تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (14


Şøķåŕą
08-16-2023, 08:52 AM
إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (14)


قوله:

والخَمْرُ حُرِّمَتْ يقينًا فاسمَعَنْ
. . . . . . . . . . . . . . . .
وفي السنة الثالثة نزَل تحريمُ الخمر[1].



وكان شُرب الخمر عادةً أساسية عند رجالات العرب في الجاهلية، وكان يصعُبُ على الواحد منهم تركُ ذلك الأمر.



فلما جاء الإسلام، وجاء النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالتشريع من عند العليم الخبير، لم يحرم الخمر مرة واحدة، بل كان ذلك تدريجيًّا؛ تيسيرًا من الله - تعالى - على هؤلاء الذين تأصَّلت فيهم هذه العادة.



عن أبي ميسرة، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: لما نزل تحريمُ الخمر قال عمر: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شفاءً، فنزلت الآيةُ التي في البقرة: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 219] الآية، قال: فدُعي عمرُ فقُرئت عليه، قال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شفاءً، فنزلت الآية التي في النساء: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾ [النساء: 43]، فكان منادي رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أقيمت الصلاةُ يُنادي: ألا لا يقربن الصلاةَ سكران، فدُعي عُمرُ فقُرئت عليه، فقال: اللهم بيِّنْ لنا في الخمر بيانًا شفاءً، فنزلت هذه الآية: ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 91]، قال عمر: انتهَيْنا[2].



وعن سعدِ بن أبي وقاصٍ - رضي الله عنه - قال: أتيتُ على نفرٍ من الأنصار والمهاجرين، فقالوا: تعالَ نُطعِمْك ونسقِك خمرًا، وذلك قبل أن تحرم الخمر، قال فأتيتُهم في حش - والحش البستان - فإذا رأس جزورٍ مشوي عندهم، وزق من خمرٍ، قال: فأكلتُ وشربت معهم، قال فذكرت الأنصار والمهاجرين عندهم، فقلت: المهاجرون خيرٌ من الأنصار، قال فأخذ رجلٌ أحدَ لَحيي الرأسِ فضربني به، فجرح بأنفي، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرتُه، فأنزل الله عز وجل فيَّ - يعني نفسه - شأن الخمر: ﴿ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ﴾ [المائدة: 90][3].



وعن أنسٍ - رضي الله عنه - قال: كنت ساقيَ القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذٍ الفضيخ[4]، فأمر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مناديًا ينادي: ((ألا إن الخمرَ قد حرمت)) قال: فقال لي أبو طلحة: اخرُجْ، فأهرقها، فخرجتُ فهرقتها، فجرَتْ في سكك المدينة، فقال بعض القوم: قد قُتِل قومٌ وهي في بطونهم، فأنزل اللهُ: ﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ﴾ [المائدة: 93] الآية[5].



قوله:

. . . . . . . . . . . . . . . . ..
هذا، وفيها وُلِد السِّبْطُ الحسَنْ


قال الواقدي:

"وُلد الحسنُ بن علي بن أبي طالب في النصف من شهر رمضان سنة ثلاثٍ من الهجرة"[6].



قوله:

وكانَ في الرَّابعةِ الغَزوُ إلى
بني النَّضيرِ في ربيٍع أوَّلا


وكان في السنة الرابعة غزوةُ بني النضير؛ حيث حاصرهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأجلاهم عن المدينة.



وكان سبب غزو بني النضير ومحاصرتهم وإجلائهم عن المدينة: أنه لما قُتل أصحابُ بئر معونة[7]، من أصحاب رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وكانوا سبعين، وأفلت منهم عمرُو بن أمية الضمري، فلما كان في أثناء الطريق راجعًا إلى المدينة، قتَل رجُلين من بني عامر، وكان معهما عهد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمانٌ لَمْ يعلَمْ به عمرو، فلما رجع أخبر رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد قتَلْتَ رجُلين، لأَدِيَنَّهما))، وكان بين بني النضير وبني عامر حِلف وعهد، فخرج رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني النضير يستعينُهم في دِيَة ذَيْنِكَ الرجُلين، وكان منازل بني النضير على أميال من المدينة.



فلما أتاهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يستعينُهم في دِيَة ذَيْنِك القتيلين، قالوا: نعم، يا أبا القاسم، نُعينك على ما أحببتَ، ثم خلا بعضهم ببعض، فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجلَ على مثلِ حاله هذه، وكان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جالسًا إلى جنب جدار من بيوتهم، فمَن رجل يصعد على هذا البيت فيلقي عليه صخرةً فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك أحدهم، وهو عمرو بن جحاش بن كعب، فقال: أنا لذلك، فصعِد ليلقي عليه صخرة كما قال، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في نفرٍ من أصحابه، فيهم أبو بكرٍ وعُمَر وعلي، فأتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - الخبرُ من السماء بما أراد القوم، فقام وخرج راجعًا إلى المدينة، فلما استلبث النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابَه قاموا في طلبه، فلقوا رجُلاً مقبلاً من المدينة، فسألوه عنه، فقال: رأيتُه داخلاً المدينة، فأقبل أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انتهوا إليه، فأخبرهم الخبرَ بما كانت يهودُ أرادت من الغدر به، وأمر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بالتهيؤ لحربهم والمسير إليهم، ثم سار حتى نزل بهم، فتحصَّنوا منه في الحصون، ﴿ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ ﴾ [الحشر: 2]، وصدَق الله إذ يقول: ﴿ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ ﴾ [الحشر: 14]، فأمَر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بقطعِ النخل والتحريق فيها، فنادوه: أن يا محمد، قد كنتَ تنهى عن الفساد وتَعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخل وتحريقها؟ وفي ذلك يقول الله - تعالى -: ﴿ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ [8] أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الحشر: 5][9].



