Şøķåŕą
04-29-2023, 07:33 PM
من منا يحمل هم القبول؟
الحمد لله الذي زيَّن قلوب أوليائه بأنوار الوفاق، وسقى أسرار أحبائه شرابًا لذيذ المذاق، وألزَم قلوب الخائفين الوجلَ والإشفاق، فلا يعلم الإنسان في أي الدواوين كُتب، ولا في أيِّ الفرقين يساق، فإن سامح فبفضله، وإن عاقب فبعدله، ولا اعتراض على الملك الخلاق، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير، شهادة أعدها من أكبر نعمه وعطائه، وأعدها وسيلة إلى يوم لقائه.
يا رب:
يظن الناسُ بي خيرًا وإني
أَشَرُّ الناس إن لم تعفُ عني
وما لي حيلةٌ إلا رجائي
وجودُك إن عفوتَ وحُسنُ ظني
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه.
أخي المسلم، من منَّا يحمل همَّ قَبول الطاعات بعد هذه الأيام؟ مَن مِنا أشغله هذا الهاجس؟
من منا أشغله هاجس هل قبِلت أعماله أم لا؟ من منا لسانُه يلهج بالدعاء أن يقبل الله منه رمضان؟! إننا نقرأ ونسمع أن سلفنا الصالح كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يقبل الله منهم رمضان، ونحن لم يَمض على رحيله سوى أيام، فهل دعونا أم لا؟
أم أننا نسينا رمضان وغفَلنا عنه، وكأننا أزحنا حملًا ثقيلًا كان جاثمًا على صدورنا؟! نعم.
رحل رمضان، لكن ماذا استفدنا من رمضان؟ وأين آثاره على نفوسنا وسلوكنا وأقوالنا وأفعالنا؟ هكذا حال الصالحين العاملين، فهم في رمضان صيام وقيام، وتقلُّب في أعمال البر والإحسان، وبعد رمضان محاسبة للنفس، وتقدير للربح والخسران، وخوف من عدم قبول الأعمال، لذا فألسنتهم تلهج بالدعاء والإلحاح بأن يقبل الله منهم رمضان.
قال الحسن البصري: [المؤمن يحسن ويخاف، والمنافق يسيء ويأمَن].
وكان الصالحون يتصدقون ويُصلون ويصومون وهم خائفون من الذنوب، والمنافقون يغدرون ويفجرون وهم آمنون، وفي الصحيح أن ابن مسعود قال: المؤمن يرى ذنوبه كأنها جبل يريد أن يسقط عليه، والمنافق أو الفاجر يرى ذنوبه كذباب طار على أنفه، فقال به هكذا، (وأومأ بيده)].
﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُو ﴾ [المؤمنون: 60]؛ أي: والذين يعطون العطاء وهم وجلون خائفون ألا يتقبل منهم، لخوفهم أن يكونوا قد قصَّروا في القيام بشروط الإعطاء، وهذا من باب الإشفاق والاحتياط؛ روى الإمام أحمد والترمذي وابن أبي حاتم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول اللّه، ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾، هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر، وهو يخاف الله عز وجل؟ قال: «لا يا بنت أبي بكر، يا بنت الصدِّيق، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق، وهو يخاف الله عز وجل»، وقوله تعالى: ﴿ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ ﴾؛ أي: لأنهم، أو من أجل أنهم.
رجاء القبول مع الخوف من الرد:
من الأمور المهمة في العبادة وتربية النفس عليها، رجاء القبول مع الخوف من الرد، فإن بعض الناس إذا عملوا أعمالًا وعبادات أُصيبوا بنوع من الغرور أو الاغترار بالعبادة، وشعروا أن فيهم صلاحًا عظيمًا، وأنهم صاروا من أولياء الله، ولكن المسلم يخشى ألا تُقبل عبادته، فهو يجتهد ويلتزم بالسنة، ومع ذلك يخشى على نفسه.
ومن صفات المؤمنين، احتقار النفس أمام الواجب من حق الله؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد: (لو أن رجلًا يُجر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرمًا في مرضاة الله عز وجل، لحقَّره يوم القيامة)، كله عبادة متواصلة لا نوم ولا أكل ولا شرب، كله عبادات متواصلة في مرضاة الله عز وجل، لحقره يوم القيامة، يعني: بجانب ما يرى من الواجب عليه في النعم وحق الله، يرى أن ما عمله طيلة حياته من يوم وُلد إلى يوم يموت، يراه لا شيء بجانب حق الله، ولذلك لا يمكن أن يكون المسلم مغترًّا بالعبادة مهما كثُرت عبادته؛ لأن من عرف الله وعرَف النفس، تبيَّن له أن ما معه من البضاعة لا يكفيه ولو جاء بعمل الثقلين، وإنما يقبله الله بكرمه وجوده وتفضُّله، ويثيب عليه بكرمه وجوده وتفضله.
