Şøķåŕą
11-06-2023, 08:01 PM
ضبط النفس
علاقة ضبط النفس بالسعادة:
إن المؤمن الذي زكَّى نفسه وطهَّرها، ونقَّاها وضبطها، وأمرها أن تسارع إلى اغتنام الحسنات، وأن تحذر من السيئات، وعده الله تعالى أن يكرمه بالفلاح في الدارين؛ قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 9، 10]، وهذا الفلاح لا يقف عند حد، إنما هو نور تشع آثاره على حياة المؤمن كلها، فيحظى بسعادة لا يعرف حقيقتها إلا مَن تذوَّقها، ويشرق قلبه بنور الإيمان، فتشرق معه جميع الأعضاء والجوارح؛ كما قال ابن عباس: ((إن للحسنة نورًا في القلب، وضياء في الوجه، وقوة في البدن، وسَعة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق)).
وقبل: (ضبط النفس) لا بد من معرفتها:
قال ابن القيم: (من لم يعرف نفسه كيف يعرف خالقه؟!".
كان سفيان الثوري يقول: "إذا عرفت نفسك لم يضرَّك ما قال الناس".
وكان سفيان بن عينية يقول: "ليس يضر المدح من عرف نفسه".
لذلك كان يوسف بن أسباط يقول: « اللهم عرِّفني نفسي، ولا تقطع رجاءك من قلبي".
فإن في النفس من الأسرار والخفايا ما لا يكشفه سوى عون من الله لنا، فإن معرفتها كما يقول سهل التستري: "معرفة النفس أخفى من معرفة العدو"؛ أي: إن عيوبها تتستر كما يتستر العدو، لذلك احذر نفسك على نفسك: "إياك أن تخدعك نفسك".
قال أبو أيوب مولى ضغم بن مالك: قال لي أبو مالك يومًا: (يا أبا أيوب، احذر نفسك؛ فإني رأيت هموم المؤمنين في الدنيا لا تنقضي، وايم الله لئن لم تأت الآخرة المؤمن بالسرور، لقد اجتمع عليه الأمران: همُّ الدنيا وشقاءُ الآخرة، قال: قلت: بأبي أنت وأمي، وكيف لا تأتيه الآخرة بالسرور وهو ينصب لله في دار الدنيا ويدأب؟! قال: "يا أبا أيوب، فكيف بالقبول؟ وكيف بالسلامة؟ كم من رجل يرى أنه قد أصلح شأنه وقد أصلح هِمته، وقد أصلح عمله يُجمع ذلك يوم القيامة، ثم يضرب به في وجهه؟!".
طبيعة النفس:
1- النفس بطبعها ميَّالة إلى الشهوات، فرَّارة من الخيرات؛ قال تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14]، وفي تزيين هذه الأمور المذكورة للناس في الآية إشارة لما تضمنته من الفتن، فأما النساء ففي الحديث (ما تَنزلت بعدي فتنه أضر على الرجال من النساء)؛ رواه البخاري مرفوعًا.
وأما البنون، فقد قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ﴾ [التغابن: 14]، لذلك قيل لبعض النُّسَّاك: ما لك لا تبتغي ما كتب الله لك؟ قال: سمعنا لأمر، ولا مرحبًا بمن إن عاش فتنني وإن مات أحزنني، يريد قول الله: ﴿ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ [الأنفال: 28].
وأما القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، فهذا كناية عن الحرص على المال والغنى، فقد قال الله: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾ [العلق: 6، 7].
قال الإمام أبو حامد الغزالي: "اعلم أن أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك، وقد خُلقت أمارة بالسوء، ميَّالة إلى الشر، فرَّارة من الخير، وأُمرت بتزكيتها وتقويمها، وقَوْدها بسلاسل القهر إلى عبادة ربها وخالقها، ومنعها من شهواتها، وفطامها عن لذاتها، فإن أهملتها جَمحت وشردت، ولم تَظفر بها بعد ذلك".
1- النفس كثيرة الجدل محبةُ له؛ قال تعالى: ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴾ [الكهف: 54].
