☆Šømă☆
06-22-2023, 10:36 PM
تزويج المرأة نفسها بدون ولي
تعريف الولي:
الولي لغة: الواو واللام والياء أصل صحيح يدل على قُرب، ومن ذلك الولي بمعنى القُرب، يقال: تباعد بعد ولي، أي قَرب[1].
ويطلق الولي على المُحِبِّ ضد العدو، والصَّدِيقِ، والنَّصيرِ[2].
والولاية: الخُطَّة، والإمارة، والسلطان[3]، والولاية بالفتح المصدر، والولاية بالكسر الاسم مثل الإمارة، والنِّقابة؛ لأنه اسم لما توليته، وقمت به، فإذا أرادوا المصدر فَتَحوا[4].
الولي شرعا: هو البالغ العاقل الوارث، ولو فاسقا ما لم يكن متهتِّكا[5].
وقيل: هو من له علي المرأة ملك، أو أبوة، أو تعصيب، أو إيصاء، أو كفالة، أو سلطنة، أو ذو إسلام[6].
تحرير محل النزاع:
أجمع أهل العلم على استحباب أن لا تباشر المرأة العقد، ولكن الولي هو الذي يزوجها[7].
واختلفوا في اشتراط الولي في نكاح المرأة على خمسة أقوال.
وسبب اختلافهم:أنه لم تأت آية، ولا سنة ظاهرة في اشتراط الولاية في النكاح، فضلا عن أن يكون في ذلك نص، بل الآيات والسنن التي احتج بها أصحاب كل قول كلها محتملة في ألفاظها، ومختلف في صحتها إلا حديث ابن عباس رضي الله عنهما[8].
أقوال العلماء في حكم تزويج المرأة نفسها بدون ولي:
♦ القول الأول: لا نكاح إلا بولي.
القائلون به: عمر بن الخطاب[9]، وعلي بن أبي طالب[10]، وعبد الله بن مسعود[11]، وعبد الله بن عباس[12]، وأبو هريرة[13] رضي الله عنهم، وشريح[14]، وسعيد بن المسيب[15]، والحسن البصري[16]، وعمر بن عبدالعزيز[17]، وجابر بن زيد[18]، وقتادة[19]، وسفيان الثوري[20]، وابن أبي ليلى[21]، وابن شبرمة[22]، وابن المبارك[23]، والقاسم بن سلام[24]، وإبراهيم النخعي[25]، والأوزاعي[26]، وعبيد الله بن الحسن[27]، والمالكية[28]، والشافعية[29]، والحنابلة[30]، وإسحاق بن راهويه[31]، وابن المنذر[32].
الأدلة التي استدلوا بها:
أولا: القرآن الكريم:
1- قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ ﴾ [البقرة: 232].
وجه الدلالة: هذا خطاب للأولياء، ولو لم يكن لهم حق في الولاية لما نهوا عن العضل، ومعنى عضلها: الامتناع من تزويجها، وهذا يدل على أن نكاحها إلى الولي، ويدل على ذلك أنها نزلت في شأن معقل بن يسار رضي الله عنه حين امتنع من تزويج أخته، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فزوجها، وأضافه إليها؛ لأنها محل له[33].
أجيب بأن هذه الآية تحتمل احتمالين:
أحدهما: أن الخطاب للأولياء بالإنكاح لا يدل على أن الولي شرط جواز الإنكاح بل على وفاق العرف والعادة بين الناس، فإن النساء لا يتولين النكاح بأنفسهن عادة؛ لما فيه من الحاجة إلى الخروج إلى محافل الرجال، وفيه نسبتهن إلى الوقاحة، بل الأولياء هم الذين يتولون ذلك عليهن برضاهن، فخرج الخطاب بالأمر بالإنكاح مخرج العرف، والعادة على الندب، والاستحباب دون الحتم،والإيجاب[34].
نُوقش بأنه لولا أن تولي عقد النكاح من حق الولي لما نهاه الله عن منع المرأة من الزواج[35].
الآخر: أن المراد إنكاح الصغار عملا بالدلائل كلها[36].
نُوقش بأن حمله على الصغير لا يجوز؛ لاستواء الصغير والصغيرة فيه،ولعدم وجود تأثير لتخصيص النساء[37].
2- قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ﴾ [النور: 32]
وجه الدلالة:أن الله تبارك وتعالىخاطب الأولياء بالأمر بالنكاح، كما خاطبهم في الآية الأولى بالنهي عن التعدي فيه، فدل على أنه حق لهم[38].
3- قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ﴾ [البقرة: 221].
وجه الدلالة:جعل الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الحق للأولياء في التزويج، ولو لم يكن لهم حق في الولاية لما نصَّ عليهم[39].
ثانيا: السنة النبوية:
1- عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلمقَالَ: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ»[40].