ومن اللفتات الجليلة ما كان يقوله أبو الدرداء رضي الله عنه: (لئن أستيقن أن الله قد تقبل مني صلاة واحدة أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها؛ إن الله يقول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة:27]، لو علمت أن الله تقبَّل صلاة واحدة، لكان عندي شيئًا عظيمًا، ولشعرتُ بطمأنينة، ونحن نعمل ولا ندري أيقبَل الله تعالى منا أو لا يَقبَل، لكن يجب أن يكون عندنا حسنُ ظنٍّ بالله أنه يقبلها منا، إذا صليتَ وصمتَ يجب أن يكون عندك حسن ظن بالله أنه يقبلها منك، لكن هل تقطع لنفسك أنها قبلت؟ لا.
حسن الظن بالله أنه يَقبل، ورجاءً أن يقبل لا يعني أنك تقطع لنفسك أنه قبِلك، فإذا بقيت على هذا الشعور بين الرجاء وحسنِ الظن بالله أنه يقبَل، وبين الخوف من ردِّها عليك وعدم قَبولها، أو حبوطها، لكان المسلم يعمل ويعمَل وهو على خير عظيم.
حال السلف:
بكى عامر بن عبدالله حين حضرته الوفاة، فقيل له: ما يبكيك، وقد كنت وكنت؟ فقال: "إني أسمع الله يقول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾، ويقول أبو الدرداء: (لأن أستيقن أن الله قد تقبل مني صلاة واحدة، أحبُّ إلي من الدنيا وما فيها؛ إن الله يقول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾.
الإلحاح على الله أن يتقبل الأعمال:
ألِحُّوا على ربكم أن يقبل صيامكم كما كان يفعل سلفكم، فقد كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلِّغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أخرى أن يتقبله منهم؛ ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله عن معلَّى بن الفضل أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم[1].
كما كانوا رحمهم الله يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه، ثم يهتمُّون بعد ذلك بقبوله ويخافون من ردِّه، سألت عائشة رضي الله عنها الصديقةُ بنت الصديق رسولَ الله عن قوله سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ [المؤمنون:60] أهُم الذين يزنون ويسرقون ويشربون الخمر؟ قال: ((لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصلُّون ويصومون ويتصدَّقون ويخافون ألا يُتقبَّل منهم)) [2].
ويقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كونوا لقبول العمل أشدَّ اهتمامًا منكم بالعمل، ألم تسمعوا إلى قول الله عز وجل: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة:27]؟!) [3]، وقد ذكر وكيع في كتاب الزهد بسند صحيح أن ابن عمر كان يقرأ قوله تعالى: ﴿ وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ [الزمر:47]، فبكى حتى كادت أضلاعه تختلف، وقال ابن عمر: (يا ليت أن الله تقبل مني مثقال ذرة، فإن الله يقول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة:27].
قال ابن عمر: وَدِدتُ - والله - أن الله تقبل مني مثقال ذرة, قالوا: لماذا؟ قال: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة:27], قالوا: أتخشى وأنت تعمل الصالحات؟ قال: والله ما أخاف من الصالحات، ولكن أخاف أن أعمل صالحًا، فيقول الله: وعزتي وجلالي لا أقبلها منك.
وعن فضالة بن عبيد قال: "لو أني أعلم أن الله تقبَّل مني مثقالَ حبةِ خردلٍ، أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها؛ لأن الله يقول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾"[4]، وقال عطاء: "الحذرُ الاتقاءُ على العمل ألا يكون لله" [5]، وقال ابن دينار: "الخوفُ على العمل ألا يُتقبَّل أشدُّ من العمل"[6].
فكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: [لو أعلم لو أن لي صلاة مقبولة لاتَّكلت، فمن برَّ والديه فإن الله يتقبل عمله]، قال الله تعالى في كتابه فيمن برَّ والديه: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾ [الأحقاف:16]، فجمع لمن برَّ والديه بين هاتين الثمرتين قبول العمل وتكفير الخطيئة، فيُقبل عملُ الإنسان وتُكفَّر خطيئتُه.
وقال عبدالعزيز بن أبي رواد رحمه الله:أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا؟! وقع عليهم الهم، وليس وقعوا في المعاصي، وكان بعض السلف يقول في آخر ليلة من رمضان: يا ليت شعري، من هذا المقبول فنهنئه، ومن هذا المحروم فنعزيه.
