الدكتور على حسن
04-18-2023, 06:17 PM
هدتنى روحانيات ليلة القدر الى تأمل دقات قلب السيدة خديجة بنت خويلد قبل خطبتها الى محمد بن عبدالله (عليه وعلى زوجته الصلاة والسلام)، ووجدتنى أتساءل: كيف أتى علينا حين من الدهر حرمت المرأة اختيار خطيبها أو رؤيته قبل أن تنتقل الى «سجن» الزوجية، ولماذا لم نتعلم من سيرة السيدة التى ارتبط اسمها بليلة القدر التى هى خير من ألف شهر؟. إنها قصة زواج حضارية بين أعظم سيدة أعمال الى مَن صار خاتم رسل الله.. كما وردت فى كتابين يحملان نفس الاسم حياة محمد, الأول للمستشرق الفرنسى دورمنجم وترجمه محمد عادل زعيتر، والثانى للمفكر المصرى محمد حسين هيكل!.
اتفقت السير على أن خديجة كانت غنية يتسابق على ودها أغنياء قريش فترفض الجميع بعد زيجتين سريعتين، وتفرغت لتجارتها حتى بلغت الأربعين، فيدق قلبها لفتى فى الخامسة والعشرين يتيم فقير أمى راعى غنم وليس له اسم فى مكة إلا الصادق الأمين، متمرد على آلهة قريش وعبادة الأصنام، بدأت حكايته حين كاشفه عمه أبو طالب: يا ابن أخي.. أنا رجل لا مال لي.. وقد اشتد الزمان علينا.. وألحت علينا سنون منكرة.. وخديجة بنت خويلد تبعث رجالًا من قومك فيتجرون لها فى مالها، فلو جئتها لأسرعت إليك!. ثم يذهب عمه إليها: فقد بلغنا يا خديجة أنك استأجرت فلانا ببكرين ولسنا نرضى لمحمد دون أربعة بكار، ولم تنتظر خديجة بل أرسلت إلى محمد: إنه دعانى إلى البعثة إليك ما بلغنى من صدق حديثك، وعظم أمانتك، وكرم أخلاقك، وأنا أعطيك ضعف ما أعطى رجلاً من قومك، فعلم ابو طالب بما جرى، وبشر ابن اخيه: أن هذا رزق ساقه الله إليك!.
ويخوض محمد أول اختبار عملى فسافر بتجارة خديجة تحت عين غلامها ميسرة، فلما عادت القافلة على مشارف مكة أسرع إلى خديجة، وكانت فى عالٍ من منزلها، تترقبه فرأته فنزلت وأصغت الى حديثه عن تجارتها، وما جاء به من بضاعة، وهى مأخوذة بحلو عباراته وسحر بلاغته، ثم انتقلت لتسمع الرواية الأخرى من ميسرة، فحكى عن محمد ورقة شمائله وجمال نفسه واحترام التجار له، ورفضه القسم على اللات والعزى، ونبوءة الراهب (بحيرى) حين قابلهم فى بصرى جنوب الشام عن علامات النبوة عند محمد التى وجدت فى موسى، وطلب ألا يوغلوا فى الشام حتى لا يعرفه اليهود.. فانقلب إعجابها حبا جعلها وهى التى رفضت من قبل أعاظم قريش تود وهى فى الأربعين من عمرها أن تتزوج من هذا الشاب الذى نفذت كلماته إلى أعماق قلبها، وأرسلت إليه نفيسة - وفى رواية أخرى ميسرة - وسألته: ما منعك من الزواج يا محمد؟
قال ما بيدى ما أتزوج به!. فقالت: فإن كفيت ذلك ودعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة هل تجيب؟ قال: فمن هى؟ أجابت بكلمة واحدة: خديجة!. قال محمد: وكيف لى بذلك؟ فقالت له نفيسة: اترك لى هذا الأمر!. وعادت بمًوافقته إلى خديجة التى جاء ردها بالفرح وتحديد موعد الزواج رسميا وطلب عمه ابو طالب يد خديجة لابن أخيه!.