وجه الدلالة:أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نفى صحة النكاح بدون ولي، وهو عام يشمل كل امرأة[41].
أجيب بأنه يحمل على إنكاح الصغار عملا بالدلائل كلها[42].
نُوقش بأن حمله على الصغير لا يجوز؛ لاستواء الصغير والصغيرة فيه، ولعدم وجود تأثير لتخصيص النساء[43].
2- عَنْ عَائشةَ رضي الله عنها، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَالمَهْرُ لَهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ»[44].
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أبطل النكاح بدون ولي، وهذا دليل على اشتراط الولي في النكاح[45].
أجيب بأن هذا الحديث لا يخلو من حالين:
إحداهما: أنه غير صحيح؛ لأن فتوى الراوي بخلاف الحديث دليل على وهنالحديث، فالزهري راويه، وقد أنكره[46].
نُوقش بأنه لم يقله عن ابن جريج غير ابن عُلَيَّة، كذلك قال الإمام أحمد ويحيى بن معين، ولو ثبت لم يكن حجة؛ لأنه قد نقله ثقات عنه، فلو نسيه الزهري لم يضره؛ لأن النسيان لم يُعصم منه إنسان[47].
الأخرى:أنه محمول على الأَمة إذا زَوجت نفسها بغير إذن مولاها، أو على الصغيرة، أو على المجنونة[48].
أجيب عنه من وجهين:
أحدهما: أن على جميع النساء في النكاح ولاية؛ لجواز اعتراض الأولياء عليهن[49].
والآخر: أن حمله على الصغير لا يجوز من وجهين:
أحدهما: لاستواء الصغير والصغيرة فيه، ولعدم وجود تأثير لتخصيص النساء.
والآخر: لاستواء النكاح وغيره من العقود[50].
وحمله على الأَمَة لا يجوز من وجهين:
أحدهما: لاستواء العبد والأمة فيه لم يكن تأثير لتخصيص الأمة.
والآخر: لقوله في آخر الخبر: «فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ»، والسلطان لا يكون وليًّا للأمة[51].
3- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُزَوِّجُ المَرْأَةُ المَرْأَةَ، وَلَا تُزَوِّجُ المَرْأَةُ نَفْسَهَا، فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا»[52].
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تزوِّج المرأة نفسها، والنهي دليل الفساد[53].
أجيب عنه من وجهين:
أحدهما: أنه ضعيف[54].
نُوقش بأننا لا نسلم بضعفه؛ فإن له متابعة[55].
الآخر: إن صح، فإنه يحمل على أن المستحب أن لا تباشر المرأة العقد، ولكن الولي هو الذي يزوجها[56].
نُوقش بأن الأصل في النفي نفي الصحة لا نفي الكمال،ومن حمله على نفي الكمال احتاج إلى دليل يؤيده[57].
4- عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍرضي الله عنه، أَنَّهُ زَوَّجَ أُخْتَهُ رَجُلًا مِنَ المُسْلِمِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِصلى الله عليه وسلم، فَكَانَتْ عِنْدَهُ مَا كَانَتْ، ثُمَّ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتِ العِدَّةُ، فَهَوِيَهَا وَهَوِيَتْهُ، ثُمَّ خَطَبَهَا مَعَ الخُطَّابِ، فَقَالَ لَهُ: «يَا لُكَعُ[58]أَكْرَمْتُكَ بِهَا، وَزَوَّجْتُكَهَا، فَطَلَّقْتَهَا، وَاللهِ لَا تَرْجِعُ إِلَيْكَ أَبَدًا آخِرُ مَا عَلَيْكَ»، قَالَ: «فَعَلِمَ اللهُ حَاجَتَهُ إِلَيْهَا، وَحَاجَتَهَا إِلَى بَعْلِهَا»، فَأَنْزَلَ اللهُ تبارك وتعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ﴾ [البقرة: 232] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 232]، فَلَمَّا سَمِعَهَا مَعْقِلٌ قَالَ: «سَمْعًا لِرَبِّي وَطَاعَةً»، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ: «أُزَوِّجُكَ، وَأُكْرِمُكَ»[59].
وجه الدلالة: لو لم يكن لمعقل حق لقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: لا كلام لمعقل في ذلك[60].
ثالثا: المعقول:
1- لأنها مُولَّى عليها في النكاح، فلا تليه كالصغيرة[61].
2- لأن المرأة إنما مُنعت الاستقلال بالنكاح؛ لقصور عقلها، ومخافة أن تغلب شهوتها عقلها، فلا يُؤمَن انخداعها، ووقوعه منها على وجه المفسدة، وهذا مأمون فيما إذا أذن فيه وليها[62].
♦ القول الثاني: إذا أجاز الوليُّ النكاحَ جاز، وإن عُقد بغير ولي.
