Şøķåŕą
10-06-2023, 09:33 PM
مكالمة هاتفية (الحلقة الأولى)
اجتمعتُ معه كثيرًا على طاعة الله؛ فقد كان من أنشط شباب مسجدنا، وأوفرهم أدبًا، حتى إني كنت أضرب به المثل أمام مشاغبي شبابنا.
وعلى الرغم من نشاطه في الخير، لم تكن علاقتي به خاصة، أو تتميز عن علاقتي بكثير من شباب المسجد، ولعل ذلك يرجع إلى كونه يصغرني سنًّا.
وحدَث ذات يوم أن أخبرني أحد المقرَّبين منه أنه على علاقة بزميلته في الدراسة! وأنهما تعاهدا على الزواج بعد التخرج، وأنها على قدر من الالتزام، وقد اشترطَت عليه أن يحفظ القرآن قبل عقد قرانهما، و..، و..، و... من نحو هذا المطلب، وأن حجَّته في إنشاء هذه الصلة: تربيتها على الخير؛ ليبني في المستقبل أسرةً طائعةً لربها، قائمةً علي حدوده، وأن هذه العلاقة علاقة معلنة؛ فهي معروفةٌ لكلتا الأسرتين.
لم تَرُقْ لي الفكرة وقتها، ولكني آثرت ألَّا أتسرَّع في إبداء النصح - الذي هو من حقوق الأخوَّة في الله - خاصةً في مثل هذه المواضيع، لما أعرف من خطورة التسرُّع في علاجها، إضافةً إلى أنني شعرت بأني لم أُلمَّ بجوانب الموضوع، كما أن صاحبه لم يَسْتنصحني فيه. ثم قدَّر الله لي السفر للعمل بإحدى الدول العربية، وانقطعَت صلتي بالأخ شيئًا ما، وأخذتني الحياة بتيَّارها الجارف.
وفي حين أنا في طريقي عائدًا من سفر إلى مكان عملي، أتلقى اتصالًا على هاتفي المحمول:
• السلام عليكم.
• (بصوت خافت): وعليكم السلام، أكيد أنك سمعت عن البنت التي كنت أربِّيها في الجامعة!
• نعم، سمعت.
• وينفجر باكيًا: خطوبتها الليلة، جاءها أحد الميسَّرين، وأنا تعبتُ معها، وبنيتُ آمالي عليها، و...!!
حاولتُ أن أهدِّئ من روعه؛ فقلتُ: "عسى أن يكون في ذلك خيرٌ لك ولها، وأنت رجل خير، ولن يضيِّعك الله أبدًا، ستجد مَن تسعد وتهنأ بها..."، وكلامًا في هذا المعنى.
وعلى ذلك انتهت المحادثة، ولا أخفيكم؛ فقد تألمتُ كثيرًا، فأنا لا أطيق أن أرى أحد إخواني يتألم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى؛ لأن قضيته لفتت نظري إلى مشكلة خطيرة، هي تلك الصداقات - أيًّا كان نوعها - التي انتشرت في الجامعات المختلطة، بين الطلاب والطالبات، وبدأتُ أتفكَّر في هذه القضية، على الإرهاق والتعب وعناء السفر، وظللتُ بعد ذلك زمنًا أُدير الأمر في رأسي، وأبحث عن حل له في كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان خلاصة ذلك ما أصوغه في هذه الأسطر، راجيًا أن تصل إلى أصحاب القضية، مِن طلبة وطالبات الجامعات المختلطة أوَّلًا، وإلى غيرهم ممن أهمَّهم ما أهمَّني، وأرحِّب بأيِّ رأي أو نقد عبر بريدي الإلكتروني.
