мя Зάмояч
11-06-2023, 03:01 PM
التعريف بسورة الاخلاص :
مكية .
من المفصل .
آياته.
ترتيبها بالمصحف الثانية عشرة بعد المائة .
نزلت بعد سورة الناس .
بدأت بفعل أمر ( قل هو الله أحد ) .
سبب التسمية :
سُميت سُورَةُ الإِخْلاَصِ ؛ لمَا فِيهَا مِنَ التَّوْحِيدِ ، وَلِذَا سُميت أَيْضَاً سُورَةُ الأَسَاسِ ، وَقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، وَالتَّوْحِيدُ ، وَالإِيمَانُ وَلهَا غَيْرُ ذَلِكَ أَسْمَاءُ كَثِيرَةٌ
قال ابن عاشور:
المشهور في تسميتها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفيما جرى من لفظه وفي أكثر ما روي عن الصحابة تسميتُها سورة (قل هو الله أحد).
روى الترمذي عن أبي هريرة، وروى أحمد عن أبي مسعود الأنصاري وعن أم كلثوم بنت عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قل هو الله تعدِل ثلث القرآن» وهو ظاهر في أنه أراد تسميتها بتلك الجملة لأجل تأنيث الضمير من قوله: «تَعدل» فإنه على تأويلها بمعنى السورة.
وقد روي عن جمع من الصحابة ما فيه تسميتها بذلك، فذلك هو الاسم الوارد في السنة.
ويؤخذ من حديث البخاري عن إبراهيم عن أبي سعيد الخدري ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللَّهُ الواحد الصمد ثُلُثُ القرآن» فذكر ألفاظًا تخالف ما تقرأ به، ومحمله على إرادة التسمية. وذكر القرطبي أن رجلًا لم يسمه قرأ كذلك والناس يستمعون وادعى أن ما قرأ به هو الصواب وقد ذمه القرطبي وسبّه.
وسميت في أكثر المصاحف وفي معظم التفاسير وفي (جامع الترمذي): (سورة الإخلاص) واشتهر هذا الاسم لاختصاره وجمعه معاني هذه السورة لأن فيها تعليم الناس إخلاص العبادة لله تعالى، أي سلامة الإعتقاد من الإِشراك بالله غَيره في الإِلاهية.
:
سميت في بعض المصاحف التونسية (سورة التوحيد) لأنها تشتمل على إثبات أنه تعالى وأحد.
وفي (الإِتقان) أنها تسمى (سورة الأساس) لاشتمالها على توحيد الله وهو أساس الإِسلام. وفي (الكشاف): روى أبي وأنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أُسَّتْ السماوات السبع والأرضون السبع على{قل هو الله أحد}». يعني ما خلقت إلا لتكون دلائل على توحيد الله ومعرفة صفاته.
وذكر في الكشاف: أنها وسورة الكافرون تسميانِ المقشقشتين، أي المبرئتين من الشرك ومن النفاق.
وسماها البقاعي في (نظم الدرر) (سورة الصمد)، وهو من الأسماء التي جمعها الفخر. وقد عقد الفخر في (التفسير الكبير) فصلًا لأسماء هذه السورة فذكر لها عشرين اسمًا بإضافة عنوان سورة إلى كل اسم منها ولم يذكر أسانيدها فعليك بتتبعها على تفاوت فيها وهي: التفريد، والتجريد لأنه لم يذكر فيها سوى صفاته السلبية التي هي صفات الجلال، والتوحيد كذلك، والإخلاص لما ذكرناه آنفًا، والنجاة لأنها تنجي من الكفر في الدنيا ومن النار في الآخرة، والولاية لأن من عرف الله بوحدانيته فهو من أوليائه المؤمنين الذين لا يتولون غير الله والنِّسبة لما روي أنها نزلت لما قال المشركون: أنسُب لنا ربك، كما سيأتي، والمعرفة لأنها أحاطت بالصفات التي لا تتم معرفة الله إلا بمعرفتها والجَمال لأنها جمعت أصول صفات الله وهي أجمل الصفات وأكمَلها، ولما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله جميل يحب الجمال» فسألوه عن ذلك فقال: «أحد صمد لم يلد ولم يولد»، والمُقَشْقِشَة يقال: قشقش الدواءُ الجرب إذا أبرأه لأنها تقشقش من الشرك، وقد تقدم آنفًا أنه اسم لسورة الكافرون أيضًا، والمعوِّذة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن مظعون وهو مريض فعوّذه بها وبالسورتين اللتين بعدها وقال له: «تعوّذ بها». والصمد لأن هذا اللفظ خص بها، والأساس لأنها أساس العقيدة الإسلامية والمانعة لما روي: أنها تمنع عذابَ القبر ولفحات النار والمَحْضَرْ لأن الملائكة تحضر لاستماعها إذا قرئت. والمنفِّرة لأن الشيطان ينفر عند قراءتها والبرّاءة لأنها تبرِّئُ من الشرك، والمُذَكِّرة لأنها تذكر خالص التوحيد الذي هو مودَع في الفطرة، والنور لما روي: أن نور القرآن قل هو الله أحد، والأمان لأن من اعتقد ما فيها أمن من العذاب.
وبضميمة اسمها المشهور: {قل هو الله أحد} تبلغ أسماؤها اثنين وعشرين.
وقال الفيروز آبادي في (بصائر التمييز): إنها تسمى الشافية فتبلغ واحدًا وعشرين اسمًا.
