мя Зάмояч
11-06-2023, 03:06 PM
التعريف بالسورة :
مكية .
من المفصل .
آياتها 5 .
ترتيبها بالمصحف الحادية عشرة بعد المائة .
نزلت بعد سورة الفاتحة .
بدأت بالدعاء على أبي لهب " تبت يدا أبي لهب " . سميت سورة تبت لم يذكر لفظ الجلالة فيها .
سبب التسمية :
تُسَمَّى سُورَةُ تبَّت
.قال ابن عاشور:
سميت هذه السورة في أكثر المصاحف (سورة تبَّت) وكذلك عنونها الترمذي في (جامعه) وفي أكثر كتب التفسير، تسمية لها بأول كلمة فيها.
وسميت في بعض المصاحف وبعض التفاسير (سورة المَسَد). واقتصر في (الإِتقان) على هذين.
وسماها جمع من المفسرين (سورة أبي لهب) على تقدير: سورة ذِكْر أبي لهب.
وعنونها أبو حيان في (تفسيره) (سورة اللهب) ولم أره لغيره.
وعنونها ابن العربي في (أحكام القرآن) (سورة ما كان من أبي لهب) وهو عنوان وليس باسم.
وهي مكية بالاتفاق.
وعدّت السادسة من السور نزولًا، نزلت بعد سورة الفاتحة وقبل سورة التكوير.
وعدد آيها خمس.
سبب نزول السورة :
أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال : صعد رسول الله ذات يوم على الصفا فنادى : يا صباحاه ، فاجتمعت إليه قريش ، فقال : أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم تصدقوني ؟ قالوا : بلى ، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فقال أبو لهب : تباً لك ألهذا جمعتنا ، فأنزل الله ( تبت يدا أبي لهب وتب ) إلى أخرها .
محور مواضيع السورة
يَدُورُ مِحْوَرُ السُّورَةِ حَوْلَ هَلاَكِ( أَبِي لَهَب) عَدُوِّ الَّلهِ وَرَسُولِهِ ، الَّذِي كَانَ شَدِيدَ العَدَاءِ لِرَسُولِ الَّلهِ ، فَكَانَ يَتْرُكُ شُغْلَهُ وَيَتْبَعُ الرَّسُولَ ؛ لِيُفْسِدَ عَلَيْهِ دَعْوَتـَهُ ، وَيَصُدَّ النَّاسَ عَنِ الإِيمَانِ بـِهِ ، وَقَدْ تَوَعَّدَتـْهُ السُّورَةُ في الآخِرَةِ بِنَارٍ مُوقَدَةٍ يَصْلاَهَا وَيُشْوَى بِهَا ، وَقُرِنَتْ زَوْجَتُهُ بـِهِ في ذَلِكَ ، وَاخْتَصَّتْها بِلَوْنٍ مِنَ العَذَابِ الشَّدِيدِ ، هُوَ مَا يَكُونُ حَوْلَ عُنُقِهَا أَيْ حَبْلٌ مِنْ لِيفٍ تُجْذَبُ بـِهِ في النَّارِ ؛ زِيَادَةً في التَّنْكِيلِ وَالدَّمَار
قال البقاعي:
سورة المسد مقصودها البت والقطع الحتم بخسران الكافر ولو كان أقرب الخلق إلى أعظم الفائزين، اللازم عنه أن شارع الدين له من العظمة ما يقصر عنه الوصف، فهو يفعل ما يشاء لأنه لا كفو- له أصلا، حثا على التوحيد من سائر العبيد ولذلك بين سورة الإخلاص المقرون بضمان النصر وكثرة الأنصار، واسمها تبت واضح الدلالة على ذلك بتأمل السورة على هذه الصورة.
ومعظم مقصود السّورة تهديد أَبى لَهَب على الجفاءِ والإِعراض، وضياع كَسْبه وأَمره، وبيان ابتلائه يوم القيامة، وذمّ زَوْجه في إِيذاءِ النبي صلى الله عليه وسلم، وبيان ما هو مدّخَر لها من سوءِ العاقبة.