وقفة أولى:
إن الشريحة المعنية بهذا الخطاب - وهي الأغلبية والحمد لله - من الشباب الذين تربَّوا على خُلق ودين، ممن يحافظون على صلواتهم، ويرتجي المجتمع منهم الكثير، وقد دخلوا تلك الجامعات لتحقيق مستقبل زاهر لهم ولأمَّتهم، فدخل الشيطان عليهم من باب هذه الصداقات، مستغلًّا حسن نواياهم، زاعمًا أن ذلك هو الطريق الممهَّد للحياة الزوجية السعيدة؛ ليجترَّهم إلى هاوية يعسُر على مَنْ سقط فيها تحقيق النجاحات المطلوبة.
أمَّا أولئك المستهترون، الذين يريدون الإفساد في الأرض؛ فلا أقول بتركهم يَغرَقون ويُغرِقون، ولكني أعتقد أنهم يحتاجون إلى خطاب يختلف في صياغته عن هذا.
وقفة ثانية:
إن هذه القضية الهامة - الصداقة بين الجنسين - ليست قاصرة على طلاب الجامعات المختلطة وحدهم؛ بل هي مشكلة موجودة في كثير من المؤسسات والشركات والمرافق التي يوجد بها اختلاط بين الجنسين، وما يقال للطلاب يقال لهؤلاء أيضًا.
تنبيه:
ومما يَجدُر بي في هذا المقام: أن أطرق أصل القضية التي أضعها بين يدي القارئ الكريم، فمما لا شك فيه أن قضية الاختلاط هي أصل موضوعنا.
والاختلاط غير المنضبط، الذي لا مبرر له إلا هوى النفس، انقطع نفَس بعضهم وهو يحاول أن يجد في نصوص الشرع ما يبيحه، ولستُ بصدد تقرير حكم في هذا الشأن، ولكنني أفسح المجال لنصوص الشريعة، وأقوال الراسخين فيها؛ فإليك بعض ذلك:
قال الله تعالى: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾ [الأحزاب: 53].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيرُ صفوفِ الرجالِ أولُها، وشرُّها آخرُها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرُّها أولها). أخرجه مسلم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلَّم، قام النساء حين يقضي تسليمه، ويمكث هو في مقامه يسيرًا قبل أن يقوم. قال: "نرى والله أعلم أن ذلك كان لكي ينصرف النساء"؛ (البخاري). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: (اسْتأخِرْنَ؛ فإنه ليس لكنَّ أن تَحْقُقْنَ الطريق، عليكنَّ بحافات الطريق)؛ أخرجه أبو داود. وجعل النبي صلى الله عليه وسلم للنساء موضعًا في مصلَّى العيد، ثم أقبل عليهنَّ، فوعظهنَّ؛ رواه البخاري. وقالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: غلبَنا عليك الرجالُ؛ فاجعل لنا يومًا. فوعدهنَّ يومًا لقيهنَّ فيه، فوعظهنَّ، وأمرهنَّ؛ أخرجه البخاري. وقال النبي صلي الله عليه وسلم عن بابٍ من أبواب المسجد: (لو تركنا هذا الباب للنساء!). قال نافع: "فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات"؛ رواه أبو داود. وكانت عائشة رضي الله عنها تطوف حَجِزةً من الرجال، لا تخالطهم، وكانت رضي الله عنها تُعلِّمُ الرجالَ من وراء حجاب. قال ابن القيم رحمه الله: "لا ريب أن تمكين النساء من الاختلاط بالرجال أصل كلِّ بليَّةٍ وشرٍّ، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، واختلاطُ الرجال بالنساء سببٌ لكثرة الفواحش والزنا"[1].
أما ما يقع من اختلاطٍ بين الرجال والنساء للضرورة، كما في الأسواق ونحوها؛ فإن الضرورة تقدَّر بقدرها، لا يُزاد عليها، ولا يُتَوَسَّع فيها.
ولكنَّ المقصود من هذه المقالة ليس بيان الحكم الشرعي للاختلاط؛ بل المقصود: كيف يحفظ الطالب الذي التحق بالجامعة المختلطة نفسَه من هاوية الصداقات المسمومة مع الجنس الآخر، المدمرِّة لدينِه وأخلاقه ومستقبله، بعد أن صار يعيش ذلك الواقع رضينا أم أبينا؟
اجتمعتُ معه كثيرًا على طاعة الله؛ فقد كان من أنشط شباب مسجدنا، وأوفرهم أدبًا، حتى إني كنت أضرب به المثل أمام مشاغبي شبابنا.
