Şøķåŕą
05-24-2023, 09:12 PM
نحن أولى بإسرائيل عليه السلام منهم (8)
العِلَّة في تَسْمِيَة اليهود بهذا الاسم:
ذَهَب غير واحد من السَّلَف إلى تَعْلِيل تَسْمِية اليهود بهذا الاسم؛ بقول موسى عليه السلام في دعائه الذي حَكَى الله تعالى عنه أنه قاله عقب نُزُول الرَّجْفَة ببني إسرائيل: ﴿ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ﴾ [الأعراف:156]، وقد رُوي هذا عن علي بن أبي طالب[1]، وعبد الله بن مسعود[2]، وابن جُرَيج[3]، وهو اختيار شيخ المُفَسِّرين الطَبَرِي رحمه الله تعالى في تفسيره[4].
ومعنى قوله تعالى: ﴿ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ﴾ أي تُبْنا إليك، أخرجه الطبري[5] من طُرُق، وابن أبي حاتم[6]، عن ابن عباس رضي الله عنه، وهو قول كثير من السَّلَف.
قال الإمام ابن أبي حاتم بعد إخراجه عن ابن عباس رضي الله عنه[7]: ورُوي عن أبى الطُّفَيْل، وأبى العالِية، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وإبراهيم التَّيْمِي، والنَّخْعِي، وعِكْرمة، وعطاء الخُراسانِي، والربيع بن أنس، والضََّحَّاك، وقتادة نحو ذلك،انتهى.
وهناك أقوال أخرى مذكورة في مُصَنَّفات اللُّغَة، والتفسير، والتاريخ في تفسير تلك التَّسْمِية.
قال الإمام البَعْلِيُّ الحَنْبَلِيُّ في كتابه المُطْلِع على أبواب المُقْنِع[8]: في تَسْمِيَتهم بذلك خمسة أقوال: أحدها: قولهم: ﴿ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ﴾ [الأعراف:156]، والثاني: أنهم هادُوا من عبادة العجْل، أي تابُوا، والثالث: أنهم مالُوا عن دين الإسلام ودين موسى[9]، والرابع: أنهم يَتَهَوَّدُون عند قراءة التَّوْراة، أي يتحرَّكُون ويقولون: السَّموات والأرض تَحَرَّكَتْ حين آتَى اللَّهُ مُوسَى التَّوْراة، قاله أبو عمرو بن العلاء، والخامس: نِسْبَتُهم إلى يهوذا بن يعقوب، فقِيل لهم: اليهوذ، بالذَّال المُعْجَمَة، ثم عُرِّب بالمُهْمَلة، نَقَلَه غيرُ واحد،انتهى.
وهذا الأخير قد اعْتَمَده غير واحد من الباحثين المُعاصرين المُشْتَغِلين بدراسة المَذاهب والأديان، وذكر الدكتور عبد الوهاب المسيري كلامًا يجمع بين الاشتقاق اللغوي للكلمة، وبين نِسْبَتها إلى علم من الأعلام، وهو يهوذا بن يعقوب عليه السلام، حيث قال في مادة يهودي من موسوعته:
يهودي: كلمة عِبْرية مُشْتَقَّة من يهودا، وهو اسم أحد أبناء يعقوب، والذي سُمِّيت به إحدى قبائل العِبْرانِيِّين الإثنتي عشرة، والاسم مُشتَق من الأصل السَّامي القديم «ودي»، التي تُفيد الاعتراف، والإقرار، والجزاء، مثل كلمة «دية» عند العرب، وقد اكتسبت هذه المادة معنى الإقرار، والاعتراف بالجميل، وقد اسْتَوْحَت ليئة زوجة يعقوب اسم ابنها الرابع من هذا المعنى: "هذه المرة أحمد الرب لذلك دعت اسمه يهودا" (تكوين 29/35). فكلمة «يهوه» تعني الرب، و«دي» تعني الشكر، ومنهما «يهودي».