وكان رهطٌ من بني عوف بن الخزرج، منهم عبدالله بن أبي ابن سلول، ووديعة، ومالك بن أبي نوفل، وسويد، وداعي، قد بعثوا إلى بني النضير: أن اثبتوا وتمنعوا؛ فإنا لن نُسلِمَكم، إن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أُخرِجْتم خرجنا معكم.



فانتظر بنو النضير نصر هؤلاء القوم الذي وعدوهم إياه، فلم يفعلوا، وقذف اللهُ في قلوبهم الرعب، وفي ذلك يقول الله - تعالى -: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ * لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ [الحشر: 11 - 13].



فلما تخلَّى عنهم هؤلاء المنافقون، وعلِمت يهود بني النضير أنهم لن يستطيعوا الاستمرارَ على هذه الحالة، ولن يستطيعوا مواجهةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - طلبوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُجليَهم ويكفَّ عن دمائهم، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة[10]، فوافقهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل، فكان الرجلُ منهم يهدم بيته عن نجاف بابه[11]، وفي ذلك يقول الله - تعالى -: ﴿ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [الحشر: 2].



فقاموا بهدمِ بيوتهم حتى لا ينتفع بها المسلمون، وأخَذوا كل ما فيها حتى أبوابها.



فخرَجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام، وخلفوا ما لم يستطيعوا حمله من الأموال، فكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنهم غنِموه من غير قتال[12]، وقيل: إنه أسلَم من بني النضير رجلان، هما: ياسين بن عمير بن كعب بن عمرو بن جحاش، وأبو سعد بن وهب[13].



ونزلت سورةُ الحشر في بني النضير[14].



قوله:

وَبَعْدَ مَوْتِ زَيْنَبَ المُقَدَّمَهْ
. . . . . . . . . . . . . . . . .
وفي السنة الرابعة تُوفِّيت زينبُ بنت خزيمة أم المساكين - رضي الله عنها - حيث تزوَّجها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في رمضانَ من السنة الثالثة، ومكثت عنده شهرين أو ثلاثة، وقيل: ثمانية أشهر - كما تقدم - ثم ماتت - رضي الله عنها.



قوله:

. . . . . . . . . . . . . . .
وَبَعْدَهُ نِكَاحُ أُمِّ سَلَمَهْ
تزوَّج رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أم سلمة، واسمها: هند بنت أمية بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزومٍ - رضي الله عنها - في ليالٍ بقين من شوالٍ سنة أربعٍ، بعد وفاة أبي سلمة - رضي الله عنه -، بسبب جرحٍ جُرِحه في أحدٍ[15].



قوله:

وَبِنْتِ جَحْشٍ . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . .
وفي السنة الرابعة[16]- أيضًا - تزوج النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - زينبَ بنت جحش - رضي الله عنها.



وهي زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، الأسدية، أم المؤمنين.



وهي بنت أميمةَ بنتِ عبدالمطلب، عمةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم[17].



وكانت عند زيد بن حارثة - رضي الله عنه - قبل أن يتزوجَها النبي - صلى الله عليه وسلم.



وزيدُ بن حارثة بن شراحيل - رضي الله عنه - كان مولًى للنبي - صلى الله عليه وسلم - أهدته إليه خديجةُ بنت خويلد أم المؤمنين - رضي الله عنها.



وكان يُدعَى زيدَ بن محمدٍ؛ حيث كان قد تبناه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فكان يُنسَب إليه، حتى نزلت: ﴿ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [الأحزاب: 5][18].



فبنزول هذه الآية تم تحريمُ التبني، وأصبح كلٌّ يُنسَب إلى أبيه الذي هو من صُلبه، فأصبح يقال: زيد بن حارثة.



ولكن قاعدة التبني كانت متأصِّلة في نفوس العرب، ليس من السهل محوُها، فكأن الله - تعالى - أراد حدوث شيء عملي يمحو هذا تمامًا من نفوسهم، فكان تزويجُ النبي - صلى الله عليه وسلم - من زينب بنت جحش التي كانت زوجةً لرعيِّه زيدِ بن حارثة - رضي الله عنه.



وقد ذكَر الله - تعالى - ذلك في كتابه العزيز فقال - تعالى -: ﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ﴾ [الأحزاب: 37]، يقول اللهُ - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ﴾ [الأحزاب: 37] وهو زيدُ بن حارثة، أنعَمَ الله عليه بالإسلام، واتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنعَمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عليه بالعتقِ من الرِّقِّ.