سبب نزول السورة :
قال الإمام أحمد : إن المشركين قالوا للنبي : انسب لنا ربك ، فأنزل الله تعالى قُلْ هُوِاللّهُ أَحَدُ ) وعن ابن عباس (: قالت قريش : يا محمد صف لنا ربك الذي توعدنا إليه ، فنزلت ، وعنه أيضا أن السائل اليهود
محور مواضيع السورة
يَدُورُ مِحْوَرُ السُّورَةِ حَوْلَ صِفَاتِ الَّلهِ جَلَّ وَعَلاَ الوَاحِدِ الأَحَدِ ، الجَامِعِ لِصِفَاتِ الكَمَالِ ، المَقْصُودِ عَلَى الدَّوَامِ ، الغَنِيِّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ ، المُتَنَزِّهِ عَنْ صِفَاتِ النَّقْصِ ، وَعَنِ المُجَانَسَةِ وَالمُمَاثَلَةِ وَرَدَّتْ عَلَى النَّصَارَى القَائِلِينَ بالتَّثْلِيثِ ، وَعَلَى المُشْرِكِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا لِلَّهِ الذُّرِّيـَّةَ وَالبَنِينَ
قال البقاعي:
سورة الإخلاص وتسمى الأساس والمقشقشة وقل هو الله أحد، مقصودها بيان الحقيقة الذات الأقدس ببيان اختصاصه بالاتصاف بأقصى الكمال للدلالة على صحيح الإعتقاد للإخلاص في التوحيد بإثبات الكمال، ونفي الشوائب النقص والاختلال، المثمر لحسن الأقوال والأفعال، وثبات اللجاء والاعتماد في جميع الأحوال، وعلى ذلك دل اسمها الإخلاص الموجب للخلاص، وكذا الأساس والمقشقشة، قال في القاموس: المقشقشتان الكافرون والإخلاص أي المبرئتان من النفاق والشرك كما يقشقش الهناء الجرب، الهناء: القطران، وقال الإمام عبد الحق في كتابه الواعي: كما يبرئ المريض من علته إذا برئ منها- انتهى. وهو مأخوذ من القش بمعنى الجمع، فسميتا بذلك لأنها تتبعنا النفاق بجميع أنواعه، وكذا الشرك والكفر فجمعتاله ونفتاه بذلك لأنها تتبعنا النفاق بجميع أنواعه، وكذا الشرك والكفر فجمعناه ونفتاه عن قارئهما حق القراءة، وقد تقدم الكلام على هذا الاسم مبسوطا في براءة وكذا اسمها {قل هو الله أحد} دال على مقصوزدها بتأمل جميع السورة وما دعت إليه من معاني التبرئة اليسيرة الكثيرة، وهذه السورة أعظم مفيد للتوحيد في القرآن، قال الرازي: والتوحيد مقام يضيق عنه نطاق النطق لأنك إذا أخبرت عن الحق فهنالك مخبر عنه ومخبر به مجموعهما، وذلك ثلاث، فالعقل يعرفه ولكن النطق لا يصل إليه سئل الجنيد عن التوحيد فقال: معنى تضمحل فيه الرسوم وتتشوش فيه العلوم ويكون الله كما لم يزل وقال الجنيد أيضا: أشرف كلمة في التوحيد ما قاله الصديق رضي الله عنه: سبحانه من لم يجعل لخلقه سبيلا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته.
و معظم مقصود السّورة بيان الوحدانيّة، وذكر الصّمد، وتنزيه الحقّ من الولد والوالد والولادة، والبراءَة من الشركة والشريك في المملكة.
قال ابن عاشور:
السورة مكية في قول الجمهور، وقال قتادة والضحاك والسدي وأبو العالية والقرظي: هي مدنية ونسب كلا القولين إلى ابن عباس.
ومنشأ هذا الخلاف الاختلاف في سبب نزولها فروى الترمذي عن أبيّ بن كعب، وروَى عبيد العطار عن ابن مسعود، وأبو يعلى عن جابر بن عبد الله: أن قريشًا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم انْسُبْ لنا ربك. فنزلت {قل هو الله أحد…} إلى آخرها. فتكون مكية.
وروى أبو صالح عن ابن عباس: أن عامر بن الطفيل وأرْبَد بن ربيعة أخا لبيد أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عامر: إِلاَمَ تدعونا؟ قال: «إلى الله»، قال: صفه لنا أمن ذهب هُو، أم من فضة، أم من حديد، أم من خشب؟ يحسب لجهله أن الإِلاه صنم كأصنامهم من معدن أو خشب أو حجارة فنزلت هذه السورة، فتكون مدنية لأنهما ما أتياه إلا بعد الهجرة.
وقال الواحدي: إن أحبار اليهود (منهم حُيَيْ بن أخطب وكعب بن الأشرف) قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم صِف لنا ربّك لعلنا نؤمن بك، فنزلت.
والصحيح أنها مكية فإنها جمعت أصل التوحيد وهو الأكثر فيما نزل من القرآن بمكة، ولعل تأويل من قال: إنها نزلت حينما سأل عامر بن الطفيل وأربدُ، أو حينما سأل أحبارُ اليهود، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليهم هذه السورة، فظنها الراوي من الأنصار نزلت ساعتئذ أو لم يضبط الرواة عنهم عبارتهم تمام الضبط.
قال في (الإِتقان): وجمع بعضهم بين الروايتين بتكرر نزولها ثم ظهر لي ترجيح أنها مدنية كما بينته في (أسباب النزول) اهـ.
وعلى الأصح من أنها مكية عُدّت السورة الثانية والعشرين في عداد نزول السور نزلت بعد سورة الناس وقبل سورة النجم.
وآياتها عند أهل العدد بالمدينة والكوفة والبصرة أربع، وعند أهل مكة والشام خمس باعتبار{لم يلد} آية {ولم يولد} آية.
أغراضها:
إثبات وحدانية الله تعالى.
وأنه لا يقصد في الحوائج غيره وتنزيهه عن سمات المحدثات.
وإبطال أن يكون له ابن.
وإبطال أن يكون المولود إلاهًا مثل عيسى عليه السلام.
والأحاديث في فضائلها كثيرة وقد صح أنها تعدل ثلث القرآن. وتأويل هذا الحديث مذكور في شرح (الموطأ) و(الصحيحين). اهـ
.قال الصابوني:
* سورة الإخلاص مكية، وقد تحدثت عن صفات الله جل وعلا الواحد الأحد، الجامع لصفات الكمال، المقصود على الدوام، الغني عن كل ما سواه، المتنزه عن صفات النقص، وعن المجانسة والمماثلة، وردت على النصارى القائلين بالتثليث، وعلى المشركين الوثنئين، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، الذين جعلوا لله الذرية والبنين.
قال سيد قطب
هذه السورة الصغيرة تعدل ثلث القرآن كما جاء في الروايات الصحيحة. قال البخاري : حدثنا إسماعيل :
حدثني مالك عن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، عن أبيه ، عن أبي سعد ، أن رجلا سمع رجلا يقرأ : «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» يرددها. فلما أصبح جاء إلى النبي - صلى اللّه عليه وسلم - فذكر ذلك له - وكأن الرجل يتقالها - فقال النبي - صلى اللّه عليه وسلم - : «والذي نفسي بيده ، إنها لتعدل ثلاث القرآن» ..
وليس في هذا من غرابة. فإن الأحدية التي أمر رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - أن يعلنها : «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» .. هذه الأحدية عقيدة للضمير ، وتفسير للوجود ، ومنهج للحياة .. وقد تضمنت السورة - من ثم - أعرض الخطوط الرئيسية في حقيقة الإسلام الكبيرة ..
«قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» .. وهو لفظ أدق من لفظ «واحد» .. لأنه يضيف إلى معنى «واحد» أن لا شيء غيره معه. وأن ليس كمثله شيء.
