Şøķåŕą
11-04-2023, 08:04 PM
الجنة كأنك تراها (3)
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلام على عباده الذين اصطفى، لا سيما عبده المصطفى، وآله المُستكمِلين الشَّرَفا، وبعد، فحديثنا عن:
أدنى أهل الجنة منزلة
عن ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((آخِر مَن يدخل الجنة رجل، فهو يَمشي مرةً ويَكبو مرةً، وتَسفَعُه[1] النار مرةً، فإذا ما جاوَزها التفَتَ إليها فقال: تبارك الذي نجّاني منك، لقد أعطاني الله شيئًا ما أعطاه أحدًا مِن الأوَّلين والآخِرين، فتُرفَع له شجرة فيقول: أي ربِّ، أدنِني من هذه الشجرة؛ فلأستظلَّ بظلها وأشرب مِن مائها، فيقول الله - عز وجل -: يا بن آدم، لعلي إن أعطيتُكها سألتَني غيرها، فيقول: لا يا رب، ويُعاهِده ألا يسأله غيرها، وربه يَعذِره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيُدنيه منها فيَستظل بظلها ويشرب مِن مائها، ثم تُرفع له شجرة هي أحسن مِن الأولى، فيقول: أي رب أدنِني مِن هذه؛ لأشرب مِن مائها وأستظل بظلِّها لا أسألك غيرها، فيقول: يا بن آدم، ألم تُعاهدني ألا تسألَني غيرها؟ فيقول: لعلي إن أدنيتُك منها تسألني غيرها، فيُعاهده ألا يسأله غيرها، وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها فيستظل بظلِّها، ويشرَب مِن مائها، ثم تُرفَع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن مِن الأُوليَين، فيقول: أي رب، أدنني مِن هذه؛ لأستظل بظلِّها وأشرب مِن مائها، لا أسألك غيرها، فيقول: يا بن آدم، ألم تُعاهِدني ألا تسألني غيرها؟ قال: بلى، يا رب هذه لا أسألك غيرها، وربه يَعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليها، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها فيسمع أصوات أهل الجنة، فيقول: أي رب أدخِلْنيها، فيقول: يا بن آدم ما يَصرِيني منك[2]! أيُرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال: يا رب أتستهزئ منِّي وأنت رب العالمين؟!)) فضحك ابن مسعود فقال: ألا تسألوني: ممَّ أضحك؟ فقالوا: مم تضحك؟ قال: هكذا ضَحِك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ممَّ تضحك يا رسول الله قال: ((مِن ضَحِك ربِّ العالمين حين قال: أتستهزئ مني وأنت رب العالمين، فيقول: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر))[3].
ورواه الطبراني في "المعجم الكبير" مطوَّلاً عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يجمع الله الأولين والآِخرين لميقات يوم معلوم قيامًا أربعين سنة، شاخِصة أبصارهم إلى السماء، يَنتظِرون فصل القضاء))، فذكَر الحديث إلى أن قال: ((ثم يقول - يعني: الرب تبارك وتعالى -: ارفعوا رؤوسكم، فيرفعون رؤوسهم، فيُعطيهم نورهم على قدر أعمالِهم، فمنهم مَن يُعطى نوره مثل الجبل العظيم، يسعى بين يدَيه، ومنهم مَن يُعطى نوره أصغر من ذلك، ومنهم مَن يعطى نورًا مثل النخلة بيده، ومنهم مَن يُعطى أصغر مِن ذلك، حتى يكون آخِرهم رجلاً يُعطى نوره على إبهام قدمَيه يُضيء مرة ويُطفأ مرة، فإذا أضاء قدَّم قدمه، وإذا طُفئ قام)).