.قال ابن عاشور:
روي أن نزولها كان في السنة الرابعة من البعثة. وسبب نزولها على ما في (الصحيحين) عن ابن عباس قال: «صعِد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على الصفا فنادى: يا صَبَاحَاهْ. (كلمة ينادَى بها للإِنذار من عدوّ يصبّح القوم) فاجتمعت إليه قريش فقال: إني نذير لكم بين يديْ عذاب شديد أرأيتم لوْ أني أخبرتكم أن العدوّ مُمسيكم أو مصبّحكم أكنتم تصدقوني؟ قالوا: ما جرَّبنا عليك كذبًا، فقال أبو لهب: تبًّا لك سائرَ اليوم ألهذا جَمعتنا؟ فنزلت: {تبت يدا أبي لهب} (المسد: 1). ووقع في (الصحيحين) من رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت: {وأنذر عشيرتك الأقربين وقومك منهم المخلصين} خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا...» إلى آخر الحديث المتقدم.
ومعلوم أن آية: {وأنذر عشيرتك الأقربين} من سورة الشعراء، وهي متأخرة النزول عن سورة تبت، وتأويل ذلك أن آية تشبه آية سورة الشعراء نزلت قبل سورة أبي لهب لما رواه أبو أسامة يبلغ ابن عباس لما نزلت: {وأنذر عشيرتك الأقربين وقومك منهم المخلصين} (ولم يقل من سورة الشعراء) خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا... فتعين أن آية سورة الشعراء تشبه صدر الآية التي نزلت قبل نزول سورة أبي لهب.
أغراضها:
زجر أبي لهب على قوله: تبًا لك ألهذا جمعتنا؟ ووعيده على ذلك، ووعيد امرأته على انتصارها لزوجها، وبغضها النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ.
.قال الصابوني:
* سورة المسد مكية، وتسمى سورة اللهب، وسورة تبت، وقد تحدثت عن هلاك (أبي لهب) عدو الله ورسوله، الذي كان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم،، يترك شغله ويتبع الرسول صلى الله عليه وسلم، ليفسد عليه دعوته، ويصد الناس عن الأيمان به، وقد توعدته السورة في الآخرة، بنار موقدة يصلاها ويشوى بها، وقرنت زوجته به في ذلك، واختصتها بلون من العذاب شديد، هو حبل من ليف تجذب به في النار، زيادة في التنكيل والدمار.
قال سيد قطب
أبو لهب - (و اسمه عبد العزى بن عبد المطلب) هو عم النبي - صلى اللّه عليه وسلم - وإنما سمي أبو لهب لإشراق وجهه ، وكان هو وامرأته «أم جميل» من أشد الناس إيذاء لرسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وللدعوة التي جاء بها ..
قال ابن إسحاق : «حدثني حسين بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن عباس قال : سمعت ربيعة بن عباد الديلي يقول : «إني لمع أبي رجل شاب أنظر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتبع القبائل ، ووراءه رجل أحول ، وضيء الوجه ذو جمة ، يقف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على القبيلة فيقول « : يا بني فلان. إني رسول اللّه إليكم آمركم أن تعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن اللّه ما بعثني به» وإذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه : يا بني فلان. هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقمس ، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة ، فلا تسمعوا له ، ولا تتبعوه. فقلت لأبي :
من هذا؟ قال عمه أبو لهب. (و رواه الإمام أحمد والطبراني بهذا اللفظ).
فهذا نموذج من نماذج كيد أبي لهب للدعوة وللرسول صلى اللّه عليه وسلم ، وكانت زوجته أم جميل في عونه في هذه الحملة الدائبة الظالمة. (و هي أروى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان).
:
ولقد اتخذ أبو لهب موقفه هذا من رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - منذ اليوم الأول للدعوة. أخرج البخاري - بإسناده - عن ابن عباس ، أن النبي - صلى اللّه عليه وسلم - خرج إلى البطحاء ، فصعد الجبل فنادى :
«يا صباحاه» فاجتمعت إليه قريش ، فقال : أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم؟ أكنتم مصدقي؟
قالوا : نعم. قال : «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد». فقال أبو لهب. ألهذا جمعتنا؟ تبا لك. فأنزل اللّه «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ...» إلخ. وفي رواية فقام ينفض يديه وهو يقول : تبا لك سائر اليوم! ألهذا جمعتنا؟! فأنزل اللّه السورة.
ولما أجمع بنو هاشم بقيادة أبي طالب على حماية النبي - صلى اللّه عليه وسلم - ولو لم يكونوا على دينه ، تلبية لدافع العصبية القبلية ، خرج أبو لهب على إخوته ، وحالف عليهم قريشا ، وكان معهم في الصحيفة التي كتبوها بمقاطعة بني هاشم وتجويعهم كي يسلموا لهم محمدا صلى اللّه عليه وسلم.