إنها أحدية الوجود .. فليس هناك حقيقة إلا حقيقته. وليس هناك وجود حقيقي إلا وجوده. وكل موجود آخر فإنما يستمد وجوده من ذلك الوجود الحقيقي ، ويستمد حقيقته من تلك الحقيقة الذاتية.
وهي - من ثم - أحدية الفاعلية. فليس سواه فاعلا لشي ء ، أو فاعلا في شي ء ، في هذا الوجود أصلا.
وهذه عقيدة في الضمير وتفسير للوجود أيضا ..
:
إذا استقر هذا التفسير ، ووضح هذا التصور ، خلص القلب من كل غاشية ومن كل شائبة ، ومن كل تعلق بغير هذه الذات الواحدة المتفردة بحقيقة الوجود وحقيقة الفاعلية.
خلص من التعلق بشيء من أشياء هذا الوجود - إن لم يخلص من الشعور بوجود شيء من الأشياء أصلا! - فلا حقيقة لوجود إلا ذلك الوجود الإلهي. ولا حقيقة لفاعلية إلا فاعلية الإرادة الإلهية. فعلام يتعلق القلب بما لا حقيقة لوجوده ولا لفاعليته!
وحين يخلص القلب من الشعور بغير الحقيقة الواحدة ، ومن التعلق بغير هذه الحقيقة .. فعندئذ يتحرر من جميع القيود ، وينطلق من كل الأوهاق. يتحرر من الرغبة وهي أصل قيود كثيرة ، ويتحرر من الرهبة وهي أصل قيود كثيرة. وفيم يرغب وهو لا يفقد شيئا متى وجد اللّه؟ ومن ذا يرهب ولا وجود لفاعلية إلا للّه؟
ومتى استقر هذا التصور الذي لا يرى في الوجود إلا حقيقة اللّه ، فستصحبه رؤية هذه الحقيقة في كل وجود آخر انبثق عنها - وهذه درجة يرى فيها القلب يد اللّه في كل شيء يراه. ووراءها الدرجة التي لا يرى فيها شيئا في الكون إلا اللّه. لأنه لا حقيقة هناك يراها إلا حقيقة اللّه.
كذلك سيصحبه نفي فاعلية الأسباب. ورد كل شيء وكل حدث وكل حركة إلى السبب الأول الذي منه صدرت ، وبه تأثرت .. وهذه هي الحقيقة التي عني القرآن عناية كبيرة بتقريرها في التصور الإيماني. ومن ثم كان ينحي الأسباب الظاهرة دائما ويصل الأمور مباشرة بمشيئة اللّه : «وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى » ..
«وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» .. «وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ» .. وغيرها كثير ..
:
وبتنحية الأسباب الظاهرة كلها ، ورد الأمر إلى مشيئة اللّه وحدها ، تنسكب في القلب الطمأنينة ، ويعرف المتجه الوحيد الذي يطلب عنده ما يرغب ، ويتقي عنده ما يرهب ، ويسكن تجاه الفواعل والمؤثرات والأسباب الظاهرة التي لا حقيقة لها ولا وجود! وهذه هي مدارج الطريق التي حاولها المتصوفة ، فجذبتهم إلى بعيد! ذلك أن الإسلام يريد من الناس أن يسلكوا الطريق إلى هذه الحقيقة وهم يكابدون الحياة الواقعية بكل خصائصها ، ويزاولون الحياة البشرية ، والخلافة الأرضية بكل مقوّماتها ، شاعرين مع هذا أن لا حقيقة إلا اللّه. وأن لا وجود إلا وجوده. وأن لا فاعلية إلا فاعليته .. ولا يريد طريقا غير هذا الطريق! من هنا ينبثق منهج كامل للحياة ، قائم على ذلك التفسير وما يشيعه في النفس من تصورات ومشاعر واتجاهات :
منهج لعبادة اللّه وحده. الذي لا حقيقة لوجود إلا وجوده ، ولا حقيقة لفاعلية إلا فاعليته ، ولا أثر لإرادة إلا إرادته.
ومنهج للاتجاه إلى اللّه وحده في الرغبة والرهبة. في السراء والضراء. في النعماء والبأساء. وإلا فما جدوى التوجه إلى غير موجود وجودا حقيقيا ، وإلى غير فاعل في الوجود أصلا؟! ومنهج للتلقي عن اللّه وحده. تلقي العقيدة والتصور والقيم والموازين ، والشرائع والقوانين والأوضاع والنظم ، والآداب والتقاليد. فالتلقي لا يكون إلا عن الوجود الواحد والحقيقة المفردة في الواقع وفي الضمير.
ومنهج للتحرك والعمل للّه وحده .. ابتغاء القرب من الحقيقة ، وتطلعا إلى الخلاص من الحواجز المعوقة والشوائب المضللة. سواء في قرارة النفس أو فيما حولها من الأشياء والنفوس. ومن بينها حاجز الذات ، وقيد الرغبة والرهبة لشيء من أشياء هذا الوجود! ومنهج يربط - مع هذا - بين القلب البشري وبين كل موجود برباط الحب والأنس والتعاطف والتجاوب.
محور مواضيع السورة
ليس معنى الخلاص من قيودها هو كراهيتها والنفور منها والهروب من مزاولتها .. فكلها خارجة من يد اللّه وكلها تستمد وجودها من وجوده ، وكلها تفيض عليها أنوار هذه الحقيقة. فكلها إذن حبيب ، إذ كلها هدية من الحبيب!
وهو منهج رفيع طليق .. الأرض فيه صغيرة ، والحياة الدنيا قصيرة ، ومتاع الحياة الدنيا زهيد ، والانطلاق من هذه الحواجز والشوائب غاية وأمنية .. ولكن الانطلاق عند الإسلام ليس معناه الاعتزال ولا الإهمال ، ولا الكراهية ولا الهروب .. إنما معناه المحاولة المسترة ، والكفاح الدائم لترقية البشرية كلها ، وإطلاق الحياة البشرية جميعها .. ومن ثم فهي الخلافة والقيادة بكل أعبائهما ، مع التحرر والانطلاق بكل مقوماتهما. كما أسلفنا.