فإذا رأيت من نفسك جدلًا، فاعلم أن هذا من طبائع الشر التي طبعت عليها نفسك، فَكُفَّ عن ذلك.
2- النفس تتطلع إلى الحياة الطويلة: "طول الأمل":
وهذا هو الذي أهبط آدم من منزل العز إلى دار الشقاء والتعب؛ قال تعالى: ﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾ [طه: 120]، فاغتر آدم وانخدعت نفسه، لذلك قال الله: ﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الحجر: 3].
وعن على رضي الله عنه قال: "إن أخوف ما أخاف عليكم، اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فيُنسى الآخرة".
3- النفس هلوعة جزوعة منوعة:
لذلك دلَّنا الله على الخصال العشر التي تعالج هذا الطبع السيئ؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴾ [المعارج: 19 - 21].
﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [المعارج: 22 - 34].
4- النفس عجوله: قال تعالى: ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا ﴾ [الإسراء: 11]، مع أنه معلوم بالتجارب أن في العجلة الندامة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (التؤدة في كل شيء خيرٌ، إلا في عمل الآخرة)؛ رواه أبو داود، والحاكم، وصحَّحه الألباني.
5- النفس ضعيفة: قال تعالى: ﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28]، ضعيف في اتباع الهوى وطاعه الشهوة، ونحو ذلك، لذلك أُمر بالمجاهدة والمحاسبة والصبر، وغير ذلك مما يُزكي نفسه ويَضبطها.
6- النفس ظلومة وكفارة: قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34]، ظلوم: يظلم نفسه بالمعاصي، ويظلم غيره بأكل ماله أو بسلب حقه، أو بسوء الظن به، أو بانتهاك عرضه، وغير ذلك.
كفَّار: لا يَشكر النعم إلا القليل؛ قال تعالى: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13].
وأخصر طريق وأسرعه في ضبط النفس:
أن تبيع نفسك لله؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ﴾ [التوبة: 111].
فالمشتري:هو أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين الله جل في علاه، والبائع: المؤمنون إن كانوا كذلك، والبضاعة: هي ما وهبه إليك المشتري ورزقه إياك، ومع ذلك بكرمه وفضله يَشتريها منك - نفسَك ومالك.
والثمن: أعلى الأثمان؛ قال عليه الصلاة والسلام: (إن سلعة الله غالية، إن سلعة الله الجنة)؛ رواه الترمذي، وصححه الألباني.
كيفية إجراء الصفقة:
• أن تقول بلسانك وحالك: ﴿ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَه ﴾ [الأنعام: 162، 163].
• حركة لسانك لله؛ كما قال تعالى: (أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت شفتاه)؛ رواه ابن ماجه وسنده صحيح.
• نظرة عينيك: اجعلها في آيات الله المسطورة [المصحف]، وآيات الله المشهودة؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [يونس: 101]، وقال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 - 20].
وقال تعالى: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾[الذاريات: 21].
• ملامح وجهك: حتى ابتسامتك في وجه إخوانك اشتراها الله منك؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: (تبسُّمك في وجه أخيك صدقة)؛ رواه الترمذي وصححه الألباني.
• حركة مفاصلك: اشتراها الله منك؛ ففي صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (يصبح على كل سلامى - مفصل - من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، ويُجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى).
• آثارك: دمعة عينيك، قطرة دمك، أثر حذائك، اشترى الله منك ذلك كله؛ قال عليه الصلاة والسلام: (ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين: قطرة من دموع في خشية الله، وقطرة دم تُراق في سبيل الله، وأما الأثران، فأثر في سبيل الله، وأثر في فريضة من فرائض الله)؛ رواه الترمذي وحسنه الألباني.
• أخلاقك: اشتراها الله منك؛ ففي الحديث قال عليه الصلاة والسلام: (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلق حسنٍ، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء)؛ رواه الترمذي وابن حبان وسنده صحيح.
• حتى الغبار: اشتراه الله منك؛ قال عليه الصلاة والسلام: (لا يجتمع غبار في سبيل الله، ودخان جهنم في مُنْخري رجلٍ مسلم، ولا يجتمع شح وإيمان في قلب رجل مسلم)؛رواه أحمد وسنده صحيح.