القائلون به: علي بن أبي طالب[63]رضي الله عنه، وابن سيرين[64]، والقاسم بن محمد[65]، والحسن بن صالح[66]، وإسحاق بن راهويه[67]، ومحمد بن الحسن الشيباني[68].
الأدلة التي استدلوا بها:
أولا: السنة النبوية:
عَنْ عَائشةَ رضي الله عنها، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلمقال: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ»[69].
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم ببطلان النكاح بلا ولي، والباطل من التصرفات الشرعية ما لا حكم له شرعا، ويتوقف نفوذه على إجازة الولي، كالبيع الباطل، ونحوه[70].
أجيب بأن العقد الباطل لا يصح مطلقا، وإن أجازه المتعاقدان.
ثانيا: الآثار:
عَنْ هُزَيْلٍ، قَالَ: رُفِعَتْ إِلَى عَلِيٍّ امْرَأَةٌ زَوَّجَهَا خَالُهَا، قَالَ: «فَأَجَازَ عَلِيٌّ النِّكَاحَ»[71].
وجه الدلالة: أن عليا رضي الله عنه أجاز عقد نكاح هذه المرأة مع أن الذي عَقد عليها هو خالها، وهو ليس من الأولياء[72].
أجيب بأن حديث عائشة رضي الله عنها يدل على خلافه، ولا يجوز أن يصير الباطل حقًّا إلا بتجديد عقد، فلا يصح بالإجازة[73].
ثالثا: المعقول:
لأن للأولياء حقا في النكاح بدليل أن لهم حق الاعتراض والفسخ، ومن لا حق له في عقد كيف يملك فسخه، والتصرف في حق الإنسان يقف جوازه على جواز صاحب الحق كالأمة إذا زوجت نفسها بغير إذن وليها[74].
أجيب بأنه لا دليل على هذا من كتاب، ولا سنة صحيحة[75].
♦ القول الثالث: إذا تزوجت بغير إذن وليها كفؤا فهو جائز.
القائلون به: الشعبي[76]، والزهري[77]، ورواية عن أبي حنيفة[78].
عللوا ذلك بقولهم:
لأن عدم الصحة إنما كان دفعا لوقوع ضرر على الأولياء، أو المرأة، فإذا زوَّجت المرأة نفسها من كفء صح؛ لعدم وقوع الضرر[79].
أجيب بأنه لا دليل عليه من كتاب، ولا سنة صحيحة[80].
♦ القول الرابع:كل امرأة لها قَدْر، وغنى لا يزوجها إلا الأولياء، وأما المسكينة، والمعتقَة فلا بأس أن تولي على نفسها أجنبيا يزوجها.
القائلون به: مالك بن أنس[81].
عللوا ذلك بأمرين:
1- لأن الدنية يتعذر عليها رفع أمرها إلى الحاكم، فلو كُلِّفت ذلك لأضر بها، وتعذر نكاحها[82].
2- لأن كل واحد كفؤ لها بخلاف غيرها[83].
أجيب عن هذين التعليلين من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه لا يوجد دليل على هذا التفريق، بل الدليل عام في عدم صحة أي نكاح بلا ولي[84].
الثاني:لأنه ليس من دنية إلا ويوجد من الرجال من هو أدنى منها، فاحتيج إلى احتياط الولي فيها[85].
الثالث: لمَّا لم يكن هذا الفرق مانعا من استوائهما في الشهادة، فهلا كان غير مانع من استوائهما في الولي مع كون النصوص في الولي؟[86].
♦ القول الخامس: إذا زوجت البكر، أو الثيب نفسها بشاهدين من كفء، فهو جائز.
القائلون به: أبو حنيفة[87]، والقاضي أبو يوسف[88]، ومحمد بن الحسن الشيباني[89]، ورواية عند الحنابلة[90].
الأدلة التي استدلوا بها:
أولا: القرآن الكريم:
1- قوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ ﴾ [البقرة: 234].
وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾ [البقرة: 230]
وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 232].
وجه الدلالة من الآيات: أن الله سبحانه وتعالى أضاف العقد إلى النساء في هذه الآيات، فدل على أنها تملكه[91].
أجيب بأنه ليس فيه دليل على اختصاصهن بالعقد[92].
والمراد بالنكاح في قوله عز وجل: ﴿ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾ [البقرة: 230] الجماع[93].
وتفسير قوله عز وجل: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 234] أي: إذا انقضت عدتهن فلا جناح على الأولياء في تركهن فيما فعلن في أنفسهن من التعرض للخُطَّاب، والتزين بالمعروف، أي: بوجه لا ينكره الشرع[94].
2- قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا ﴾ [الأحزاب: 50].
وجه الدلالة: هذه الآية نص على انعقاد النكاح بعبارتها، وانعقادها بلفظ الهبة، فكانت حجة على المخالف[95].
