نبضها مطيري
05-05-2023, 12:48 AM
. نوح u
في هذا المثال نجد أن الله قد ضمن لنوح u والمؤمنين من قومه وسيلة نجاتهم، وذلك قبل موعد إهلاك قومه بفترة زمنية طويلة، ولتكون وسيلة نجاة للمؤمنين جاهزة قبل إغراق الكافرين، تلك الوسيلة لم تكن من أفكار نوح u ولا من تدبيره، بل كانت بوحى الله وعلمه، يراقبه منذ أن أمره بصناعتها وحتى تمام الانتهاء منها.
أمر الله نوحاً u بتجهيز وسيلة نجاة المؤمنين قبل موعد الإهلاك بزمن طويل، في الوقت الذي كان نوح u ينذر قومه باليل والنهار، في السر والعلن، طامعاً أن يستجيبوا لدعوته ليكونوا مع الناجين، فلم يزد قومه دعاؤه إلا فراراً، وكلما دعاهم إلى ربهم ليغفر لهم، جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم، وأصروا واستكبروا استكباراً، فلما استيأس من قومه!! أوحى الله I إليه أنه لن يؤمن له من قومه إلا من قد آمن، لقوله تعالى: )وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ( (هود: الآية 36)، وأمره الله بأن يصنع الفلك وسيلة لنجاة المؤمنين.
ويبدأ نوح u صناعة الفلك بوحي من الله قبل إغراق قومه من الكافرين، قال تعالى: )وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا( (هود: الآية 37)، إنه لم يصنعه من تلقاء نفسه، بل صنع الفلك بأعين الله ووحيه، والمعنى: )وَاصْنَعِ الْفُلْكَ( يعني السفينة، )بأعيننا( أي بمرأى منا، )وَوَحْيِنَا( أي بتعليمنا لك ما تصنعه، قال بعض السلف: أمره الله تعالى أن يغرز الخشب ويقطعه وييبسه، فكان ذلك في مائة سنة، ونجرها في مائة سنة أخرى، وقيل في أربعين سنة والله أعلم.
وذكر محمد بن إسحاق عن التوراة: أن الله أمره أن يصنعها من خشب الساج، وأن يجعل طولها ثمانين ذراعاً وعرضها خمسين ذراعاً، وأن يُطلي باطنها وظاهرها بالقار، وأن يجعل لها جؤجؤا أزوراً يشق الماء، وقال قتادة: كان طولها ثلاثمائة ذراع في عرض خمسين. وعن الحسن أن طولها ستمائة ذراع وعرضها ثلاثمائة، وعن ابن عباس أن طولها ألف ومائتا ذراع في عرض ستمائة، وقيل طولها ألفا ذراع وعرضها مائة ذراع، قالوا كلهم وكان ارتفاعها في السماء ثلاثين ذراعاً، في ثلاث طبقات، كل طبقة عشرة أذرع، السفلى للدواب والوحوش، والوسطى للإنس، والعليا للطيور.
وكان بابها في عرضها، ولها غطاء من فوقها مُطبق عليها. وقد ذكر الإمام أبو جعفر بن جرير عن عبد الله بن عباس قال: كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع، وعرضها ستمائة ذراع، وكانت ثلاث طبقات طبقة فيها الدواب والوحوش، وطبقة فيها الإنس، وطبقة فيها الطير.
ولا يهمنا في هذا الأمر شكل السفينة من طول وعرض وارتفاع، ولا الفترة الزمنية التي صنع نوح u فيها الفلك، إن ما يهمنا في هذا الأمر هو أن نوحاً u، أمره الله بصنع هذا الفلك قبل موعد إهلاك قومه بفترة طويلة، وهذا المثال يؤكد لنا أن الله I قبل أن يهلك الظالمين، يضمن للمؤمنين وسيلة النجاة وأسلوبها، كما هو واضح في تلك الحالة، حالة نجاة المؤمنين من قوم نوح u.
وحين جاء موعد إهلاك قومه، أمره الله I أن يركب الفلك هو ومن آمن معه، وأن يحمل فيها من كُلٍ زوجين اثنين وأهله، إلا من كان كافراً منهم (زوجته، وابنه الذي لم يكن نوح u يعلم أنه مع الكافرين). قال تعالى: )حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40) وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ( (هود: الآيتان 40 و41)، حتى إذا ركبوا فيها جميعاً، أخذ الظالمين طوفان عظيم فغرقوا جميعاً، ونجى الله نوحاً u ومن معه من المؤمنين في تلك الوسيلة، وسيلة النجاة التي جهزها مسبقا لهذا اليوم بأمر الله ووحيه.