كان أبو لهب خطب بنتي رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - رقية وأم كلثوم لولديه قبل بعثة النبي - صلى اللّه عليه وسلم - فلما كانت البعثة أمرهما بتطليقهما حتى يثقل كاهل محمد بهما! وهكذا مضى هو وزوجته أم جميل يثيرانها حربا شعواء على النبي - صلى اللّه عليه وسلم - وعلى الدعوة ، لا هوادة فيها ولا هدنة. وكان بيت أبي لهب قريبا من بيت رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - فكان الأذى أشد. وقد روي أن أم جميل كانت تحمل الشوك فتضعه في طريق النبي وقيل : إن حمل الحطب كناية عن سعيها بالأذى والفتنة والوقيعة.
:
نزلت هذه السورة ترد على هذه الحرب المعلنة من أبي لهب وامرأته. وتولى اللّه - سبحانه - عن رسوله - صلى اللّه عليه وسلم - أمر المعركة! «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ» .. والتباب الهلاك والبوار والقطع. «وتَبَّتْ» الأولى دعاء. «وَتَبَّ» الثانية تقرير لوقوع هذا الدعاء. ففي آية قصيرة واحدة في مطلع السورة تصدر الدعوة وتتحقق ، وتنتهي المعركة ويسدل الستار! فأما الذي يتلو آية المطلع فهو تقرير ووصف لما كان.
«ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ» .. لقد تبت يداه وهلكتا وتب هو وهلك. فلم يغن عنه ماله وسعيه ولم يدفع عنه الهلاك والدمار.
ذلك - كان - في الدنيا. أما في الآخرة فإنه : «سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ» .. ويذكر اللهب تصويرا وتشخيصا للنار وإيحاء بتوقدها وتلهبها.
«وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ» .. وستصلاها معه امرأته حالة كونها حمالة للحطب .. وحالة كونها : «فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ» .. أي من ليف .. تشد هي به في النار. أو هي الحبل الذي تشد به الحطب. على المعنى الحقيقي إن كان المراد هو الشوك. أو المعنى المجازي إن كان حمل الحطب كناية عن حمل الشر والسعي بالأذى والوقيعة.
:
وفي الأداء التعبيري للسورة تناسق دقيق ملحوظ مع موضوعها وجوها ، نقتطف في بيانه سطورا من كتاب :
«مشاهد القيامة في القرآن» نمهد بها لوقع هذه السورة في نفس أم جميل التي ذعرت لها وجن جنونها :
«أبو لهب. سيصلى نارا ذات لهب .. وامرأته حمالة الحطب. ستصلاها وفي عنقها حبل من مسد» ..
«تناسق في اللفظ ، وتناسق في الصورة. فجهنم هنا نار ذات لهب. يصلاها أبو لهب! وامرأته تحمل للحطب وتلقيه في طريق محمد لإيذائه (بمعناه الحقيقي أو المجازي) ... والحطب مما يوقد به اللهب. وهي تحزم الحطب بحبل. فعذابها في النار ذات اللهب أن تغل بحبل من مسد. ليتم الجزاء من جنس العمل ، وتتم الصورة بمحتوياتها الساذجة : الحطب والحبل. والنار واللهب. يصلى به أبو لهب وامرأته حمالة الحطب!
«وتناسق من لون آخر. في جرس الكلمات ، مع الصوت الذي يحدثه شد أحمال الحطب وجذب العنق بحبل من مسد. اقرأ : «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ» تجد فيها عنف الحزم والشد! الشبيه بحزم الحطب وشده.
والشبيه كذلك بغل العنق وجذبه. والشبيه بجو الحنق والتهديد الشائع في السورة.
:
«وهكذا يلتقي تناسق الجرس الموسيقي ، مع حركة العمل الصوتية ، بتناسق الصور في جزئياتها المتناسقة ، بتناسق الجناس اللفظي ومراعاة النظير في التعبير ، ويتسق مع جو السورة وسبب النزول. ويتم هذا كله في خمس فقرات قصار ، وفي سورة من أقصر سور القرآن».
هذا التناسق القوي في التعبير جعل أم جميل تحسب أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم قد هجاها بشعر.
