبعد عن الوصول إلى المطلوب في الأكثر؛ لأن الشريعة لم توضع إلا على شرط الأمية، ومراعاة علم المنطق في القضايا منافٍ لذلك"[3].
وينقل الشَّاطبي عن المازري التنبيه على أن في الطرق الشرعية في تقرير الأحكام ما يغني عن طريق أهل المنطق في تقرير الأحكام، ويقره على ذلك، بل ويصحح كلامه في الجملة[4]، ولأجل ما سبق يرى الشَّاطبي أنه لا داعي لضوابط علم المنطق في العلوم الشرعية، وأنه يمكن الاستغناء عنها، ويمثل على ذلك بقوله: "وهكذا يقال في القياس الشرطي[5] في نحو قوله تعالى: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾ [الأنبياء: 22]؛ لأن "لو" لما سيقع لوقوع غيره، فلا استثناء لها في كلام العرب مقيدًا، وهو معنى تفسير سيبويه[6]، ونظيرها[7] "إن"؛ لأنها تفيد ارتباط الثاني بالأول في التسبب[8]، والاستثناء لا تعلق له بها في صريح كلام العرب؛ فلا احتياج إلى ضوابط المنطق في تحصيل المراد في المطالب الشرعية"[9].
ومن العلوم التي لا مدخل لها في العلوم الشرعية ولا يحتاج لها المجتهد في اجتهاده:
علوم الطبيعيات[10]، والتعاليم[11]، وعلم الحروف[12]، ونحو ذلك من العلوم؛ فإن السلف الصالح لم يتكلموا في هذه العلوم مع أنهم كانوا أعرف بالكتاب والسنة، فلو كانت هذه العلوم مما يحتاج إليه المجتهد لكانوا أسبق الناس إلى معرفتها، كما أن هذه العلوم غير جارية على أمية العرب، والشريعة أمية جارية على مذهب العرب، قال الشَّاطبي في بيان القواعد المبنية على أمية الشريعة: "منها: أن كثيرًا من الناس تجاوزوا في الدعوى على القرآن الحد، فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين من علوم الطبيعيات، والتعاليم، والمنطق، وعلم الحروف، وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها، وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح، وإلى هذا، فإن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم كانوا أعرف بالقرآن وبعلومه وما أودع فيه، ولم يبلُغْنا أنه تكلم أحد منهم في شيء من هذا المدعى"[13].
ومِن تلك العلوم التي قد يدعي أنها وسيلة لتحقيق الفهم في الشريعة: علم الهيئة[14].
وقد ثرَّب الشَّاطبي على ابن رشد الحفيد؛ حيث زعم أن علوم الفلسفة مطلوبة لفهم الشريعة[15]، وعلى الرازي في ادِّعائه أن علمَ الهيئة وسيلةٌ إلى فهم قوله تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ﴾ [ق: 6].
وقد تعقَّب الشَّاطبي هذين الرأيين بقوله: "ولو قال قائل: إن الأمر بالضد مما قال، لَمَا بعُد في المعارضة"، ثم قال: "وشاهد ما بين الخصمين شأن السلف الصالح في تلك العلوم، هل كانوا آخذين فيها أم كانوا تاركين لها أو غافلين عنها؟ مع القطع بتحقُّقهم بفهم القرآن؛ يشهد لهم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم والجمُّ الغفير؛ فلينظُرِ امرؤٌ أين يضع قدمه؟!"[16].
وبالجملة، فكل علم لا فائدة منه فائدة عملية، وليس هو من العلوم الموافقة لأمية العرب، فليس هو من العلوم التي يحتاجها المجتهد في اجتهاده.
أما الأصوليون فقد وافقوا الشَّاطبي في أن هذه العلوم غير مطلوبة لرتبة الاجتهاد؛ ولذا فهم لا يذكرونها في العلوم التي يُشترط على المجتهد معرفتُها.
ومنها علم المنطق؛ فإن أكثر الأصوليين لم يذكروه في العلوم المشترطة للاجتهاد، وصرح بعدم اشتراطه ابن دقيق[17]، والطوفي[18]، والسيوطي[19]، وابن بدران[20].
ولكن خالف الشَّاطبيَّ بعضُ الأصوليين، فاشترطوا معرفة علم المنطق: كالقَرافي[21]من المالكية، وبعض الشافعية[22]، وذكره الزركشي عن المتأخرين[23].
والذي يظهر لي أنه لا خلاف بين الفريقين؛ لأن مَن لم يشترطه رأى أن المعاني التي يتوصل بها عن طريق المنطق يمكن أن يتوصل بها عن طريق غيره.
ومن رأى اشتراطه إنما اشترطه لأنه طريق يتوصل به إلى المطلوب، ومقصود الفريقين واحد، وهو "معرفة نصب الأدلة، وشروطها التي بها تصير البراهين والأدلة منتجة"، كما قال الغزالي[24].
ويؤيد ما ذكر ما قاله القرافي جوابًا عن أمر قد يعترض به على من رأى اشتراطه، وهو أن الشافعي ومالكًا وغيرهما من المتقدمين لم يكونوا على علم به، فأجاب بقوله: "نعم، هذه العبارات الخاصة والاصطلاحات المعينة في زماننا لا يشترط معرفتها، بل معرفة معانيها فقط"[25].
وقال ابن دقيق العيد: "لا شك أن في اشتراط ذلك حسب ما يقع اصطلاح أرباب هذا الفن غير معتبر؛ لعِلمنا بأن الأولين من المجتهدين لم يكونوا خائضين فيه، ولا شك أيضًا أن كل ما يتوقف عليه تصحيح الدليل ومعرفة الحقائق لا بد من اعتباره"[26].