قال تعالى: )وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ( (العنكبوت: الآيتان 14 و15). لقد جعل الله وسيلة نجاتهم آية للعالمين!، تدبر قوله تعالى: )وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ(.
2. موسى u
هذا مثال ثاني يضربه الله I لنا في القرآن الكريم، يبين لنا كيف يخرج الله المؤمنين من القرى الظالمة قبل إهلاكها، وفي هذا المثال سيهلك الله الظالمين خارج ديارهم، وينشيء للمؤمنين وسيلة نجاة غريبة هذه المرة!!، لقد ضرب الله لهم طريقاً من اليابس في عرض البحر، لم يضربه الله لهم قبل غرق فرعون وجنوده بفترة زمنية كبيرة كما حدث لنوح u، إنما جعل وسيلة النجاة فوريةّ في وقت عصيب!!، وذلك حين ظن أصحاب موسى إنهم مدركون.
لقد استدرج الله الظالمين خارج قراهم ليورثها لآخرين من بعدهم، ولكن كيف نجى الله موسى u ومن معه من المؤمنين، بعد أن أن كانوا مطاردين من فرعون وجنوده، وبعد أن تراءى الجمعان وأصبحوا في وضع بالغ الخطورة، حيث البحر أمامهم وفرعون وجنوده وراءهم؟.
يصور القرآن الكريم هذا المشهد في قوله تعالى: )فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ( (الشعراء: الآية 61)، لم يفكر موسى كثيراً فإن الله ناصر المؤمنين لا محالة، وبينما موسى u ينظر إلى البحر وينظر إلى فرعون وجنوده وهم يقتربون منه وكادوا يدركونه هو ومن معه من المؤمنين، وكادوا أن يمسكوا بهم، في هذا الوقت العصيب أوحى الله إلى موسى u أن يضرب بعصاه البحر، ليحدث بذلك طريقاً لهم يابساً في البحر، يستطيعون من خلاله استمرار الهروب من فرعون، والنجاة من بطشه.
في تلك اللحظات العصيبة يطمئن الله رسوله موسى u بألا يخاف دركاً ولا يخشى، أي لا يخاف من إدراك فرعون وجنوده له، ولا يخشى من البحر أن يغرق قومه. قال تعالى: )وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى( (طه: الآية 77)، وضرب موسى بعصاه البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، قال تعالى: )فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ( (الشعراء: الآيات 63 – 66).
انشق البحر إلى نصفين وتكون بينهما طريق من اليابسة، يمينه موج ويساره موج كجبلين عظيمين، وتقدم موسى u ومن معه على هذا الطريق اليابس في عرض البحر، تحيطهم الأمواج المرتفعة العاتية دون أن تمسسهم بسوء، وفى الوقت نفسه كان فرعون وجنوده يلاحقونهم، وحين انتهي موسى u ومن معه من عبور البحر، كان فرعون وجنوده قد وصلوا إلى منتصف الطريق اليابس الممتد في البحر.
أصدر الله تعالى أمره إلى جبريل u، بأنه حان موعد إهلاك الهالكين، فحرك جبريل uالموج لينطبق على فرعون وجنوده، وما هي إلا لحظات حتى كان فرعون وجنوده من المغرقين، وهكذا تمت سُنة الله في نجاة المؤمنين. وقد لاحظنا اختلاف وسائل النجاة لنوح u ومن معه من المؤمنين، وبين موسى وبني إسرائيل، برغم أن أسلوب الإهلاك واحد وهو (الغرق)!!، فوسيلة النجاة في حالة نوح u كانت الفلك، ووسيلة النجاة لموسى u ومن معه كانت شق طريق يابس في البحر يمرون عليه إلى بر الأمان دون غرق.
3. شعيب u
هذا مثال ثالث يضربه الله لنا في القرآن الكريم، كيف نجى الله شعيباً u والذين آمنوا معه من قريته، قبل إهلاك أهلها، لقد كان قوم شعيب يُخِسرون الكيل والميزان، ويبخسون الناس أشياءهم، ويعثون في الأرض مفسدين، وحينما كذبه قومه وحان موعد إهلاكهم، أمره الله بخروج المؤمنين الذين أمنوا معه من القرية، حتى ينجوا من الهلاك الذى سوف يحل بقومهم. قال تعالى: )وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ( (هود: الآية 94)، هكذا عندما جاء أمر الله بهلاكهم وحان موعدهم، أخرج الله المؤمنين من القرية وأهلك الكافرين.
