Şøķåŕą
04-27-2023, 04:24 PM
تحذير النبي من سوء الخاتمة
الحمد لله الحي الباق الذي أضاء نوره الآفاق، ورزق المؤمنين حسن الأخلاق، وتجلَّت رحمته بهم إذا بلغت أرواحهم التراق، نحمده تبارك وتعالى ونستعينه على الصعاب والمشاق، ونعوذ بنور وجهه الكريم من ظلمات الشك والشرك والشقاق، ونسأله السلامة من النفاق وسوء الأخلاق، وأشهد أن لا إله إلا الله القوى الرزاق، الحكم العدل يوم التلاق، خلق الخلق فهم في ملكه أسرى مشدودو الوثاق، أنذر الكافرين بصيحة واحدة ما لها من فواق، وبشر الطائعين بسلام الملائكة عليهم إذا التفت الساق بالساق، أرسل الرسل وأنزل الكتب؛ ليعلم الناس أن إليه يومئذ المساق.
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المتمم لمكارم الأخلاق، لم يكن لعانًا ولا سبابًا، ولا صخابًا في الأسواق.
أخي المسلم، لقد أخبرنا النبي الذي لا ينطق عن الهوى عن أمر خطير تطير منه هوله العقول، وتَجل من خوفه القلوب، ذلك الأمر الذي بكى من هوله الأولياء وهابه العلماء، ألا وهو أمر الخواتيم.
خوف السابقة وحذر الخاتمة، قلقل قلوب العارفين، وزادهم إزعاجًا ﴿ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ﴾ [الأنفال: 24]، ليس لهم في الدنيا راحة، كلما دخلوا سكة من سكك السكون أخرجهم الجزع إلى شارع من شوارع الخوف؛ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عَسْكَرِهِ وَمَالَ الْآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ، فَقِيلَ: مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلَانٌ، فَقَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا صَاحِبُهُ، قَالَ: فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ، وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ، قَالَ: فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَوَضَعَ سَيْفَهُ بِالْأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ. قَالَ: الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: أَنَا لَكُمْ بِهِ، فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ، ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِي الْأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ»[1].
وقوله: ((فيما يبدو للناس)) إشارةٌ إلى أنَّ باطنَ الأمر يكونُ بخلافِ ذلك، وإنَّ خاتمة السُّوءِ تكونُ بسبب دسيسةٍ باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس، إما من جهة عمل سيئ ونحو ذلك، فتلك الخصلة الخفية توجب سُوءَ الخاتمة عند الموت، وكذلك قد يعمل الرجلُ عملَ أهل النَّارِ وفي باطنه خصلةٌ خفيةٌ من خصال الخير، فتغلب عليه تلكَ الخصلةُ في آخر عمره، فتوجب له حسنَ الخاتمة.
عن الحسن يقول: إن رجلًا ممن كان قبلكم خرجت به قرحة، فلما آذته انتزع سهمًا من كنانته فنكأها، فلم يرقأ الدم حتى مات، قال ربكم: قد حرَّمت عليه الجنة، ثم مد يده إلى المسجد، فقال: إي والله، لقد حدثني بهذا الحديث جندب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد[2].
عَنْ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ، قَالَ: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثم يبعث الله ملكًا فيؤمر بأربعة: بِرِزْقِهِ وَأَجَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، فَوَاللَّهِ إِنَّ أَحَدَكُمْ - أَوِ: الرَّجُلَ - يَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا غَيْرُ بَاعٍ أَوْ ذِرَاعٍ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا) [3].
يقول النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: (فوالذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار... إلخ).
المراد بالذراع التمثيل للقرب من موته ودخوله عقبه، وأن تلك الدار ما بقي بينه وبين أن يصلها إلا كمن بقي بينه وبين موضع من الأرض ذراع، والمراد بهذا الحديث أن هذا قد يقع في نادر من الناس، لا أنه غالب فيهم، ثم إنه من لطف الله تعالى وسعة رحمته انقلاب الناس من الشر إلى الخير في كثرة، وأما انقلابهم من الخير إلى الشر، ففي غاية الندور ونهاية القلة، وهو نحو قوله تعالى: إن رحمتي سبقت غضبي، وغلبت غضبي، ويدخل في هذا من انقلب إلى عمل النار بكفر أو معصية، لكن يختلفان في التخليد وعدمه، فالكافر يخلَّد في النار، والعاصي الذي مات موحداً لا يخلَّد فيها؛ كما سبق تقريره، وفي هذا الحديث تصريح بإثبات القدر، وأن التوبة تهدم الذنوب قبلها، وأن من مات على شيء حُكم له به من خير أو شر، إلا إن أصحاب المعاصي غير الكفر في المشيئة والله أعلم )[4].
