Şøķåŕą
04-20-2023, 03:11 PM
آيات منيرة في أحداث السيرة (10)
بعدما اشتد البلاء بالمسلمين في مكة، ولاقوا من الشدة والتعذيب من قريش ما لا تطيقه إلا النفوسُ المؤمنة، ولا تحتمله إلا القلوب الصادقة، أذِن لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالهجرة، فلبّوا مسرعين، وفرُّوا بدينهم وأنفسهم من صناديد الكفر وأئمة الضلال، فجعل الله لهم في تلك الهجرة من الخير والبركة الشيءَ الكثير.
وكان أول من خرج: أبو سلمة بن عبدالأسد، وزوجه أم سلمة - رضي الله عنهما.
وكانت في تلك الهجرة مأساة حقيقية؛ فقد جاء رجال بني مغيرة واعترضوا طريقهما، وقالوا لأبي سلمة: هذه نفسُك غلبتَنا عليها، أرأيت صاحبَتَنا هذه، علامَ نتركك تسير بها في البلاد؟ وحالوا بينها وبين زوجها، وانتزعوها منه.
ثم جاء بنو عبدالأسد (عشيرة أبي سلمة)، ونزعوا ابنها منها.
فأصبحت أم سلمة - رضي الله عنها - وحيدة بعدما هاجر زوجها إلى المدينة ونزع منها ولدها، وبقيتْ محبوسةً عند بني المغيرة في مكة، حتى رقَّ لها بعضُهم بعد ذلك، وأذنوا لها أن تلحق بزوجها.
وكانت - رضي الله عنها - تقول: كنت أخرج كل غداة إلى الأبطح، فما أزال أبكي حتى أُمسي، سنة أو قريبًا من ذلك.
وتوالت طلائع المهاجرين الصادقين الفارِّين بأنفسهم ودينهم، غير مبالين بما تركوا من مال وبيوت؛ فهاجر مصعب بن عمير، وهاجر بلال وسعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر، وجمع من الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين.
وكانوا يعلمون ما يفعل أهلُ مكة بممتلكاتهم وأموالهم من نهبٍ وسرقة واستيلاء على كل ما يمكن لهم أن يستولوا عليه، ولسان حالهم يقول: من ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه.
وهكذا هاجر الصحب الكرام، ولم يبقَ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا صاحبُه الصدِّيق - رضي الله عنه - ينتظران الأمر بالهجرة.
قال - صلى الله عليه وسلم -: ((رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وَهَلي إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب، ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفًا فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثم هززته بأخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت فيها بقرًا، والله خير، فإذا هم المؤمنون يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر))؛ رواه البخاري.
وبعد هجرة المؤمنين وبقاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع صاحبه - رضي الله عنه - أخذتْ قريش تفكِّر في طرق للقضاء عليه قبل أن يفرَّ ويخرج الأمر من أيديهم، فلا يقدرون عليهم بعد هجرتهم.
فاجتمعوا في دار الندوة للتشاور فيما بينهم، وبحث أفضل الطرق للقضاء على محمد - صلى الله عليه وسلم - ووأْد رسالته التي أبغضتْها قلوبُهم، وكرهتْها أنفسُهم الخبيثة.
فقال بعضهم: نحبسه، وقال آخر: ننفيه.
وفيهم نزل قول الله - تعالى -: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30].
ثم استقرت الآراء على ما اقترح أبو جهل، إذ قال: قد فُرق لي فيه رأي، ما أرى قد وقعتم عليه.
قالوا: ما هو؟
قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة من قريش غلامًا نهدًا جلدًا، ثم نعطيه سيفًا صارمًا، فيضربونه ضربة رجل واحد، فيتفرق دمُه في القبائل، فلا تدري عبدمناف بعد ذلك كيف تصنع، ولا يمكنها معاداة القبائل كلها، ونسوق إليهم دِيَته.
فأعجبهم ما قال، واستقر الرأي على عدد من رؤسائهم، ومنهم: أبو جهل بن هشام، والحَكَم بن أبي العاص، وعُقْبَة بن أبي مُعَيْط، والنَّضْر بن الحارث، وأُمية بن خَلَف، وأُبي بن خلف، وغيرهم من صناديد الكفر.