في هذا المثال نجد أن الله قد ضمن لنوح u والمؤمنين من قومه وسيلة نجاتهم، وذلك قبل موعد إهلاك قومه بفترة زمنية طويلة، ولتكون وسيلة نجاة للمؤمنين جاهزة قبل إغراق الكافرين، تلك الوسيلة لم تكن من أفكار نوح u ولا من تدبيره، بل كانت بوحى الله وعلمه، يراقبه منذ أن أمره بصناعتها وحتى تمام الانتهاء منها.
أمر الله نوحاً u بتجهيز وسيلة نجاة المؤمنين قبل موعد الإهلاك بزمن طويل، في الوقت الذي كان نوح u ينذر قومه باليل والنهار، في السر والعلن، طامعاً أن يستجيبوا لدعوته ليكونوا مع الناجين، فلم يزد قومه دعاؤه إلا فراراً، وكلما دعاهم إلى ربهم ليغفر لهم، جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم، وأصروا واستكبروا استكباراً، فلما استيأس من قومه!! أوحى الله I إليه أنه لن يؤمن له من قومه إلا من قد آمن، لقوله تعالى: )وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ( (هود: الآية 36)، وأمره الله بأن يصنع الفلك وسيلة لنجاة المؤمنين.
ويبدأ نوح u صناعة الفلك بوحي من الله قبل إغراق قومه من الكافرين، قال تعالى: )وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا( (هود: الآية 37)، إنه لم يصنعه من تلقاء نفسه، بل صنع الفلك بأعين الله ووحيه، والمعنى: )وَاصْنَعِ الْفُلْكَ( يعني السفينة، )بأعيننا( أي بمرأى منا، )وَوَحْيِنَا( أي بتعليمنا لك ما تصنعه، قال بعض السلف: أمره الله تعالى أن يغرز الخشب ويقطعه وييبسه، فكان ذلك في مائة سنة، ونجرها في مائة سنة أخرى، وقيل في أربعين سنة والله أعلم.
وذكر محمد بن إسحاق عن التوراة: أن الله أمره أن يصنعها من خشب الساج، وأن يجعل طولها ثمانين ذراعاً وعرضها خمسين ذراعاً، وأن يُطلي باطنها وظاهرها بالقار، وأن يجعل لها جؤجؤا أزوراً يشق الماء، وقال قتادة: كان طولها ثلاثمائة ذراع في عرض خمسين. وعن الحسن أن طولها ستمائة ذراع وعرضها ثلاثمائة، وعن ابن عباس أن طولها ألف ومائتا ذراع في عرض ستمائة، وقيل طولها ألفا ذراع وعرضها مائة ذراع، قالوا كلهم وكان ارتفاعها في السماء ثلاثين ذراعاً، في ثلاث طبقات، كل طبقة عشرة أذرع، السفلى للدواب والوحوش، والوسطى للإنس، والعليا للطيور.
وكان بابها في عرضها، ولها غطاء من فوقها مُطبق عليها. وقد ذكر الإمام أبو جعفر بن جرير عن عبد الله بن عباس قال: كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع، وعرضها ستمائة ذراع، وكانت ثلاث طبقات طبقة فيها الدواب والوحوش، وطبقة فيها الإنس، وطبقة فيها الطير.
ولا يهمنا في هذا الأمر شكل السفينة من طول وعرض وارتفاع، ولا الفترة الزمنية التي صنع نوح u فيها الفلك، إن ما يهمنا في هذا الأمر هو أن نوحاً u، أمره الله بصنع هذا الفلك قبل موعد إهلاك قومه بفترة طويلة، وهذا المثال يؤكد لنا أن الله I قبل أن يهلك الظالمين، يضمن للمؤمنين وسيلة النجاة وأسلوبها، كما هو واضح في تلك الحالة، حالة نجاة المؤمنين من قوم نوح u.
وحين جاء موعد إهلاك قومه، أمره الله I أن يركب الفلك هو ومن آمن معه، وأن يحمل فيها من كُلٍ زوجين اثنين وأهله، إلا من كان كافراً منهم (زوجته، وابنه الذي لم يكن نوح u يعلم أنه مع الكافرين). قال تعالى: )حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40) وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ( (هود: الآيتان 40 و41)، حتى إذا ركبوا فيها جميعاً، أخذ الظالمين طوفان عظيم فغرقوا جميعاً، ونجى الله نوحاً u ومن معه من المؤمنين في تلك الوسيلة، وسيلة النجاة التي جهزها مسبقا لهذا اليوم بأمر الله ووحيه.