﴿ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ﴾ [الأحزاب: 37] زينبَ - رضي الله عنها - حيث جاء زيدُ بن حارثة يشكو للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - زينبَ - رضي الله عنها - فجعَل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((اتقِ اللهَ وأمسِكْ عليك زوجَك))[19].



وكان الله - تعالى - قد أعلم نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - أنها ستكونُ زوجتَه؛ ولذلك قال الله - تعالى - له: ﴿ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ﴾ [الأحزاب: 37]؛ أي: لا تُخفي ما أطلَعك الله عليه من أنها ستكون زوجتَك، ﴿ وَتَخْشَى النَّاسَ ﴾ [الأحزاب: 37] من أن يقولوا: طلَّق محمد زوجةَ ابنه ليتزوَّجها، ﴿ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ﴾ [الأحزاب: 37].



ثم يقول الله - تعالى -: ﴿ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ﴾ [الأحزاب: 37]؛ الوطَرُ: الحاجة؛ أي: فلما فرغ زيدٌ منها وفارقها ﴿ زَوَّجْنَاكَهَا ﴾ فكان زواجُها - رضي الله عنها - من النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمرٍ من الله - تعالى - ولذلك كانت تفخرُ على زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقول لهن: زوَّجكن أهاليكن وزوجني الله - تعالى - من فوق سبعِ سمواتٍ[20].



عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: لما انقضت عدةُ زينب، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزيدٍ: ((اذهب فاذكُرْها علي))، قال: فانطلَق حتى أتاها، قال: وهي تخمر عجينها، قال: فلما رأيتُها عظُمَت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظرَ إليها؛ أن رسولَ الله ذكرها، فوليتُها ظهري، ونكصت على عقبي، فقلت: يا زينب، أرسَلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرك، قالت: ما أنا بصانعةٍ شيئًا حتى أؤامرَ ربي، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآنُ وجاء رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فدخَل عليها بغير إذنٍ[21].



وليمة عُرس زينب - رضي الله عنها -:

عن أنسٍ قال: ما رأيت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَوْلَمَ على امرأة - أو على شيءٍ من نسائه - ما أولم على زينب؛ فإنه ذبَح شاةً[22].



وفي لفظ لمسلم: ما أولم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على امرأةٍ من نسائه أكثر أو أفضل مما أولم على زينبَ، أطعَمَهم خبزًا ولحمًا حتى تركوه.



وعن أنس أيضًا قال: تزوج رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل بأهله - زينب رضي الله عنها - قال: فصنعت أمي أمُّ سُليمٍ حَيسًا[23]، فجعلته في تَورٍ[24]، فقالت: يا أنس، اذهب بهذا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقل: بعَثَتْ بهذا إليكَ أمي، وهي تُقرِئُكَ السلام، وتقول: إن هذا لك منا قليلٌ يا رسول الله، فقال: ((ضَعْه))، ثم قال: ((اذهب فادع لي فلانًا وفلانًا وفلانًا ومَن لقيتَ)) وسمى رجالاً، قال: فدعوتُ مَن سمى ومن لقيتُ، وقيل لأنسٍ: عدد كم كانوا؟ قال: زهاءَ ثلاثمائةٍ، وقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أنس، هاتِ التَّور))، قال: فدخلوا حتى امتلأت الصُّفَّة والحجرة، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليتحلق عشرةٌ عشرةٌ، وليأكل كل إنسانٍ مما يليه))، قال: فأكَلوا حتى شبعوا، قال: فخرجت طائفةٌ ودخلت طائفةٌ، حتى أكَلوا كلهم، فقال لي: ((يا أنس، ارفَعْ))، قال: فرفعتُ، فما أدري حين وضعت كان أكثر أم حين رفعت[25].



قوله:

. . . . . . . . . . ثُمَّ بَدْرِ المَوْعِدِ
. . . . . . . . . . . . . . . . .
قال ابنُ إسحاق - رحمه الله -: ولما قدِم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ من غزوة الرِّقاع، أقام بها بقية جمادى الأولى وجمادى الآخرة ورجبًا.



ثم خرَج في شعبان إلى بدرٍ، لميعاد أبي سفيان[26]، حتى نزله.



قال ابن هشامٍ: واستعمل على المدينة عبدالله بن عبدالله بن أبي بن اسلول الأنصاري.



قال ابن إسحاق: فأقام عليه ثماني ليالٍ ينتظر أبا سفيان، وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنَّةَ من ناحية الظهران، وبعض الناس يقول: قد بلغ عُسْفان، ثم بدا له في الرجوع، فقال: يا معشر قريشٍ، إنه لا يصلحكم إلا عامٌ خصيبٌ ترعون فيه الشجر، وتشربون فيه اللبن، وإن عامكم هذا عام جدبٍ، وإني راجعٌ، فارجِعوا، فرجَع الناس[27].



قوله:

. . . . . . . . . . . . . . .
وبَعْدَها الأحزابُ، فاسمَعْ واعدُدِ


أي: وقعت غزوةُ الأحزاب في السنة الرابعة بعد بدر الموعد[28].