وعلى الرغم من نشاطه في الخير، لم تكن علاقتي به خاصة، أو تتميز عن علاقتي بكثير من شباب المسجد، ولعل ذلك يرجع إلى كونه يصغرني سنًّا.
وحدَث ذات يوم أن أخبرني أحد المقرَّبين منه أنه على علاقة بزميلته في الدراسة! وأنهما تعاهدا على الزواج بعد التخرج، وأنها على قدر من الالتزام، وقد اشترطَت عليه أن يحفظ القرآن قبل عقد قرانهما، و..، و..، و... من نحو هذا المطلب، وأن حجَّته في إنشاء هذه الصلة: تربيتها على الخير؛ ليبني في المستقبل أسرةً طائعةً لربها، قائمةً علي حدوده، وأن هذه العلاقة علاقة معلنة؛ فهي معروفةٌ لكلتا الأسرتين.
لم تَرُقْ لي الفكرة وقتها، ولكني آثرت ألَّا أتسرَّع في إبداء النصح - الذي هو من حقوق الأخوَّة في الله - خاصةً في مثل هذه المواضيع، لما أعرف من خطورة التسرُّع في علاجها، إضافةً إلى أنني شعرت بأني لم أُلمَّ بجوانب الموضوع، كما أن صاحبه لم يَسْتنصحني فيه. ثم قدَّر الله لي السفر للعمل بإحدى الدول العربية، وانقطعَت صلتي بالأخ شيئًا ما، وأخذتني الحياة بتيَّارها الجارف.
وفي حين أنا في طريقي عائدًا من سفر إلى مكان عملي، أتلقى اتصالًا على هاتفي المحمول:
• السلام عليكم.
• (بصوت خافت): وعليكم السلام، أكيد أنك سمعت عن البنت التي كنت أربِّيها في الجامعة!
• نعم، سمعت.
• وينفجر باكيًا: خطوبتها الليلة، جاءها أحد الميسَّرين، وأنا تعبتُ معها، وبنيتُ آمالي عليها، و...!!
حاولتُ أن أهدِّئ من روعه؛ فقلتُ: "عسى أن يكون في ذلك خيرٌ لك ولها، وأنت رجل خير، ولن يضيِّعك الله أبدًا، ستجد مَن تسعد وتهنأ بها..."، وكلامًا في هذا المعنى.
وعلى ذلك انتهت المحادثة، ولا أخفيكم؛ فقد تألمتُ كثيرًا، فأنا لا أطيق أن أرى أحد إخواني يتألم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى؛ لأن قضيته لفتت نظري إلى مشكلة خطيرة، هي تلك الصداقات - أيًّا كان نوعها - التي انتشرت في الجامعات المختلطة، بين الطلاب والطالبات، وبدأتُ أتفكَّر في هذه القضية، على الإرهاق والتعب وعناء السفر، وظللتُ بعد ذلك زمنًا أُدير الأمر في رأسي، وأبحث عن حل له في كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان خلاصة ذلك ما أصوغه في هذه الأسطر، راجيًا أن تصل إلى أصحاب القضية، مِن طلبة وطالبات الجامعات المختلطة أوَّلًا، وإلى غيرهم ممن أهمَّهم ما أهمَّني، وأرحِّب بأيِّ رأي أو نقد عبر بريدي الإلكتروني.
وقفة أولى:
إن الشريحة المعنية بهذا الخطاب - وهي الأغلبية والحمد لله - من الشباب الذين تربَّوا على خُلق ودين، ممن يحافظون على صلواتهم، ويرتجي المجتمع منهم الكثير، وقد دخلوا تلك الجامعات لتحقيق مستقبل زاهر لهم ولأمَّتهم، فدخل الشيطان عليهم من باب هذه الصداقات، مستغلًّا حسن نواياهم، زاعمًا أن ذلك هو الطريق الممهَّد للحياة الزوجية السعيدة؛ ليجترَّهم إلى هاوية يعسُر على مَنْ سقط فيها تحقيق النجاحات المطلوبة.