وبخاصة حين انتشرت هذه السورة وما تحمله من تهديد ومذمة وتصوير زري لأم جميل خاصة. تصوير يثير السخرية من امرأة معجبة بنفسها ، مدلة بحسبها ونسبها. ثم ترتسم لها هذه الصورة : «حَمَّالَةَ الْحَطَبِ. فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ»! في هذا الأسلوب القوي الذي يشيع عند العرب! قال ابن إسحاق : فذكر لي أن أم جميل حمالة الحطب حين سمعت ما نزل فيها وفي زوجها من القرآن ، أتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة ، ومعه أبوبكر الصديق ، وفي يدها فهر (أي بمقدار ملء الكف) من حجارة. فلما وقفت عليهما أخذ اللّه ببصرها عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلا ترى إلا أبابكر. فقالت : يا أبابكر. أين صاحبك؟ قد بلغني أنه يهجوني. واللّه لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه. أما واللّه وإني لشاعرة! ثم قالت :
مذمما عصينا وأمره أبينا ثم انصرفت. فقال أبوبكر : يا رسول اللّه ، أما تراها رأتك؟ فقال : ما رأتني ، لقد أخذ اللّه ببصرها عني
:
وروى الحافظ أبوبكر البزار - بإسناده - عن ابن عباس قال : لما نزلت : «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ» جاءت امرأة أبي لهب ، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالس ومعه أبوبكر. فقال له أبوبكر : لو تنحيت لا تؤذيك بشي ء! فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : «إنه سيحال بيني وبينها» .. فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ، فقالت : يا أبابكر ، هجانا صاحبك. فقال أبوبكر : لا ورب هذه البنية ما ينطق بالشعر ولا يتفوه به ، فقالت : إنك لمصدق. فلما ولت قال أبوبكر : ما رأتك؟ قال : «لا. ما زال ملك يسترني حتى ولت» ..
فهكذا بلغ منها الغيظ والحنق ، من سيرورة هذا القول الذي حسبته شعرا (و كان الهجاء لا يكون إلا شعرا) مما نفاه لها أبوبكر وهو صادق! ولكن الصورة الزرية المثيرة للسخرية التي شاعت في آياتها ، قد سجلت في الكتاب الخالد ، وسجلتها صفحات الوجود أيضا تنطق بغضب اللّه وحربه لأبي لهب وامرأته جزاء الكيد لدعوة اللّه ورسوله ، والتباب والهلاك والسخرية والزراية جزاء الكائدين لدعوة اللّه في الدنيا ، والنار في الآخرة جزاء وفاقا ، والذل الذي يشير إليه الحبل في الدنيا والآخرة جميعا ...
:
قال محمد الغزالي:
{تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب} هذا دعاء بالهلاك على أبى لهب، استجابه الله، فلم تغن عنه ثروته الطائلة ولا جاهه الواسع. وأبو لهب عم رسول الله! ولكنه كان أجرأ الناس عليه، وأسرعهم إلى تكذيبه.
قال الرواة: صعد النبي على الصفا، ونادى:«يا بنى فهر، يا بنى عدى»- لبطون قريش كلها- حتى اجتمعوا. ومن عجز عن المجيء بعث مكانه من يأتيه بالخبر! وجاء أبو لهب وقريش، فقال النبى: «أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادى تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقى؟» قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا! قال: «فإنى لكم نذير بين يدى عذاب شديد»- وذكر أن الله أرسله- فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟! فنزلت السورة.. قيل: إنه أخذ يقذفه بالحجارة حتى أدمى عقبيه، وسواء صح ذلك أم لم يصح، فإن أبا لهب دون سائر الأعمام انفرد بالخصومة العنيفة، ولزمها إلى أن مات! وامتدت الخصومة إلى أولاده، فطلقوا زوجاتهم من بنات محمد!! وامتدت إلى زوجته، وكانت امرأة سليطة شريرة لدود العداوة، فبسطت لسانها في محمد، وتنقلت بين البيوت تهجوه. وزوجة أبى لهب أخت أبى سفيان سيد مكة وصاحب لوائها في الحروب.. وقد نزلت {تبت يدا أبي لهب وتب}. في الأيام الأولى للإسلام. وكان الرجل يستطيع تكذيبها بالدخول في الإسلام بعد ذلك، ولكنه بقى إلى أن مات عدوا للدين ومعتنقيه، فصدقت فيه. {سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد} والمرأة من بيت سيادة، فيبعد أن تشغل نفسها بحمل الحطب! والمقصود أنها تنقل ما يثير الوقيعة ويحرك الخصومات. وكذلك يفعل النمامون ومثيرو الفتن..
ويظهر أن أبا لهب حتى موته لم يكن يرى في رسول الله إلا أنه اليتيم الضعيف الذي كفله أبو طالب أخوه، فما لمح فيه ميراثا سماويا ولا سيرة ربانية، ولا تدبر ما يقرأ من آيات الله فتستنير بصيرته. لقد عاش أبو لهب أعمى ومات أعمى
مكية .