حيث إن قُرَيشًا لما علمتْ أنها لن تستطيع محاربةَ المسلمين وحدها، وكذلك أيقنت يهودُ بذلك، وأن قوَّتَهم لا تُحاكي قوة المسلمين، اتفقوا على جمعِ الجموع لمحاربة المسلمين وغزوِهم في عقر دارهم في محاولةٍ للقضاء على الإسلام والمسلمين.



وقيل: إن الذي بدأ بذلك وجمع الجموعَ هم اليهودُ؛ حيث خرج وفدٌ منهم إلى مكة، فيهم سلام بن أبي الحقيق النضري، وحُيَي بن أخطب النضري، فدعوا قريشًا إلى حرب المسلمين، ووعدوهم أن يقاتلوا معهم، ثم خرَجوا من مكَّة إلى نجد؛ حيث حالفوا قبيلةَ غَطَفان الكبيرة على حرب المسلمين، فكان تحالفُ الأحزاب بجهود من يهود بني النضير[29].



فخرجت قريشٌ وقائدها أبو سفيان بن حرب، وخرجت غَطَفان وقائدها عيينة بن حصن الفَزَاري، وبنو مرَّة وقائدها الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري، وخرجت أشجعُ وقائدها مسعر بن رخيلة.



فلما سمِع بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما أجمعوا له من الأمر، ضرَب الخندق على المدينة، فعمل فيه رسولُ الله ترغيبًا للمسلمين في الأجر، وعمِل معه المسلمون فيه، فدأب فيه ودأبوا[30].



فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعمل وهو يقول، تسليةً لهم؛ ليهون عليهم ما هم فيه من شدة وبلاء وجوع: ((اللهم إن العيشَ عيشُ الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة))، فيقولون مجيبين له:

نحنُ الذين بايَعوا محمَّدَا
على الجهادِ ما بقِينا أبدَا[31]


ويقول أيضًا - صلى الله عليه وسلم -:

اللهمَّ لولا أنتَ ما اهتدَيْنا
ولا تصدقنا ولا صلَّيْنا
فأنزِلَنْ سكينةً علينا
وثبِّتِ الأقدامَ إنْ لاقَيْنا
إن الأُلَى قد بغَوْا علينا
وإنْ أرادوا فتنةً أبَيْنا


ثم يرفع صوته ويقول: أَبَيْنا أَبَيْنا، ويمد صوتَه بآخرها[32].



وأثناء عمل المسلمين في الحفر عرَضتْ لهم صخرةٌ حالت بينهم وبين الحفر، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخَذ المِعْول، ووضَع رداءه ناحية الخندق، وقال: ((تمت كلمةُ ربِّكَ صدقًا وعدلاً، لا مبدلَ لكلماته، وهو السميع العليم))، فندر ثلث الحجَر، وسلمان الفارسي قائمٌ ينظر فبَرق مع ضربة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برقة، ثم ضرب الثانية، وقال: ((تمت كلمة ربِّك صدقًا وعدلاً، لا مبدلَ لكلماته، وهو السميع العليم))، فندر الثلثُ الآخر، فبرقت برقة، فرآها سلمانُ، ثم ضرب الثالثة، وقال: ((تمت كلمةُ ربك صدقًا وعدلاً، لا مبدلَ لكلماته، وهو السميع العليم))، فندر الثلث الباقي، وخرج رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ رداءه وجلس، فقال سلمانُ: يا رسول الله، رأيتُك حين ضربتَ ما تضرب ضربةً إلا كانت معها برقةٌ؟! قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا سلمانُ، رأيتَ ذلك؟))، فقال: إي والذي بعثك بالحق يا رسول الله، قال: ((فإني حين ضربتُ الضربة الأولى، رُفِعت لي مدائن كسرى وما حولها، ومدائن كثيرةٌ، حتى رأيتُها بعيني))، قال له من حضَره من أصحابه: يا رسول الله، ادعُ اللهَ أن يفتحها علينا، ويغنمنا ديارهم، ويخرب بأيدينا بلادهم، فدعا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك، ((ثم ضربتُ الضربة الثانية فرُفِعت لي مدائنُ قيصر وما حولها، حتى رأيتُها بعيني))، قالوا: يا رسول الله، ادعُ الله أن يفتحَها علينا، ويغنمنا ديارهم، ويخرب بأيدينا بلادهم، فدعا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك، ((ثم ضربتُ الثالثة، فرُفِعت لي مدائنُ الحبشة، وما حولها من القرى، حتى رأيتُها بعيني))، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: ((دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا التُّرك ما تركوكم))[33].



ويحكي لنا جابر - رضي الله عنه - معجزةً عجيبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الموقف.



