رحيل
04-13-2023, 08:51 PM
تعريفات فقهية ضرورية:
من أسماء الوقف: التسبيل والتحبيس، وهو عند أبي حنيفة: ” حبس العين على حكم ملك الواقف، والتصدّق بالمنفعة على جهة الخير “.
وهو عند الشافعية والحنابلة: ” حبس مال يمكن الانتفاع به، مع بقاء عينه، بقطع التصرف في رقبته من الواقف وغيره، على مصرف مباح، أو بصرف ريعه على جهة بر وخير تقرباً إلى الله، وعليه يخرج المال عن ملك الواقف، ويصير حبيساً على حكم ملك الله تعالى “.
وهو عند المالكية: ” جعل المالك منفعة مملوكة، ولو كان مملوكاً بأجرة، أو جعل غلته كدراهم، لمستحق بصيغة، مدة ما يراه المحبِّس، أي أن المالك يحبس العين عن أي تصرف تمليكي، ويتبرع بريعها لجهة خيرية، تبرعاً لازماً، مع بقاء العين على ملك الواقف، مدة معينة من الزمان فلا يشترط فيه التأبيد [1]”.
ومثال المملوك بأجرة: أن يستأجر داراً مملوكة، أو أرضاً مدة معلومة، ثم يقف منفعتها لمستحق آخر غيره في تلك المدة، وبه يكون المراد من المملوك، إما ملك الذات أو ملك المنفعة.
يقول الفقيه الدكتور وهبة الزحيلي: ” فالوقف عند المالكية لا يقطع حق الملكية في العين الموقوفة، وإنما يقطع حق التصرف فيها، وقد استدلوا على بقاء الملك في العين الموقوفة، بحديث عمر رضي الله عنه، حيث قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ” إن شئت حبّّستَ أصلها وتصدّقت بها “، ففيه إشارة بالتصدّق بالغلة، مع بقاء ملكية الموقوف على ذمة الواقف، ومنع أي تصرف تمليكي فيه للغير، بدليل فهم عمر: ” على ألا تباع ولا توهب ولا تورّث .. وهذا يشبه ملك المحجور عليه لسفه أي: تبذير وسوء تدبير، فإن ملكه باق في ماله، ولكنه ممنوع من بيعه و هِبَتِهِ، وهذا الرأي أدق دليلاً، وإن كان رأي الشافعية والحنابلة هو الأشهر عند الناس “[2].
والوقف في عرف الفقهاء قسمان: خيري، وأهلي (ذُرّي). وإن كانوا قد اختلفوا في بعض تفاصيل النـوع الثاني، فإنهم اتفقوا على جواز النوع الأول، الذي أقره النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أن عمر أصاب أرضاً بخيبر، تسمى ( ثمغ )، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال يا رسول الله: أصبت أرضاً بخيبر، لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه، فكيف تأمرني به؟ فقال له: إن شئت حبّستَ أصلها وتصدقتَ بها. فتصدق بها عمر رضي الله عنه – على أن لا يباع أصلها ولا يورّث – للفقراء والقربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضعيف… كما اتفقوا أيضاً على أنه لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم صديقاً غير متأثل مالاً.
ويستدل البعض كذلك في إثبات مشروعية الوقف بقوله سبحانه عز وجل:
( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) آل عمران /92
والواقع أن عمل الخير والسخاء والبذل في سبيل الله كان متأصلاً في الرعيل الأول من المسلمين وأجيال السلف الصالح. فقد روى الإمام أحمد – بإسناده – عن أبي إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: أنه سمع أنس بن مالك يقول: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه ” بئر حاء “[3]، و كانت هذه البئر مستقبلة المسجد. وكان النبي صلى الله عليه وسلم، يدخلها ويشرب منها، لأن ماءها كان رائقـاً طيباً. قال أنس: فلما نزل قوله تعالى: (( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون )).. قال أبو طلحة: يا رسول الله. إن الله تعالى يقول:” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ” وإن أحب أموالي إلي (بئر حــاء)، وإنها صدقة أرجو بها برها وذخرها عند الله تعالى. فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( بخٍ بخٍ، ذاك مال رابح، ذاك مال رابح، وقد سمعت، وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين)).