من المفصل .
آياتها 5 .
ترتيبها بالمصحف الحادية عشرة بعد المائة .
نزلت بعد سورة الفاتحة .
بدأت بالدعاء على أبي لهب " تبت يدا أبي لهب " . سميت سورة تبت لم يذكر لفظ الجلالة فيها .
سبب التسمية :
تُسَمَّى سُورَةُ تبَّت
.قال ابن عاشور:
سميت هذه السورة في أكثر المصاحف (سورة تبَّت) وكذلك عنونها الترمذي في (جامعه) وفي أكثر كتب التفسير، تسمية لها بأول كلمة فيها.
وسميت في بعض المصاحف وبعض التفاسير (سورة المَسَد). واقتصر في (الإِتقان) على هذين.
وسماها جمع من المفسرين (سورة أبي لهب) على تقدير: سورة ذِكْر أبي لهب.
وعنونها أبو حيان في (تفسيره) (سورة اللهب) ولم أره لغيره.
وعنونها ابن العربي في (أحكام القرآن) (سورة ما كان من أبي لهب) وهو عنوان وليس باسم.
وهي مكية بالاتفاق.
وعدّت السادسة من السور نزولًا، نزلت بعد سورة الفاتحة وقبل سورة التكوير.
وعدد آيها خمس.
سبب نزول السورة :
أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال : صعد رسول الله ذات يوم على الصفا فنادى : يا صباحاه ، فاجتمعت إليه قريش ، فقال : أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم تصدقوني ؟ قالوا : بلى ، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فقال أبو لهب : تباً لك ألهذا جمعتنا ، فأنزل الله ( تبت يدا أبي لهب وتب ) إلى أخرها .
محور مواضيع السورة
يَدُورُ مِحْوَرُ السُّورَةِ حَوْلَ هَلاَكِ( أَبِي لَهَب) عَدُوِّ الَّلهِ وَرَسُولِهِ ، الَّذِي كَانَ شَدِيدَ العَدَاءِ لِرَسُولِ الَّلهِ ، فَكَانَ يَتْرُكُ شُغْلَهُ وَيَتْبَعُ الرَّسُولَ ؛ لِيُفْسِدَ عَلَيْهِ دَعْوَتـَهُ ، وَيَصُدَّ النَّاسَ عَنِ الإِيمَانِ بـِهِ ، وَقَدْ تَوَعَّدَتـْهُ السُّورَةُ في الآخِرَةِ بِنَارٍ مُوقَدَةٍ يَصْلاَهَا وَيُشْوَى بِهَا ، وَقُرِنَتْ زَوْجَتُهُ بـِهِ في ذَلِكَ ، وَاخْتَصَّتْها بِلَوْنٍ مِنَ العَذَابِ الشَّدِيدِ ، هُوَ مَا يَكُونُ حَوْلَ عُنُقِهَا أَيْ حَبْلٌ مِنْ لِيفٍ تُجْذَبُ بـِهِ في النَّارِ ؛ زِيَادَةً في التَّنْكِيلِ وَالدَّمَار
قال البقاعي:
سورة المسد مقصودها البت والقطع الحتم بخسران الكافر ولو كان أقرب الخلق إلى أعظم الفائزين، اللازم عنه أن شارع الدين له من العظمة ما يقصر عنه الوصف، فهو يفعل ما يشاء لأنه لا كفو- له أصلا، حثا على التوحيد من سائر العبيد ولذلك بين سورة الإخلاص المقرون بضمان النصر وكثرة الأنصار، واسمها تبت واضح الدلالة على ذلك بتأمل السورة على هذه الصورة.
ومعظم مقصود السّورة تهديد أَبى لَهَب على الجفاءِ والإِعراض، وضياع كَسْبه وأَمره، وبيان ابتلائه يوم القيامة، وذمّ زَوْجه في إِيذاءِ النبي صلى الله عليه وسلم، وبيان ما هو مدّخَر لها من سوءِ العاقبة.
.قال ابن عاشور:
روي أن نزولها كان في السنة الرابعة من البعثة. وسبب نزولها على ما في (الصحيحين) عن ابن عباس قال: «صعِد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على الصفا فنادى: يا صَبَاحَاهْ. (كلمة ينادَى بها للإِنذار من عدوّ يصبّح القوم) فاجتمعت إليه قريش فقال: إني نذير لكم بين يديْ عذاب شديد أرأيتم لوْ أني أخبرتكم أن العدوّ مُمسيكم أو مصبّحكم أكنتم تصدقوني؟ قالوا: ما جرَّبنا عليك كذبًا، فقال أبو لهب: تبًّا لك سائرَ اليوم ألهذا جَمعتنا؟ فنزلت: {تبت يدا أبي لهب} (المسد: 1). ووقع في (الصحيحين) من رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت: {وأنذر عشيرتك الأقربين وقومك منهم المخلصين} خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا...» إلى آخر الحديث المتقدم.
