نبضها مطيري
08-28-2023, 09:01 PM
ومن كفر فإن الله غني عن العالمين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المُرسَلين، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فالحجُّ فريضة عظيمة، وركن أساس، وشَعيرة ذات طابع مُختلِف عن بقية العبادات والفرائض، ورغم ما تميَّزت به هذه الفريضة إلا أننا نقرأ قول الله - عز وجل - لمَن عزَفت نفسُه عن أدائها: ﴿ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97]، فالله - سبحانه - غنيٌّ عن عبادات مخلوقاته مَهما اجتهدوا، ومهما قدَّموا فيها من مال وجهد ووقت.
وهنا نتأمَّل فيما رواه الطبراني وغيره بسند صحيح من حديث حكيم بن حزام قال: "بَينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أصحابه إذ قال لهم: ((أتسمعون ما أسمع؟ قالوا: ما نسمع من شيء، قال: إني لأسمع أطيط السماء، وما تُلام أن تئطَّ وما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم)).
هكذا تَعبُد الملائكة ربها - جلَّ وعلا -: ﴿ وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ﴾ [الصافات: 164 - 166]، ورغمَ أن الله غنيٌّ عن عبادةِ خلقه؛ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15]، ﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ [الأنعام: 133]،﴿ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ ﴾ [الزمر: 7]، ﴿ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ ﴾ [يونس: 68] إلا أننا نرى أن الملائكة تَعبُده فيقول - جل وعلا -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ﴾ [الأعراف: 206].
قارِن عبادةَ الملائكة لله - سبحانه وتعالى - رغم غناه عنها، ثم قارن عبادتنا نحن اليوم، وإليك ما أخرجه البيهقيُّ في الشُّعَب من حديث عبدالله بنِ عُمر، أن عمر بن الخطاب جاء والصلاة قائمة، فذكَر قصة امتِناع أبي جحش الليثي عن الصلاة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيها أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: ((هلمَّ يا عُمر، اجلس حتى أحدثَكَ بغنى الرب - تبارك وتعالى - عن صلاة أبي جحش، إنَّ لله في سمائه ملائكةً خشوعًا لا يرفعون رؤوسهم حتى تقوم الساعة، فإذا قامت الساعة رفعوا رؤوسَهم قالوا: ربَّنا ما عبدناك حق عبادتك، وإن للهِ في السماء الثانية ملائكة سجودًا لا يرفعون رؤوسهم حتى تقوم الساعة، فإذا قامت الساعة رفعوا رؤوسهم، ثم قالوا: ربنا ما عبدناك حق عبادتك)).
الكثير منا اليوم حين يدخل المسجد أو يُقدِّم عبادةً فإن تصوَّره لا يعدو عن تصور أبي جحش فيمنُّ على الله في صلاته، ويمنُّ على الله في صدقاته وحجه وصيامه.
أيها الأخ الكريم، ما تقدمه من حج أو صلاة أو صيام فإنما تُقدِّمه لنفسك أنت: ﴿ وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [العنكبوت: 6]، ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ ﴾ [البقرة: 110]، ﴿ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ ﴾ [محمد: 38]، ﴿ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ﴾ [النمل: 40].
اعلم - يا رعاكَ الله - أن المولى - جل وعلا - غنيٌّ عنك وعن عبادتك، وكما جاء في الصحيح من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه: ((يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجِنَّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في مُلكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجِنَّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقَص ذلك من مُلكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجِنَّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيتُ كل إنسان منهم مسألته، ما نقص ذلك ممَّا عِندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر)).
تصوَّر غِناه - سبحانه - فيما رواه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قال الله تعالى: يا عبدي أَنفق أُنفق عليك))، وقال: ((يدُ الله ملأى لا يَغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يَغِض ما بيده، وكان عرشُه على الماء وبيده [الأخرى] الميزان يخفض ويرفع)).