فقال أبو طلحة: أفعلُ يا رسول الله. فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمومته ( أخرجه البخاري و مسلم).
ونحن هنا لا نريد التفصيل في آراء الفقهاء كثيراً ، وبسط وجهات نظرهم المختلفة والمتنوعة إزاء هذا الموضوع، بقدر ما يهمنا إجلاء الخصائص النفعية، والسمات الخيرية، في نظام الوقف الإسلامي، ومدى آثـار وانعكاسات هذه الخصائص على مطلب التكافل الاجتماعي، الذي دعا له الإسلام وحثَّ عليه بشدة وتركيز ظاهريْن.
يقول المفكر المسلم الراحل فضيلة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: ” ولقد عرف المسلمون، أن الإسلام دعا إلى الوقف الخيري، من حيث كان دين فطرة، ثم من حيث دعا دعوة ملحة إلى البر بالناس، وإلى الصدقة الجارية في نصوص كثيرة، منها قوله عليه الصلاة والسلام: ” إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له .” فمضوا بهدى الفطرة وآداب الدين يوقفون أموالهم على المستشفيات، وعلى المساجد، وعلى التكايا والأسبلة، وعلى دفن الموتى، وختان الأطفال، وعلى إعانة الفتيات على الزواج، وعلى التعليم والسياحة في الأرض، والرحلة لأداء فريضة الحج، وعلى كفالة الفقير واليتيم والمحروم، وعلى كل غرض إنساني شريف، بل لقد أشركوا في برّهم الحيوان مع الإنسان؛ و لقد تأخذ أحدنا الدهشة وهو يستعرض حجج الواقفين ( أهل الوقف ) ليرى القوم في نبل نفوسهم ويقظة ضمائرهم ، وعلوّ إنسانيتهم، بل في سلطان دينهم عليهم، وهم يتخيّرون الأغراض الشريفة التي يوقفون لها أموالهم، و يرجون أن تنفق في سبيل تحقيقها هذه الأموال “[4].
من أسماء الوقف: التسبيل والتحبيس، وهو عند أبي حنيفة: ” حبس العين على حكم ملك الواقف، والتصدّق بالمنفعة على جهة الخير “.
وهو عند الشافعية والحنابلة: ” حبس مال يمكن الانتفاع به، مع بقاء عينه، بقطع التصرف في رقبته من الواقف وغيره، على مصرف مباح، أو بصرف ريعه على جهة بر وخير تقرباً إلى الله، وعليه يخرج المال عن ملك الواقف، ويصير حبيساً على حكم ملك الله تعالى “.
وهو عند المالكية: ” جعل المالك منفعة مملوكة، ولو كان مملوكاً بأجرة، أو جعل غلته كدراهم، لمستحق بصيغة، مدة ما يراه المحبِّس، أي أن المالك يحبس العين عن أي تصرف تمليكي، ويتبرع بريعها لجهة خيرية، تبرعاً لازماً، مع بقاء العين على ملك الواقف، مدة معينة من الزمان فلا يشترط فيه التأبيد [1]”.
ومثال المملوك بأجرة: أن يستأجر داراً مملوكة، أو أرضاً مدة معلومة، ثم يقف منفعتها لمستحق آخر غيره في تلك المدة، وبه يكون المراد من المملوك، إما ملك الذات أو ملك المنفعة.
يقول الفقيه الدكتور وهبة الزحيلي: ” فالوقف عند المالكية لا يقطع حق الملكية في العين الموقوفة، وإنما يقطع حق التصرف فيها، وقد استدلوا على بقاء الملك في العين الموقوفة، بحديث عمر رضي الله عنه، حيث قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ” إن شئت حبّّستَ أصلها وتصدّقت بها “، ففيه إشارة بالتصدّق بالغلة، مع بقاء ملكية الموقوف على ذمة الواقف، ومنع أي تصرف تمليكي فيه للغير، بدليل فهم عمر: ” على ألا تباع ولا توهب ولا تورّث .. وهذا يشبه ملك المحجور عليه لسفه أي: تبذير وسوء تدبير، فإن ملكه باق في ماله، ولكنه ممنوع من بيعه و هِبَتِهِ، وهذا الرأي أدق دليلاً، وإن كان رأي الشافعية والحنابلة هو الأشهر عند الناس “[2].