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ"، قَالَ: فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: فَقَالَ: "نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَلِّبُهَا" [5].
وتأمَّل حال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو الله تعالى أن يثبِّت قلبه وهو المعصوم من الزلل؛ عن حديث أمِّ سلمة أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُكثِرُ في دعائه أنْ يقول: ((اللهُمَّ يا مقلِّبَ القلوب، ثبِّت قلبي على دينك))، فقلت: يا رسول الله، أو إنَّ القلوب لتتقلَّبُ؟ قال: ((نعم، ما من خلق الله تعالى من بني آدم من بشر إلا أنَّ قلبه بين أصبعين مِنْ أصابع الله، فإنْ شاءَ الله - عز وجل - أقامه، وإنْ شاء أزاغه، فنسألُ الله ربَّنا ألا يزيغَ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسألهُ أنْ يهب لنا من لدُنه رحمةً إنَّه هو الوهَّاب))، قالت: قلت: يا رسول الله، ألا تُعَلِّمني دعوةً أدعو بها لنفسي؟ قال: (( بلى، قولي: اللهمّ ربَّ النبيِّ محمد، اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجِرْني من مضلاَّتِ الفتن ما أحييتني ))[6]، وخرَّج مسلم من حديث عبدالله بن عمرو سمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( إنَّ قلوبَ بني آدمَ كلَّها بين أصبعين من أصابع الرحمان - عز وجل - كقلبٍ واحدٍ يصَرِّفُه حيث يشاء)؛)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( اللهُمَّ يا مُصرِّفَ القلوبِ، صرِّف قلوبنا على طاعتك )) )[7].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ وَسُوءِ الْقَضَاءِ وَجَهْدِ الْبَلَاءِ قَالَ سُفْيَانُ هُوَ ثَلَاثَةٌ فَذَكَرْتُ أَرْبَعَةً لِأَنِّي لَا أَحْفَظُ الْوَاحِدَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ [8].
يتفكرون في السابقة، ويحذرون من اللاحقة، وكأنهم يتقون صاعقة، أو كأن السيوف على أعناقهم بارقة، يا شدة قلقهم من الخاتمة.
الحمد لله الحي الباق الذي أضاء نوره الآفاق، ورزق المؤمنين حسن الأخلاق، وتجلَّت رحمته بهم إذا بلغت أرواحهم التراق، نحمده تبارك وتعالى ونستعينه على الصعاب والمشاق، ونعوذ بنور وجهه الكريم من ظلمات الشك والشرك والشقاق، ونسأله السلامة من النفاق وسوء الأخلاق، وأشهد أن لا إله إلا الله القوى الرزاق، الحكم العدل يوم التلاق، خلق الخلق فهم في ملكه أسرى مشدودو الوثاق، أنذر الكافرين بصيحة واحدة ما لها من فواق، وبشر الطائعين بسلام الملائكة عليهم إذا التفت الساق بالساق، أرسل الرسل وأنزل الكتب؛ ليعلم الناس أن إليه يومئذ المساق.
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المتمم لمكارم الأخلاق، لم يكن لعانًا ولا سبابًا، ولا صخابًا في الأسواق.
أخي المسلم، لقد أخبرنا النبي الذي لا ينطق عن الهوى عن أمر خطير تطير منه هوله العقول، وتَجل من خوفه القلوب، ذلك الأمر الذي بكى من هوله الأولياء وهابه العلماء، ألا وهو أمر الخواتيم.
خوف السابقة وحذر الخاتمة، قلقل قلوب العارفين، وزادهم إزعاجًا ﴿ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ﴾ [الأنفال: 24]، ليس لهم في الدنيا راحة، كلما دخلوا سكة من سكك السكون أخرجهم الجزع إلى شارع من شوارع الخوف؛ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عَسْكَرِهِ وَمَالَ الْآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ، فَقِيلَ: مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلَانٌ، فَقَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا صَاحِبُهُ، قَالَ: فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ، وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ، قَالَ: فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَوَضَعَ سَيْفَهُ بِالْأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ. قَالَ: الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: أَنَا لَكُمْ بِهِ، فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ، ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِي الْأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ»[1].