يقول جابر - رضي الله عنه -: لما حفر الخندق رأيتُ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - خمصًا شديدًا[34]، فانكفأتُ إلى امرأتي فقلت: هل عندك شيءٌ؟ فإني رأيتُ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمصًا شديدًا، فأخرَجَت إلي جرابًا فيه صاعٌ من شعيرٍ، ولنا بهيمةٌ داجنٌ[35]فذبحتُها، وطحنت الشعير، ففرغت إلى فراغي[36]، وقطعتها في برمتها[37]، ثم وليت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: لا تفضَحْني برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبمن معه، فجئتُه فسارَرْتُه، فقلت: يا رسول الله، ذبحنا بهيمةً لنا، وطحنَّا صاعًا من شعيرٍ كان عندنا، فتعالَ أنت ونفرٌ معك، فصاح النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((يا أهل الخندق، إن جابرًا قد صنع سورًا[38]فحيَّ هلاً بكم[39]))، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تنزلن بُرمتكم، ولا تخبزن عجينكم حتى أجيء))، فجئت وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقدم الناس حتى جئتُ امرأتي، فقالت: بك وبك[40]، قد فعلت الذي قلت، فأخرَجَتْ له عجينًا، فبصَق فيه وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك، ثم قال: ادع خابزةً فلتخبز معي، واقدحي من برمتكم، ولا تنزلوها، وهم ألفٌ، فأُقسِم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا[41]، وإن برمتنا لتغط كما هي، وإن عجيننا ليُخبَز كما هو[42].



لقد جاءت هذه المعجزةُ للنبي - صلى الله عليه وسلم - في وقتها؛ فإن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - والصحابة - رضوان الله عليهم - كانوا في أشدِّ الحاجة إلى الطعام حتى يستطيعوا مواصلة العمل في الحفر، ثم مواجهة المشركين بعد ذلك؛ حيث كانوا قد أوشَكوا على الهلاك من شدة الجوع، وعدم وجود الطعام.



فقد لبِثوا ثلاثة أيام لا يأكلون ولا يذوقون ذواقًا، حتى إن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يربطُ على بطنه حجرًا من شدة الجوع[43].



وحتى إنهم من شدة الجوع وعدم وجود شيءٍ يأكلونه كانوا يأكلونَ الطعام المنتن الذي تغيَّرت رائحتُه ولونه.



يقول أنس بن مالك - رضي الله عنه -: كانوا يؤتَوْن بملء كفي من الشعير فيصنع لهم بإهالةٍ سنخةٍ[44]، توضَعُ بين يدي القوم، والقوم جياعٌ، وهي بشعةٌ في الحَلق، ولها ريحٌ منتنٌ[45].



وظل النبي - صلى الله عليه وسلم - يعمل ويحمل التراب على كتفه الشريف حتى غطى الترابُ بطنه - صلى الله عليه وسلم.



يقول البراء - رضي الله عنه -: لما كان يومُ الأحزاب وخندق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأيتُه ينقل من تراب الخندق حتى وارى[46]عنِّي الغبارُ جلدة بطنه[47].



وظل الصحابة - رضوان الله عليهم - يعمَلون معه - صلى الله عليه وسلم - وينقُلون التراب على متونهم[48]وهم يرتجزون[49]بما تقدَّم من أشعار حتى فرغوا من حفر الخندق قبل وصول المشركين[50]، وكان ذلك في غداة باردة[51].



ثم أمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالنساء والأطفال فوُضِعوا في الحصون.



عن عبدالله بن الزبير قال: كنت أنا وعمر بن أبي سلمة يوم الخندق مع النسوة في أُطُم[52]حسان، فكان يطأطئ لي مرةً فأنظر، وأطأطئ له مرةً فينظر[53].



ثم ظهرت فلول المشركين، الذين تحزبوا لمحاربة الله ورسوله، والصد عن سبيل الله[54].



فالتفوا حول المدينة وحاصَروها من كل مكان، فلما رأت يهودُ بني قريظة ذلك، تيقَّنوا أن المسلمين - بأي حالٍ - لن يُفلِتوا من هذه القوة الهائلة، وأنهم سيُقضَى عليهم لا محالة، ففكروا في نقض العهد الذي بينهم وبين المسلمين، ومساعدة الأحزاب للقضاء عليهم.



وفعلاً نقض يهودُ بني قريظة العهد، وأصبحوا على استعدادٍ لمعاونة الأحزاب على المسلمين.



ووصَل الخبرُ للنبي - صلى الله عليه وسلم - وشاع بين صفوف المسلمين، فاشتدَّ الخطب عليهم.



وكانت ديارُ بني قريظة في العوالي في الجنوب الشرقي للمدينة على وادي مهزور، فكان موقعهم يمكنهم من إيقاع ضربة بالمسلمين من الخلف[55].



وفي ذلك يقول الله - تعالى -: ﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ ﴾؛ أي: الأحزاب، ﴿ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ﴾؛ أي: بنو قريظة، ﴿ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ ﴾ من شدَّة الخوف والفزع، ﴿ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ﴾ [الأحزاب: 10] الظنون السَّيئة، والخوف من المشركين، وأن الله لن ينصر دينه، ﴿ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 11] بالخوف والجوع والقلق الذي عاشوه، فكان هذا ابتلاءً واختبارًا للمسلمين؛ ليتبيَّن الخبيثُ من الطيب، وحدث ما أراده الله - تعالى.