ومعلوم أن آية: {وأنذر عشيرتك الأقربين} من سورة الشعراء، وهي متأخرة النزول عن سورة تبت، وتأويل ذلك أن آية تشبه آية سورة الشعراء نزلت قبل سورة أبي لهب لما رواه أبو أسامة يبلغ ابن عباس لما نزلت: {وأنذر عشيرتك الأقربين وقومك منهم المخلصين} (ولم يقل من سورة الشعراء) خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا... فتعين أن آية سورة الشعراء تشبه صدر الآية التي نزلت قبل نزول سورة أبي لهب.
أغراضها:
زجر أبي لهب على قوله: تبًا لك ألهذا جمعتنا؟ ووعيده على ذلك، ووعيد امرأته على انتصارها لزوجها، وبغضها النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ.
.قال الصابوني:
* سورة المسد مكية، وتسمى سورة اللهب، وسورة تبت، وقد تحدثت عن هلاك (أبي لهب) عدو الله ورسوله، الذي كان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم،، يترك شغله ويتبع الرسول صلى الله عليه وسلم، ليفسد عليه دعوته، ويصد الناس عن الأيمان به، وقد توعدته السورة في الآخرة، بنار موقدة يصلاها ويشوى بها، وقرنت زوجته به في ذلك، واختصتها بلون من العذاب شديد، هو حبل من ليف تجذب به في النار، زيادة في التنكيل والدمار.
قال سيد قطب
أبو لهب - (و اسمه عبد العزى بن عبد المطلب) هو عم النبي - صلى اللّه عليه وسلم - وإنما سمي أبو لهب لإشراق وجهه ، وكان هو وامرأته «أم جميل» من أشد الناس إيذاء لرسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وللدعوة التي جاء بها ..
قال ابن إسحاق : «حدثني حسين بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن عباس قال : سمعت ربيعة بن عباد الديلي يقول : «إني لمع أبي رجل شاب أنظر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتبع القبائل ، ووراءه رجل أحول ، وضيء الوجه ذو جمة ، يقف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على القبيلة فيقول « : يا بني فلان. إني رسول اللّه إليكم آمركم أن تعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن اللّه ما بعثني به» وإذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه : يا بني فلان. هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقمس ، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة ، فلا تسمعوا له ، ولا تتبعوه. فقلت لأبي :
من هذا؟ قال عمه أبو لهب. (و رواه الإمام أحمد والطبراني بهذا اللفظ).
فهذا نموذج من نماذج كيد أبي لهب للدعوة وللرسول صلى اللّه عليه وسلم ، وكانت زوجته أم جميل في عونه في هذه الحملة الدائبة الظالمة. (و هي أروى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان).
:
ولقد اتخذ أبو لهب موقفه هذا من رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - منذ اليوم الأول للدعوة. أخرج البخاري - بإسناده - عن ابن عباس ، أن النبي - صلى اللّه عليه وسلم - خرج إلى البطحاء ، فصعد الجبل فنادى :
«يا صباحاه» فاجتمعت إليه قريش ، فقال : أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم؟ أكنتم مصدقي؟
قالوا : نعم. قال : «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد». فقال أبو لهب. ألهذا جمعتنا؟ تبا لك. فأنزل اللّه «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ...» إلخ. وفي رواية فقام ينفض يديه وهو يقول : تبا لك سائر اليوم! ألهذا جمعتنا؟! فأنزل اللّه السورة.
ولما أجمع بنو هاشم بقيادة أبي طالب على حماية النبي - صلى اللّه عليه وسلم - ولو لم يكونوا على دينه ، تلبية لدافع العصبية القبلية ، خرج أبو لهب على إخوته ، وحالف عليهم قريشا ، وكان معهم في الصحيفة التي كتبوها بمقاطعة بني هاشم وتجويعهم كي يسلموا لهم محمدا صلى اللّه عليه وسلم.