أمَّا أولئك المستهترون، الذين يريدون الإفساد في الأرض؛ فلا أقول بتركهم يَغرَقون ويُغرِقون، ولكني أعتقد أنهم يحتاجون إلى خطاب يختلف في صياغته عن هذا.
وقفة ثانية:
إن هذه القضية الهامة - الصداقة بين الجنسين - ليست قاصرة على طلاب الجامعات المختلطة وحدهم؛ بل هي مشكلة موجودة في كثير من المؤسسات والشركات والمرافق التي يوجد بها اختلاط بين الجنسين، وما يقال للطلاب يقال لهؤلاء أيضًا.
تنبيه:
ومما يَجدُر بي في هذا المقام: أن أطرق أصل القضية التي أضعها بين يدي القارئ الكريم، فمما لا شك فيه أن قضية الاختلاط هي أصل موضوعنا.
والاختلاط غير المنضبط، الذي لا مبرر له إلا هوى النفس، انقطع نفَس بعضهم وهو يحاول أن يجد في نصوص الشرع ما يبيحه، ولستُ بصدد تقرير حكم في هذا الشأن، ولكنني أفسح المجال لنصوص الشريعة، وأقوال الراسخين فيها؛ فإليك بعض ذلك:
قال الله تعالى: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾ [الأحزاب: 53].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيرُ صفوفِ الرجالِ أولُها، وشرُّها آخرُها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرُّها أولها). أخرجه مسلم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلَّم، قام النساء حين يقضي تسليمه، ويمكث هو في مقامه يسيرًا قبل أن يقوم. قال: "نرى والله أعلم أن ذلك كان لكي ينصرف النساء"؛ (البخاري). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: (اسْتأخِرْنَ؛ فإنه ليس لكنَّ أن تَحْقُقْنَ الطريق، عليكنَّ بحافات الطريق)؛ أخرجه أبو داود. وجعل النبي صلى الله عليه وسلم للنساء موضعًا في مصلَّى العيد، ثم أقبل عليهنَّ، فوعظهنَّ؛ رواه البخاري. وقالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: غلبَنا عليك الرجالُ؛ فاجعل لنا يومًا. فوعدهنَّ يومًا لقيهنَّ فيه، فوعظهنَّ، وأمرهنَّ؛ أخرجه البخاري. وقال النبي صلي الله عليه وسلم عن بابٍ من أبواب المسجد: (لو تركنا هذا الباب للنساء!). قال نافع: "فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات"؛ رواه أبو داود. وكانت عائشة رضي الله عنها تطوف حَجِزةً من الرجال، لا تخالطهم، وكانت رضي الله عنها تُعلِّمُ الرجالَ من وراء حجاب. قال ابن القيم رحمه الله: "لا ريب أن تمكين النساء من الاختلاط بالرجال أصل كلِّ بليَّةٍ وشرٍّ، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، واختلاطُ الرجال بالنساء سببٌ لكثرة الفواحش والزنا"[1].
أما ما يقع من اختلاطٍ بين الرجال والنساء للضرورة، كما في الأسواق ونحوها؛ فإن الضرورة تقدَّر بقدرها، لا يُزاد عليها، ولا يُتَوَسَّع فيها.
ولكنَّ المقصود من هذه المقالة ليس بيان الحكم الشرعي للاختلاط؛ بل المقصود: كيف يحفظ الطالب الذي التحق بالجامعة المختلطة نفسَه من هاوية الصداقات المسمومة مع الجنس الآخر، المدمرِّة لدينِه وأخلاقه ومستقبله، بعد أن صار يعيش ذلك الواقع رضينا أم أبينا؟