قال: ((والرب - تبارك وتعالى - أمامهم حتى يمرَّ في النار، فيبقى أثره كحدِّ السيف))، قال: ((فيقول: مُرُّوا، فيَمرُّون على قدر نورهم، منهم مَن يمرُّ كطرفة العين، ومنهم مَن يمرُّ كالبَرق، ومنهم مَن يمرُّ كالسحاب، ومنهم مَن يمرُّ كانقضاض الكوكب، ومنهم مَن يَمرُّ كالريح، ومنهم مَن يمرُّ كشدِّ الفرس، ومنهم مَن يَمرُّ كشدِّ الرحل، حتى يمرَّ الذي يُعطى نوره على ظهرِ قدمَيه، يَجثو على وجهه ويدَيه ورجليه، تخرُّ يدٌ وتَعلَق يدٌ، وتخرُّ رجل وتعلَق رجل، وتُصيب جوانبَه النار، فلا يزال كذلك حتى يَخلص، فإذا خلَصَ وقَف عليها، فقال: الحمد لله؛ فقد أعطاني الله ما لم يُعطِ أحدًا؛ إذ نجاني منها بعد إذ رأيتها))، قال: ((فيُنطلَق به إلى غدير عند باب الجنة، فيغتسل فيعود إليه ريح أهل الجنة وألوانهم، فيرى ما في الجنة مِن خلال الباب، فيقول: رب أدخلني الجنة، فيقول الله: أتَسأل الجنة وقد نجَّيتُك من النار؟! فيقول: ربِّ اجعل بيني وبينها حجابًا لا أسمع حسيسَها))، قال: ((فيدخل الجنة، ويرى أو يُرفع له منزل أمام ذلك، كأن ما هو فيه إليه حُلم، فيقول: رب أعطِني ذلك المنزل، فيقول له: لعلك إن أَعطيتُكَه تسأل غيره، فيقول: لا وعزَّتك لا أسألك غيره، وأنَّى منزل أحسن منه؟ فيُعطى، فينزله، ويرى أمام ذلك منزلاً، كأنَّ ما هو فيه إليه حلم، قال: ربِّ أعطِني ذلك المنزل، فيقول الله - تبارك وتعالى - له: فلعلك إن أَعطيتُكَه تسأل غيره، فيقول: لا وعزتك يا رب، لا أسألك غيره، وأنَّى مَنزِل يكون أحسن منه؟ قال: فيُعطى فينزله))، قال: ((ويَرى أو يُرفَع له أمام ذلك منزل آخَر، كأنما هو إليه حلم، فيقول: أعطِني ذلك المنزل فيقول الله - جل جلاله -: فلعلَّك إن أَعطيتُكَه تسأل غيره؟ قال: لا وعزتك، لا أسأل غيره، وأي منزل يكون أحسن منه؟! قال: فيُعطاه وينزله، ثم يَسكُت فيقول الله - جل ذكره -: ما لك لا تسأل؟ فيقول: ربِّ، قد سألتك حتى قد استحيَيتُك، وأقسمتُ لك حتى استحيَيتُك، فيقول الله - جل ذكره -: ألم ترضَ أن أُعطيك مثل الدنيا منذ خلقتُها إلى يوم أفنيتُها، وعشرة أضعافه؟ فيقول: أتهزأ بي وأنت ربُّ العزة؟ فيضحك الرب - تبارك وتعالى - من قوله))، قال: "فرأيت عبدالله بن مسعود إذا بلغ هذا المكان مِن هذا الحديث ضحك، فقال له رجل: يا أبا عبدالرحمن، قد سمعتُك تُحدِّث هذا الحديث مرارًا، كلما بلغَت هذا المكان ضحكتَ! قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُحدِّث هذا الحديث مرارًا، كلما بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك حتى تبدو أضراسه".
قال: ((فيقول الرب - جلَّ ذكره -: لا، ولكني على ذلك قادر، سلْ، فيقول: ألحِقني بالناس، فيقول: الْحَقْ بالناس، قال: فيَنطلِق يَرمُل في الجنة حتى إذا دنا مِن الناس رُفع له قصر مِن درة، فيَخر ساجِدًا، فيُقال له: ارفع رأسك ما لك؟ فيقول: رأيت ربي - أو تراءى لي ربي - فيقال له: إنما هو منزل مِن منازلك)).
قال: ((ثم يَلقى رجلاً فيَتهيأ للسجود له، فيقال له: مَهْ، فيقول: رأيت أنك مَلَك مِن الملائكة، فيقول: إنما أنا خازن مِن خزَّانك، وعبد مِن عبيدك، تحت يدي ألف قَهْرَمان على مثل ما أنا عليه)).
قال: ((فينطلق أمامه حتى يَفتح له القصر))، قال: ((وهو مِن درَّة مُجوَّفة، سقائفها وأبوابها وأغلاقها ومفاتيحها منها، تَستقبله جوهرة خضراء مُبطَّنة بحمراء، فيها سبعون بابًا، كل باب يُفضي إلى جوهرة خضراء مُبطَّنة، كل جوهرة تُفضي إلى جوهرة على غير لون الأخرى، في كل جوهرة سُرُر، وأزواج، ووصائف، أدناهنَّ حوراء عيناء، عليها سبعون حُلَّة، يُرى مخُّ ساقها مِن وراء حُلَلِها، كبدها مرآته، وكبده مرآتها، إذا أعرض عنها إعراضةً ازدادَت في عينه سبعين ضعفًا عما كانت قبل ذلك; إذا أعرضَت عنه إعراضَةً ازداد في عينها سبعين ضعفًا عما كان قبل ذلك، فيقول لها: والله، لقد ازددتِ في عيني سبعين ضعفًا، وتقول له: وأنت والله ازددت في عيني سبعين ضعفًا، فيقال له: أَشرِف، فيُشرِف، فيُقال له: مُلكُكَ مسيرة مائة عام يَنفُذه بصرك)).