كان أبو لهب خطب بنتي رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - رقية وأم كلثوم لولديه قبل بعثة النبي - صلى اللّه عليه وسلم - فلما كانت البعثة أمرهما بتطليقهما حتى يثقل كاهل محمد بهما! وهكذا مضى هو وزوجته أم جميل يثيرانها حربا شعواء على النبي - صلى اللّه عليه وسلم - وعلى الدعوة ، لا هوادة فيها ولا هدنة. وكان بيت أبي لهب قريبا من بيت رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - فكان الأذى أشد. وقد روي أن أم جميل كانت تحمل الشوك فتضعه في طريق النبي وقيل : إن حمل الحطب كناية عن سعيها بالأذى والفتنة والوقيعة.
:
نزلت هذه السورة ترد على هذه الحرب المعلنة من أبي لهب وامرأته. وتولى اللّه - سبحانه - عن رسوله - صلى اللّه عليه وسلم - أمر المعركة! «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ» .. والتباب الهلاك والبوار والقطع. «وتَبَّتْ» الأولى دعاء. «وَتَبَّ» الثانية تقرير لوقوع هذا الدعاء. ففي آية قصيرة واحدة في مطلع السورة تصدر الدعوة وتتحقق ، وتنتهي المعركة ويسدل الستار! فأما الذي يتلو آية المطلع فهو تقرير ووصف لما كان.
«ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ» .. لقد تبت يداه وهلكتا وتب هو وهلك. فلم يغن عنه ماله وسعيه ولم يدفع عنه الهلاك والدمار.
ذلك - كان - في الدنيا. أما في الآخرة فإنه : «سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ» .. ويذكر اللهب تصويرا وتشخيصا للنار وإيحاء بتوقدها وتلهبها.
«وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ» .. وستصلاها معه امرأته حالة كونها حمالة للحطب .. وحالة كونها : «فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ» .. أي من ليف .. تشد هي به في النار. أو هي الحبل الذي تشد به الحطب. على المعنى الحقيقي إن كان المراد هو الشوك. أو المعنى المجازي إن كان حمل الحطب كناية عن حمل الشر والسعي بالأذى والوقيعة.
:
وفي الأداء التعبيري للسورة تناسق دقيق ملحوظ مع موضوعها وجوها ، نقتطف في بيانه سطورا من كتاب :
«مشاهد القيامة في القرآن» نمهد بها لوقع هذه السورة في نفس أم جميل التي ذعرت لها وجن جنونها :
«أبو لهب. سيصلى نارا ذات لهب .. وامرأته حمالة الحطب. ستصلاها وفي عنقها حبل من مسد» ..
«تناسق في اللفظ ، وتناسق في الصورة. فجهنم هنا نار ذات لهب. يصلاها أبو لهب! وامرأته تحمل للحطب وتلقيه في طريق محمد لإيذائه (بمعناه الحقيقي أو المجازي) ... والحطب مما يوقد به اللهب. وهي تحزم الحطب بحبل. فعذابها في النار ذات اللهب أن تغل بحبل من مسد. ليتم الجزاء من جنس العمل ، وتتم الصورة بمحتوياتها الساذجة : الحطب والحبل. والنار واللهب. يصلى به أبو لهب وامرأته حمالة الحطب!
«وتناسق من لون آخر. في جرس الكلمات ، مع الصوت الذي يحدثه شد أحمال الحطب وجذب العنق بحبل من مسد. اقرأ : «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ» تجد فيها عنف الحزم والشد! الشبيه بحزم الحطب وشده.
والشبيه كذلك بغل العنق وجذبه. والشبيه بجو الحنق والتهديد الشائع في السورة.
:
«وهكذا يلتقي تناسق الجرس الموسيقي ، مع حركة العمل الصوتية ، بتناسق الصور في جزئياتها المتناسقة ، بتناسق الجناس اللفظي ومراعاة النظير في التعبير ، ويتسق مع جو السورة وسبب النزول. ويتم هذا كله في خمس فقرات قصار ، وفي سورة من أقصر سور القرآن».
هذا التناسق القوي في التعبير جعل أم جميل تحسب أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم قد هجاها بشعر.