وهنا اختلف المؤلفان الى من تقدم ابو طالب بطلب يد خديجة, فبينما ذكر دورمنجم ان خويلد كان وليها وانه وافق على مضض تحت تأثير الخمر الذى كان يتجرعه ذكر محمد حسين هيكل ان أبا طالب تقدم الى عمها عمرو بن أسد لأن والدها خويلد كان قد مات فى حرب الفجار!.
ورغم ميلى لرواية الدكتور هيكل التى نشرها بالأدلة والأسانيد التاريخية، فان خديجة بادرت لخطبة محمد بنفس طريقة ابنة شعيب التى عادت الى البئر تمشى على استحياء تستدعى موسى وكان فى حيرة لا يعرف اين يذهب وقالت: (إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا)، وفى البيت همست بـ «الوحي» الى والدها بنفس الاستحياء تحثه على اتمام عقد الزواج بها مقابل ثمانى حجج: (إن خير من استأجرت القوى الأمين).. وعلى استحياء ايضا اتخذت خديجة قرارها بـوحى الى عقلها وقلبها ولن يغير ما قُدَّر لها أن يكون خويلد ميتا أو مخمورا.
وتم هذا الزواج الذى دفع فيه ابو طالب ٢٠ جملا وانتقل محمد للاقامة فى بيت أهلها ثلاثة أيام على عادة العرب قبل انتقاله الى بيته.. وانجبت له البنين والبنات حتى مشارف الخمسين، ثم كانت البعثة ليلة القدر حين عاد من خلوته فى غار حراء وحكى لها عن جبريل الذى أتاه بكتاب، وقال له: اقرأ يا محمد، فقال: ما أنا بقارئ، وكررها جبريل حتى سأله محمد: ماذا أقرأ؟ فقال: «اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الإنسان من علق» .. حتى قوله تعالى: (علم الإنسان مالم يعلم)، وحين حدثها بما رأى وأعرب عن فزعه قالت: «أبشر يابن عم واثبت أرجو ان تكون نبى هذه الأمة والله لا يخزيك الله ابدا»!.
وكانت خديجة - التى بشرها الوحي بقصر فى الجنة - أول من آمنت به من البشر، وعن رقتها تحدث الرسول: «ما رأيت صاحبة لأجير خيرا من خديجة» وكتبت بمواقفها كزوجة داعمة ومؤمنة ومحبة للنبى الأعظم صفحة جديدة فى تاريخ الانسانية!.
لكم خالص تحياتى وتقديرى
و
رمضــان كريــــم
الدكتــور علـــــــى
اتفقت السير على أن خديجة كانت غنية يتسابق على ودها أغنياء قريش فترفض الجميع بعد زيجتين سريعتين، وتفرغت لتجارتها حتى بلغت الأربعين، فيدق قلبها لفتى فى الخامسة والعشرين يتيم فقير أمى راعى غنم وليس له اسم فى مكة إلا الصادق الأمين، متمرد على آلهة قريش وعبادة الأصنام، بدأت حكايته حين كاشفه عمه أبو طالب: يا ابن أخي.. أنا رجل لا مال لي.. وقد اشتد الزمان علينا.. وألحت علينا سنون منكرة.. وخديجة بنت خويلد تبعث رجالًا من قومك فيتجرون لها فى مالها، فلو جئتها لأسرعت إليك!. ثم يذهب عمه إليها: فقد بلغنا يا خديجة أنك استأجرت فلانا ببكرين ولسنا نرضى لمحمد دون أربعة بكار، ولم تنتظر خديجة بل أرسلت إلى محمد: إنه دعانى إلى البعثة إليك ما بلغنى من صدق حديثك، وعظم أمانتك، وكرم أخلاقك، وأنا أعطيك ضعف ما أعطى رجلاً من قومك، فعلم ابو طالب بما جرى، وبشر ابن اخيه: أن هذا رزق ساقه الله إليك!.