قال: فقال عمر: "ألا تسمع ما يُحدِّثنا ابن أمِّ عبدٍ يا كعب عن أدنى أهل الجنة منزلاً؟ فكيف أعلاهم"؟! قال: "يا أمير المؤمنين، ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذُن سمعَتْ، إن الله - جل ذكره - خلَق دارًا جعل فيها ما شاء مِن الأزواج، والثمرات، والأَشرِبة، ثم أطبقَها فلم يرَها أحد من خلقِه، لا جبريل ولا غيره مِن الملائكة"، ثم قال كعب: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17].
قال: "وخلَق دون ذلك جنَّتَين، وزيَّنهما بما شاء، وأراهما مَن شاء من خلقه"، ثم قال: "مَن كان كتابه في عليِّين نزَل في تلك الدار التي لم يرها أحد، حتى إن الرجل مِن أهل عليِّين ليَخرُج فيسير في مُلكِه فلا تبقى خيمة مِن خِيَم الجنَّة إلا دخلها مِن ضوء وجهه، فيَستبشِرون لريحه، فيقولون: واهًا لهذا الريح، هذا ريح رجل مِن أهل عليِّين قد خرج يسير في مُلكِه".
قال: "ويحك يا كعب، إن هذه القلوب قد استرسلَت فاقبِضْها"، فقال كعب: "والذي نفسي بيده إن لجهنم يوم القيامة لزفرة، ما مِن مَلَك مُقرَّب، ولا نبي مُرسَل، إلا خرَّ لركبتَيه، حتى إن إبراهيم خليل الله ليقول: رب، نفسي، نفسي! حتى لو كان لك عمل سبعين نبيًّا إلى عملك لظنَنتَ ألا تَنجو"[4].
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلام على عباده الذين اصطفى، لا سيما عبده المصطفى، وآله المُستكمِلين الشَّرَفا، وبعد، فحديثنا عن:
أدنى أهل الجنة منزلة
عن ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((آخِر مَن يدخل الجنة رجل، فهو يَمشي مرةً ويَكبو مرةً، وتَسفَعُه[1] النار مرةً، فإذا ما جاوَزها التفَتَ إليها فقال: تبارك الذي نجّاني منك، لقد أعطاني الله شيئًا ما أعطاه أحدًا مِن الأوَّلين والآخِرين، فتُرفَع له شجرة فيقول: أي ربِّ، أدنِني من هذه الشجرة؛ فلأستظلَّ بظلها وأشرب مِن مائها، فيقول الله - عز وجل -: يا بن آدم، لعلي إن أعطيتُكها سألتَني غيرها، فيقول: لا يا رب، ويُعاهِده ألا يسأله غيرها، وربه يَعذِره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيُدنيه منها فيَستظل بظلها ويشرب مِن مائها، ثم تُرفع له شجرة هي أحسن مِن الأولى، فيقول: أي رب أدنِني مِن هذه؛ لأشرب مِن مائها وأستظل بظلِّها لا أسألك غيرها، فيقول: يا بن آدم، ألم تُعاهدني ألا تسألَني غيرها؟ فيقول: لعلي إن أدنيتُك منها تسألني غيرها، فيُعاهده ألا يسأله غيرها، وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها فيستظل بظلِّها، ويشرَب مِن مائها، ثم تُرفَع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن مِن الأُوليَين، فيقول: أي رب، أدنني مِن هذه؛ لأستظل بظلِّها وأشرب مِن مائها، لا أسألك غيرها، فيقول: يا بن آدم، ألم تُعاهِدني ألا تسألني غيرها؟ قال: بلى، يا رب هذه لا أسألك غيرها، وربه يَعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليها، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها فيسمع أصوات أهل الجنة، فيقول: أي رب أدخِلْنيها، فيقول: يا بن آدم ما يَصرِيني منك[2]! أيُرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال: يا رب أتستهزئ منِّي وأنت رب العالمين؟!)) فضحك ابن مسعود فقال: ألا تسألوني: ممَّ أضحك؟ فقالوا: مم تضحك؟ قال: هكذا ضَحِك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ممَّ تضحك يا رسول الله قال: ((مِن ضَحِك ربِّ العالمين حين قال: أتستهزئ مني وأنت رب العالمين، فيقول: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر))[3].