إن الخلاص عن طريق الصومعة سهل يسير. ولكن الإسلام لا يريده. لأن الخلافة في الأرض والقيادة للبشر طرف من المنهج الإلهي للخلاص. إنه طريق أشق ، ولكنه هو الذي يحقق إنسانية الإنسان. أي يحقق انتصار النفخة العلوية في كيانه .. وهذا هو الانطلاق. انطلاق الروح إلى مصدرها الإلهي ، وتحقيق حقيقتها العلوية. وهي تعمل في الميدان الذي اختاره لها خالقها الحكيم
:
من أجل هذا كله كانت الدعوة الأولى قاصرة على تقرير حقيقة التوحيد بصورتها هذه في القلوب. لأن التوحيد في هذه الصورة عقيدة للضمير ، وتفسير للوجود ، ومنهج للحياة. وليس كلمة تقال باللسان أو حتى صورة تستقر في الضمير. إنما هو الأمر كله ، والدين كله وما بعده من تفصيلات وتفريعات لا يعدو أن يكون الثمرة الطبيعية لاستقرار هذه الحقيقة بهذه الصورة في القلوب.
والانحرافات التي أصابت أهل الكتاب من قبل ، والتي أفسدت عقائدهم وتصوراتهم وحياتهم ، نشأت أول ما نشأت عن انطماس صورة التوحيد الخالص. ثم تبع هذا الانطماس ما تبعه من سائر الانحرافات.
على أن الذي تمتاز به صورة التوحيد في العقيدة الإسلامية هو تعمقها للحياة كلها ، وقيام الحياة على أساسها ، واتخاذها قاعدة للمنهج العملي الواقعي في الحياة ، تبدو آثاره في التشريع كما تبدو في الاعتقاد سواء. وأول هذه الآثار أن تكون شريعة اللّه وحدها هي التي تحكم الحياة. فإذا تخلفت هذه الآثار فإن عقيدة التوحيد لا تكون قائمة ، فإنها لا تقوم إلا ومعها آثارها محققة في كل ركن من أركان الحياة ..
:
ومعنى أن اللّه أحد : أنه الصمد. وأنه لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا أحد .. ولكن القرآن يذكر هذه التفريعات لزيادة التقرير والإيضاح :
«اللَّهُ الصَّمَدُ» .. ومعنى الصمد اللغوي : السيد المقصود الذي لا يقضى أمر إلا بإذنه. واللّه - سبحانه - هو السيد الذي لا سيد غيره ، فهو أحد في ألوهيته والكل له عبيد. وهو المقصود وحده بالحاجات ، المجيب وحده لأصحاب الحاجات. وهو الذي يقضي في كل أمر بإذنه ، ولا يقضي أحد معه .. وهذه الصفة متحققة ابتداء من كونه الفرد الأحد.
«لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ» .. فحقيقة اللّه ثابتة أبدية أزلية ، لا تعتورها حال بعد حال. صفتها الكمال المطلق في جميع الأحوال. والولادة انبثاق وامتداد ، ووجود زائد بعد نقص أو عدم ، وهو على اللّه محال. ثم هي تقتضي زوجية. تقوم على التماثل. وهذه كذلك محال. ومن ثم فإن صفة «أَحَدٌ» تتضمن نفي الوالد والولد ..
«وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ» .. أي لم يوجد له مماثل أو مكافئ. لا في حقيقة الوجود ، ولا في حقيقة الفاعلية ، ولا في أية صفة من الصفات الذاتية. وهذا كذلك يتحقق بأنه «أَحَدٌ» ولكن هذا توكيد وتفصيل .. وهو نفي للعقيدة الثنائية التي تزعم أن اللّه هو إله الخير وأن للشر إلها يعاكس اللّه - بزعمهم - ويعكس عليه أعماله الخيرة وينشر الفساد في الأرض. وأشهر العقائد الثنائية كانت عقيدة الفرس في إله النور وإله الظلام ، وكانت معروفة في جنوبي الجزيرة حيث للفرس دولة وسلطان!! هذه السورة إثبات وتقرير لعقيدة التوحيد الإسلامية ، كما أن سورة «الكافرون» نفي لأي تشابه أو التقاء بين عقيدة التوحيد وعقيدة الشرك .. وكل منهما تعالج حقيقة التوحيد من وجه. وقد كان الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - يستفتح يومه - في صلاة سنة الفجر - بالقراءة بهاتين السورتين .. وكان لهذا الافتتاح معناه ومغزاه ..
قال محمد الغزالي:
رب العالمين وأحد، لا ثانى له ولا ثالث، لا صاحبة له ولا ولد. والصفات التي أسندها لذاته العليا، تجعل ماعداه صفرا، وتجعل القول به عبثا {وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله وأحد فإياي فارهبون}، {... ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله وأحد سبحانه أن يكون له ولد}. والتوحيد روح الإسلام ولباب القرآن. وما نسبه الله إلى نفسه من صفات يجعل ماعداه عبدا عاجزا لا يملك لنفسه ولا لغيره ضرا ولا نفعا، فأين هو؟ ولماذا لم يقبل التحدى؟ وننبه هنا إلى ما سقناه من قبل من أدلة عقلية على التوحيد {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون}. وفى موضع آخر يقول: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}. والقائلون بالتثليث يرون أن الآلهة ثلاثة، وإن كانوا في الحقيقة إلها واحدًا، فهم أب وابن وروح قدس، ولا يتصور بينهم خلاف! فما يقولون في قضية الصلب؟ إذا كان الثلاثة واحدًا، فإن المصلوب هم الجميع، وفقد العالم ربه حينا من الدهر. وإن كان المصلوب الابن وحده، فليس بإله يقينا! ولمن شاء أن يعتنق ما شاء. ما نحجر على إيمان أحد، ولكننا فقط ننصف كتابنا وعقيدتنا، فنحن نتلقى التهم من كل جهة..!! وسورة الإخلاص سطر وأحد: {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد}. وهى تعدل ثلث القرآن لأنها لخصت أصل الاعتقاد عندنا.
فالله ليس كمثله شيء. ولم يكن له أحد كفء ويستحيل أن يكون أبا أو ابنا. وهو الصمد أي السيد الذي يقصده كل من في السموات والأرض. ماذا يملك غيره؟ إن النظام العالمى السارى في الملكوت لا يتحمل تعدد الآلهة. ومن السخف أن تحسب للشمس إلها، وللأرض إلها، أو أن للحيوان إلها وللنبات إلها، أو أن لإفريقية إلها ولأوروبا إلها. إن النظام الكونى وأحد تضبطه إرادة واحدة وتصوغه قدرة واحدة. والذى يشرف على إفرازات الهضم في أمعاء الأحياء هو الذي يشرف على مسارات الأفلاك في أقاصى الآفاق. وفالق الحب والنوى في الحقول والحدائق هو فالق الإصباح في عالمنا، وفالق الشروق والغروب في المجرات التي لا نراها! إننا بعد إعمال الفكر وإدمان النظر، لا نملك إلا نقول: {لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير}.