النصيحة: راقبْ نفسَك.
علاقة ضبط النفس بالسعادة:
إن المؤمن الذي زكَّى نفسه وطهَّرها، ونقَّاها وضبطها، وأمرها أن تسارع إلى اغتنام الحسنات، وأن تحذر من السيئات، وعده الله تعالى أن يكرمه بالفلاح في الدارين؛ قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 9، 10]، وهذا الفلاح لا يقف عند حد، إنما هو نور تشع آثاره على حياة المؤمن كلها، فيحظى بسعادة لا يعرف حقيقتها إلا مَن تذوَّقها، ويشرق قلبه بنور الإيمان، فتشرق معه جميع الأعضاء والجوارح؛ كما قال ابن عباس: ((إن للحسنة نورًا في القلب، وضياء في الوجه، وقوة في البدن، وسَعة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق)).
وقبل: (ضبط النفس) لا بد من معرفتها:
قال ابن القيم: (من لم يعرف نفسه كيف يعرف خالقه؟!".
كان سفيان الثوري يقول: "إذا عرفت نفسك لم يضرَّك ما قال الناس".
وكان سفيان بن عينية يقول: "ليس يضر المدح من عرف نفسه".
لذلك كان يوسف بن أسباط يقول: « اللهم عرِّفني نفسي، ولا تقطع رجاءك من قلبي".
فإن في النفس من الأسرار والخفايا ما لا يكشفه سوى عون من الله لنا، فإن معرفتها كما يقول سهل التستري: "معرفة النفس أخفى من معرفة العدو"؛ أي: إن عيوبها تتستر كما يتستر العدو، لذلك احذر نفسك على نفسك: "إياك أن تخدعك نفسك".
قال أبو أيوب مولى ضغم بن مالك: قال لي أبو مالك يومًا: (يا أبا أيوب، احذر نفسك؛ فإني رأيت هموم المؤمنين في الدنيا لا تنقضي، وايم الله لئن لم تأت الآخرة المؤمن بالسرور، لقد اجتمع عليه الأمران: همُّ الدنيا وشقاءُ الآخرة، قال: قلت: بأبي أنت وأمي، وكيف لا تأتيه الآخرة بالسرور وهو ينصب لله في دار الدنيا ويدأب؟! قال: "يا أبا أيوب، فكيف بالقبول؟ وكيف بالسلامة؟ كم من رجل يرى أنه قد أصلح شأنه وقد أصلح هِمته، وقد أصلح عمله يُجمع ذلك يوم القيامة، ثم يضرب به في وجهه؟!".
طبيعة النفس:
1- النفس بطبعها ميَّالة إلى الشهوات، فرَّارة من الخيرات؛ قال تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14]، وفي تزيين هذه الأمور المذكورة للناس في الآية إشارة لما تضمنته من الفتن، فأما النساء ففي الحديث (ما تَنزلت بعدي فتنه أضر على الرجال من النساء)؛ رواه البخاري مرفوعًا.
وأما البنون، فقد قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ﴾ [التغابن: 14]، لذلك قيل لبعض النُّسَّاك: ما لك لا تبتغي ما كتب الله لك؟ قال: سمعنا لأمر، ولا مرحبًا بمن إن عاش فتنني وإن مات أحزنني، يريد قول الله: ﴿ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ [الأنفال: 28].
وأما القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، فهذا كناية عن الحرص على المال والغنى، فقد قال الله: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾ [العلق: 6، 7].
قال الإمام أبو حامد الغزالي: "اعلم أن أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك، وقد خُلقت أمارة بالسوء، ميَّالة إلى الشر، فرَّارة من الخير، وأُمرت بتزكيتها وتقويمها، وقَوْدها بسلاسل القهر إلى عبادة ربها وخالقها، ومنعها من شهواتها، وفطامها عن لذاتها، فإن أهملتها جَمحت وشردت، ولم تَظفر بها بعد ذلك".
1- النفس كثيرة الجدل محبةُ له؛ قال تعالى: ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴾ [الكهف: 54].
فإذا رأيت من نفسك جدلًا، فاعلم أن هذا من طبائع الشر التي طبعت عليها نفسك، فَكُفَّ عن ذلك.