ورواه الطبراني في "المعجم الكبير" مطوَّلاً عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يجمع الله الأولين والآِخرين لميقات يوم معلوم قيامًا أربعين سنة، شاخِصة أبصارهم إلى السماء، يَنتظِرون فصل القضاء))، فذكَر الحديث إلى أن قال: ((ثم يقول - يعني: الرب تبارك وتعالى -: ارفعوا رؤوسكم، فيرفعون رؤوسهم، فيُعطيهم نورهم على قدر أعمالِهم، فمنهم مَن يُعطى نوره مثل الجبل العظيم، يسعى بين يدَيه، ومنهم مَن يُعطى نوره أصغر من ذلك، ومنهم مَن يعطى نورًا مثل النخلة بيده، ومنهم مَن يُعطى أصغر مِن ذلك، حتى يكون آخِرهم رجلاً يُعطى نوره على إبهام قدمَيه يُضيء مرة ويُطفأ مرة، فإذا أضاء قدَّم قدمه، وإذا طُفئ قام)).
قال: ((والرب - تبارك وتعالى - أمامهم حتى يمرَّ في النار، فيبقى أثره كحدِّ السيف))، قال: ((فيقول: مُرُّوا، فيَمرُّون على قدر نورهم، منهم مَن يمرُّ كطرفة العين، ومنهم مَن يمرُّ كالبَرق، ومنهم مَن يمرُّ كالسحاب، ومنهم مَن يمرُّ كانقضاض الكوكب، ومنهم مَن يَمرُّ كالريح، ومنهم مَن يمرُّ كشدِّ الفرس، ومنهم مَن يَمرُّ كشدِّ الرحل، حتى يمرَّ الذي يُعطى نوره على ظهرِ قدمَيه، يَجثو على وجهه ويدَيه ورجليه، تخرُّ يدٌ وتَعلَق يدٌ، وتخرُّ رجل وتعلَق رجل، وتُصيب جوانبَه النار، فلا يزال كذلك حتى يَخلص، فإذا خلَصَ وقَف عليها، فقال: الحمد لله؛ فقد أعطاني الله ما لم يُعطِ أحدًا؛ إذ نجاني منها بعد إذ رأيتها))، قال: ((فيُنطلَق به إلى غدير عند باب الجنة، فيغتسل فيعود إليه ريح أهل الجنة وألوانهم، فيرى ما في الجنة مِن خلال الباب، فيقول: رب أدخلني الجنة، فيقول الله: أتَسأل الجنة وقد نجَّيتُك من النار؟! فيقول: ربِّ اجعل بيني وبينها حجابًا لا أسمع حسيسَها))، قال: ((فيدخل الجنة، ويرى أو يُرفع له منزل أمام ذلك، كأن ما هو فيه إليه حُلم، فيقول: رب أعطِني ذلك المنزل، فيقول له: لعلك إن أَعطيتُكَه تسأل غيره، فيقول: لا وعزَّتك لا أسألك غيره، وأنَّى منزل أحسن منه؟ فيُعطى، فينزله، ويرى أمام ذلك منزلاً، كأنَّ ما هو فيه إليه حلم، قال: ربِّ أعطِني ذلك المنزل، فيقول الله - تبارك وتعالى - له: فلعلك إن أَعطيتُكَه تسأل غيره، فيقول: لا وعزتك يا رب، لا أسألك غيره، وأنَّى مَنزِل يكون أحسن منه؟ قال: فيُعطى فينزله))، قال: ((ويَرى أو يُرفَع له أمام ذلك منزل آخَر، كأنما هو إليه حلم، فيقول: أعطِني ذلك المنزل فيقول الله - جل جلاله -: فلعلَّك إن أَعطيتُكَه تسأل غيره؟ قال: لا وعزتك، لا أسأل غيره، وأي منزل يكون أحسن منه؟! قال: فيُعطاه وينزله، ثم يَسكُت فيقول الله - جل ذكره -: ما لك لا تسأل؟ فيقول: ربِّ، قد سألتك حتى قد استحيَيتُك، وأقسمتُ لك حتى استحيَيتُك، فيقول الله - جل ذكره -: ألم ترضَ أن أُعطيك مثل الدنيا منذ خلقتُها إلى يوم أفنيتُها، وعشرة أضعافه؟ فيقول: أتهزأ بي وأنت ربُّ العزة؟ فيضحك الرب - تبارك وتعالى - من قوله))، قال: "فرأيت عبدالله بن مسعود إذا بلغ هذا المكان مِن هذا الحديث ضحك، فقال له رجل: يا أبا عبدالرحمن، قد سمعتُك تُحدِّث هذا الحديث مرارًا، كلما بلغَت هذا المكان ضحكتَ! قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُحدِّث هذا الحديث مرارًا، كلما بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك حتى تبدو أضراسه".