مكية .
من المفصل .
آياته.
ترتيبها بالمصحف الثانية عشرة بعد المائة .
نزلت بعد سورة الناس .
بدأت بفعل أمر ( قل هو الله أحد ) .
سبب التسمية :
سُميت سُورَةُ الإِخْلاَصِ ؛ لمَا فِيهَا مِنَ التَّوْحِيدِ ، وَلِذَا سُميت أَيْضَاً سُورَةُ الأَسَاسِ ، وَقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، وَالتَّوْحِيدُ ، وَالإِيمَانُ وَلهَا غَيْرُ ذَلِكَ أَسْمَاءُ كَثِيرَةٌ
قال ابن عاشور:
المشهور في تسميتها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفيما جرى من لفظه وفي أكثر ما روي عن الصحابة تسميتُها سورة (قل هو الله أحد).
روى الترمذي عن أبي هريرة، وروى أحمد عن أبي مسعود الأنصاري وعن أم كلثوم بنت عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قل هو الله تعدِل ثلث القرآن» وهو ظاهر في أنه أراد تسميتها بتلك الجملة لأجل تأنيث الضمير من قوله: «تَعدل» فإنه على تأويلها بمعنى السورة.
وقد روي عن جمع من الصحابة ما فيه تسميتها بذلك، فذلك هو الاسم الوارد في السنة.
ويؤخذ من حديث البخاري عن إبراهيم عن أبي سعيد الخدري ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللَّهُ الواحد الصمد ثُلُثُ القرآن» فذكر ألفاظًا تخالف ما تقرأ به، ومحمله على إرادة التسمية. وذكر القرطبي أن رجلًا لم يسمه قرأ كذلك والناس يستمعون وادعى أن ما قرأ به هو الصواب وقد ذمه القرطبي وسبّه.
وسميت في أكثر المصاحف وفي معظم التفاسير وفي (جامع الترمذي): (سورة الإخلاص) واشتهر هذا الاسم لاختصاره وجمعه معاني هذه السورة لأن فيها تعليم الناس إخلاص العبادة لله تعالى، أي سلامة الإعتقاد من الإِشراك بالله غَيره في الإِلاهية.
:
سميت في بعض المصاحف التونسية (سورة التوحيد) لأنها تشتمل على إثبات أنه تعالى وأحد.
وفي (الإِتقان) أنها تسمى (سورة الأساس) لاشتمالها على توحيد الله وهو أساس الإِسلام. وفي (الكشاف): روى أبي وأنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أُسَّتْ السماوات السبع والأرضون السبع على{قل هو الله أحد}». يعني ما خلقت إلا لتكون دلائل على توحيد الله ومعرفة صفاته.
وذكر في الكشاف: أنها وسورة الكافرون تسميانِ المقشقشتين، أي المبرئتين من الشرك ومن النفاق.
وسماها البقاعي في (نظم الدرر) (سورة الصمد)، وهو من الأسماء التي جمعها الفخر. وقد عقد الفخر في (التفسير الكبير) فصلًا لأسماء هذه السورة فذكر لها عشرين اسمًا بإضافة عنوان سورة إلى كل اسم منها ولم يذكر أسانيدها فعليك بتتبعها على تفاوت فيها وهي: التفريد، والتجريد لأنه لم يذكر فيها سوى صفاته السلبية التي هي صفات الجلال، والتوحيد كذلك، والإخلاص لما ذكرناه آنفًا، والنجاة لأنها تنجي من الكفر في الدنيا ومن النار في الآخرة، والولاية لأن من عرف الله بوحدانيته فهو من أوليائه المؤمنين الذين لا يتولون غير الله والنِّسبة لما روي أنها نزلت لما قال المشركون: أنسُب لنا ربك، كما سيأتي، والمعرفة لأنها أحاطت بالصفات التي لا تتم معرفة الله إلا بمعرفتها والجَمال لأنها جمعت أصول صفات الله وهي أجمل الصفات وأكمَلها، ولما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله جميل يحب الجمال» فسألوه عن ذلك فقال: «أحد صمد لم يلد ولم يولد»، والمُقَشْقِشَة يقال: قشقش الدواءُ الجرب إذا أبرأه لأنها تقشقش من الشرك، وقد تقدم آنفًا أنه اسم لسورة الكافرون أيضًا، والمعوِّذة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن مظعون وهو مريض فعوّذه بها وبالسورتين اللتين بعدها وقال له: «تعوّذ بها». والصمد لأن هذا اللفظ خص بها، والأساس لأنها أساس العقيدة الإسلامية والمانعة لما روي: أنها تمنع عذابَ القبر ولفحات النار والمَحْضَرْ لأن الملائكة تحضر لاستماعها إذا قرئت. والمنفِّرة لأن الشيطان ينفر عند قراءتها والبرّاءة لأنها تبرِّئُ من الشرك، والمُذَكِّرة لأنها تذكر خالص التوحيد الذي هو مودَع في الفطرة، والنور لما روي: أن نور القرآن قل هو الله أحد، والأمان لأن من اعتقد ما فيها أمن من العذاب.
وبضميمة اسمها المشهور: {قل هو الله أحد} تبلغ أسماؤها اثنين وعشرين.
وقال الفيروز آبادي في (بصائر التمييز): إنها تسمى الشافية فتبلغ واحدًا وعشرين اسمًا.