أجيب بأن هذا مما خُصَّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم[96].
ثانيا: السنة النبوية:
1- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ، وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا»[97].
وجه الدلالة: الأيم: اسم لكل امرأة لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا، هذا هو الصحيح عند أهل اللغة[98].
أجيب بأن المراد بالأيم في هذا الخبر الثيب؛ لأمرين:
أحدهما: أنه قد روي: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا»[99].
والآخر: أنه لما قابل الأيم بالبكر اقتضى أن تكون البكر غير الأيم؛ لأن المعطوف غير المعطوف عليه، وليس غير البكر إلا الثيب[100].
فإذا تقررت هذه المقدمة فعن الخبر ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنها أحق بنفسها في أنها لا تُجبر إن أبت، ولا تُمنع إن طلبت، ولا يدل على تفردها بالعقد.
الثاني: أنه جعل لها وليا في الموضع الذي جعلها أحق بنفسها، فلا تسقط ولايته عن عقدها؛ ليكون حقها في نفسها، وحق الولي في عقدها، فيجمع بين هذا الخبر، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي» في العقد.
الثالث: أن لفظة «أحق» موضوعة في اللغة للاشتراك في المُستَحَق إذا كان حق أحدها فيه أغلب[101].
2- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ»[102].
وجه الدلالة: فيه تصريح بقطع ولاية الولي عنها[103].
أجيب بأن الأمر هو الإجبار والإلزام، وليس للولي إجبار الثيب وإلزامها، ولا يقتضي ذلك أن تنفرد بالعقد دون وليها كما لا تنفرد به دون الشهود[104].
3- عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: «إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ؛ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ[105]، قَالَ: فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَيْسَ إِلَى الْآبَاءِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ»[106].
أجيب بأنه شاذ[107]، وإن صحَّ هذا الحديث، فلا يصح الاحتجاج به من وجهين:
أحدهما: إنَّما جعل الأمر إليها؛ لأنه زوجها من غير كُفءٍ[108].
الآخر: أنه رد نكاحا انفرد به الولي، وإنما يكون حجة لو أجاز نكاحا تفردت به المرأة[109].
4- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا زَوَّجَتْ بِنْتًا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ يُقَالُ لَهَا: قُرَيْبَةُ، فَزَوَّجَتْهَا مِنَ المُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَقَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ غَيْبَتِهِ، فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: «أَمْثِلِي يُفْتَاتُ[110] عَلَيْهِ فِي بَنَاتِهِ؟» فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَعَنِ المُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ تَرْغَبُ؟ لَنَجْعَلَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهِ، فَجَعَلَ المُنْذِرُ أَمْرَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِيَدِهِ، فَلَمْ يَقُلْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، وَلَمْ يَرَوْا ذَلِكَ شَيْئًا[111].
وجه الدلالة: فيه دليل على جواز تولية المرأة النكاح[112].
أجيب بأنه مخالف للسنة، وقول أكثر أهل العلم[113].
ثالثا: المعقول:
لأن النكاح من الكفء بمهر المثل خالص حقها بدليل أن لها أن تطالب الولي به، ويجبر الولي على الإيفاء عند طلبها، ولها الحق في مباشرة حقها[114].
أجيب بأن للولي أن يعترض عليها فيه، ويمنعها بأن تتزوج بأقل من مهرها[115].
♦ الترجيح:
أرى أن الراجح في تزويج المرأة نفسها بدون ولي أنه لا يجوز للمرأة تزويج نفسها بدون ولي، وذلك لأربعة أمور:
أحدها:قوة أدلة القائلين بعدم صحة النكاح بلا ولي، وضعف أدلة القائلين بالأقوال الأخرى.
الثاني:العلة في منعها، صيانتها عن مباشرة ما يشعر بوقاحتها ورعونتها وميلها إلى الرجال، وذلك ينافي حال أهل الصيانة، والمروءة[116].
الثالث:عدم وجود دليل ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على جواز تولي المرأة عقد النكاح دون وليها.
الرابع:أثبت الواقع فشل تزويج نفسها، فبعد أن تخمد عاطفة الشباب، ويصحو العقل، ويفكِّر ليدرك أن الزواج ليس ارتباطا بين شخصين بقدر ما هو ارتباط بين أسرتين، وهذه المعاني الكبيرة لا يدركها إلا العاقلون من الرجال الذين يحرصون على منفعة بناتهم، وأهليهم[117].
قال ابن المنذر «ت 319هـ» رحمه الله: لا يجوز للمرأه تزويج نفسها بدون ولي؛ للأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، ولا نعلم أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبت عنه خلاف ما قلنا، وإذا ثبت الشيء بكتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجز تركه لشيء[118].
وقال ابن عبد البر رحمه الله: «فقد صرح الكتاب، والسنة بأن لا نكاح إلا بولي، فلا معنى لما خالفهما»[119].