أيها المقبول، هنيئًا لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك، فإذا فاته ما فاته من خير رمضان، فأي شيء يدرك، ومن أدركه فيه الحرمان، فماذا يصيب؟ كم بين من كان حظُّه فيه القبول والغفران، ومن كان حظُّه فيه الخيبة والخسران؟
الحمد لله الذي زيَّن قلوب أوليائه بأنوار الوفاق، وسقى أسرار أحبائه شرابًا لذيذ المذاق، وألزَم قلوب الخائفين الوجلَ والإشفاق، فلا يعلم الإنسان في أي الدواوين كُتب، ولا في أيِّ الفرقين يساق، فإن سامح فبفضله، وإن عاقب فبعدله، ولا اعتراض على الملك الخلاق، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير، شهادة أعدها من أكبر نعمه وعطائه، وأعدها وسيلة إلى يوم لقائه.
يا رب:
يظن الناسُ بي خيرًا وإني
أَشَرُّ الناس إن لم تعفُ عني
وما لي حيلةٌ إلا رجائي
وجودُك إن عفوتَ وحُسنُ ظني
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه.
أخي المسلم، من منَّا يحمل همَّ قَبول الطاعات بعد هذه الأيام؟ مَن مِنا أشغله هذا الهاجس؟
من منا أشغله هاجس هل قبِلت أعماله أم لا؟ من منا لسانُه يلهج بالدعاء أن يقبل الله منه رمضان؟! إننا نقرأ ونسمع أن سلفنا الصالح كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يقبل الله منهم رمضان، ونحن لم يَمض على رحيله سوى أيام، فهل دعونا أم لا؟
أم أننا نسينا رمضان وغفَلنا عنه، وكأننا أزحنا حملًا ثقيلًا كان جاثمًا على صدورنا؟! نعم.
رحل رمضان، لكن ماذا استفدنا من رمضان؟ وأين آثاره على نفوسنا وسلوكنا وأقوالنا وأفعالنا؟ هكذا حال الصالحين العاملين، فهم في رمضان صيام وقيام، وتقلُّب في أعمال البر والإحسان، وبعد رمضان محاسبة للنفس، وتقدير للربح والخسران، وخوف من عدم قبول الأعمال، لذا فألسنتهم تلهج بالدعاء والإلحاح بأن يقبل الله منهم رمضان.
قال الحسن البصري: [المؤمن يحسن ويخاف، والمنافق يسيء ويأمَن].
وكان الصالحون يتصدقون ويُصلون ويصومون وهم خائفون من الذنوب، والمنافقون يغدرون ويفجرون وهم آمنون، وفي الصحيح أن ابن مسعود قال: المؤمن يرى ذنوبه كأنها جبل يريد أن يسقط عليه، والمنافق أو الفاجر يرى ذنوبه كذباب طار على أنفه، فقال به هكذا، (وأومأ بيده)].
﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُو ﴾ [المؤمنون: 60]؛ أي: والذين يعطون العطاء وهم وجلون خائفون ألا يتقبل منهم، لخوفهم أن يكونوا قد قصَّروا في القيام بشروط الإعطاء، وهذا من باب الإشفاق والاحتياط؛ روى الإمام أحمد والترمذي وابن أبي حاتم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول اللّه، ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾، هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر، وهو يخاف الله عز وجل؟ قال: «لا يا بنت أبي بكر، يا بنت الصدِّيق، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق، وهو يخاف الله عز وجل»، وقوله تعالى: ﴿ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ ﴾؛ أي: لأنهم، أو من أجل أنهم.
رجاء القبول مع الخوف من الرد:
من الأمور المهمة في العبادة وتربية النفس عليها، رجاء القبول مع الخوف من الرد، فإن بعض الناس إذا عملوا أعمالًا وعبادات أُصيبوا بنوع من الغرور أو الاغترار بالعبادة، وشعروا أن فيهم صلاحًا عظيمًا، وأنهم صاروا من أولياء الله، ولكن المسلم يخشى ألا تُقبل عبادته، فهو يجتهد ويلتزم بالسنة، ومع ذلك يخشى على نفسه.
ومن صفات المؤمنين، احتقار النفس أمام الواجب من حق الله؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد: (لو أن رجلًا يُجر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرمًا في مرضاة الله عز وجل، لحقَّره يوم القيامة)، كله عبادة متواصلة لا نوم ولا أكل ولا شرب، كله عبادات متواصلة في مرضاة الله عز وجل، لحقره يوم القيامة، يعني: بجانب ما يرى من الواجب عليه في النعم وحق الله، يرى أن ما عمله طيلة حياته من يوم وُلد إلى يوم يموت، يراه لا شيء بجانب حق الله، ولذلك لا يمكن أن يكون المسلم مغترًّا بالعبادة مهما كثُرت عبادته؛ لأن من عرف الله وعرَف النفس، تبيَّن له أن ما معه من البضاعة لا يكفيه ولو جاء بعمل الثقلين، وإنما يقبله الله بكرمه وجوده وتفضُّله، ويثيب عليه بكرمه وجوده وتفضله.
