Şøķåŕą
05-10-2023, 05:28 PM
ليتها تنقرض
"كم أنتَ شجاعٌ وقويٌ يا عامرُ"، لطالما أردِّدُ هذه العبارةَ كُلمَّا وقفتُ أمامَ المرآةِ وأنا أشاهدُ جسميَ الرشيقَ وعضلاتي المفتولةَ التي أحرِصُ على بنائِها في كل حصةٍ للرياضةِ نقومُ بها في المدرسة.
شجاعتي وقوَّتي تُسعفانني دائماً في الكثيرِ من المواقفِ، فأنا أدافعُ عن أختي الصغيرةِ كلمَّا تعرَّضَتْ للمضايقةِ من أحدِ التلاميذِ، كما أساعدُ أبي في حَملِ الحاجياتِ والأغراضِ التي يبتاعُها للمنزلِ. قوَّتي أيضاً تُسعِفُني في الهروب.. أجل الهروب! ولكن لا تُخبروا أحداً...
بصراحة أنسى كُلَّ شيءٍ يتعلقُ بالشجاعةِ عندما أراهُ وهو يقفُ محدقاً بي في زاويةِ المطبخِ، وأكثرُ ما أخشاهُ أن يطيرَ باتجاهي، هُنا أستجمِعُ كُلَّ شجاعتي وقُوايَ فأجتازُ كُلَّ الحواجزِ التي تفصلُ بين المطبخِ وغُرفتي في أجزاءٍ من الثانيةِ كعدَّاءٍ ماهرٍ.
ذاتَ يومٍ وبعدَ معركةٍ حاميةِ الوَطيسِ، انتصرتُ فيها بأن استطعْتُ الدخولَ إلى غُرفتي وإغلاقَ بابِها دونَ أن يتمكَّنَ من اللحاقِ بي، أخذتُ أرَدِّدُ: كم أمْقُتُكِ أيَّتها المخلوقاتُ البشعةُ! كم أنتِ مُقرِفةٌ ومثيرةٌ للاشمئزاز! يا ليتَكِ تنقَرِضين.. انقرِضِي وأريحيني.. هيّا انقرِضِي... لأفُاجأ بشخصٍ يحملُ العديدَ من الكُتبِ، معلِّقاً منظاراً على رَقَبتِه، مُرتدياً زياً كالزيِّ الذي يرتديه الكشَّافةُ عادةً.
فقلتُ له بذهولٍ: من أنت؟! بل كيف جِئتَ إلى هنا؟
• أنا ضياءٌ، عالِمُ البيئةِ والأحياءِ، وأنت ناديتني.
• أنا ناديتك! كيف؟! أنا لم أنادِ على أحد!
• سأوضِّحُ لك كيفَ حَصَلَ ذلك، أنتَ كُنتَ تَصرخُ بأنِ انقرضي أيَّتُها الصراصيرُ، وأنا باحثٌ مختصٌ بدراسة أسبابِ وآلياتِ الانقراضِ فجئتُ أساعِدُك على تحقيقِ ما تتمنى.
• أحقاً ما تقول! سأكونُ ممتناً لك طول عُمري إن حقَّقتَ لي هذا الأمر.
• هيا معي لنجعلَها تختفي.
فجأةً شاهدتُ نفسي مع العالِمِ ضياءٍ في غابةٍ كثيفةِ الأشجارِ، فيها الكثيرُ من الكائناتِ. وهُنا فتحَ العالمُ أحَدَ كُتبه ورَفَعهُ إلى أعلى وقال: هَلُمِّي يا صراصيرَ الأرضِ، فلتدخُلي إلى هذا الكتابِ.
وما لبِثَ أن بدأتْ أسرابُ الصراصيرِ بالتَّقدمِ نحوَ الكتابِ والدخولِ فيه، وأنا أشاهدُ ما يحدثُ مذهولاً، وبعد أن دخَلَتْ كُلُّ الأسرابِ، استدارَ نحوي العالِمُ ضياءُ وقال: ها قد انتهينا، لم يبقَ صرصورٌ واحدٌ يَصولُ ويَجولُ خارجَ هذا الكتابِ، فلتنعَمْ بالحياةِ بدونِها.