عن عائشة - رضي الله عنها - قالتْ: بينما نحن يومًا جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة، قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله - صلى الله عليه و سلم - متقنعًا، في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمْر.
قالت: فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأذن، فأذن له، فدخل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر: ((أخرِجْ مَن عندك)).
فقال أبو بكر: إنما هم أهلك، بأبي أنت يا رسول الله.
قال: ((فإني قد أذن لي في الخروج)).
فقال أبو بكر: الصحبةَ، بأبي أنت يا رسول الله؟
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نعم)).
قال أبو بكر: فخذ - بأبي أنت يا رسول الله - إحدى راحلتي هاتين، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بالثمن)).
قالت عائشة: فجهزناهما أحث الجهاز، وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعتْ أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها، فربطتْ به على فم الجراب، فبذلك سُميتْ: ذات النطاقين.
ونزل جبريل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمَرَه ألا يبيتَ على فراشه هذه الليلة، ففعل - صلى الله عليه وسلم - وأمر عليًّا - رضي الله عنه - أن يبيت مكانه، وضرب عليّ -رضي الله عنه - بذلك أروع الأمثلة.
واجتمع النفر من قريش؛ لينفذوا ما خططوا له أمام بيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقعدوا ينتظرونه، قال محمد بن إسحاق: جلس عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو جهل وأمية بن خلف، يرصدون النبي - صلى الله عليه وسلم - ليبلغوا من أذاه، فخرج عليهم - عليه الصلاة السلام - وفي يده حفنة من تراب، فرماهم به وأخذ يقرأ آية من القرآن.
وجاءهم رجل ممن لم يكن معهم، ورآهم ببابه، فقال: ما تنتظرون؟ قالوا: محمدًا، قال: خبتم وخسرتم، قد - والله - مرَّ بكم، وذر على رؤوسكم التراب، وانطلق لحاجته، قالوا: والله ما أبصرناه، وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم.
فنظروا من الباب، فرأوا عليًّا - رضي الله عنه - فظنوه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا، وتبيَّن لهم ما لحقهم من الخيبة والخزْي.
بعدما اشتد البلاء بالمسلمين في مكة، ولاقوا من الشدة والتعذيب من قريش ما لا تطيقه إلا النفوسُ المؤمنة، ولا تحتمله إلا القلوب الصادقة، أذِن لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالهجرة، فلبّوا مسرعين، وفرُّوا بدينهم وأنفسهم من صناديد الكفر وأئمة الضلال، فجعل الله لهم في تلك الهجرة من الخير والبركة الشيءَ الكثير.
وكان أول من خرج: أبو سلمة بن عبدالأسد، وزوجه أم سلمة - رضي الله عنهما.
وكانت في تلك الهجرة مأساة حقيقية؛ فقد جاء رجال بني مغيرة واعترضوا طريقهما، وقالوا لأبي سلمة: هذه نفسُك غلبتَنا عليها، أرأيت صاحبَتَنا هذه، علامَ نتركك تسير بها في البلاد؟ وحالوا بينها وبين زوجها، وانتزعوها منه.
ثم جاء بنو عبدالأسد (عشيرة أبي سلمة)، ونزعوا ابنها منها.
فأصبحت أم سلمة - رضي الله عنها - وحيدة بعدما هاجر زوجها إلى المدينة ونزع منها ولدها، وبقيتْ محبوسةً عند بني المغيرة في مكة، حتى رقَّ لها بعضُهم بعد ذلك، وأذنوا لها أن تلحق بزوجها.
وكانت - رضي الله عنها - تقول: كنت أخرج كل غداة إلى الأبطح، فما أزال أبكي حتى أُمسي، سنة أو قريبًا من ذلك.
وتوالت طلائع المهاجرين الصادقين الفارِّين بأنفسهم ودينهم، غير مبالين بما تركوا من مال وبيوت؛ فهاجر مصعب بن عمير، وهاجر بلال وسعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر، وجمع من الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين.
وكانوا يعلمون ما يفعل أهلُ مكة بممتلكاتهم وأموالهم من نهبٍ وسرقة واستيلاء على كل ما يمكن لهم أن يستولوا عليه، ولسان حالهم يقول: من ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه.