ومن اللفتات الجليلة ما كان يقوله أبو الدرداء رضي الله عنه: (لئن أستيقن أن الله قد تقبل مني صلاة واحدة أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها؛ إن الله يقول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة:27]، لو علمت أن الله تقبَّل صلاة واحدة، لكان عندي شيئًا عظيمًا، ولشعرتُ بطمأنينة، ونحن نعمل ولا ندري أيقبَل الله تعالى منا أو لا يَقبَل، لكن يجب أن يكون عندنا حسنُ ظنٍّ بالله أنه يقبلها منا، إذا صليتَ وصمتَ يجب أن يكون عندك حسن ظن بالله أنه يقبلها منك، لكن هل تقطع لنفسك أنها قبلت؟ لا.
حسن الظن بالله أنه يَقبل، ورجاءً أن يقبل لا يعني أنك تقطع لنفسك أنه قبِلك، فإذا بقيت على هذا الشعور بين الرجاء وحسنِ الظن بالله أنه يقبَل، وبين الخوف من ردِّها عليك وعدم قَبولها، أو حبوطها، لكان المسلم يعمل ويعمَل وهو على خير عظيم.
حال السلف:
بكى عامر بن عبدالله حين حضرته الوفاة، فقيل له: ما يبكيك، وقد كنت وكنت؟ فقال: "إني أسمع الله يقول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾، ويقول أبو الدرداء: (لأن أستيقن أن الله قد تقبل مني صلاة واحدة، أحبُّ إلي من الدنيا وما فيها؛ إن الله يقول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾.
الإلحاح على الله أن يتقبل الأعمال:
ألِحُّوا على ربكم أن يقبل صيامكم كما كان يفعل سلفكم، فقد كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلِّغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أخرى أن يتقبله منهم؛ ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله عن معلَّى بن الفضل أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم[1].
كما كانوا رحمهم الله يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه، ثم يهتمُّون بعد ذلك بقبوله ويخافون من ردِّه، سألت عائشة رضي الله عنها الصديقةُ بنت الصديق رسولَ الله عن قوله سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ [المؤمنون:60] أهُم الذين يزنون ويسرقون ويشربون الخمر؟ قال: ((لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصلُّون ويصومون ويتصدَّقون ويخافون ألا يُتقبَّل منهم)) [2].
ويقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كونوا لقبول العمل أشدَّ اهتمامًا منكم بالعمل، ألم تسمعوا إلى قول الله عز وجل: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة:27]؟!) [3]، وقد ذكر وكيع في كتاب الزهد بسند صحيح أن ابن عمر كان يقرأ قوله تعالى: ﴿ وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ [الزمر:47]، فبكى حتى كادت أضلاعه تختلف، وقال ابن عمر: (يا ليت أن الله تقبل مني مثقال ذرة، فإن الله يقول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة:27].
قال ابن عمر: وَدِدتُ - والله - أن الله تقبل مني مثقال ذرة, قالوا: لماذا؟ قال: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة:27], قالوا: أتخشى وأنت تعمل الصالحات؟ قال: والله ما أخاف من الصالحات، ولكن أخاف أن أعمل صالحًا، فيقول الله: وعزتي وجلالي لا أقبلها منك.
وعن فضالة بن عبيد قال: "لو أني أعلم أن الله تقبَّل مني مثقالَ حبةِ خردلٍ، أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها؛ لأن الله يقول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾"[4]، وقال عطاء: "الحذرُ الاتقاءُ على العمل ألا يكون لله" [5]، وقال ابن دينار: "الخوفُ على العمل ألا يُتقبَّل أشدُّ من العمل"[6].
فكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: [لو أعلم لو أن لي صلاة مقبولة لاتَّكلت، فمن برَّ والديه فإن الله يتقبل عمله]، قال الله تعالى في كتابه فيمن برَّ والديه: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾ [الأحقاف:16]، فجمع لمن برَّ والديه بين هاتين الثمرتين قبول العمل وتكفير الخطيئة، فيُقبل عملُ الإنسان وتُكفَّر خطيئتُه.
وقال عبدالعزيز بن أبي رواد رحمه الله:أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا؟! وقع عليهم الهم، وليس وقعوا في المعاصي، وكان بعض السلف يقول في آخر ليلة من رمضان: يا ليت شعري، من هذا المقبول فنهنئه، ومن هذا المحروم فنعزيه.
أيها المقبول، هنيئًا لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك، فإذا فاته ما فاته من خير رمضان، فأي شيء يدرك، ومن أدركه فيه الحرمان، فماذا يصيب؟ كم بين من كان حظُّه فيه القبول والغفران، ومن كان حظُّه فيه الخيبة والخسران؟