قال تعالى: )وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ( (العنكبوت: الآيتان 14 و15). لقد جعل الله وسيلة نجاتهم آية للعالمين!، تدبر قوله تعالى: )وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ(.
2. موسى u
هذا مثال ثاني يضربه الله I لنا في القرآن الكريم، يبين لنا كيف يخرج الله المؤمنين من القرى الظالمة قبل إهلاكها، وفي هذا المثال سيهلك الله الظالمين خارج ديارهم، وينشيء للمؤمنين وسيلة نجاة غريبة هذه المرة!!، لقد ضرب الله لهم طريقاً من اليابس في عرض البحر، لم يضربه الله لهم قبل غرق فرعون وجنوده بفترة زمنية كبيرة كما حدث لنوح u، إنما جعل وسيلة النجاة فوريةّ في وقت عصيب!!، وذلك حين ظن أصحاب موسى إنهم مدركون.
لقد استدرج الله الظالمين خارج قراهم ليورثها لآخرين من بعدهم، ولكن كيف نجى الله موسى u ومن معه من المؤمنين، بعد أن أن كانوا مطاردين من فرعون وجنوده، وبعد أن تراءى الجمعان وأصبحوا في وضع بالغ الخطورة، حيث البحر أمامهم وفرعون وجنوده وراءهم؟.
يصور القرآن الكريم هذا المشهد في قوله تعالى: )فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ( (الشعراء: الآية 61)، لم يفكر موسى كثيراً فإن الله ناصر المؤمنين لا محالة، وبينما موسى u ينظر إلى البحر وينظر إلى فرعون وجنوده وهم يقتربون منه وكادوا يدركونه هو ومن معه من المؤمنين، وكادوا أن يمسكوا بهم، في هذا الوقت العصيب أوحى الله إلى موسى u أن يضرب بعصاه البحر، ليحدث بذلك طريقاً لهم يابساً في البحر، يستطيعون من خلاله استمرار الهروب من فرعون، والنجاة من بطشه.
في تلك اللحظات العصيبة يطمئن الله رسوله موسى u بألا يخاف دركاً ولا يخشى، أي لا يخاف من إدراك فرعون وجنوده له، ولا يخشى من البحر أن يغرق قومه. قال تعالى: )وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى( (طه: الآية 77)، وضرب موسى بعصاه البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، قال تعالى: )فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ( (الشعراء: الآيات 63 – 66).
انشق البحر إلى نصفين وتكون بينهما طريق من اليابسة، يمينه موج ويساره موج كجبلين عظيمين، وتقدم موسى u ومن معه على هذا الطريق اليابس في عرض البحر، تحيطهم الأمواج المرتفعة العاتية دون أن تمسسهم بسوء، وفى الوقت نفسه كان فرعون وجنوده يلاحقونهم، وحين انتهي موسى u ومن معه من عبور البحر، كان فرعون وجنوده قد وصلوا إلى منتصف الطريق اليابس الممتد في البحر.
أصدر الله تعالى أمره إلى جبريل u، بأنه حان موعد إهلاك الهالكين، فحرك جبريل uالموج لينطبق على فرعون وجنوده، وما هي إلا لحظات حتى كان فرعون وجنوده من المغرقين، وهكذا تمت سُنة الله في نجاة المؤمنين. وقد لاحظنا اختلاف وسائل النجاة لنوح u ومن معه من المؤمنين، وبين موسى وبني إسرائيل، برغم أن أسلوب الإهلاك واحد وهو (الغرق)!!، فوسيلة النجاة في حالة نوح u كانت الفلك، ووسيلة النجاة لموسى u ومن معه كانت شق طريق يابس في البحر يمرون عليه إلى بر الأمان دون غرق.
3. شعيب u
هذا مثال ثالث يضربه الله لنا في القرآن الكريم، كيف نجى الله شعيباً u والذين آمنوا معه من قريته، قبل إهلاك أهلها، لقد كان قوم شعيب يُخِسرون الكيل والميزان، ويبخسون الناس أشياءهم، ويعثون في الأرض مفسدين، وحينما كذبه قومه وحان موعد إهلاكهم، أمره الله بخروج المؤمنين الذين أمنوا معه من القرية، حتى ينجوا من الهلاك الذى سوف يحل بقومهم. قال تعالى: )وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ( (هود: الآية 94)، هكذا عندما جاء أمر الله بهلاكهم وحان موعدهم، أخرج الله المؤمنين من القرية وأهلك الكافرين.