وقوله: ((فيما يبدو للناس)) إشارةٌ إلى أنَّ باطنَ الأمر يكونُ بخلافِ ذلك، وإنَّ خاتمة السُّوءِ تكونُ بسبب دسيسةٍ باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس، إما من جهة عمل سيئ ونحو ذلك، فتلك الخصلة الخفية توجب سُوءَ الخاتمة عند الموت، وكذلك قد يعمل الرجلُ عملَ أهل النَّارِ وفي باطنه خصلةٌ خفيةٌ من خصال الخير، فتغلب عليه تلكَ الخصلةُ في آخر عمره، فتوجب له حسنَ الخاتمة.
عن الحسن يقول: إن رجلًا ممن كان قبلكم خرجت به قرحة، فلما آذته انتزع سهمًا من كنانته فنكأها، فلم يرقأ الدم حتى مات، قال ربكم: قد حرَّمت عليه الجنة، ثم مد يده إلى المسجد، فقال: إي والله، لقد حدثني بهذا الحديث جندب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد[2].
عَنْ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ، قَالَ: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثم يبعث الله ملكًا فيؤمر بأربعة: بِرِزْقِهِ وَأَجَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، فَوَاللَّهِ إِنَّ أَحَدَكُمْ - أَوِ: الرَّجُلَ - يَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا غَيْرُ بَاعٍ أَوْ ذِرَاعٍ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا) [3].
يقول النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: (فوالذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار... إلخ).
المراد بالذراع التمثيل للقرب من موته ودخوله عقبه، وأن تلك الدار ما بقي بينه وبين أن يصلها إلا كمن بقي بينه وبين موضع من الأرض ذراع، والمراد بهذا الحديث أن هذا قد يقع في نادر من الناس، لا أنه غالب فيهم، ثم إنه من لطف الله تعالى وسعة رحمته انقلاب الناس من الشر إلى الخير في كثرة، وأما انقلابهم من الخير إلى الشر، ففي غاية الندور ونهاية القلة، وهو نحو قوله تعالى: إن رحمتي سبقت غضبي، وغلبت غضبي، ويدخل في هذا من انقلب إلى عمل النار بكفر أو معصية، لكن يختلفان في التخليد وعدمه، فالكافر يخلَّد في النار، والعاصي الذي مات موحداً لا يخلَّد فيها؛ كما سبق تقريره، وفي هذا الحديث تصريح بإثبات القدر، وأن التوبة تهدم الذنوب قبلها، وأن من مات على شيء حُكم له به من خير أو شر، إلا إن أصحاب المعاصي غير الكفر في المشيئة والله أعلم )[4].
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ"، قَالَ: فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: فَقَالَ: "نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَلِّبُهَا" [5].
وتأمَّل حال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو الله تعالى أن يثبِّت قلبه وهو المعصوم من الزلل؛ عن حديث أمِّ سلمة أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُكثِرُ في دعائه أنْ يقول: ((اللهُمَّ يا مقلِّبَ القلوب، ثبِّت قلبي على دينك))، فقلت: يا رسول الله، أو إنَّ القلوب لتتقلَّبُ؟ قال: ((نعم، ما من خلق الله تعالى من بني آدم من بشر إلا أنَّ قلبه بين أصبعين مِنْ أصابع الله، فإنْ شاءَ الله - عز وجل - أقامه، وإنْ شاء أزاغه، فنسألُ الله ربَّنا ألا يزيغَ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسألهُ أنْ يهب لنا من لدُنه رحمةً إنَّه هو الوهَّاب))، قالت: قلت: يا رسول الله، ألا تُعَلِّمني دعوةً أدعو بها لنفسي؟ قال: (( بلى، قولي: اللهمّ ربَّ النبيِّ محمد، اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجِرْني من مضلاَّتِ الفتن ما أحييتني ))[6]، وخرَّج مسلم من حديث عبدالله بن عمرو سمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( إنَّ قلوبَ بني آدمَ كلَّها بين أصبعين من أصابع الرحمان - عز وجل - كقلبٍ واحدٍ يصَرِّفُه حيث يشاء)؛)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( اللهُمَّ يا مُصرِّفَ القلوبِ، صرِّف قلوبنا على طاعتك )) )[7].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ وَسُوءِ الْقَضَاءِ وَجَهْدِ الْبَلَاءِ قَالَ سُفْيَانُ هُوَ ثَلَاثَةٌ فَذَكَرْتُ أَرْبَعَةً لِأَنِّي لَا أَحْفَظُ الْوَاحِدَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ [8].
يتفكرون في السابقة، ويحذرون من اللاحقة، وكأنهم يتقون صاعقة، أو كأن السيوف على أعناقهم بارقة، يا شدة قلقهم من الخاتمة.