فأما المؤمنون فسرعان ما تنبهوا وظهر إيمانُهم وثقتهم بالله - تعالى - وقالوا: ﴿ هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ [الأحزاب: 22] من الابتلاءِ والامتحان الذي يعقُبُه النصر، ﴿ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 22].



وأما المنافقون والذين في قلوبهم مرض، فقالوا ﴿ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [الأحزاب: 12].



وقالوا ﴿ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ﴾ [الأحزاب: 13]، واستأذنوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ﴿ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ [الأحزاب: 13]، ففضحهم الله - تعالى - وقال: {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} ﴾ [الأحزاب: 13].



ثم أرسل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الزبيرَ بن العوام - رضي الله عنه - إلى بني قريظة ليتأكَّدَ من صحة هذا الخبر.



عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب: ((من يأتينا بخبرِ القوم؟))، فقال الزبير: أنا، ثم قال: ((من يأتينا بخبرِ القوم؟))، فقال الزبير: أنا، ثم قال: ((لكل نبي حواري، وإن حواريَّ الزبيرُ))[56].



وعن عبدالله بن الزبير - رضي الله عنه - قال: كنتُ يوم الأحزاب جُعِلءتُ أنا وعمر بن أبي سلمة في النساء، فنظرتُ فإذا أنا بالزبير على فرسِه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثًا، فلما رجعتُ، قلت: يا أبتِ، رأيتك تختلف، قال: أوَهَلْ رأيتَني يا بني؟ قلت: نعم، قال: كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من يأتي بني قريظة فيأتيني بخبرهم؟))، فانطلقتُ، فلما رجعتُ جمَع لي رسولُ الله أبويه، فقال: ((فداكَ أبي وأمي))[57].



فذهَب الزبير، فوجَدهم قد نقضوا العهد.



أما المشركون فقد فوجؤوا بالخندق أمامهم، فوقفوا حيارى، لا يستطيعون اقتحامَه.



ولكنهم حاولوا اقتحامه، فكانوا كلما حاولوا ذلك، أمطَرهم المسلمون بوابلٍ من السهام فردُّوهم.



عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: لما كان يومُ الخندق ورجلٌ يتترس، جعَل يقول بالترس هكذا، فوضعه فوق أنفه، ثم يقول[58]: هكذا يُسفِّلُه بعد[59]، قال: فأهويت إلى كنانتي فأخرجتُ منها سهمًا مُدمًّى[60]، فوضعتُه في كبد القوس، فلما قال هكذا يُسفِّلُ التُّرس، رميتُ، فما نسيت وقع القِدْحِ[61]على كذا وكذا من الترس، قال: وسقط، فقال: برِجْله، فضحك نبي الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذُه، لفعل الرجل[62].



ولم تنقطع هجمات المشركين على الخندق في محاولات شرسةٍ لاقتحامه، حتى إن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لم يتمكَّنوا من أداء صلاة العصر في أحد الأيام حتى غربت الشمس، من شدة انشغالهم في صد المشركين عن الخندق.



عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - أن عمرَ بن الخطاب - رضي الله عنه - جاء يوم الخندق بعدما غرَبَتِ الشمسُ، فجعَل يسُب كفار قريشٍ، قال: يا رسول الله، ما كِدْتُ أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرُبُ، قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((والله ما صليتُها))، فقُمْنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة، وتوضأنا لها، فصلى العصر بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب[63].



فقام النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالدعاءِ على المشركين.



عن عليِّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: لما كان يومُ الأحزاب، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ملأ الله بيوتَهم وقبورهم نارًا، شغَلونا عن الصلاةِ الوسطى حتى غابت الشمسُ))[64].



ثم استمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في دعائِه على المشركين والأحزاب.



عن عبدالله بن أبي أوفى - رضي الله عنه - قال: دعا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب على المشركين، فقال: ((اللهم مُنزِلَ الكتاب، سريعَ الحساب، اللهم اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزِلْهم))[65].



فاستجاب الله - تعالى - دعاءَ نبيه - صلى الله عليه وسلم - عليهم، فأرسَل عليهم ريحًا شديدًا فخلَعت خيامَهم، وأكفأت قدورهم، وأطفأت نيرانَهم، وأرسل الملائكة فزلزلتهم وألقَتْ في قلوبهم الرعبَ والخوف.



وفي ذلك يقول الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴾ [الأحزاب: 9].



فلم تتحملِ الأحزابُ جنودَ الله - تعالى - ولم يستطيعوا مواجهتَها، فأسرعوا بالتجهُّز للرحيل.