أخذتُ أضحكُ وأقفِزُ فَرحاً، ولكن ما لَبِث أن قَطَعَ عليَّ ضَحِكي رؤيةُ بعضِ الطُّيور وهي تتساقطُ من أعالي الأشجارِ ميّتة، وما لبِثَ أن رأيتُ أيضاً العديدَ من الأرانبِ والسناجبِ وفئرانِ الحقلِ مُمَّدةً أرضاً بلا حراكٍ... ثم تَساقَطَ عددٌ من النُّسور والطيورِ الجارحةِ الأخرى على الأرضِ، ولم يقفِ الأمرُ على الحيواناتِ، بل إنَّ العديدَ من الشُجيراتِ والنباتات العُشبيّةِ أخذَتْ بالذبولِ حتى يَبِسَتْ. استدرتُ نحو العالِمِ ضياءَ مذعورا،ً وقلت له: بالله عليكَ أخبرني ماذا يحصلُ، ألستَ خبيراً في الأحياء! فأجابني بكلِّ ثِقةٍ: الجوابُ بسيطٌ، ألستَ أنت من طلبَ أن تنقرضَ الصراصيرُ من الطَّبيعةِ.
• بلى طلبتُ!
• اختفتِ الصراصيرُ، ففَقَدَتْ بذلكَ الكثيرُ من الطَّيورِ والفئرانِ مَصدَرَ غذائِها، ولمّا ماتتِ الطيورُ الصغيرةُ والفئرانُ، لم تَجِدِ الطُّيور الجارحةُ ما تأكلُ فماتتْ أيضاً.
• ولِمَ يبِسَتْ الشُجيرات والأعشابُ، لا تَقُلْ لي أنَّ للصراصيرِ علاقةٌ بذلكَ أيضاً!
• بالفعلِ، هي من تسبَّبَ في ذلك، ألا تعلمْ أنَّ الصراصيرَ تقومُ بتحويل ما تأكلُ إلى سَمادٍ عُضويٍّ تتغذى عليه الشجيراتُ وباقي النباتاتِ، والتي بدورها تتغذى عليها الأرانبُ والسناجبُ وباقي الحيواناتِ العاشبةِ.
• يا إلهي.. أيعقلُ أنَّ اختفاءَ الصراصير قد تسبَّبَ بكلِّ ذلك؟!
• بل لو انتظرنا أكثرَ لماتَتْ حيواناتٌ وكائناتٌ أكثر، ولربما زالتْ واختفتْ هذهِ الغابةُ برُمّتِها من الوجودِ.
فَتحتُ كتابَ العالمِ ضياءَ مُسرعاً، ورُحتُ أنادي عليها " اخرُجي أيَّتها الصراصيرُ، هيّا عودي من حيث أتيتِ إلى الغابةِ، لا أريدُ لهذهِ الغابةِ الجميلةِ أنْ تفنى وتزول"، ثم استدرتُ إلى العالِم مُردفاً: لكن أرجوكَ أطلُب منها ألا تَقترِبَ من منزلي، فأنا لا زِلتُ أمقُتُها بصراحة.
• طبيعيٌّ أن تمقُتَها ويمقُتَها الناسُ أيضاً، فقد خُلِقَت بشكلٍ مقزِّزٍ كي نتجَنبَها، فهي تنقلُ الكثيرَ من الأمراضِ لكونِها تأكلُ كُلَّ شيءٍ، وهي تسيرُ على القازوراتِ، فتعلَقُ بجسمِها وخاصة بأرجُلِها ذاتِ الأشواكِ الدقيقة الكثيرُ من البكتيريا والكائناتُ الصغيرةُ الممرضة. أما ألَّا تَقْرَبَ منزِلك، فهذا أمرٌ يتعلَّقُ بك.
• بي! كيف؟!
• حاولْ أن يكون بيتُك نظيفاً خالياً من بقايا الطعامِ، وضعْ دائماً مبيداتٍ للصراصير في الأماكنِ الرَّطبةِ المظلمة كالأقبيةِ ومصارفِ المياهِ، فالصراصيرُ تفضِّل البقاءَ في هذهِ الأماكن.
• حسناً، فهِمتُ عليك. وجودُها في الغابةِ أمرٌ ضروريٌ ولكنَّ وجودَها في المنازل يعتبرُ خطأً.
• تماماً، بالضبط... والآن اسمحْ لي أن أذهبْ فقد انتهَتْ مُهِمَّتي.
• أشكُرُكَ على كلِّ ما قدَّمتَهُ لي، لكن ألنْ تعود؟
• إن ناديتَني كما ناديتَني اليومَ سأعود حتماً.
• هاهاها لا أظنُّ أنَّني سأناديكَ بعد اليومِ، فأنا لا أكرهُ إلَّا الصراصير.
وبعد أن ودَّعْتُ عالِمَ الأحياءِ وعُدْتُ إلى منزلي، رُحْتُ أردِّدُ طوالَ اليومِ، اخرُجي من منزلي أيَّتُها الصراصيرُ لكن لا تنقرِضي... إياكِ أن تنقرِضي.