سبب نزول السورة :
قال الإمام أحمد : إن المشركين قالوا للنبي : انسب لنا ربك ، فأنزل الله تعالى قُلْ هُوِاللّهُ أَحَدُ ) وعن ابن عباس (: قالت قريش : يا محمد صف لنا ربك الذي توعدنا إليه ، فنزلت ، وعنه أيضا أن السائل اليهود
محور مواضيع السورة
يَدُورُ مِحْوَرُ السُّورَةِ حَوْلَ صِفَاتِ الَّلهِ جَلَّ وَعَلاَ الوَاحِدِ الأَحَدِ ، الجَامِعِ لِصِفَاتِ الكَمَالِ ، المَقْصُودِ عَلَى الدَّوَامِ ، الغَنِيِّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ ، المُتَنَزِّهِ عَنْ صِفَاتِ النَّقْصِ ، وَعَنِ المُجَانَسَةِ وَالمُمَاثَلَةِ وَرَدَّتْ عَلَى النَّصَارَى القَائِلِينَ بالتَّثْلِيثِ ، وَعَلَى المُشْرِكِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا لِلَّهِ الذُّرِّيـَّةَ وَالبَنِينَ
قال البقاعي:
سورة الإخلاص وتسمى الأساس والمقشقشة وقل هو الله أحد، مقصودها بيان الحقيقة الذات الأقدس ببيان اختصاصه بالاتصاف بأقصى الكمال للدلالة على صحيح الإعتقاد للإخلاص في التوحيد بإثبات الكمال، ونفي الشوائب النقص والاختلال، المثمر لحسن الأقوال والأفعال، وثبات اللجاء والاعتماد في جميع الأحوال، وعلى ذلك دل اسمها الإخلاص الموجب للخلاص، وكذا الأساس والمقشقشة، قال في القاموس: المقشقشتان الكافرون والإخلاص أي المبرئتان من النفاق والشرك كما يقشقش الهناء الجرب، الهناء: القطران، وقال الإمام عبد الحق في كتابه الواعي: كما يبرئ المريض من علته إذا برئ منها- انتهى. وهو مأخوذ من القش بمعنى الجمع، فسميتا بذلك لأنها تتبعنا النفاق بجميع أنواعه، وكذا الشرك والكفر فجمعتاله ونفتاه بذلك لأنها تتبعنا النفاق بجميع أنواعه، وكذا الشرك والكفر فجمعناه ونفتاه عن قارئهما حق القراءة، وقد تقدم الكلام على هذا الاسم مبسوطا في براءة وكذا اسمها {قل هو الله أحد} دال على مقصوزدها بتأمل جميع السورة وما دعت إليه من معاني التبرئة اليسيرة الكثيرة، وهذه السورة أعظم مفيد للتوحيد في القرآن، قال الرازي: والتوحيد مقام يضيق عنه نطاق النطق لأنك إذا أخبرت عن الحق فهنالك مخبر عنه ومخبر به مجموعهما، وذلك ثلاث، فالعقل يعرفه ولكن النطق لا يصل إليه سئل الجنيد عن التوحيد فقال: معنى تضمحل فيه الرسوم وتتشوش فيه العلوم ويكون الله كما لم يزل وقال الجنيد أيضا: أشرف كلمة في التوحيد ما قاله الصديق رضي الله عنه: سبحانه من لم يجعل لخلقه سبيلا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته.
و معظم مقصود السّورة بيان الوحدانيّة، وذكر الصّمد، وتنزيه الحقّ من الولد والوالد والولادة، والبراءَة من الشركة والشريك في المملكة.
قال ابن عاشور:
السورة مكية في قول الجمهور، وقال قتادة والضحاك والسدي وأبو العالية والقرظي: هي مدنية ونسب كلا القولين إلى ابن عباس.
ومنشأ هذا الخلاف الاختلاف في سبب نزولها فروى الترمذي عن أبيّ بن كعب، وروَى عبيد العطار عن ابن مسعود، وأبو يعلى عن جابر بن عبد الله: أن قريشًا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم انْسُبْ لنا ربك. فنزلت {قل هو الله أحد…} إلى آخرها. فتكون مكية.
وروى أبو صالح عن ابن عباس: أن عامر بن الطفيل وأرْبَد بن ربيعة أخا لبيد أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عامر: إِلاَمَ تدعونا؟ قال: «إلى الله»، قال: صفه لنا أمن ذهب هُو، أم من فضة، أم من حديد، أم من خشب؟ يحسب لجهله أن الإِلاه صنم كأصنامهم من معدن أو خشب أو حجارة فنزلت هذه السورة، فتكون مدنية لأنهما ما أتياه إلا بعد الهجرة.
وقال الواحدي: إن أحبار اليهود (منهم حُيَيْ بن أخطب وكعب بن الأشرف) قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم صِف لنا ربّك لعلنا نؤمن بك، فنزلت.
والصحيح أنها مكية فإنها جمعت أصل التوحيد وهو الأكثر فيما نزل من القرآن بمكة، ولعل تأويل من قال: إنها نزلت حينما سأل عامر بن الطفيل وأربدُ، أو حينما سأل أحبارُ اليهود، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليهم هذه السورة، فظنها الراوي من الأنصار نزلت ساعتئذ أو لم يضبط الرواة عنهم عبارتهم تمام الضبط.
قال في (الإِتقان): وجمع بعضهم بين الروايتين بتكرر نزولها ثم ظهر لي ترجيح أنها مدنية كما بينته في (أسباب النزول) اهـ.
وعلى الأصح من أنها مكية عُدّت السورة الثانية والعشرين في عداد نزول السور نزلت بعد سورة الناس وقبل سورة النجم.
وآياتها عند أهل العدد بالمدينة والكوفة والبصرة أربع، وعند أهل مكة والشام خمس باعتبار{لم يلد} آية {ولم يولد} آية.
أغراضها:
إثبات وحدانية الله تعالى.
وأنه لا يقصد في الحوائج غيره وتنزيهه عن سمات المحدثات.
وإبطال أن يكون له ابن.
وإبطال أن يكون المولود إلاهًا مثل عيسى عليه السلام.
والأحاديث في فضائلها كثيرة وقد صح أنها تعدل ثلث القرآن. وتأويل هذا الحديث مذكور في شرح (الموطأ) و(الصحيحين). اهـ
.قال الصابوني:
* سورة الإخلاص مكية، وقد تحدثت عن صفات الله جل وعلا الواحد الأحد، الجامع لصفات الكمال، المقصود على الدوام، الغني عن كل ما سواه، المتنزه عن صفات النقص، وعن المجانسة والمماثلة، وردت على النصارى القائلين بالتثليث، وعلى المشركين الوثنئين، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، الذين جعلوا لله الذرية والبنين.
قال سيد قطب
هذه السورة الصغيرة تعدل ثلث القرآن كما جاء في الروايات الصحيحة. قال البخاري : حدثنا إسماعيل :
حدثني مالك عن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، عن أبيه ، عن أبي سعد ، أن رجلا سمع رجلا يقرأ : «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» يرددها. فلما أصبح جاء إلى النبي - صلى اللّه عليه وسلم - فذكر ذلك له - وكأن الرجل يتقالها - فقال النبي - صلى اللّه عليه وسلم - : «والذي نفسي بيده ، إنها لتعدل ثلاث القرآن» ..
وليس في هذا من غرابة. فإن الأحدية التي أمر رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - أن يعلنها : «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» .. هذه الأحدية عقيدة للضمير ، وتفسير للوجود ، ومنهج للحياة .. وقد تضمنت السورة - من ثم - أعرض الخطوط الرئيسية في حقيقة الإسلام الكبيرة ..
«قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» .. وهو لفظ أدق من لفظ «واحد» .. لأنه يضيف إلى معنى «واحد» أن لا شيء غيره معه. وأن ليس كمثله شيء.