عن حذيفة بن اليَمانِ - رضي الله عنهما - قال: لقد رأيتُنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الأحزاب وأخذَتْنا ريحٌ شديدةٌ وقرٌّ[66]، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا رجلٌ يأتيني بخبر القوم جعَله الله معي يوم القيامة؟))، فسكتنا فلم يُجِبْه أحدٌ، ثم قال: ((ألا رجلٌ يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟))، فسكتنا فلم يجبه أحدٌ، ثم قال: ((ألا رجلٌ يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟))، فسكتنا فلم يجبه أحدٌ، فقال: ((قم يا حذيفة فَأْتِنا بخبر القوم))، فلم أجِدْ بدًّا إذ دعاني باسمي أن أقومَ، قال: ((اذهَبْ فَأْتِني بخبر القوم ولا تذعَرْهم علَيَّ))[67]، فلما وليتُ من عنده جعلتُ كأنما أمشي في حمامٍ[68]حتى أتيتهم، فرأيتُ أبا سفيان يَصْلِي ظهره بالنار[69]، فوضعت سهمًا في كبد القوس، فأردت أن أرميَه، فذكرتُ قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ولا تذعَرْهم عليَّ))، ولو رميتُه لأصبتُه، فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام، فلما أتيته فأخبرته بخبر القوم، وفرغت، قررت[70]، فألبَسني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من فضل عباءةٍ كانت عليه يَصْلِي فيها، فلم أزل نائمًا حتى أصبحت، فلما أصبحت قال: ((قم يا نومانُ!))[71]، وفي رواية: قال حذيفة: يا رسول الله، تفرَّق الناسُ عن أبي سفيان، فلم يبقَ إلا في عُصبةٍ يوقد النار، وقد صب اللهُ عليهم من البرد مثل الذي صبَّ علينا، ولكنا نرجو من الله ما لا يرجون[72].



وبذلك تفرَّقت جموعُ الأحزاب، وهزَمهم الله - تعالى - وحده: ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴾ [الأحزاب: 25].



وانفك الحصارُ الذي دام أربعًا وعشرين ليلة[73]بفضلٍ من الله - تعالى.



ولذا كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا إله إلا الله وحده، أعزَّ جندَه، ونصَر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده))[74].



وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لما أجلى الله الأحزاب: ((الآن نغزوهم، ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم))[75].

حاء
08-16-2023, 09:21 AM
-


جزاك الله خيرًا
جعله الله في ميزان حسناتك
و شكرًا على طرحك المُفيد :x37:
و لا حرمنا الله من جديدك الرائع
و الله يعطيك الف عافيه
لك :f15:

عبد الحليم
08-16-2023, 11:04 AM
جزاك الله خيرا
طرح يفوق الجمال لروعته
كعادتك إبداع في مواضيعك
يعطيك العافيه يارب
وبإنتظار المزيد من هذا الجمال
لقلبك السعادة والفرح
ودي..

мя Зάмояч
08-16-2023, 11:38 AM
جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك

نور القمر
08-16-2023, 12:29 PM
طرحَ عَذب ..!!
أختيآر أنيق وحضور صآخب
سلة من الوردَ وآنحناءة شكر لسموك

همس المحبة
08-16-2023, 03:49 PM
جزاك الله خير
وجعله بموازين حسناتك

إيلين
08-16-2023, 10:30 PM
،



:241:




تَحية تلطفهآ قلوب طيبة ونقٌية
آ‘لتميزٍ لآ يقفٌ عندْ أولْ خطوٍة إبدآعٌ
بلْ يتعدآه في إستمرآرٍ آلعَطآءْ
ووآصل فيٌ وضعٌ بصمـتك المميزة
مِنْ هنآ أقدمٌ لكـ بآقـة وردْ ومحبـة
وٍنحن دوٍمآ نترٍقبٌ آلمَزٍيدْ بفارغ الصبر
مواضيعك الراقية

أمير الذوق
08-16-2023, 11:34 PM
بارك الله فيك وجزاك الله الف خير
ونفع بك وفي طرحك الطيب والقيم ~

منَار
08-17-2023, 06:59 AM

.
.
.
.
.

.
.

_ سَلِمت الأنَامِل المِعطَاءة علَى هذهِ الجهُود
دَام الإبدَاع والحضُور المُختلِف
لِقَلبك السَّعادَة :rkm4:.

نبضها مطيري
08-18-2023, 05:26 AM
طرح جميل
يعطيك العافيه

البرنس مديح آل قطب
08-19-2023, 07:18 PM
http://buengkan.mol.go.th/sites/buengkan.mol.go.th/files/images/jpeg/21_0.gif

•.
جزاكم الله خير الجزاء :x11:
لطرح الموضوع الأسلامي ض2
سلمت أناملكم على الطرح المميّزhttps://www.a-al7b.com/vb/images/smilies/241.gif
ويعطيكم العافية على المجهود المبذولhttps://www.a-al7b.com/vb/images/smilies/ff1 (27).gif
ما ننحرم من فيض عطائكم وإبداعكم https://www.a-al7b.com/vb/images/smilies/241.gif
لكم تحياتي وفائق شكريhttps://www.a-al7b.com/vb/images/smilies/ff1 (27).gif
ولكم كل الود https://www.a-al7b.com/vb/images/smilies/241.gif

https://www.raed.net/img?id=330223 (https://www.raed.net/)

http://up.skoon-elamar.com/uploads/162513083815711.gif


http://www.hamsatq.com/kleeja/uploads/160166321811931.gif
القيصر العاشق
البـــــــ https://j.top4top.io/p_2720snbft1.gifمديح آل قطب https://j.top4top.io/p_2720snbft1.gifـــــــرنس


https://up6.cc/2023/08/169235074024143.gif (https://up6.cc/)