"كم أنتَ شجاعٌ وقويٌ يا عامرُ"، لطالما أردِّدُ هذه العبارةَ كُلمَّا وقفتُ أمامَ المرآةِ وأنا أشاهدُ جسميَ الرشيقَ وعضلاتي المفتولةَ التي أحرِصُ على بنائِها في كل حصةٍ للرياضةِ نقومُ بها في المدرسة.
شجاعتي وقوَّتي تُسعفانني دائماً في الكثيرِ من المواقفِ، فأنا أدافعُ عن أختي الصغيرةِ كلمَّا تعرَّضَتْ للمضايقةِ من أحدِ التلاميذِ، كما أساعدُ أبي في حَملِ الحاجياتِ والأغراضِ التي يبتاعُها للمنزلِ. قوَّتي أيضاً تُسعِفُني في الهروب.. أجل الهروب! ولكن لا تُخبروا أحداً...
بصراحة أنسى كُلَّ شيءٍ يتعلقُ بالشجاعةِ عندما أراهُ وهو يقفُ محدقاً بي في زاويةِ المطبخِ، وأكثرُ ما أخشاهُ أن يطيرَ باتجاهي، هُنا أستجمِعُ كُلَّ شجاعتي وقُوايَ فأجتازُ كُلَّ الحواجزِ التي تفصلُ بين المطبخِ وغُرفتي في أجزاءٍ من الثانيةِ كعدَّاءٍ ماهرٍ.
ذاتَ يومٍ وبعدَ معركةٍ حاميةِ الوَطيسِ، انتصرتُ فيها بأن استطعْتُ الدخولَ إلى غُرفتي وإغلاقَ بابِها دونَ أن يتمكَّنَ من اللحاقِ بي، أخذتُ أرَدِّدُ: كم أمْقُتُكِ أيَّتها المخلوقاتُ البشعةُ! كم أنتِ مُقرِفةٌ ومثيرةٌ للاشمئزاز! يا ليتَكِ تنقَرِضين.. انقرِضِي وأريحيني.. هيّا انقرِضِي... لأفُاجأ بشخصٍ يحملُ العديدَ من الكُتبِ، معلِّقاً منظاراً على رَقَبتِه، مُرتدياً زياً كالزيِّ الذي يرتديه الكشَّافةُ عادةً.
فقلتُ له بذهولٍ: من أنت؟! بل كيف جِئتَ إلى هنا؟
• أنا ضياءٌ، عالِمُ البيئةِ والأحياءِ، وأنت ناديتني.
• أنا ناديتك! كيف؟! أنا لم أنادِ على أحد!
• سأوضِّحُ لك كيفَ حَصَلَ ذلك، أنتَ كُنتَ تَصرخُ بأنِ انقرضي أيَّتُها الصراصيرُ، وأنا باحثٌ مختصٌ بدراسة أسبابِ وآلياتِ الانقراضِ فجئتُ أساعِدُك على تحقيقِ ما تتمنى.
• أحقاً ما تقول! سأكونُ ممتناً لك طول عُمري إن حقَّقتَ لي هذا الأمر.
• هيا معي لنجعلَها تختفي.
فجأةً شاهدتُ نفسي مع العالِمِ ضياءٍ في غابةٍ كثيفةِ الأشجارِ، فيها الكثيرُ من الكائناتِ. وهُنا فتحَ العالمُ أحَدَ كُتبه ورَفَعهُ إلى أعلى وقال: هَلُمِّي يا صراصيرَ الأرضِ، فلتدخُلي إلى هذا الكتابِ.
وما لبِثَ أن بدأتْ أسرابُ الصراصيرِ بالتَّقدمِ نحوَ الكتابِ والدخولِ فيه، وأنا أشاهدُ ما يحدثُ مذهولاً، وبعد أن دخَلَتْ كُلُّ الأسرابِ، استدارَ نحوي العالِمُ ضياءُ وقال: ها قد انتهينا، لم يبقَ صرصورٌ واحدٌ يَصولُ ويَجولُ خارجَ هذا الكتابِ، فلتنعَمْ بالحياةِ بدونِها.