قال: وكانت الكلمة ذات دِلالة جغرافية تاريخية في بادئ الأمر؛ إذ كانت تُشير إلى سُكَّان المملكة الجنوبية (يهودا) وحسب، ولكن دلالتها اتسعت لتشمل اليهود كافَّة، خصوصًا بعد انْصِهار سكان المملكة الشمالية (يسرائيل) بعد التهجير الآشوري، واختفائهم من مسرح التاريخ، واستمرار مملكة يهودا قرنين من الزمان،انتهى.
وقد ذكر في موضع آخر وهو يتكلم عن قبيلة يهودا، أن اسم يهودا يعني الشكر لله، وأنه تنتسب إليه أكبر قبائل العِبْرانِيِّين، وأهمها، وهي قبيلة داود عليه السلام، وأن الصيغتان: يهودا، بالدال المهملة، ويهوذا بالذال المعجمة، مُتداولتان في اللغة العربية.
وقد ذكر الطاهر ابن عاشور[10] في تفسيره[11] تفصيلًا تاريخيًا مهمًا للمراحل التي مَرَّت بها التَّسْمِية باليهودية، فقال: وأصل اسم يهود منقول في العربية من العِبْرانية، وهو في العِبْرانية بذال مُعْجَمة في آخره، وهو عَلَم أحد أسباط إسرائيل، وهذا الاسم أُطْلِق على بني إسرائيل بعد موت سُليمان سنة 975 قبل المسيح؛ فإن مملكة إسرائيل انقسمت بعد موته إلى مملكتين: مملكة رحبعام بنِ سليمان ـ ولم يتبعه إلا سِبط يهوذا وسبط بِنْيَامِين ـ وتُلقب بمملكة يهوذا؛ لأن معظم أتباعه من سبط يهوذا، وجعل مَقَرَّ مملكته هو مَقَرّ أبيه (أورشليم)، ومملكةٌ مَلِكُها يورْبعام بن نباط غلام سليمان[12]، وكان شجاعًا نجيبًا، فملَّكَتْه بقية الأسباط العشرة عليهم وجَعل مقر مملكته السامرة[13]، وتَلَقَّب بمَلِك إسرائيل، إلا أنه وقومه أفسدوا الديانة المُوْسَوِيَّة، وعبدوا الأوثان؛ فلأجل ذلك انفصلوا عن الجامعة الإسرائيلية، ولم يَدُم مُلْكُهم في السَّامِرة إلا مائتين ونيفًا وخمسين سنة، ثم انقرض على يد مُلوك الآشوريين، فاستأصلوا الإسرائيليين الذين بالسَّامِرة، وخَرَّبوها، ونقلوا بني إسرائيل إلى بلاد آشور عبيدًا لهم، وأسكنوا بلاد السَّامِرة فريقًا من الآشوريين، فمن يومئذ لم يَبْقَ لبني إسرائيل مُلك إلا مُلك يهوذا بأورشليم، يتداوله أبناءُ سليمان عليه السلام، فمنذ ذلك غلب على بني إسرائيل اسم يَهود، أي يَهوذا، ودام مُلْكُهم هذا إلى حَدِّ سنة 120 قبل المسيح مَسيحية، في زمن الإمبراطور أدريان الروماني، الذي أَجْلَى اليهود الجلاءَ الأخير، فتفَرَّقوا في الأقطار باسم اليهود، هم ومن التحق بهم من فُلُول بقية الأَسْباط، ولعل هذا وجه اختيار لفظ ﴿ الّذِينَ هَادُوا ﴾ في الآية[14] دون اليهود، للإشارة إلى أنهم الذين انتسبوا إلى اليهود، ولو لم يكونوا من سِبْط يهوذا.