وبخاصة حين انتشرت هذه السورة وما تحمله من تهديد ومذمة وتصوير زري لأم جميل خاصة. تصوير يثير السخرية من امرأة معجبة بنفسها ، مدلة بحسبها ونسبها. ثم ترتسم لها هذه الصورة : «حَمَّالَةَ الْحَطَبِ. فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ»! في هذا الأسلوب القوي الذي يشيع عند العرب! قال ابن إسحاق : فذكر لي أن أم جميل حمالة الحطب حين سمعت ما نزل فيها وفي زوجها من القرآن ، أتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة ، ومعه أبوبكر الصديق ، وفي يدها فهر (أي بمقدار ملء الكف) من حجارة. فلما وقفت عليهما أخذ اللّه ببصرها عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلا ترى إلا أبابكر. فقالت : يا أبابكر. أين صاحبك؟ قد بلغني أنه يهجوني. واللّه لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه. أما واللّه وإني لشاعرة! ثم قالت :
مذمما عصينا وأمره أبينا ثم انصرفت. فقال أبوبكر : يا رسول اللّه ، أما تراها رأتك؟ فقال : ما رأتني ، لقد أخذ اللّه ببصرها عني
:
وروى الحافظ أبوبكر البزار - بإسناده - عن ابن عباس قال : لما نزلت : «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ» جاءت امرأة أبي لهب ، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالس ومعه أبوبكر. فقال له أبوبكر : لو تنحيت لا تؤذيك بشي ء! فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : «إنه سيحال بيني وبينها» .. فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ، فقالت : يا أبابكر ، هجانا صاحبك. فقال أبوبكر : لا ورب هذه البنية ما ينطق بالشعر ولا يتفوه به ، فقالت : إنك لمصدق. فلما ولت قال أبوبكر : ما رأتك؟ قال : «لا. ما زال ملك يسترني حتى ولت» ..
فهكذا بلغ منها الغيظ والحنق ، من سيرورة هذا القول الذي حسبته شعرا (و كان الهجاء لا يكون إلا شعرا) مما نفاه لها أبوبكر وهو صادق! ولكن الصورة الزرية المثيرة للسخرية التي شاعت في آياتها ، قد سجلت في الكتاب الخالد ، وسجلتها صفحات الوجود أيضا تنطق بغضب اللّه وحربه لأبي لهب وامرأته جزاء الكيد لدعوة اللّه ورسوله ، والتباب والهلاك والسخرية والزراية جزاء الكائدين لدعوة اللّه في الدنيا ، والنار في الآخرة جزاء وفاقا ، والذل الذي يشير إليه الحبل في الدنيا والآخرة جميعا ...
:
قال محمد الغزالي:
{تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب} هذا دعاء بالهلاك على أبى لهب، استجابه الله، فلم تغن عنه ثروته الطائلة ولا جاهه الواسع. وأبو لهب عم رسول الله! ولكنه كان أجرأ الناس عليه، وأسرعهم إلى تكذيبه.
قال الرواة: صعد النبي على الصفا، ونادى:«يا بنى فهر، يا بنى عدى»- لبطون قريش كلها- حتى اجتمعوا. ومن عجز عن المجيء بعث مكانه من يأتيه بالخبر! وجاء أبو لهب وقريش، فقال النبى: «أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادى تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقى؟» قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا! قال: «فإنى لكم نذير بين يدى عذاب شديد»- وذكر أن الله أرسله- فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟! فنزلت السورة.. قيل: إنه أخذ يقذفه بالحجارة حتى أدمى عقبيه، وسواء صح ذلك أم لم يصح، فإن أبا لهب دون سائر الأعمام انفرد بالخصومة العنيفة، ولزمها إلى أن مات! وامتدت الخصومة إلى أولاده، فطلقوا زوجاتهم من بنات محمد!! وامتدت إلى زوجته، وكانت امرأة سليطة شريرة لدود العداوة، فبسطت لسانها في محمد، وتنقلت بين البيوت تهجوه. وزوجة أبى لهب أخت أبى سفيان سيد مكة وصاحب لوائها في الحروب.. وقد نزلت {تبت يدا أبي لهب وتب}. في الأيام الأولى للإسلام. وكان الرجل يستطيع تكذيبها بالدخول في الإسلام بعد ذلك، ولكنه بقى إلى أن مات عدوا للدين ومعتنقيه، فصدقت فيه. {سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد} والمرأة من بيت سيادة، فيبعد أن تشغل نفسها بحمل الحطب! والمقصود أنها تنقل ما يثير الوقيعة ويحرك الخصومات. وكذلك يفعل النمامون ومثيرو الفتن..
ويظهر أن أبا لهب حتى موته لم يكن يرى في رسول الله إلا أنه اليتيم الضعيف الذي كفله أبو طالب أخوه، فما لمح فيه ميراثا سماويا ولا سيرة ربانية، ولا تدبر ما يقرأ من آيات الله فتستنير بصيرته. لقد عاش أبو لهب أعمى ومات أعمى