قال: ((فيقول الرب - جلَّ ذكره -: لا، ولكني على ذلك قادر، سلْ، فيقول: ألحِقني بالناس، فيقول: الْحَقْ بالناس، قال: فيَنطلِق يَرمُل في الجنة حتى إذا دنا مِن الناس رُفع له قصر مِن درة، فيَخر ساجِدًا، فيُقال له: ارفع رأسك ما لك؟ فيقول: رأيت ربي - أو تراءى لي ربي - فيقال له: إنما هو منزل مِن منازلك)).
قال: ((ثم يَلقى رجلاً فيَتهيأ للسجود له، فيقال له: مَهْ، فيقول: رأيت أنك مَلَك مِن الملائكة، فيقول: إنما أنا خازن مِن خزَّانك، وعبد مِن عبيدك، تحت يدي ألف قَهْرَمان على مثل ما أنا عليه)).
قال: ((فينطلق أمامه حتى يَفتح له القصر))، قال: ((وهو مِن درَّة مُجوَّفة، سقائفها وأبوابها وأغلاقها ومفاتيحها منها، تَستقبله جوهرة خضراء مُبطَّنة بحمراء، فيها سبعون بابًا، كل باب يُفضي إلى جوهرة خضراء مُبطَّنة، كل جوهرة تُفضي إلى جوهرة على غير لون الأخرى، في كل جوهرة سُرُر، وأزواج، ووصائف، أدناهنَّ حوراء عيناء، عليها سبعون حُلَّة، يُرى مخُّ ساقها مِن وراء حُلَلِها، كبدها مرآته، وكبده مرآتها، إذا أعرض عنها إعراضةً ازدادَت في عينه سبعين ضعفًا عما كانت قبل ذلك; إذا أعرضَت عنه إعراضَةً ازداد في عينها سبعين ضعفًا عما كان قبل ذلك، فيقول لها: والله، لقد ازددتِ في عيني سبعين ضعفًا، وتقول له: وأنت والله ازددت في عيني سبعين ضعفًا، فيقال له: أَشرِف، فيُشرِف، فيُقال له: مُلكُكَ مسيرة مائة عام يَنفُذه بصرك)).
قال: فقال عمر: "ألا تسمع ما يُحدِّثنا ابن أمِّ عبدٍ يا كعب عن أدنى أهل الجنة منزلاً؟ فكيف أعلاهم"؟! قال: "يا أمير المؤمنين، ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذُن سمعَتْ، إن الله - جل ذكره - خلَق دارًا جعل فيها ما شاء مِن الأزواج، والثمرات، والأَشرِبة، ثم أطبقَها فلم يرَها أحد من خلقِه، لا جبريل ولا غيره مِن الملائكة"، ثم قال كعب: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17].
قال: "وخلَق دون ذلك جنَّتَين، وزيَّنهما بما شاء، وأراهما مَن شاء من خلقه"، ثم قال: "مَن كان كتابه في عليِّين نزَل في تلك الدار التي لم يرها أحد، حتى إن الرجل مِن أهل عليِّين ليَخرُج فيسير في مُلكِه فلا تبقى خيمة مِن خِيَم الجنَّة إلا دخلها مِن ضوء وجهه، فيَستبشِرون لريحه، فيقولون: واهًا لهذا الريح، هذا ريح رجل مِن أهل عليِّين قد خرج يسير في مُلكِه".
قال: "ويحك يا كعب، إن هذه القلوب قد استرسلَت فاقبِضْها"، فقال كعب: "والذي نفسي بيده إن لجهنم يوم القيامة لزفرة، ما مِن مَلَك مُقرَّب، ولا نبي مُرسَل، إلا خرَّ لركبتَيه، حتى إن إبراهيم خليل الله ليقول: رب، نفسي، نفسي! حتى لو كان لك عمل سبعين نبيًّا إلى عملك لظنَنتَ ألا تَنجو"[4].