ثم صار اسم اليهود مُطْلَقًا على المُتَدَيِّنين بدِيْن التَّوْراة، قال تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ ﴾ [البقرة:113] الآية، ويقال: تَهَوَّد، إذا اتَّبَع شريعة التَّوْراة، وفي الحديث: "يُولد الوَلَد على الفِطْرة، ثم يكون أبواه هما اللذان يُهَوِّدانِه، أو يُنَصِّرانه، أو يُمَجِّسانه"، ويُقال: هاد، إذا دان باليهودية، قال تعالى: ﴿ وَعلى الّذينَ هادُوا حَرّمْنا كُلَّ ذي ظُفُرٍ ﴾ [الأنعام:146].وأما ما في سورة الأعراف، الآية (156) من قول موسى عليه السلام: ﴿ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ﴾ فذلك بمعنى المَتاب،انتهى.
وقال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله تعالى[15]: للشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رسالة باسم: (الإصلاح والتعديل فيما طَرَأ على اسم اليهود والنصارى من التَّبْدِيل)[16]، فيها تحقيق بالغ بأن يهود انفصلوا بكُفرهم عن بني إسرائيل زمن بني إسرائيل، كانفصال إبراهيم الخليل عليه السلام عن أبيه آزر، والكُفر يقطع الموالاة بين المسلمين والكافرين، وكما في قصة نوح مع ابنه؛ ولهذا فإن الفضائل التي كانت لبني إسرائيل ليس ليهود منها شيء؛ ولهذا فإن إطلاق اسم بني إسرائيل على يهود يُكْسِبُهم فضائل، ويَحْجُب عنهم رَذائِل، فيزول التَّمييز بين بني إسرائيل، وبين يهود المَغْضوب عليهم، الذين ضُرِبَت عليهم الذِّلَّة والمَسْكَنة.
كما لا يجوز إبْدال اسم النَّصارى بالمَسِيحِيِّين، نِسْبَةً إلى أتباع المسيح عليه السلام، وهي تَسْمِيَة حادِثة، لا وجود لها في التَّاريخ[17]، ولا استعمالات العلماء؛ لأن النصارى بدَّلوا دين المسيح، وحرَّفوه، كما عَمَل يهود بدين موسى عليه السلام، وهذه تَسْمِية ليس لها أصل، وإنَّما سَمَّاهم الله النصارى، لا المسيحيين ﴿ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال:34].
ولكُفْر اليهود والنصارى بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم صار التعبير عنهم بالكافرين، قال الله تعالى: ﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴾ [البينة:1] الآية.
إن (يهود) عَلَمٌ لمن لم يؤمن بموسى عليه السلام، فأما مَنْ آمن به، فهم بنو إسرائيل؛ ولهذا فهم يَشْمَئِزُّون من تَسْمِيَتهم بهذا (يهود)،انتهى.
ولقد أَكْثَر اللهُ تعالى في القرآن الكريم من ذِكْر ما اسْتَحَقَّه اليهود من الغَضَب، والسَّخَط، واللَّعْن، وأَليم العِقاب في الدنيا والآخرة؛ بما كَسِبَتْه أَيْدِيِهم، سواء ذُكِروا في تلك المواضع الكثيرة مَذْمُوْمِيْن باسم اليهود، أو باسم الذين كفروا من بني إسرائيل، فلا تُذْكَر هذه التَّسْمِيَة (اليهود) في القرآن الكريم إلا مَقْرونة بالذَّمِّ، أو مَصْحُوبةً بذِكْر قَبيح أقوالهم، وشَنيع أفعالهم، كقوله تعالى: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة:120]، وقوله سبحانه: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ﴾ [المائدة:18]، وقوله عز وجل: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [المائدة:64]، وقوله تبارك وتعالى: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾ [المائدة:82]، وقوله جل وعلا: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [التوبة:30].
وما يُقال في اقْتِران ذِكْر اليهود بالذَّمِّ في القرآن الكريم يُقال مِثْلُه في السُّنَّة النبوية المُطَهَّرة، وقد ثَبَت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اليهود مَغْضُوب عليهم، والنَّصارى ضُلَّال"[18].