تعريف الولي:
الولي لغة: الواو واللام والياء أصل صحيح يدل على قُرب، ومن ذلك الولي بمعنى القُرب، يقال: تباعد بعد ولي، أي قَرب[1].
ويطلق الولي على المُحِبِّ ضد العدو، والصَّدِيقِ، والنَّصيرِ[2].
والولاية: الخُطَّة، والإمارة، والسلطان[3]، والولاية بالفتح المصدر، والولاية بالكسر الاسم مثل الإمارة، والنِّقابة؛ لأنه اسم لما توليته، وقمت به، فإذا أرادوا المصدر فَتَحوا[4].
الولي شرعا: هو البالغ العاقل الوارث، ولو فاسقا ما لم يكن متهتِّكا[5].
وقيل: هو من له علي المرأة ملك، أو أبوة، أو تعصيب، أو إيصاء، أو كفالة، أو سلطنة، أو ذو إسلام[6].
تحرير محل النزاع:
أجمع أهل العلم على استحباب أن لا تباشر المرأة العقد، ولكن الولي هو الذي يزوجها[7].
واختلفوا في اشتراط الولي في نكاح المرأة على خمسة أقوال.
وسبب اختلافهم:أنه لم تأت آية، ولا سنة ظاهرة في اشتراط الولاية في النكاح، فضلا عن أن يكون في ذلك نص، بل الآيات والسنن التي احتج بها أصحاب كل قول كلها محتملة في ألفاظها، ومختلف في صحتها إلا حديث ابن عباس رضي الله عنهما[8].
أقوال العلماء في حكم تزويج المرأة نفسها بدون ولي:
♦ القول الأول: لا نكاح إلا بولي.
القائلون به: عمر بن الخطاب[9]، وعلي بن أبي طالب[10]، وعبد الله بن مسعود[11]، وعبد الله بن عباس[12]، وأبو هريرة[13] رضي الله عنهم، وشريح[14]، وسعيد بن المسيب[15]، والحسن البصري[16]، وعمر بن عبدالعزيز[17]، وجابر بن زيد[18]، وقتادة[19]، وسفيان الثوري[20]، وابن أبي ليلى[21]، وابن شبرمة[22]، وابن المبارك[23]، والقاسم بن سلام[24]، وإبراهيم النخعي[25]، والأوزاعي[26]، وعبيد الله بن الحسن[27]، والمالكية[28]، والشافعية[29]، والحنابلة[30]، وإسحاق بن راهويه[31]، وابن المنذر[32].
الأدلة التي استدلوا بها:
أولا: القرآن الكريم:
1- قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ ﴾ [البقرة: 232].
وجه الدلالة: هذا خطاب للأولياء، ولو لم يكن لهم حق في الولاية لما نهوا عن العضل، ومعنى عضلها: الامتناع من تزويجها، وهذا يدل على أن نكاحها إلى الولي، ويدل على ذلك أنها نزلت في شأن معقل بن يسار رضي الله عنه حين امتنع من تزويج أخته، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فزوجها، وأضافه إليها؛ لأنها محل له[33].
أجيب بأن هذه الآية تحتمل احتمالين:
أحدهما: أن الخطاب للأولياء بالإنكاح لا يدل على أن الولي شرط جواز الإنكاح بل على وفاق العرف والعادة بين الناس، فإن النساء لا يتولين النكاح بأنفسهن عادة؛ لما فيه من الحاجة إلى الخروج إلى محافل الرجال، وفيه نسبتهن إلى الوقاحة، بل الأولياء هم الذين يتولون ذلك عليهن برضاهن، فخرج الخطاب بالأمر بالإنكاح مخرج العرف، والعادة على الندب، والاستحباب دون الحتم،والإيجاب[34].
نُوقش بأنه لولا أن تولي عقد النكاح من حق الولي لما نهاه الله عن منع المرأة من الزواج[35].
الآخر: أن المراد إنكاح الصغار عملا بالدلائل كلها[36].
نُوقش بأن حمله على الصغير لا يجوز؛ لاستواء الصغير والصغيرة فيه،ولعدم وجود تأثير لتخصيص النساء[37].
2- قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ﴾ [النور: 32]
وجه الدلالة:أن الله تبارك وتعالىخاطب الأولياء بالأمر بالنكاح، كما خاطبهم في الآية الأولى بالنهي عن التعدي فيه، فدل على أنه حق لهم[38].
3- قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ﴾ [البقرة: 221].
وجه الدلالة:جعل الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الحق للأولياء في التزويج، ولو لم يكن لهم حق في الولاية لما نصَّ عليهم[39].
ثانيا: السنة النبوية:
1- عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلمقَالَ: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ»[40].
وجه الدلالة:أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نفى صحة النكاح بدون ولي، وهو عام يشمل كل امرأة[41].