إنها أحدية الوجود .. فليس هناك حقيقة إلا حقيقته. وليس هناك وجود حقيقي إلا وجوده. وكل موجود آخر فإنما يستمد وجوده من ذلك الوجود الحقيقي ، ويستمد حقيقته من تلك الحقيقة الذاتية.
وهي - من ثم - أحدية الفاعلية. فليس سواه فاعلا لشي ء ، أو فاعلا في شي ء ، في هذا الوجود أصلا.
وهذه عقيدة في الضمير وتفسير للوجود أيضا ..
:
إذا استقر هذا التفسير ، ووضح هذا التصور ، خلص القلب من كل غاشية ومن كل شائبة ، ومن كل تعلق بغير هذه الذات الواحدة المتفردة بحقيقة الوجود وحقيقة الفاعلية.
خلص من التعلق بشيء من أشياء هذا الوجود - إن لم يخلص من الشعور بوجود شيء من الأشياء أصلا! - فلا حقيقة لوجود إلا ذلك الوجود الإلهي. ولا حقيقة لفاعلية إلا فاعلية الإرادة الإلهية. فعلام يتعلق القلب بما لا حقيقة لوجوده ولا لفاعليته!
وحين يخلص القلب من الشعور بغير الحقيقة الواحدة ، ومن التعلق بغير هذه الحقيقة .. فعندئذ يتحرر من جميع القيود ، وينطلق من كل الأوهاق. يتحرر من الرغبة وهي أصل قيود كثيرة ، ويتحرر من الرهبة وهي أصل قيود كثيرة. وفيم يرغب وهو لا يفقد شيئا متى وجد اللّه؟ ومن ذا يرهب ولا وجود لفاعلية إلا للّه؟
ومتى استقر هذا التصور الذي لا يرى في الوجود إلا حقيقة اللّه ، فستصحبه رؤية هذه الحقيقة في كل وجود آخر انبثق عنها - وهذه درجة يرى فيها القلب يد اللّه في كل شيء يراه. ووراءها الدرجة التي لا يرى فيها شيئا في الكون إلا اللّه. لأنه لا حقيقة هناك يراها إلا حقيقة اللّه.
كذلك سيصحبه نفي فاعلية الأسباب. ورد كل شيء وكل حدث وكل حركة إلى السبب الأول الذي منه صدرت ، وبه تأثرت .. وهذه هي الحقيقة التي عني القرآن عناية كبيرة بتقريرها في التصور الإيماني. ومن ثم كان ينحي الأسباب الظاهرة دائما ويصل الأمور مباشرة بمشيئة اللّه : «وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى » ..
«وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» .. «وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ» .. وغيرها كثير ..
:
وبتنحية الأسباب الظاهرة كلها ، ورد الأمر إلى مشيئة اللّه وحدها ، تنسكب في القلب الطمأنينة ، ويعرف المتجه الوحيد الذي يطلب عنده ما يرغب ، ويتقي عنده ما يرهب ، ويسكن تجاه الفواعل والمؤثرات والأسباب الظاهرة التي لا حقيقة لها ولا وجود! وهذه هي مدارج الطريق التي حاولها المتصوفة ، فجذبتهم إلى بعيد! ذلك أن الإسلام يريد من الناس أن يسلكوا الطريق إلى هذه الحقيقة وهم يكابدون الحياة الواقعية بكل خصائصها ، ويزاولون الحياة البشرية ، والخلافة الأرضية بكل مقوّماتها ، شاعرين مع هذا أن لا حقيقة إلا اللّه. وأن لا وجود إلا وجوده. وأن لا فاعلية إلا فاعليته .. ولا يريد طريقا غير هذا الطريق! من هنا ينبثق منهج كامل للحياة ، قائم على ذلك التفسير وما يشيعه في النفس من تصورات ومشاعر واتجاهات :
منهج لعبادة اللّه وحده. الذي لا حقيقة لوجود إلا وجوده ، ولا حقيقة لفاعلية إلا فاعليته ، ولا أثر لإرادة إلا إرادته.
ومنهج للاتجاه إلى اللّه وحده في الرغبة والرهبة. في السراء والضراء. في النعماء والبأساء. وإلا فما جدوى التوجه إلى غير موجود وجودا حقيقيا ، وإلى غير فاعل في الوجود أصلا؟! ومنهج للتلقي عن اللّه وحده. تلقي العقيدة والتصور والقيم والموازين ، والشرائع والقوانين والأوضاع والنظم ، والآداب والتقاليد. فالتلقي لا يكون إلا عن الوجود الواحد والحقيقة المفردة في الواقع وفي الضمير.
ومنهج للتحرك والعمل للّه وحده .. ابتغاء القرب من الحقيقة ، وتطلعا إلى الخلاص من الحواجز المعوقة والشوائب المضللة. سواء في قرارة النفس أو فيما حولها من الأشياء والنفوس. ومن بينها حاجز الذات ، وقيد الرغبة والرهبة لشيء من أشياء هذا الوجود! ومنهج يربط - مع هذا - بين القلب البشري وبين كل موجود برباط الحب والأنس والتعاطف والتجاوب.
محور مواضيع السورة
ليس معنى الخلاص من قيودها هو كراهيتها والنفور منها والهروب من مزاولتها .. فكلها خارجة من يد اللّه وكلها تستمد وجودها من وجوده ، وكلها تفيض عليها أنوار هذه الحقيقة. فكلها إذن حبيب ، إذ كلها هدية من الحبيب!
وهو منهج رفيع طليق .. الأرض فيه صغيرة ، والحياة الدنيا قصيرة ، ومتاع الحياة الدنيا زهيد ، والانطلاق من هذه الحواجز والشوائب غاية وأمنية .. ولكن الانطلاق عند الإسلام ليس معناه الاعتزال ولا الإهمال ، ولا الكراهية ولا الهروب .. إنما معناه المحاولة المسترة ، والكفاح الدائم لترقية البشرية كلها ، وإطلاق الحياة البشرية جميعها .. ومن ثم فهي الخلافة والقيادة بكل أعبائهما ، مع التحرر والانطلاق بكل مقوماتهما. كما أسلفنا.