العِلَّة في تَسْمِيَة اليهود بهذا الاسم:
ذَهَب غير واحد من السَّلَف إلى تَعْلِيل تَسْمِية اليهود بهذا الاسم؛ بقول موسى عليه السلام في دعائه الذي حَكَى الله تعالى عنه أنه قاله عقب نُزُول الرَّجْفَة ببني إسرائيل: ﴿ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ﴾ [الأعراف:156]، وقد رُوي هذا عن علي بن أبي طالب[1]، وعبد الله بن مسعود[2]، وابن جُرَيج[3]، وهو اختيار شيخ المُفَسِّرين الطَبَرِي رحمه الله تعالى في تفسيره[4].
ومعنى قوله تعالى: ﴿ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ﴾ أي تُبْنا إليك، أخرجه الطبري[5] من طُرُق، وابن أبي حاتم[6]، عن ابن عباس رضي الله عنه، وهو قول كثير من السَّلَف.
قال الإمام ابن أبي حاتم بعد إخراجه عن ابن عباس رضي الله عنه[7]: ورُوي عن أبى الطُّفَيْل، وأبى العالِية، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وإبراهيم التَّيْمِي، والنَّخْعِي، وعِكْرمة، وعطاء الخُراسانِي، والربيع بن أنس، والضََّحَّاك، وقتادة نحو ذلك،انتهى.
وهناك أقوال أخرى مذكورة في مُصَنَّفات اللُّغَة، والتفسير، والتاريخ في تفسير تلك التَّسْمِية.
قال الإمام البَعْلِيُّ الحَنْبَلِيُّ في كتابه المُطْلِع على أبواب المُقْنِع[8]: في تَسْمِيَتهم بذلك خمسة أقوال: أحدها: قولهم: ﴿ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ﴾ [الأعراف:156]، والثاني: أنهم هادُوا من عبادة العجْل، أي تابُوا، والثالث: أنهم مالُوا عن دين الإسلام ودين موسى[9]، والرابع: أنهم يَتَهَوَّدُون عند قراءة التَّوْراة، أي يتحرَّكُون ويقولون: السَّموات والأرض تَحَرَّكَتْ حين آتَى اللَّهُ مُوسَى التَّوْراة، قاله أبو عمرو بن العلاء، والخامس: نِسْبَتُهم إلى يهوذا بن يعقوب، فقِيل لهم: اليهوذ، بالذَّال المُعْجَمَة، ثم عُرِّب بالمُهْمَلة، نَقَلَه غيرُ واحد،انتهى.
وهذا الأخير قد اعْتَمَده غير واحد من الباحثين المُعاصرين المُشْتَغِلين بدراسة المَذاهب والأديان، وذكر الدكتور عبد الوهاب المسيري كلامًا يجمع بين الاشتقاق اللغوي للكلمة، وبين نِسْبَتها إلى علم من الأعلام، وهو يهوذا بن يعقوب عليه السلام، حيث قال في مادة يهودي من موسوعته:
يهودي: كلمة عِبْرية مُشْتَقَّة من يهودا، وهو اسم أحد أبناء يعقوب، والذي سُمِّيت به إحدى قبائل العِبْرانِيِّين الإثنتي عشرة، والاسم مُشتَق من الأصل السَّامي القديم «ودي»، التي تُفيد الاعتراف، والإقرار، والجزاء، مثل كلمة «دية» عند العرب، وقد اكتسبت هذه المادة معنى الإقرار، والاعتراف بالجميل، وقد اسْتَوْحَت ليئة زوجة يعقوب اسم ابنها الرابع من هذا المعنى: "هذه المرة أحمد الرب لذلك دعت اسمه يهودا" (تكوين 29/35). فكلمة «يهوه» تعني الرب، و«دي» تعني الشكر، ومنهما «يهودي».