وهكذا هاجر الصحب الكرام، ولم يبقَ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا صاحبُه الصدِّيق - رضي الله عنه - ينتظران الأمر بالهجرة.
قال - صلى الله عليه وسلم -: ((رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وَهَلي إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب، ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفًا فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثم هززته بأخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت فيها بقرًا، والله خير، فإذا هم المؤمنون يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر))؛ رواه البخاري.
وبعد هجرة المؤمنين وبقاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع صاحبه - رضي الله عنه - أخذتْ قريش تفكِّر في طرق للقضاء عليه قبل أن يفرَّ ويخرج الأمر من أيديهم، فلا يقدرون عليهم بعد هجرتهم.
فاجتمعوا في دار الندوة للتشاور فيما بينهم، وبحث أفضل الطرق للقضاء على محمد - صلى الله عليه وسلم - ووأْد رسالته التي أبغضتْها قلوبُهم، وكرهتْها أنفسُهم الخبيثة.
فقال بعضهم: نحبسه، وقال آخر: ننفيه.
وفيهم نزل قول الله - تعالى -: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30].
ثم استقرت الآراء على ما اقترح أبو جهل، إذ قال: قد فُرق لي فيه رأي، ما أرى قد وقعتم عليه.
قالوا: ما هو؟
قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة من قريش غلامًا نهدًا جلدًا، ثم نعطيه سيفًا صارمًا، فيضربونه ضربة رجل واحد، فيتفرق دمُه في القبائل، فلا تدري عبدمناف بعد ذلك كيف تصنع، ولا يمكنها معاداة القبائل كلها، ونسوق إليهم دِيَته.
فأعجبهم ما قال، واستقر الرأي على عدد من رؤسائهم، ومنهم: أبو جهل بن هشام، والحَكَم بن أبي العاص، وعُقْبَة بن أبي مُعَيْط، والنَّضْر بن الحارث، وأُمية بن خَلَف، وأُبي بن خلف، وغيرهم من صناديد الكفر.
عن عائشة - رضي الله عنها - قالتْ: بينما نحن يومًا جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة، قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله - صلى الله عليه و سلم - متقنعًا، في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمْر.
قالت: فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأذن، فأذن له، فدخل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر: ((أخرِجْ مَن عندك)).
فقال أبو بكر: إنما هم أهلك، بأبي أنت يا رسول الله.
قال: ((فإني قد أذن لي في الخروج)).
فقال أبو بكر: الصحبةَ، بأبي أنت يا رسول الله؟
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نعم)).
قال أبو بكر: فخذ - بأبي أنت يا رسول الله - إحدى راحلتي هاتين، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بالثمن)).
قالت عائشة: فجهزناهما أحث الجهاز، وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعتْ أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها، فربطتْ به على فم الجراب، فبذلك سُميتْ: ذات النطاقين.
ونزل جبريل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمَرَه ألا يبيتَ على فراشه هذه الليلة، ففعل - صلى الله عليه وسلم - وأمر عليًّا - رضي الله عنه - أن يبيت مكانه، وضرب عليّ -رضي الله عنه - بذلك أروع الأمثلة.
واجتمع النفر من قريش؛ لينفذوا ما خططوا له أمام بيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقعدوا ينتظرونه، قال محمد بن إسحاق: جلس عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو جهل وأمية بن خلف، يرصدون النبي - صلى الله عليه وسلم - ليبلغوا من أذاه، فخرج عليهم - عليه الصلاة السلام - وفي يده حفنة من تراب، فرماهم به وأخذ يقرأ آية من القرآن.
وجاءهم رجل ممن لم يكن معهم، ورآهم ببابه، فقال: ما تنتظرون؟ قالوا: محمدًا، قال: خبتم وخسرتم، قد - والله - مرَّ بكم، وذر على رؤوسكم التراب، وانطلق لحاجته، قالوا: والله ما أبصرناه، وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم.
فنظروا من الباب، فرأوا عليًّا - رضي الله عنه - فظنوه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا، وتبيَّن لهم ما لحقهم من الخيبة والخزْي.