أجيب بأنه يحمل على إنكاح الصغار عملا بالدلائل كلها[42].
نُوقش بأن حمله على الصغير لا يجوز؛ لاستواء الصغير والصغيرة فيه، ولعدم وجود تأثير لتخصيص النساء[43].
2- عَنْ عَائشةَ رضي الله عنها، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَالمَهْرُ لَهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ»[44].
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أبطل النكاح بدون ولي، وهذا دليل على اشتراط الولي في النكاح[45].
أجيب بأن هذا الحديث لا يخلو من حالين:
إحداهما: أنه غير صحيح؛ لأن فتوى الراوي بخلاف الحديث دليل على وهنالحديث، فالزهري راويه، وقد أنكره[46].
نُوقش بأنه لم يقله عن ابن جريج غير ابن عُلَيَّة، كذلك قال الإمام أحمد ويحيى بن معين، ولو ثبت لم يكن حجة؛ لأنه قد نقله ثقات عنه، فلو نسيه الزهري لم يضره؛ لأن النسيان لم يُعصم منه إنسان[47].
الأخرى:أنه محمول على الأَمة إذا زَوجت نفسها بغير إذن مولاها، أو على الصغيرة، أو على المجنونة[48].
أجيب عنه من وجهين:
أحدهما: أن على جميع النساء في النكاح ولاية؛ لجواز اعتراض الأولياء عليهن[49].
والآخر: أن حمله على الصغير لا يجوز من وجهين:
أحدهما: لاستواء الصغير والصغيرة فيه، ولعدم وجود تأثير لتخصيص النساء.
والآخر: لاستواء النكاح وغيره من العقود[50].
وحمله على الأَمَة لا يجوز من وجهين:
أحدهما: لاستواء العبد والأمة فيه لم يكن تأثير لتخصيص الأمة.
والآخر: لقوله في آخر الخبر: «فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ»، والسلطان لا يكون وليًّا للأمة[51].
3- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُزَوِّجُ المَرْأَةُ المَرْأَةَ، وَلَا تُزَوِّجُ المَرْأَةُ نَفْسَهَا، فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا»[52].
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تزوِّج المرأة نفسها، والنهي دليل الفساد[53].
أجيب عنه من وجهين:
أحدهما: أنه ضعيف[54].
نُوقش بأننا لا نسلم بضعفه؛ فإن له متابعة[55].
الآخر: إن صح، فإنه يحمل على أن المستحب أن لا تباشر المرأة العقد، ولكن الولي هو الذي يزوجها[56].
نُوقش بأن الأصل في النفي نفي الصحة لا نفي الكمال،ومن حمله على نفي الكمال احتاج إلى دليل يؤيده[57].
4- عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍرضي الله عنه، أَنَّهُ زَوَّجَ أُخْتَهُ رَجُلًا مِنَ المُسْلِمِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِصلى الله عليه وسلم، فَكَانَتْ عِنْدَهُ مَا كَانَتْ، ثُمَّ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتِ العِدَّةُ، فَهَوِيَهَا وَهَوِيَتْهُ، ثُمَّ خَطَبَهَا مَعَ الخُطَّابِ، فَقَالَ لَهُ: «يَا لُكَعُ[58]أَكْرَمْتُكَ بِهَا، وَزَوَّجْتُكَهَا، فَطَلَّقْتَهَا، وَاللهِ لَا تَرْجِعُ إِلَيْكَ أَبَدًا آخِرُ مَا عَلَيْكَ»، قَالَ: «فَعَلِمَ اللهُ حَاجَتَهُ إِلَيْهَا، وَحَاجَتَهَا إِلَى بَعْلِهَا»، فَأَنْزَلَ اللهُ تبارك وتعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ﴾ [البقرة: 232] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 232]، فَلَمَّا سَمِعَهَا مَعْقِلٌ قَالَ: «سَمْعًا لِرَبِّي وَطَاعَةً»، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ: «أُزَوِّجُكَ، وَأُكْرِمُكَ»[59].
وجه الدلالة: لو لم يكن لمعقل حق لقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: لا كلام لمعقل في ذلك[60].
ثالثا: المعقول:
1- لأنها مُولَّى عليها في النكاح، فلا تليه كالصغيرة[61].
2- لأن المرأة إنما مُنعت الاستقلال بالنكاح؛ لقصور عقلها، ومخافة أن تغلب شهوتها عقلها، فلا يُؤمَن انخداعها، ووقوعه منها على وجه المفسدة، وهذا مأمون فيما إذا أذن فيه وليها[62].
♦ القول الثاني: إذا أجاز الوليُّ النكاحَ جاز، وإن عُقد بغير ولي.