قال: وكانت الكلمة ذات دِلالة جغرافية تاريخية في بادئ الأمر؛ إذ كانت تُشير إلى سُكَّان المملكة الجنوبية (يهودا) وحسب، ولكن دلالتها اتسعت لتشمل اليهود كافَّة، خصوصًا بعد انْصِهار سكان المملكة الشمالية (يسرائيل) بعد التهجير الآشوري، واختفائهم من مسرح التاريخ، واستمرار مملكة يهودا قرنين من الزمان،انتهى.
وقد ذكر في موضع آخر وهو يتكلم عن قبيلة يهودا، أن اسم يهودا يعني الشكر لله، وأنه تنتسب إليه أكبر قبائل العِبْرانِيِّين، وأهمها، وهي قبيلة داود عليه السلام، وأن الصيغتان: يهودا، بالدال المهملة، ويهوذا بالذال المعجمة، مُتداولتان في اللغة العربية.
وقد ذكر الطاهر ابن عاشور[10] في تفسيره[11] تفصيلًا تاريخيًا مهمًا للمراحل التي مَرَّت بها التَّسْمِية باليهودية، فقال: وأصل اسم يهود منقول في العربية من العِبْرانية، وهو في العِبْرانية بذال مُعْجَمة في آخره، وهو عَلَم أحد أسباط إسرائيل، وهذا الاسم أُطْلِق على بني إسرائيل بعد موت سُليمان سنة 975 قبل المسيح؛ فإن مملكة إسرائيل انقسمت بعد موته إلى مملكتين: مملكة رحبعام بنِ سليمان ـ ولم يتبعه إلا سِبط يهوذا وسبط بِنْيَامِين ـ وتُلقب بمملكة يهوذا؛ لأن معظم أتباعه من سبط يهوذا، وجعل مَقَرَّ مملكته هو مَقَرّ أبيه (أورشليم)، ومملكةٌ مَلِكُها يورْبعام بن نباط غلام سليمان[12]، وكان شجاعًا نجيبًا، فملَّكَتْه بقية الأسباط العشرة عليهم وجَعل مقر مملكته السامرة[13]، وتَلَقَّب بمَلِك إسرائيل، إلا أنه وقومه أفسدوا الديانة المُوْسَوِيَّة، وعبدوا الأوثان؛ فلأجل ذلك انفصلوا عن الجامعة الإسرائيلية، ولم يَدُم مُلْكُهم في السَّامِرة إلا مائتين ونيفًا وخمسين سنة، ثم انقرض على يد مُلوك الآشوريين، فاستأصلوا الإسرائيليين الذين بالسَّامِرة، وخَرَّبوها، ونقلوا بني إسرائيل إلى بلاد آشور عبيدًا لهم، وأسكنوا بلاد السَّامِرة فريقًا من الآشوريين، فمن يومئذ لم يَبْقَ لبني إسرائيل مُلك إلا مُلك يهوذا بأورشليم، يتداوله أبناءُ سليمان عليه السلام، فمنذ ذلك غلب على بني إسرائيل اسم يَهود، أي يَهوذا، ودام مُلْكُهم هذا إلى حَدِّ سنة 120 قبل المسيح مَسيحية، في زمن الإمبراطور أدريان الروماني، الذي أَجْلَى اليهود الجلاءَ الأخير، فتفَرَّقوا في الأقطار باسم اليهود، هم ومن التحق بهم من فُلُول بقية الأَسْباط، ولعل هذا وجه اختيار لفظ ﴿ الّذِينَ هَادُوا ﴾ في الآية[14] دون اليهود، للإشارة إلى أنهم الذين انتسبوا إلى اليهود، ولو لم يكونوا من سِبْط يهوذا.