والوقف في عرف الفقهاء قسمان: خيري، وأهلي (ذُرّي). وإن كانوا قد اختلفوا في بعض تفاصيل النـوع الثاني، فإنهم اتفقوا على جواز النوع الأول، الذي أقره النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أن عمر أصاب أرضاً بخيبر، تسمى ( ثمغ )، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال يا رسول الله: أصبت أرضاً بخيبر، لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه، فكيف تأمرني به؟ فقال له: إن شئت حبّستَ أصلها وتصدقتَ بها. فتصدق بها عمر رضي الله عنه – على أن لا يباع أصلها ولا يورّث – للفقراء والقربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضعيف… كما اتفقوا أيضاً على أنه لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم صديقاً غير متأثل مالاً.
ويستدل البعض كذلك في إثبات مشروعية الوقف بقوله سبحانه عز وجل:
( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) آل عمران /92
والواقع أن عمل الخير والسخاء والبذل في سبيل الله كان متأصلاً في الرعيل الأول من المسلمين وأجيال السلف الصالح. فقد روى الإمام أحمد – بإسناده – عن أبي إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: أنه سمع أنس بن مالك يقول: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه ” بئر حاء “[3]، و كانت هذه البئر مستقبلة المسجد. وكان النبي صلى الله عليه وسلم، يدخلها ويشرب منها، لأن ماءها كان رائقـاً طيباً. قال أنس: فلما نزل قوله تعالى: (( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون )).. قال أبو طلحة: يا رسول الله. إن الله تعالى يقول:” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ” وإن أحب أموالي إلي (بئر حــاء)، وإنها صدقة أرجو بها برها وذخرها عند الله تعالى. فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( بخٍ بخٍ، ذاك مال رابح، ذاك مال رابح، وقد سمعت، وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين)).
فقال أبو طلحة: أفعلُ يا رسول الله. فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمومته ( أخرجه البخاري و مسلم).
ونحن هنا لا نريد التفصيل في آراء الفقهاء كثيراً ، وبسط وجهات نظرهم المختلفة والمتنوعة إزاء هذا الموضوع، بقدر ما يهمنا إجلاء الخصائص النفعية، والسمات الخيرية، في نظام الوقف الإسلامي، ومدى آثـار وانعكاسات هذه الخصائص على مطلب التكافل الاجتماعي، الذي دعا له الإسلام وحثَّ عليه بشدة وتركيز ظاهريْن.
يقول المفكر المسلم الراحل فضيلة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: ” ولقد عرف المسلمون، أن الإسلام دعا إلى الوقف الخيري، من حيث كان دين فطرة، ثم من حيث دعا دعوة ملحة إلى البر بالناس، وإلى الصدقة الجارية في نصوص كثيرة، منها قوله عليه الصلاة والسلام: ” إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له .” فمضوا بهدى الفطرة وآداب الدين يوقفون أموالهم على المستشفيات، وعلى المساجد، وعلى التكايا والأسبلة، وعلى دفن الموتى، وختان الأطفال، وعلى إعانة الفتيات على الزواج، وعلى التعليم والسياحة في الأرض، والرحلة لأداء فريضة الحج، وعلى كفالة الفقير واليتيم والمحروم، وعلى كل غرض إنساني شريف، بل لقد أشركوا في برّهم الحيوان مع الإنسان؛ و لقد تأخذ أحدنا الدهشة وهو يستعرض حجج الواقفين ( أهل الوقف ) ليرى القوم في نبل نفوسهم ويقظة ضمائرهم ، وعلوّ إنسانيتهم، بل في سلطان دينهم عليهم، وهم يتخيّرون الأغراض الشريفة التي يوقفون لها أموالهم، و يرجون أن تنفق في سبيل تحقيقها هذه الأموال “[4].