القائلون به: علي بن أبي طالب[63]رضي الله عنه، وابن سيرين[64]، والقاسم بن محمد[65]، والحسن بن صالح[66]، وإسحاق بن راهويه[67]، ومحمد بن الحسن الشيباني[68].
الأدلة التي استدلوا بها:
أولا: السنة النبوية:
عَنْ عَائشةَ رضي الله عنها، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلمقال: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ»[69].
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم ببطلان النكاح بلا ولي، والباطل من التصرفات الشرعية ما لا حكم له شرعا، ويتوقف نفوذه على إجازة الولي، كالبيع الباطل، ونحوه[70].
أجيب بأن العقد الباطل لا يصح مطلقا، وإن أجازه المتعاقدان.
ثانيا: الآثار:
عَنْ هُزَيْلٍ، قَالَ: رُفِعَتْ إِلَى عَلِيٍّ امْرَأَةٌ زَوَّجَهَا خَالُهَا، قَالَ: «فَأَجَازَ عَلِيٌّ النِّكَاحَ»[71].
وجه الدلالة: أن عليا رضي الله عنه أجاز عقد نكاح هذه المرأة مع أن الذي عَقد عليها هو خالها، وهو ليس من الأولياء[72].
أجيب بأن حديث عائشة رضي الله عنها يدل على خلافه، ولا يجوز أن يصير الباطل حقًّا إلا بتجديد عقد، فلا يصح بالإجازة[73].
ثالثا: المعقول:
لأن للأولياء حقا في النكاح بدليل أن لهم حق الاعتراض والفسخ، ومن لا حق له في عقد كيف يملك فسخه، والتصرف في حق الإنسان يقف جوازه على جواز صاحب الحق كالأمة إذا زوجت نفسها بغير إذن وليها[74].
أجيب بأنه لا دليل على هذا من كتاب، ولا سنة صحيحة[75].
♦ القول الثالث: إذا تزوجت بغير إذن وليها كفؤا فهو جائز.
القائلون به: الشعبي[76]، والزهري[77]، ورواية عن أبي حنيفة[78].
عللوا ذلك بقولهم:
لأن عدم الصحة إنما كان دفعا لوقوع ضرر على الأولياء، أو المرأة، فإذا زوَّجت المرأة نفسها من كفء صح؛ لعدم وقوع الضرر[79].
أجيب بأنه لا دليل عليه من كتاب، ولا سنة صحيحة[80].
♦ القول الرابع:كل امرأة لها قَدْر، وغنى لا يزوجها إلا الأولياء، وأما المسكينة، والمعتقَة فلا بأس أن تولي على نفسها أجنبيا يزوجها.
القائلون به: مالك بن أنس[81].
عللوا ذلك بأمرين:
1- لأن الدنية يتعذر عليها رفع أمرها إلى الحاكم، فلو كُلِّفت ذلك لأضر بها، وتعذر نكاحها[82].
2- لأن كل واحد كفؤ لها بخلاف غيرها[83].
أجيب عن هذين التعليلين من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه لا يوجد دليل على هذا التفريق، بل الدليل عام في عدم صحة أي نكاح بلا ولي[84].
الثاني:لأنه ليس من دنية إلا ويوجد من الرجال من هو أدنى منها، فاحتيج إلى احتياط الولي فيها[85].
الثالث: لمَّا لم يكن هذا الفرق مانعا من استوائهما في الشهادة، فهلا كان غير مانع من استوائهما في الولي مع كون النصوص في الولي؟[86].
♦ القول الخامس: إذا زوجت البكر، أو الثيب نفسها بشاهدين من كفء، فهو جائز.
القائلون به: أبو حنيفة[87]، والقاضي أبو يوسف[88]، ومحمد بن الحسن الشيباني[89]، ورواية عند الحنابلة[90].
الأدلة التي استدلوا بها:
أولا: القرآن الكريم:
1- قوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ ﴾ [البقرة: 234].
وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾ [البقرة: 230]
وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 232].
وجه الدلالة من الآيات: أن الله سبحانه وتعالى أضاف العقد إلى النساء في هذه الآيات، فدل على أنها تملكه[91].
أجيب بأنه ليس فيه دليل على اختصاصهن بالعقد[92].
والمراد بالنكاح في قوله عز وجل: ﴿ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾ [البقرة: 230] الجماع[93].
وتفسير قوله عز وجل: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 234] أي: إذا انقضت عدتهن فلا جناح على الأولياء في تركهن فيما فعلن في أنفسهن من التعرض للخُطَّاب، والتزين بالمعروف، أي: بوجه لا ينكره الشرع[94].
2- قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا ﴾ [الأحزاب: 50].
وجه الدلالة: هذه الآية نص على انعقاد النكاح بعبارتها، وانعقادها بلفظ الهبة، فكانت حجة على المخالف[95].
أجيب بأن هذا مما خُصَّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم[96].