ثم صار اسم اليهود مُطْلَقًا على المُتَدَيِّنين بدِيْن التَّوْراة، قال تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ ﴾ [البقرة:113] الآية، ويقال: تَهَوَّد، إذا اتَّبَع شريعة التَّوْراة، وفي الحديث: "يُولد الوَلَد على الفِطْرة، ثم يكون أبواه هما اللذان يُهَوِّدانِه، أو يُنَصِّرانه، أو يُمَجِّسانه"، ويُقال: هاد، إذا دان باليهودية، قال تعالى: ﴿ وَعلى الّذينَ هادُوا حَرّمْنا كُلَّ ذي ظُفُرٍ ﴾ [الأنعام:146].وأما ما في سورة الأعراف، الآية (156) من قول موسى عليه السلام: ﴿ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ﴾ فذلك بمعنى المَتاب،انتهى.
وقال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله تعالى[15]: للشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رسالة باسم: (الإصلاح والتعديل فيما طَرَأ على اسم اليهود والنصارى من التَّبْدِيل)[16]، فيها تحقيق بالغ بأن يهود انفصلوا بكُفرهم عن بني إسرائيل زمن بني إسرائيل، كانفصال إبراهيم الخليل عليه السلام عن أبيه آزر، والكُفر يقطع الموالاة بين المسلمين والكافرين، وكما في قصة نوح مع ابنه؛ ولهذا فإن الفضائل التي كانت لبني إسرائيل ليس ليهود منها شيء؛ ولهذا فإن إطلاق اسم بني إسرائيل على يهود يُكْسِبُهم فضائل، ويَحْجُب عنهم رَذائِل، فيزول التَّمييز بين بني إسرائيل، وبين يهود المَغْضوب عليهم، الذين ضُرِبَت عليهم الذِّلَّة والمَسْكَنة.
كما لا يجوز إبْدال اسم النَّصارى بالمَسِيحِيِّين، نِسْبَةً إلى أتباع المسيح عليه السلام، وهي تَسْمِيَة حادِثة، لا وجود لها في التَّاريخ[17]، ولا استعمالات العلماء؛ لأن النصارى بدَّلوا دين المسيح، وحرَّفوه، كما عَمَل يهود بدين موسى عليه السلام، وهذه تَسْمِية ليس لها أصل، وإنَّما سَمَّاهم الله النصارى، لا المسيحيين ﴿ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال:34].
ولكُفْر اليهود والنصارى بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم صار التعبير عنهم بالكافرين، قال الله تعالى: ﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴾ [البينة:1] الآية.
إن (يهود) عَلَمٌ لمن لم يؤمن بموسى عليه السلام، فأما مَنْ آمن به، فهم بنو إسرائيل؛ ولهذا فهم يَشْمَئِزُّون من تَسْمِيَتهم بهذا (يهود)،انتهى.
ولقد أَكْثَر اللهُ تعالى في القرآن الكريم من ذِكْر ما اسْتَحَقَّه اليهود من الغَضَب، والسَّخَط، واللَّعْن، وأَليم العِقاب في الدنيا والآخرة؛ بما كَسِبَتْه أَيْدِيِهم، سواء ذُكِروا في تلك المواضع الكثيرة مَذْمُوْمِيْن باسم اليهود، أو باسم الذين كفروا من بني إسرائيل، فلا تُذْكَر هذه التَّسْمِيَة (اليهود) في القرآن الكريم إلا مَقْرونة بالذَّمِّ، أو مَصْحُوبةً بذِكْر قَبيح أقوالهم، وشَنيع أفعالهم، كقوله تعالى: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة:120]، وقوله سبحانه: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ﴾ [المائدة:18]، وقوله عز وجل: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [المائدة:64]، وقوله تبارك وتعالى: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾ [المائدة:82]، وقوله جل وعلا: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [التوبة:30].
وما يُقال في اقْتِران ذِكْر اليهود بالذَّمِّ في القرآن الكريم يُقال مِثْلُه في السُّنَّة النبوية المُطَهَّرة، وقد ثَبَت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اليهود مَغْضُوب عليهم، والنَّصارى ضُلَّال"[18].