إن الخلاص عن طريق الصومعة سهل يسير. ولكن الإسلام لا يريده. لأن الخلافة في الأرض والقيادة للبشر طرف من المنهج الإلهي للخلاص. إنه طريق أشق ، ولكنه هو الذي يحقق إنسانية الإنسان. أي يحقق انتصار النفخة العلوية في كيانه .. وهذا هو الانطلاق. انطلاق الروح إلى مصدرها الإلهي ، وتحقيق حقيقتها العلوية. وهي تعمل في الميدان الذي اختاره لها خالقها الحكيم
:
من أجل هذا كله كانت الدعوة الأولى قاصرة على تقرير حقيقة التوحيد بصورتها هذه في القلوب. لأن التوحيد في هذه الصورة عقيدة للضمير ، وتفسير للوجود ، ومنهج للحياة. وليس كلمة تقال باللسان أو حتى صورة تستقر في الضمير. إنما هو الأمر كله ، والدين كله وما بعده من تفصيلات وتفريعات لا يعدو أن يكون الثمرة الطبيعية لاستقرار هذه الحقيقة بهذه الصورة في القلوب.
والانحرافات التي أصابت أهل الكتاب من قبل ، والتي أفسدت عقائدهم وتصوراتهم وحياتهم ، نشأت أول ما نشأت عن انطماس صورة التوحيد الخالص. ثم تبع هذا الانطماس ما تبعه من سائر الانحرافات.
على أن الذي تمتاز به صورة التوحيد في العقيدة الإسلامية هو تعمقها للحياة كلها ، وقيام الحياة على أساسها ، واتخاذها قاعدة للمنهج العملي الواقعي في الحياة ، تبدو آثاره في التشريع كما تبدو في الاعتقاد سواء. وأول هذه الآثار أن تكون شريعة اللّه وحدها هي التي تحكم الحياة. فإذا تخلفت هذه الآثار فإن عقيدة التوحيد لا تكون قائمة ، فإنها لا تقوم إلا ومعها آثارها محققة في كل ركن من أركان الحياة ..
:
ومعنى أن اللّه أحد : أنه الصمد. وأنه لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا أحد .. ولكن القرآن يذكر هذه التفريعات لزيادة التقرير والإيضاح :
«اللَّهُ الصَّمَدُ» .. ومعنى الصمد اللغوي : السيد المقصود الذي لا يقضى أمر إلا بإذنه. واللّه - سبحانه - هو السيد الذي لا سيد غيره ، فهو أحد في ألوهيته والكل له عبيد. وهو المقصود وحده بالحاجات ، المجيب وحده لأصحاب الحاجات. وهو الذي يقضي في كل أمر بإذنه ، ولا يقضي أحد معه .. وهذه الصفة متحققة ابتداء من كونه الفرد الأحد.
«لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ» .. فحقيقة اللّه ثابتة أبدية أزلية ، لا تعتورها حال بعد حال. صفتها الكمال المطلق في جميع الأحوال. والولادة انبثاق وامتداد ، ووجود زائد بعد نقص أو عدم ، وهو على اللّه محال. ثم هي تقتضي زوجية. تقوم على التماثل. وهذه كذلك محال. ومن ثم فإن صفة «أَحَدٌ» تتضمن نفي الوالد والولد ..
«وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ» .. أي لم يوجد له مماثل أو مكافئ. لا في حقيقة الوجود ، ولا في حقيقة الفاعلية ، ولا في أية صفة من الصفات الذاتية. وهذا كذلك يتحقق بأنه «أَحَدٌ» ولكن هذا توكيد وتفصيل .. وهو نفي للعقيدة الثنائية التي تزعم أن اللّه هو إله الخير وأن للشر إلها يعاكس اللّه - بزعمهم - ويعكس عليه أعماله الخيرة وينشر الفساد في الأرض. وأشهر العقائد الثنائية كانت عقيدة الفرس في إله النور وإله الظلام ، وكانت معروفة في جنوبي الجزيرة حيث للفرس دولة وسلطان!! هذه السورة إثبات وتقرير لعقيدة التوحيد الإسلامية ، كما أن سورة «الكافرون» نفي لأي تشابه أو التقاء بين عقيدة التوحيد وعقيدة الشرك .. وكل منهما تعالج حقيقة التوحيد من وجه. وقد كان الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - يستفتح يومه - في صلاة سنة الفجر - بالقراءة بهاتين السورتين .. وكان لهذا الافتتاح معناه ومغزاه ..
قال محمد الغزالي:
رب العالمين وأحد، لا ثانى له ولا ثالث، لا صاحبة له ولا ولد. والصفات التي أسندها لذاته العليا، تجعل ماعداه صفرا، وتجعل القول به عبثا {وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله وأحد فإياي فارهبون}، {... ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله وأحد سبحانه أن يكون له ولد}. والتوحيد روح الإسلام ولباب القرآن. وما نسبه الله إلى نفسه من صفات يجعل ماعداه عبدا عاجزا لا يملك لنفسه ولا لغيره ضرا ولا نفعا، فأين هو؟ ولماذا لم يقبل التحدى؟ وننبه هنا إلى ما سقناه من قبل من أدلة عقلية على التوحيد {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون}. وفى موضع آخر يقول: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}. والقائلون بالتثليث يرون أن الآلهة ثلاثة، وإن كانوا في الحقيقة إلها واحدًا، فهم أب وابن وروح قدس، ولا يتصور بينهم خلاف! فما يقولون في قضية الصلب؟ إذا كان الثلاثة واحدًا، فإن المصلوب هم الجميع، وفقد العالم ربه حينا من الدهر. وإن كان المصلوب الابن وحده، فليس بإله يقينا! ولمن شاء أن يعتنق ما شاء. ما نحجر على إيمان أحد، ولكننا فقط ننصف كتابنا وعقيدتنا، فنحن نتلقى التهم من كل جهة..!! وسورة الإخلاص سطر وأحد: {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد}. وهى تعدل ثلث القرآن لأنها لخصت أصل الاعتقاد عندنا.
فالله ليس كمثله شيء. ولم يكن له أحد كفء ويستحيل أن يكون أبا أو ابنا. وهو الصمد أي السيد الذي يقصده كل من في السموات والأرض. ماذا يملك غيره؟ إن النظام العالمى السارى في الملكوت لا يتحمل تعدد الآلهة. ومن السخف أن تحسب للشمس إلها، وللأرض إلها، أو أن للحيوان إلها وللنبات إلها، أو أن لإفريقية إلها ولأوروبا إلها. إن النظام الكونى وأحد تضبطه إرادة واحدة وتصوغه قدرة واحدة. والذى يشرف على إفرازات الهضم في أمعاء الأحياء هو الذي يشرف على مسارات الأفلاك في أقاصى الآفاق. وفالق الحب والنوى في الحقول والحدائق هو فالق الإصباح في عالمنا، وفالق الشروق والغروب في المجرات التي لا نراها! إننا بعد إعمال الفكر وإدمان النظر، لا نملك إلا نقول: {لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير}.