ثانيا: السنة النبوية:
1- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ، وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا»[97].
وجه الدلالة: الأيم: اسم لكل امرأة لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا، هذا هو الصحيح عند أهل اللغة[98].
أجيب بأن المراد بالأيم في هذا الخبر الثيب؛ لأمرين:
أحدهما: أنه قد روي: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا»[99].
والآخر: أنه لما قابل الأيم بالبكر اقتضى أن تكون البكر غير الأيم؛ لأن المعطوف غير المعطوف عليه، وليس غير البكر إلا الثيب[100].
فإذا تقررت هذه المقدمة فعن الخبر ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنها أحق بنفسها في أنها لا تُجبر إن أبت، ولا تُمنع إن طلبت، ولا يدل على تفردها بالعقد.
الثاني: أنه جعل لها وليا في الموضع الذي جعلها أحق بنفسها، فلا تسقط ولايته عن عقدها؛ ليكون حقها في نفسها، وحق الولي في عقدها، فيجمع بين هذا الخبر، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي» في العقد.
الثالث: أن لفظة «أحق» موضوعة في اللغة للاشتراك في المُستَحَق إذا كان حق أحدها فيه أغلب[101].
2- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ»[102].
وجه الدلالة: فيه تصريح بقطع ولاية الولي عنها[103].
أجيب بأن الأمر هو الإجبار والإلزام، وليس للولي إجبار الثيب وإلزامها، ولا يقتضي ذلك أن تنفرد بالعقد دون وليها كما لا تنفرد به دون الشهود[104].
3- عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: «إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ؛ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ[105]، قَالَ: فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَيْسَ إِلَى الْآبَاءِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ»[106].
أجيب بأنه شاذ[107]، وإن صحَّ هذا الحديث، فلا يصح الاحتجاج به من وجهين:
أحدهما: إنَّما جعل الأمر إليها؛ لأنه زوجها من غير كُفءٍ[108].
الآخر: أنه رد نكاحا انفرد به الولي، وإنما يكون حجة لو أجاز نكاحا تفردت به المرأة[109].
4- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا زَوَّجَتْ بِنْتًا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ يُقَالُ لَهَا: قُرَيْبَةُ، فَزَوَّجَتْهَا مِنَ المُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَقَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ غَيْبَتِهِ، فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: «أَمْثِلِي يُفْتَاتُ[110] عَلَيْهِ فِي بَنَاتِهِ؟» فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَعَنِ المُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ تَرْغَبُ؟ لَنَجْعَلَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهِ، فَجَعَلَ المُنْذِرُ أَمْرَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِيَدِهِ، فَلَمْ يَقُلْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، وَلَمْ يَرَوْا ذَلِكَ شَيْئًا[111].
وجه الدلالة: فيه دليل على جواز تولية المرأة النكاح[112].
أجيب بأنه مخالف للسنة، وقول أكثر أهل العلم[113].
ثالثا: المعقول:
لأن النكاح من الكفء بمهر المثل خالص حقها بدليل أن لها أن تطالب الولي به، ويجبر الولي على الإيفاء عند طلبها، ولها الحق في مباشرة حقها[114].
أجيب بأن للولي أن يعترض عليها فيه، ويمنعها بأن تتزوج بأقل من مهرها[115].
♦ الترجيح:
أرى أن الراجح في تزويج المرأة نفسها بدون ولي أنه لا يجوز للمرأة تزويج نفسها بدون ولي، وذلك لأربعة أمور:
أحدها:قوة أدلة القائلين بعدم صحة النكاح بلا ولي، وضعف أدلة القائلين بالأقوال الأخرى.
الثاني:العلة في منعها، صيانتها عن مباشرة ما يشعر بوقاحتها ورعونتها وميلها إلى الرجال، وذلك ينافي حال أهل الصيانة، والمروءة[116].
الثالث:عدم وجود دليل ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على جواز تولي المرأة عقد النكاح دون وليها.
الرابع:أثبت الواقع فشل تزويج نفسها، فبعد أن تخمد عاطفة الشباب، ويصحو العقل، ويفكِّر ليدرك أن الزواج ليس ارتباطا بين شخصين بقدر ما هو ارتباط بين أسرتين، وهذه المعاني الكبيرة لا يدركها إلا العاقلون من الرجال الذين يحرصون على منفعة بناتهم، وأهليهم[117].
قال ابن المنذر «ت 319هـ» رحمه الله: لا يجوز للمرأه تزويج نفسها بدون ولي؛ للأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، ولا نعلم أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبت عنه خلاف ما قلنا، وإذا ثبت الشيء بكتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجز تركه لشيء[118].
وقال ابن عبد البر رحمه الله: «فقد صرح الكتاب، والسنة بأن لا نكاح إلا بولي، فلا معنى لما خالفهما»[119].