2- النفس تتطلع إلى الحياة الطويلة: "طول الأمل":
وهذا هو الذي أهبط آدم من منزل العز إلى دار الشقاء والتعب؛ قال تعالى: ﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾ [طه: 120]، فاغتر آدم وانخدعت نفسه، لذلك قال الله: ﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الحجر: 3].
وعن على رضي الله عنه قال: "إن أخوف ما أخاف عليكم، اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فيُنسى الآخرة".
3- النفس هلوعة جزوعة منوعة:
لذلك دلَّنا الله على الخصال العشر التي تعالج هذا الطبع السيئ؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴾ [المعارج: 19 - 21].
﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [المعارج: 22 - 34].
4- النفس عجوله: قال تعالى: ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا ﴾ [الإسراء: 11]، مع أنه معلوم بالتجارب أن في العجلة الندامة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (التؤدة في كل شيء خيرٌ، إلا في عمل الآخرة)؛ رواه أبو داود، والحاكم، وصحَّحه الألباني.
5- النفس ضعيفة: قال تعالى: ﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28]، ضعيف في اتباع الهوى وطاعه الشهوة، ونحو ذلك، لذلك أُمر بالمجاهدة والمحاسبة والصبر، وغير ذلك مما يُزكي نفسه ويَضبطها.
6- النفس ظلومة وكفارة: قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34]، ظلوم: يظلم نفسه بالمعاصي، ويظلم غيره بأكل ماله أو بسلب حقه، أو بسوء الظن به، أو بانتهاك عرضه، وغير ذلك.
كفَّار: لا يَشكر النعم إلا القليل؛ قال تعالى: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13].
وأخصر طريق وأسرعه في ضبط النفس:
أن تبيع نفسك لله؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ﴾ [التوبة: 111].
فالمشتري:هو أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين الله جل في علاه، والبائع: المؤمنون إن كانوا كذلك، والبضاعة: هي ما وهبه إليك المشتري ورزقه إياك، ومع ذلك بكرمه وفضله يَشتريها منك - نفسَك ومالك.
والثمن: أعلى الأثمان؛ قال عليه الصلاة والسلام: (إن سلعة الله غالية، إن سلعة الله الجنة)؛ رواه الترمذي، وصححه الألباني.
كيفية إجراء الصفقة:
• أن تقول بلسانك وحالك: ﴿ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَه ﴾ [الأنعام: 162، 163].
• حركة لسانك لله؛ كما قال تعالى: (أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت شفتاه)؛ رواه ابن ماجه وسنده صحيح.
• نظرة عينيك: اجعلها في آيات الله المسطورة [المصحف]، وآيات الله المشهودة؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [يونس: 101]، وقال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 - 20].
وقال تعالى: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾[الذاريات: 21].
• ملامح وجهك: حتى ابتسامتك في وجه إخوانك اشتراها الله منك؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: (تبسُّمك في وجه أخيك صدقة)؛ رواه الترمذي وصححه الألباني.
• حركة مفاصلك: اشتراها الله منك؛ ففي صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (يصبح على كل سلامى - مفصل - من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، ويُجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى).
• آثارك: دمعة عينيك، قطرة دمك، أثر حذائك، اشترى الله منك ذلك كله؛ قال عليه الصلاة والسلام: (ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين: قطرة من دموع في خشية الله، وقطرة دم تُراق في سبيل الله، وأما الأثران، فأثر في سبيل الله، وأثر في فريضة من فرائض الله)؛ رواه الترمذي وحسنه الألباني.
• أخلاقك: اشتراها الله منك؛ ففي الحديث قال عليه الصلاة والسلام: (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلق حسنٍ، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء)؛ رواه الترمذي وابن حبان وسنده صحيح.
• حتى الغبار: اشتراه الله منك؛ قال عليه الصلاة والسلام: (لا يجتمع غبار في سبيل الله، ودخان جهنم في مُنْخري رجلٍ مسلم، ولا يجتمع شح وإيمان في قلب رجل مسلم)؛رواه أحمد وسنده صحيح.
النصيحة: راقبْ نفسَك.