أخذتُ أضحكُ وأقفِزُ فَرحاً، ولكن ما لَبِث أن قَطَعَ عليَّ ضَحِكي رؤيةُ بعضِ الطُّيور وهي تتساقطُ من أعالي الأشجارِ ميّتة، وما لبِثَ أن رأيتُ أيضاً العديدَ من الأرانبِ والسناجبِ وفئرانِ الحقلِ مُمَّدةً أرضاً بلا حراكٍ... ثم تَساقَطَ عددٌ من النُّسور والطيورِ الجارحةِ الأخرى على الأرضِ، ولم يقفِ الأمرُ على الحيواناتِ، بل إنَّ العديدَ من الشُجيراتِ والنباتات العُشبيّةِ أخذَتْ بالذبولِ حتى يَبِسَتْ. استدرتُ نحو العالِمِ ضياءَ مذعورا،ً وقلت له: بالله عليكَ أخبرني ماذا يحصلُ، ألستَ خبيراً في الأحياء! فأجابني بكلِّ ثِقةٍ: الجوابُ بسيطٌ، ألستَ أنت من طلبَ أن تنقرضَ الصراصيرُ من الطَّبيعةِ.
• بلى طلبتُ!
• اختفتِ الصراصيرُ، ففَقَدَتْ بذلكَ الكثيرُ من الطَّيورِ والفئرانِ مَصدَرَ غذائِها، ولمّا ماتتِ الطيورُ الصغيرةُ والفئرانُ، لم تَجِدِ الطُّيور الجارحةُ ما تأكلُ فماتتْ أيضاً.
• ولِمَ يبِسَتْ الشُجيرات والأعشابُ، لا تَقُلْ لي أنَّ للصراصيرِ علاقةٌ بذلكَ أيضاً!
• بالفعلِ، هي من تسبَّبَ في ذلك، ألا تعلمْ أنَّ الصراصيرَ تقومُ بتحويل ما تأكلُ إلى سَمادٍ عُضويٍّ تتغذى عليه الشجيراتُ وباقي النباتاتِ، والتي بدورها تتغذى عليها الأرانبُ والسناجبُ وباقي الحيواناتِ العاشبةِ.
• يا إلهي.. أيعقلُ أنَّ اختفاءَ الصراصير قد تسبَّبَ بكلِّ ذلك؟!
• بل لو انتظرنا أكثرَ لماتَتْ حيواناتٌ وكائناتٌ أكثر، ولربما زالتْ واختفتْ هذهِ الغابةُ برُمّتِها من الوجودِ.
فَتحتُ كتابَ العالمِ ضياءَ مُسرعاً، ورُحتُ أنادي عليها " اخرُجي أيَّتها الصراصيرُ، هيّا عودي من حيث أتيتِ إلى الغابةِ، لا أريدُ لهذهِ الغابةِ الجميلةِ أنْ تفنى وتزول"، ثم استدرتُ إلى العالِم مُردفاً: لكن أرجوكَ أطلُب منها ألا تَقترِبَ من منزلي، فأنا لا زِلتُ أمقُتُها بصراحة.
• طبيعيٌّ أن تمقُتَها ويمقُتَها الناسُ أيضاً، فقد خُلِقَت بشكلٍ مقزِّزٍ كي نتجَنبَها، فهي تنقلُ الكثيرَ من الأمراضِ لكونِها تأكلُ كُلَّ شيءٍ، وهي تسيرُ على القازوراتِ، فتعلَقُ بجسمِها وخاصة بأرجُلِها ذاتِ الأشواكِ الدقيقة الكثيرُ من البكتيريا والكائناتُ الصغيرةُ الممرضة. أما ألَّا تَقْرَبَ منزِلك، فهذا أمرٌ يتعلَّقُ بك.
• بي! كيف؟!
• حاولْ أن يكون بيتُك نظيفاً خالياً من بقايا الطعامِ، وضعْ دائماً مبيداتٍ للصراصير في الأماكنِ الرَّطبةِ المظلمة كالأقبيةِ ومصارفِ المياهِ، فالصراصيرُ تفضِّل البقاءَ في هذهِ الأماكن.
• حسناً، فهِمتُ عليك. وجودُها في الغابةِ أمرٌ ضروريٌ ولكنَّ وجودَها في المنازل يعتبرُ خطأً.
• تماماً، بالضبط... والآن اسمحْ لي أن أذهبْ فقد انتهَتْ مُهِمَّتي.
• أشكُرُكَ على كلِّ ما قدَّمتَهُ لي، لكن ألنْ تعود؟
• إن ناديتَني كما ناديتَني اليومَ سأعود حتماً.
• هاهاها لا أظنُّ أنَّني سأناديكَ بعد اليومِ، فأنا لا أكرهُ إلَّا الصراصير.
وبعد أن ودَّعْتُ عالِمَ الأحياءِ وعُدْتُ إلى منزلي، رُحْتُ أردِّدُ طوالَ اليومِ، اخرُجي من منزلي أيَّتُها الصراصيرُ لكن لا تنقرِضي... إياكِ أن تنقرِضي.