ويخوض محمد أول اختبار عملى فسافر بتجارة خديجة تحت عين غلامها ميسرة، فلما عادت القافلة على مشارف مكة أسرع إلى خديجة، وكانت فى عالٍ من منزلها، تترقبه فرأته فنزلت وأصغت الى حديثه عن تجارتها، وما جاء به من بضاعة، وهى مأخوذة بحلو عباراته وسحر بلاغته، ثم انتقلت لتسمع الرواية الأخرى من ميسرة، فحكى عن محمد ورقة شمائله وجمال نفسه واحترام التجار له، ورفضه القسم على اللات والعزى، ونبوءة الراهب (بحيرى) حين قابلهم فى بصرى جنوب الشام عن علامات النبوة عند محمد التى وجدت فى موسى، وطلب ألا يوغلوا فى الشام حتى لا يعرفه اليهود.. فانقلب إعجابها حبا جعلها وهى التى رفضت من قبل أعاظم قريش تود وهى فى الأربعين من عمرها أن تتزوج من هذا الشاب الذى نفذت كلماته إلى أعماق قلبها، وأرسلت إليه نفيسة - وفى رواية أخرى ميسرة - وسألته: ما منعك من الزواج يا محمد؟
قال ما بيدى ما أتزوج به!. فقالت: فإن كفيت ذلك ودعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة هل تجيب؟ قال: فمن هى؟ أجابت بكلمة واحدة: خديجة!. قال محمد: وكيف لى بذلك؟ فقالت له نفيسة: اترك لى هذا الأمر!. وعادت بمًوافقته إلى خديجة التى جاء ردها بالفرح وتحديد موعد الزواج رسميا وطلب عمه ابو طالب يد خديجة لابن أخيه!.
وهنا اختلف المؤلفان الى من تقدم ابو طالب بطلب يد خديجة, فبينما ذكر دورمنجم ان خويلد كان وليها وانه وافق على مضض تحت تأثير الخمر الذى كان يتجرعه ذكر محمد حسين هيكل ان أبا طالب تقدم الى عمها عمرو بن أسد لأن والدها خويلد كان قد مات فى حرب الفجار!.
ورغم ميلى لرواية الدكتور هيكل التى نشرها بالأدلة والأسانيد التاريخية، فان خديجة بادرت لخطبة محمد بنفس طريقة ابنة شعيب التى عادت الى البئر تمشى على استحياء تستدعى موسى وكان فى حيرة لا يعرف اين يذهب وقالت: (إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا)، وفى البيت همست بـ «الوحي» الى والدها بنفس الاستحياء تحثه على اتمام عقد الزواج بها مقابل ثمانى حجج: (إن خير من استأجرت القوى الأمين).. وعلى استحياء ايضا اتخذت خديجة قرارها بـوحى الى عقلها وقلبها ولن يغير ما قُدَّر لها أن يكون خويلد ميتا أو مخمورا.
وتم هذا الزواج الذى دفع فيه ابو طالب ٢٠ جملا وانتقل محمد للاقامة فى بيت أهلها ثلاثة أيام على عادة العرب قبل انتقاله الى بيته.. وانجبت له البنين والبنات حتى مشارف الخمسين، ثم كانت البعثة ليلة القدر حين عاد من خلوته فى غار حراء وحكى لها عن جبريل الذى أتاه بكتاب، وقال له: اقرأ يا محمد، فقال: ما أنا بقارئ، وكررها جبريل حتى سأله محمد: ماذا أقرأ؟ فقال: «اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الإنسان من علق» .. حتى قوله تعالى: (علم الإنسان مالم يعلم)، وحين حدثها بما رأى وأعرب عن فزعه قالت: «أبشر يابن عم واثبت أرجو ان تكون نبى هذه الأمة والله لا يخزيك الله ابدا»!.
وكانت خديجة - التى بشرها الوحي بقصر فى الجنة - أول من آمنت به من البشر، وعن رقتها تحدث الرسول: «ما رأيت صاحبة لأجير خيرا من خديجة» وكتبت بمواقفها كزوجة داعمة ومؤمنة ومحبة للنبى الأعظم صفحة جديدة فى تاريخ الانسانية!.
لكم خالص تحياتى وتقديرى
و
رمضــان كريــــم
الدكتــور علـــــــى