فريضة الحج وغيرها من الفرائض والشعائر التي ينبغي على المسلم أداؤها على وجهها الصحيح، لا تقع في محلها عند الله إذا كانت على سبيل المنِّ والتفضُّل والعجب، فكلها من الآفات التي تدخل على العبادة فتُفسِد أجرها وثوابها، فكان من الواجب على العبد الفطن أن يتنبه إلى ذلك، والله من وراء القصد.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المُرسَلين، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فالحجُّ فريضة عظيمة، وركن أساس، وشَعيرة ذات طابع مُختلِف عن بقية العبادات والفرائض، ورغم ما تميَّزت به هذه الفريضة إلا أننا نقرأ قول الله - عز وجل - لمَن عزَفت نفسُه عن أدائها: ﴿ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97]، فالله - سبحانه - غنيٌّ عن عبادات مخلوقاته مَهما اجتهدوا، ومهما قدَّموا فيها من مال وجهد ووقت.
وهنا نتأمَّل فيما رواه الطبراني وغيره بسند صحيح من حديث حكيم بن حزام قال: "بَينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أصحابه إذ قال لهم: ((أتسمعون ما أسمع؟ قالوا: ما نسمع من شيء، قال: إني لأسمع أطيط السماء، وما تُلام أن تئطَّ وما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم)).
هكذا تَعبُد الملائكة ربها - جلَّ وعلا -: ﴿ وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ﴾ [الصافات: 164 - 166]، ورغمَ أن الله غنيٌّ عن عبادةِ خلقه؛ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15]، ﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ [الأنعام: 133]،﴿ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ ﴾ [الزمر: 7]، ﴿ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ ﴾ [يونس: 68] إلا أننا نرى أن الملائكة تَعبُده فيقول - جل وعلا -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ﴾ [الأعراف: 206].
قارِن عبادةَ الملائكة لله - سبحانه وتعالى - رغم غناه عنها، ثم قارن عبادتنا نحن اليوم، وإليك ما أخرجه البيهقيُّ في الشُّعَب من حديث عبدالله بنِ عُمر، أن عمر بن الخطاب جاء والصلاة قائمة، فذكَر قصة امتِناع أبي جحش الليثي عن الصلاة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيها أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: ((هلمَّ يا عُمر، اجلس حتى أحدثَكَ بغنى الرب - تبارك وتعالى - عن صلاة أبي جحش، إنَّ لله في سمائه ملائكةً خشوعًا لا يرفعون رؤوسهم حتى تقوم الساعة، فإذا قامت الساعة رفعوا رؤوسَهم قالوا: ربَّنا ما عبدناك حق عبادتك، وإن للهِ في السماء الثانية ملائكة سجودًا لا يرفعون رؤوسهم حتى تقوم الساعة، فإذا قامت الساعة رفعوا رؤوسهم، ثم قالوا: ربنا ما عبدناك حق عبادتك)).
الكثير منا اليوم حين يدخل المسجد أو يُقدِّم عبادةً فإن تصوَّره لا يعدو عن تصور أبي جحش فيمنُّ على الله في صلاته، ويمنُّ على الله في صدقاته وحجه وصيامه.
أيها الأخ الكريم، ما تقدمه من حج أو صلاة أو صيام فإنما تُقدِّمه لنفسك أنت: ﴿ وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [العنكبوت: 6]، ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ ﴾ [البقرة: 110]، ﴿ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ ﴾ [محمد: 38]، ﴿ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ﴾ [النمل: 40].
اعلم - يا رعاكَ الله - أن المولى - جل وعلا - غنيٌّ عنك وعن عبادتك، وكما جاء في الصحيح من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه: ((يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجِنَّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في مُلكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجِنَّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقَص ذلك من مُلكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجِنَّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيتُ كل إنسان منهم مسألته، ما نقص ذلك ممَّا عِندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر)).
تصوَّر غِناه - سبحانه - فيما رواه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قال الله تعالى: يا عبدي أَنفق أُنفق عليك))، وقال: ((يدُ الله ملأى لا يَغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يَغِض ما بيده، وكان عرشُه على الماء وبيده [الأخرى] الميزان يخفض ويرفع)).
فريضة الحج وغيرها من الفرائض والشعائر التي ينبغي على المسلم أداؤها على وجهها الصحيح، لا تقع في محلها عند الله إذا كانت على سبيل المنِّ والتفضُّل والعجب، فكلها من الآفات التي تدخل على العبادة فتُفسِد أجرها وثوابها، فكان من الواجب على العبد الفطن أن يتنبه إلى ذلك، والله من وراء القصد.