روحي تبيك
09-02-2023, 02:37 PM
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الأجر يارب
وأنار الله قلبك بنورالإيمان
أحترآمي لــ/سموك

sham
09-03-2023, 07:36 AM
جزاك الله كل خير
مودتي
:em5:

بسمة فجر
09-13-2023, 11:57 AM
بارك الله فيك ع موضوعك القيم والمميز
وبانتظار جديدك القادم
ارق التحايا لك

بنت العز
09-13-2023, 12:08 PM
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك

☆Šømă☆
10-10-2023, 11:39 AM
سلمت آناملك
يعطيك العافيه
وشكرا لك

Şøķåŕą
01-11-2024, 05:46 PM
-


جزاك الله خيرًا
جعله الله في ميزان حسناتك
و شكرًا على طرحك المُفيد :x37:
و لا حرمنا الله من جديدك الرائع
و الله يعطيك الف عافيه
لك :f15:

شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

Şøķåŕą
01-11-2024, 05:57 PM
جزاك الله خيرا
طرح يفوق الجمال لروعته
كعادتك إبداع في مواضيعك
يعطيك العافيه يارب
وبإنتظار المزيد من هذا الجمال
لقلبك السعادة والفرح
ودي..

شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

Şøķåŕą
01-11-2024, 05:58 PM
جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك

شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

Şøķåŕą
01-11-2024, 05:59 PM
جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك

شكراً لك

Şøķåŕą
01-11-2024, 06:35 PM
طرحَ عَذب ..!!
أختيآر أنيق وحضور صآخب
سلة من الوردَ وآنحناءة شكر لسموك




شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

Şøķåŕą
01-11-2024, 06:36 PM
جزاك الله خير
وجعله بموازين حسناتك

شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

Şøķåŕą
01-11-2024, 06:36 PM
،



:241:




تَحية تلطفهآ قلوب طيبة ونقٌية
آ‘لتميزٍ لآ يقفٌ عندْ أولْ خطوٍة إبدآعٌ
بلْ يتعدآه في إستمرآرٍ آلعَطآءْ
ووآصل فيٌ وضعٌ بصمـتك المميزة
مِنْ هنآ أقدمٌ لكـ بآقـة وردْ ومحبـة
وٍنحن دوٍمآ نترٍقبٌ آلمَزٍيدْ بفارغ الصبر
مواضيعك الراقية

شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

Şøķåŕą
01-11-2024, 06:37 PM
بارك الله فيك وجزاك الله الف خير
ونفع بك وفي طرحك الطيب والقيم ~


شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

Şøķåŕą
01-11-2024, 06:38 PM

.
.
.
.
.

.
.

_ سَلِمت الأنَامِل المِعطَاءة علَى هذهِ الجهُود
دَام الإبدَاع والحضُور المُختلِف
لِقَلبك السَّعادَة :rkm4:.

شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

Şøķåŕą
01-11-2024, 06:38 PM
طرح جميل
يعطيك العافيه

شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

Şøķåŕą
01-11-2024, 06:39 PM
http://buengkan.mol.go.th/sites/buengkan.mol.go.th/files/images/jpeg/21_0.gif

•.
جزاكم الله خير الجزاء :x11:
لطرح الموضوع الأسلامي ض2
سلمت أناملكم على الطرح المميّزhttps://www.a-al7b.com/vb/images/smilies/241.gif
ويعطيكم العافية على المجهود المبذولhttps://www.a-al7b.com/vb/images/smilies/ff1 (27).gif
ما ننحرم من فيض عطائكم وإبداعكم https://www.a-al7b.com/vb/images/smilies/241.gif
لكم تحياتي وفائق شكريhttps://www.a-al7b.com/vb/images/smilies/ff1 (27).gif
ولكم كل الود https://www.a-al7b.com/vb/images/smilies/241.gif

https://www.raed.net/img?id=330223 (https://www.raed.net/)

http://up.skoon-elamar.com/uploads/162513083815711.gif


http://www.hamsatq.com/kleeja/uploads/160166321811931.gif
القيصر العاشق
البـــــــ https://j.top4top.io/p_2720snbft1.gifمديح آل قطب https://j.top4top.io/p_2720snbft1.gifـــــــرنس


https://up6.cc/2023/08/169235074024143.gif (https://up6.cc/)






شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

Şøķåŕą
01-11-2024, 06:39 PM
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الأجر يارب
وأنار الله قلبك بنورالإيمان
أحترآمي لــ/سموك

شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

Şøķåŕą
01-11-2024, 06:41 PM
جزاك الله كل خير
مودتي
:em5:

شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

Şøķåŕą
01-11-2024, 06:43 PM
بارك الله فيك ع موضوعك القيم والمميز
وبانتظار جديدك القادم
ارق التحايا لك

شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

Şøķåŕą
01-11-2024, 06:44 PM
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك

شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

Şøķåŕą
01-11-2024, 06:44 PM
سلمت آناملك
يعطيك العافيه
وشكرا لك

شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

Şøķåŕą
01-11-2024, 06:45 PM
شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير