Şøķåŕą
05-28-2023, 12:08 PM
نحن أولى بإسرائيل عليه السلام منهم (7)
وَهْمٌ مَدْفُوع:
فأما تَوَهُّم البعض عَدَم غَضاضَة انْتِساب الدولة الخَبِيْثة ومُواطنيها إلى إسرائيل عليه السلام، استنادًا إلى كونهم من ذُرِّيِّتِه، فهو خطأ مَحْض، صَنَّف غيرُ واحد من المُعاصِرين - ومنهم مؤلفين يهود - من الدراسات التاريخية، وبحوث علم الأنساب ما يؤكد مُجانَبَته للصواب، ويُثْبِت بما لا يدع مَجالًا للشَكِّ أن أكثر يهود اليوم ليسوا من نَسْل بني إسرائيل، وأن عُمومهم يعود نَسَبُهم لسُكَّان مَمْلكة الخَزَر التي تَهَوَّد مَلِكُها الوَثَنِي، وتَهَوَّد معه أكثر سُكَّان المَمْلَكة الوَثَنِيِّين في أواخر القرن الثامن الميلادي[1]، حتى كاد الخَزَر جميعًا - وهم أُمَّةٌ كبيرة تَجْمَع خَليطًا من أجْناس التُّرْك والسّلاف وغيرهم - في القرن التاسع أن يكونوا يهودًا.
وقد ضَعُفَت تلك المملكة التي كانت تمتلك مِساحات شاسِعة حول بَحْر قَزْوين الذي كان يُسَمَّى باسمها (بحر الخَزَر)، وتَقَلَّصت أراضيها التي كانت تشمل منطقة الفولغا السفلى، وشمال البحر الأسود تَقَلُّصًا شديدًا عقب غَزْوها في عام 965 م من قبل مَمْلَكة الرُّوس الأولى، التي كانت عاصمتها مدينة كييف الواقعة في أوكرانيا حاليًا، ثم انهارت مَمْلكة الخَزَر تمامًا بفِعْل الاكْتِساح المَغولي لأراضيها، لكن عددًا غير قليل من أبنائها كان قد هاجر إلى شرق أوروبا، واستقر فيها، ومنها انتشروا إلى عموم القارة الأوروبية.
وقد صَنَّف الأديب اليهودي الموسوعي آرثر كيستلر في بيان ذلك كتابًا أَسْماه (القبيلة الثالثة عشر)؛ إشارة منه إلى كون أغلب يهود اليوم لا يعود نَسَبُهم إلى الأسباط الإثني عشر من أبناء يعقوب عليه السلام، وإنما إلى أُمَّة خارِجة عنهم، وأَلَّف في بيان ذلك أيضاً رجل الأعمال اليهودي - المُرْتَد عن اليهودية - بنيامين فريدمان كتابًا بعنوان (يهود اليوم ليسوا يهودًا).[2]
وتناول الأمر ذاته الدكتور المصري جمال حمدان - رحمه الله - في كتابه عن الشخصية اليهودية من واقع دراسة إنثربولوجية[3]، وكذلك الدكتور عبد الوهاب المسيري في موسوعته عن اليهود واليهودية والصهيونية.
كما تناول المذكورون بالبحث انْحِدار البَقِيَّة الباقِية من اليهود من غير الخَزَر من نَسْل القبائل الوَثَنِيَّة القديمة في إفريقية، وآسيا، وحوض البحر المتوسط، كيهود اليمن - على خلاف في ذلك - ويهود الطَّوارق بشمال إفريقية، ويهود الحَبَشة، ولكن نِسْبة هؤلاء جميعًا لا تزيد على ثمانية بالمائة تقريبًا من يهود العالم اليوم، وأما عُموم اليهود المُعاصِرين، فهم يَنْحَدِرون من نَسْل الخَزَر، الذين يُشَكِّلون وَفْق العديد من الدراسات التاريخية، والأثرية، وبحوث علم الأنساب، وغيرها نحو اثنين وتسعين في المائة من يهود العالم اليوم.
ولو فُرِض جَدَلًا صِحَّة ادِّعائهم الانتساب إلى بني إسرائيل، لما كان لذلك أَدْنَى أثر في تَسْويغ مُتابَعتهم على ذلك الانتساب المَزْعوم؛ لما قَرَّرْناه مِرارًا من انقطاع النَّسَب بين الأنبياء والمرسلين وبين الكفار والمشركين، ولو كانوا من أَقْرَب الناس إليهم نَسَبًا، بل هذا عامُّ في جميع المؤمنين، والأدلة الشرعية عليه كثيرة جدًا، ولله الحمد، ولا يَحْتَمِل المَوْضع هنا إيرادها.
كما أن الفَرْق واضح بين انتساب نَسْل إسرائيل عليه السلام إليه من جِهَة الذُّرية، فيُسَمَّوْن ببَنِي إسرائيل - كما هو اسمهم في القرآن الكريم والسنة النبوية - وبين الانتساب إلى إسرائيل عليه السلام بياء الإضافة، التي تُشْعِر بالانتماء الحقيقي، والمُتابَعَة على المِنْهاج، والسَّيْر على الدَّرْب.[4]
الدَّوْلَة الخَبِيْثة وإشْكالِيَّة التَّسْمِية:
تَبايَنَت وِجْهات نَظَر المُعاصِرين في انْتِقاء اسم للدولة اليهودية المُغْتَصِبة لأرض فلسطين المُسْلِمة، وتَفَرَّق الناس في ذلك فِرَقًا شَتَّى، والعِلَّة واضحة في هذا التَّفَرُّق، وذلك الاختلاف؛ ألا يُطْلَق في حَقِّها من الأسماء ما لا يُناسِبها، ولا يُوْضَع لها من الألفاظ ما لا يُعَبِّر عن حقيقتها، أو يُضْفِي عليها أوصافًا لا تُمُتُّ لها بصِلة.
ويَقْتَرِن بإشْكالية تَسْمِيَة الدولة المُغْتَصِبة الخَبيثة، صُعوبة تَحْديد نِسْبَة يُنْسَب بها المُتَجَنِّسُون بجِنْسِيَّة هذه الدَّوْلة، مع مُراعاة أمرين هامَّيْن، ينبغي التَّنَبُّه لهما:
أولهما: أن حِرْصنا على اخْتيار الاسم الصحيح، الذي ينبغي أن يُطْلَق على تلك الدَّوْلَة الخَبِيْثة، لا يُفْهَم منه ألبتة أي نوع من أنواع الاعتراف بها، ولا ينبغي تَوَهُّم هذا الظَنِّ؛ إذ لا يُتَصَوَّر صُدُور مِثْلِه من أحد من المُسْلِمين، إلا إن كان جاهلًا جهلًا مُرَكَّبًا، قد بَلَغ به الجَهْل مَرْتَبة الأنعام، أو تَخَطَّى، ولا يَشُكُّ من شَمَّ رائحة المَعْرِفة ببَدَهِيَّات شريعة الله المُطَهَّرة في المَوْقِف الشَّرْعِي، الذي يجب على كل مسلم اتخاذه من تلك الدولة.
وثانيهما: أنه ينبغي التَّفْرِيق بين مَنْ تَجَنَّس بجِنْسِيَّة الدَّوْلة المُغْتَصِبة الخَبيثة عن رِضًا وطَواعِية، ومَنْ أُكْرِه على ذلك[5]؛ فمعلومٌ أن المسلمين من أهل فلسطين المَبارَكة[6] الذين يعيشون في المدن التي وقعت تحت حُكم الدولة المُسَمَّاة بدولة إسرائيل - وإسرائيل عليه السلام منهم بَراء - منذ عام ثمانية وأربعين وتسعمائة وألف بالتاريخ الميلادي - وهم الذين يُسَمَّون بفلسطيني ثمانية وأربعين - يحملون في جميع أوراقهم الرَّسْمِيَّة الجِنْسِيَّة المُسَمَّاة بالإسرائيلية، ولا يَخْفَى أن كل الأراضي الفلسطينية قد وقعت عقب الحرب التي حدثت في العام المذكور تحت حُكم الدولة المُسَمَّاة بإسرائيل، باستثناء الضفة الغربية، وقطاع غزة.
أسماء مُقْتَرَحَة ونِسَبٌ مَطْرُوحة:
وقد طُرِحَتْ العديد من التَّسْمِيات، كبَديل عن تَسْمِيَة الدولة الخَبيثة بدولة إسرائيل، كالدولة اليَهُودِيَّة، أو دولة اليهود، والدولة العِبْريَّة، والدولة الصِّهْيَوْنِيَّة، ولكن المُلاحَظ أن بعض ما يُطْرَح من الأسماء في هذا الصَّدَد، ويَخالُه الكثيرون مُعَبِّرًا، وخاليًا من النَّقْد، يَرِد عليه نَوْعٌ من أنواع الإشكالات، سواء كانت إشكالات شرعية، أو سياسية، أو غير ذلك.
الدولة اليهودية:
لقد فَضَّل البعض تَسْمِيَة الدولة الخبيثة بدولة اليهود، أو الدولة اليهودية؛ تَبَعًا لديانة الذين دَعَوا إلى قيامها، والذين سَعَوا في ذلك بشَتَّى الطُّرُق والوسائل، بَدْءًا من الكتابة والتَّحْرِيض، ومُرورًا بطلب الدُّعْم السِّياسِي والعَسْكَرِي، وانتهاء بالقتال، وارتكاب المَجازِر البَشِعة.
ولا بد لنا قبل أن نَخوض فيما يَرِد على هذه التَّسْمِيَة من بيان معنى كلمة يهودي، والجُذور التاريخية للتَسْمِية بهذا الاسم، والمراحل التي مَرَّ بها.
[1] قال المسعودي في مروج الذهب (1/212): وكان تهوُّد ملك الخزر في خلافة هارون الرشيد، وقد انضاف إليه خلق من اليهود، وَرَدُوا عليه من سائر أمصار المسلمين، ومن بلاد الروم،انتهى.
[2] عُقِدَت ندوة دولية في طرابلس بليبيا لدراسة الصهيونية والعنصرية في شهر يوليو من عام 1976م، وحضرها 500 مدعو من 80 دولة مختلفة، وقد نشرت المؤسسة العربية للدراسات والنشر أبحاث ذلك المؤتمر في كتاب بعنوان (الصهيونية حركة عنصرية) بإعداد عدنان كبالي، ومن أبحاثه: الصهيونية واليهود واليهودية لجوزيف ل . ريان، والفرق بين اليهودية والصهيونية لجي نوبيرغر، والصهيونية السياسية: انتقادات يهودية لغاري ف.
[3] الإنثربولوجيا هو علم الإنسانيات، ويندرج تحته أقسام عدة، منها ما يتعلق بالحضارات والشعوب، والأنساب، والخصائص الوراثية للأمم.
[4] قال الشيخ محمد بن محمد أبو شهبة رحمه الله في كتابه الإسرائيليات والموضوعات فى كتب التفسير (ص12): وقد أكثر الله من خطابهم ببني إسرائيل في القرآن الكريم؛ تذكيرًا لهم بأبوة هذا النبي الصالح، حتى يتأسوا به، ويتخلقوا بأخلاقه، ويتركوا ما كانوا عليه من نكران نعم الله عليهم وعلى آبائهم، وما كانوا يتصفون به من الجحود، والغدر، واللؤم، والخيانة،انتهى. وسيأتي إن شاء الله تعالى التفريق بين مسمى اليهود ومسمى بني إسرائيل فيما سيرد من كلام الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله تعالى في معجم المناهي اللفظية.
[5] ولا يُعْفى من الذنب من كانت له قُدْرَة على الهجرة، أو وجد سبيلًا إليها، إلا إن قَصَد بالإقامة السَّعْي إلى دَفْع الصَّائل، وإعادة الأرض لحيازة المسلمين، لا الرُّكون إلى مَتاع دُنَيوي زائف، سَرقه العدو الصَّائل أصلًا من خيرات المسلمين، وألقى بفُتاته إلى من سار في رَكْبه من الأنذال.
[6] وكذا غير المسلمين، من نصارى، ودروز، ونصيرية، وبهائيين، وطوائف يهودية لا تعترف بالفكرة الصهيونية التي قامت عليها الدولة المسماة بإسرائيل، وغيرهم، وإن كان الدروز، والبهائيون، والمتصهينون من النصارى، وبعض المنتسبين للإسلام من أهل تلك البقاع يقبلون بالجنسية اليهودية، عن طواعية ورضا، ويخدمون في الجيش الإسرائيلي، ويشاركونه ما يقوم به من مذابح ضد المسلمين من أهل فلسطين، ولا شك في رِدَّة من فعل ذلك من المنتسبين إلى هذه الأمة، و لا يتناطح كبشان في مُروقه من المِلَّة، وخروجه عن دائرة أهل القبلة.
وَهْمٌ مَدْفُوع:
فأما تَوَهُّم البعض عَدَم غَضاضَة انْتِساب الدولة الخَبِيْثة ومُواطنيها إلى إسرائيل عليه السلام، استنادًا إلى كونهم من ذُرِّيِّتِه، فهو خطأ مَحْض، صَنَّف غيرُ واحد من المُعاصِرين - ومنهم مؤلفين يهود - من الدراسات التاريخية، وبحوث علم الأنساب ما يؤكد مُجانَبَته للصواب، ويُثْبِت بما لا يدع مَجالًا للشَكِّ أن أكثر يهود اليوم ليسوا من نَسْل بني إسرائيل، وأن عُمومهم يعود نَسَبُهم لسُكَّان مَمْلكة الخَزَر التي تَهَوَّد مَلِكُها الوَثَنِي، وتَهَوَّد معه أكثر سُكَّان المَمْلَكة الوَثَنِيِّين في أواخر القرن الثامن الميلادي[1]، حتى كاد الخَزَر جميعًا - وهم أُمَّةٌ كبيرة تَجْمَع خَليطًا من أجْناس التُّرْك والسّلاف وغيرهم - في القرن التاسع أن يكونوا يهودًا.
وقد ضَعُفَت تلك المملكة التي كانت تمتلك مِساحات شاسِعة حول بَحْر قَزْوين الذي كان يُسَمَّى باسمها (بحر الخَزَر)، وتَقَلَّصت أراضيها التي كانت تشمل منطقة الفولغا السفلى، وشمال البحر الأسود تَقَلُّصًا شديدًا عقب غَزْوها في عام 965 م من قبل مَمْلَكة الرُّوس الأولى، التي كانت عاصمتها مدينة كييف الواقعة في أوكرانيا حاليًا، ثم انهارت مَمْلكة الخَزَر تمامًا بفِعْل الاكْتِساح المَغولي لأراضيها، لكن عددًا غير قليل من أبنائها كان قد هاجر إلى شرق أوروبا، واستقر فيها، ومنها انتشروا إلى عموم القارة الأوروبية.
وقد صَنَّف الأديب اليهودي الموسوعي آرثر كيستلر في بيان ذلك كتابًا أَسْماه (القبيلة الثالثة عشر)؛ إشارة منه إلى كون أغلب يهود اليوم لا يعود نَسَبُهم إلى الأسباط الإثني عشر من أبناء يعقوب عليه السلام، وإنما إلى أُمَّة خارِجة عنهم، وأَلَّف في بيان ذلك أيضاً رجل الأعمال اليهودي - المُرْتَد عن اليهودية - بنيامين فريدمان كتابًا بعنوان (يهود اليوم ليسوا يهودًا).[2]
وتناول الأمر ذاته الدكتور المصري جمال حمدان - رحمه الله - في كتابه عن الشخصية اليهودية من واقع دراسة إنثربولوجية[3]، وكذلك الدكتور عبد الوهاب المسيري في موسوعته عن اليهود واليهودية والصهيونية.
كما تناول المذكورون بالبحث انْحِدار البَقِيَّة الباقِية من اليهود من غير الخَزَر من نَسْل القبائل الوَثَنِيَّة القديمة في إفريقية، وآسيا، وحوض البحر المتوسط، كيهود اليمن - على خلاف في ذلك - ويهود الطَّوارق بشمال إفريقية، ويهود الحَبَشة، ولكن نِسْبة هؤلاء جميعًا لا تزيد على ثمانية بالمائة تقريبًا من يهود العالم اليوم، وأما عُموم اليهود المُعاصِرين، فهم يَنْحَدِرون من نَسْل الخَزَر، الذين يُشَكِّلون وَفْق العديد من الدراسات التاريخية، والأثرية، وبحوث علم الأنساب، وغيرها نحو اثنين وتسعين في المائة من يهود العالم اليوم.
ولو فُرِض جَدَلًا صِحَّة ادِّعائهم الانتساب إلى بني إسرائيل، لما كان لذلك أَدْنَى أثر في تَسْويغ مُتابَعتهم على ذلك الانتساب المَزْعوم؛ لما قَرَّرْناه مِرارًا من انقطاع النَّسَب بين الأنبياء والمرسلين وبين الكفار والمشركين، ولو كانوا من أَقْرَب الناس إليهم نَسَبًا، بل هذا عامُّ في جميع المؤمنين، والأدلة الشرعية عليه كثيرة جدًا، ولله الحمد، ولا يَحْتَمِل المَوْضع هنا إيرادها.
كما أن الفَرْق واضح بين انتساب نَسْل إسرائيل عليه السلام إليه من جِهَة الذُّرية، فيُسَمَّوْن ببَنِي إسرائيل - كما هو اسمهم في القرآن الكريم والسنة النبوية - وبين الانتساب إلى إسرائيل عليه السلام بياء الإضافة، التي تُشْعِر بالانتماء الحقيقي، والمُتابَعَة على المِنْهاج، والسَّيْر على الدَّرْب.[4]
الدَّوْلَة الخَبِيْثة وإشْكالِيَّة التَّسْمِية:
تَبايَنَت وِجْهات نَظَر المُعاصِرين في انْتِقاء اسم للدولة اليهودية المُغْتَصِبة لأرض فلسطين المُسْلِمة، وتَفَرَّق الناس في ذلك فِرَقًا شَتَّى، والعِلَّة واضحة في هذا التَّفَرُّق، وذلك الاختلاف؛ ألا يُطْلَق في حَقِّها من الأسماء ما لا يُناسِبها، ولا يُوْضَع لها من الألفاظ ما لا يُعَبِّر عن حقيقتها، أو يُضْفِي عليها أوصافًا لا تُمُتُّ لها بصِلة.
ويَقْتَرِن بإشْكالية تَسْمِيَة الدولة المُغْتَصِبة الخَبيثة، صُعوبة تَحْديد نِسْبَة يُنْسَب بها المُتَجَنِّسُون بجِنْسِيَّة هذه الدَّوْلة، مع مُراعاة أمرين هامَّيْن، ينبغي التَّنَبُّه لهما:
أولهما: أن حِرْصنا على اخْتيار الاسم الصحيح، الذي ينبغي أن يُطْلَق على تلك الدَّوْلَة الخَبِيْثة، لا يُفْهَم منه ألبتة أي نوع من أنواع الاعتراف بها، ولا ينبغي تَوَهُّم هذا الظَنِّ؛ إذ لا يُتَصَوَّر صُدُور مِثْلِه من أحد من المُسْلِمين، إلا إن كان جاهلًا جهلًا مُرَكَّبًا، قد بَلَغ به الجَهْل مَرْتَبة الأنعام، أو تَخَطَّى، ولا يَشُكُّ من شَمَّ رائحة المَعْرِفة ببَدَهِيَّات شريعة الله المُطَهَّرة في المَوْقِف الشَّرْعِي، الذي يجب على كل مسلم اتخاذه من تلك الدولة.
وثانيهما: أنه ينبغي التَّفْرِيق بين مَنْ تَجَنَّس بجِنْسِيَّة الدَّوْلة المُغْتَصِبة الخَبيثة عن رِضًا وطَواعِية، ومَنْ أُكْرِه على ذلك[5]؛ فمعلومٌ أن المسلمين من أهل فلسطين المَبارَكة[6] الذين يعيشون في المدن التي وقعت تحت حُكم الدولة المُسَمَّاة بدولة إسرائيل - وإسرائيل عليه السلام منهم بَراء - منذ عام ثمانية وأربعين وتسعمائة وألف بالتاريخ الميلادي - وهم الذين يُسَمَّون بفلسطيني ثمانية وأربعين - يحملون في جميع أوراقهم الرَّسْمِيَّة الجِنْسِيَّة المُسَمَّاة بالإسرائيلية، ولا يَخْفَى أن كل الأراضي الفلسطينية قد وقعت عقب الحرب التي حدثت في العام المذكور تحت حُكم الدولة المُسَمَّاة بإسرائيل، باستثناء الضفة الغربية، وقطاع غزة.
أسماء مُقْتَرَحَة ونِسَبٌ مَطْرُوحة:
وقد طُرِحَتْ العديد من التَّسْمِيات، كبَديل عن تَسْمِيَة الدولة الخَبيثة بدولة إسرائيل، كالدولة اليَهُودِيَّة، أو دولة اليهود، والدولة العِبْريَّة، والدولة الصِّهْيَوْنِيَّة، ولكن المُلاحَظ أن بعض ما يُطْرَح من الأسماء في هذا الصَّدَد، ويَخالُه الكثيرون مُعَبِّرًا، وخاليًا من النَّقْد، يَرِد عليه نَوْعٌ من أنواع الإشكالات، سواء كانت إشكالات شرعية، أو سياسية، أو غير ذلك.
الدولة اليهودية:
لقد فَضَّل البعض تَسْمِيَة الدولة الخبيثة بدولة اليهود، أو الدولة اليهودية؛ تَبَعًا لديانة الذين دَعَوا إلى قيامها، والذين سَعَوا في ذلك بشَتَّى الطُّرُق والوسائل، بَدْءًا من الكتابة والتَّحْرِيض، ومُرورًا بطلب الدُّعْم السِّياسِي والعَسْكَرِي، وانتهاء بالقتال، وارتكاب المَجازِر البَشِعة.
ولا بد لنا قبل أن نَخوض فيما يَرِد على هذه التَّسْمِيَة من بيان معنى كلمة يهودي، والجُذور التاريخية للتَسْمِية بهذا الاسم، والمراحل التي مَرَّ بها.
[1] قال المسعودي في مروج الذهب (1/212): وكان تهوُّد ملك الخزر في خلافة هارون الرشيد، وقد انضاف إليه خلق من اليهود، وَرَدُوا عليه من سائر أمصار المسلمين، ومن بلاد الروم،انتهى.
[2] عُقِدَت ندوة دولية في طرابلس بليبيا لدراسة الصهيونية والعنصرية في شهر يوليو من عام 1976م، وحضرها 500 مدعو من 80 دولة مختلفة، وقد نشرت المؤسسة العربية للدراسات والنشر أبحاث ذلك المؤتمر في كتاب بعنوان (الصهيونية حركة عنصرية) بإعداد عدنان كبالي، ومن أبحاثه: الصهيونية واليهود واليهودية لجوزيف ل . ريان، والفرق بين اليهودية والصهيونية لجي نوبيرغر، والصهيونية السياسية: انتقادات يهودية لغاري ف.
[3] الإنثربولوجيا هو علم الإنسانيات، ويندرج تحته أقسام عدة، منها ما يتعلق بالحضارات والشعوب، والأنساب، والخصائص الوراثية للأمم.
[4] قال الشيخ محمد بن محمد أبو شهبة رحمه الله في كتابه الإسرائيليات والموضوعات فى كتب التفسير (ص12): وقد أكثر الله من خطابهم ببني إسرائيل في القرآن الكريم؛ تذكيرًا لهم بأبوة هذا النبي الصالح، حتى يتأسوا به، ويتخلقوا بأخلاقه، ويتركوا ما كانوا عليه من نكران نعم الله عليهم وعلى آبائهم، وما كانوا يتصفون به من الجحود، والغدر، واللؤم، والخيانة،انتهى. وسيأتي إن شاء الله تعالى التفريق بين مسمى اليهود ومسمى بني إسرائيل فيما سيرد من كلام الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله تعالى في معجم المناهي اللفظية.
[5] ولا يُعْفى من الذنب من كانت له قُدْرَة على الهجرة، أو وجد سبيلًا إليها، إلا إن قَصَد بالإقامة السَّعْي إلى دَفْع الصَّائل، وإعادة الأرض لحيازة المسلمين، لا الرُّكون إلى مَتاع دُنَيوي زائف، سَرقه العدو الصَّائل أصلًا من خيرات المسلمين، وألقى بفُتاته إلى من سار في رَكْبه من الأنذال.
[6] وكذا غير المسلمين، من نصارى، ودروز، ونصيرية، وبهائيين، وطوائف يهودية لا تعترف بالفكرة الصهيونية التي قامت عليها الدولة المسماة بإسرائيل، وغيرهم، وإن كان الدروز، والبهائيون، والمتصهينون من النصارى، وبعض المنتسبين للإسلام من أهل تلك البقاع يقبلون بالجنسية اليهودية، عن طواعية ورضا، ويخدمون في الجيش الإسرائيلي، ويشاركونه ما يقوم به من مذابح ضد المسلمين من أهل فلسطين، ولا شك في رِدَّة من فعل ذلك من المنتسبين إلى هذه الأمة، و لا يتناطح كبشان في مُروقه من المِلَّة، وخروجه عن دائرة أهل القبلة.