نبضها مطيري
04-05-2023, 08:23 PM
المرأة و كرامتها في القرآن الكريم
للمرأة كرامتها الإنسانية في القرآن , و قد جعلها الله في مستوى الرجل في الحظوة الإنسانية الرفيعة , حينما كانت في كلّ الأوساط المتحضّرة و الجاهلة مُهانةً وَضيْعَةَ القدر , لا شأن لها في الحياة سوى كونها لُعبة الرجل و بُلغته في الحياة . فجاء الإسلام و أخذ بيدها و صعد بها إلى حيث مستواها الرفيع الموازي لمستوى الرجل في المجال الإنساني الكريم ï´؟ ... لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ... ï´¾ 1 . ï´؟ ... وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ... ï´¾ 2 .
القرآن عندما يتحدّث عن الإنسان ـ و ليس في حقيقة الإنسانية ذكورة و لا أنوثة ـ إنّما يتحدّث عن الجنس ذكراً و أنثى على سواء . و عندما يتحدّث عن كرامة الإنسان و تفضيله على كثير ممّن خلق 3 و عن الودائع التي أودعها هذا الانسان 4 و عن نفخ روحه فيه 5 و عندما يبارك نفسه في خلقه لهذا الإنسان 6 إنّما يتحدّث عن الذات الإنسانية الرفيعة المشتركة بين الذكر و الأنثى من غير فرق . هو عندما يقول : ï´؟ وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ï´¾ 7 و عندما يقول : ï´؟ ... إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ... ï´¾ 8 و إلى أمثالها من تعابير لا يفرّق بين ذكرٍ و اُنثى : ï´؟ ... أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ... ï´¾ 9 . لا ميز بينها و لا تفارق فيما يمتاز به الإنسان في أصل وجوده و في سعيه و في البلوغ إلى مراتب كماله . ï´؟ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ï´¾ 10 .
و قد جاء قوله تعالى : ï´؟ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى ... ï´¾ 8 دليلاً قاطعاً على موازاة الاُنثى مع الذكر في أصالة النوع البشري , و لا تزال هذه الأصالة محتفظاً بها عبر تناسل الأجيال .
نعم , هناك خصائص نفسيّة و عقلية ميّزت أحدهما عن ألآخره في تكوينها الذاتي ممّا أوجب تفارقاً في توزيع الوظائف التي يقوم بها كلٌّ منهما في حقل الحياة , توزيعاً عادلاً يتناسب مع معطيات و مؤهّلات كلّ من الذكر و الأنثى , الأمر الذي يؤكّد شمول العدل في التكليف و الاختيار . و لننظر في هذه الفوارق الناشئة من مقام حكمته تعالى في الخلق و التدبير .
ï´؟ ... وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ... ï´¾ 2
هنا وقفة قصيرة عندما نلحظ أنّ القرآن فضّل الرجل على النساء بدرجة !
فهل في ذلك حطٌّ من قدر المرأة ؟ أو كمال حُظي به الرجل دونها ؟
ليس من هذا أو ذلك في شيء , و إنّما هي مرافقة مع ذات الفطرة التي جُبِل عليها كلٌّ من الرجل والمرأة .
إنّ معطيات الرجل النفسية و الخُلُفية تختلف عن معطيات المرأة , كما تختلف طبيعتها الاُنوثيّة المُرْهَفَة الرقيقة عن طبيعة الرجل الصلبة الشديدة , كما قال الإمام أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) " المرأة ريحانة و ليست بقهرمانة " 11 . فنعومة طبعها و ظرافة خُلُقها تجعلها سريعة الانفعال تجاه مصطدمات الأمور , على خلاف الرجل في تريثه و مقاومته عند مقابلة الحوادث .
فالمرأة في حقوقها و مزاياها الإنسانية تعادل الرجل ï´؟ ... وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ... ï´¾ 2 . هذا في أصل خلقتها لتكون للرجل زوجاً من نفسه أي نظيره في الجنس , فيتكافلان ويتعاونان معاً في الحياة الزوجية على سواء . فلها مثل الذي عليها من الحقّ المشترك , و هذا هو التماثل بالمعروف أي التساوي فيما يعترف به العقل و لا يستنكره .
لكنّ الشرط الذي يتحمّله الرجل في الحياة الزوجية , هو الشرط الأثقل الأشقّ , فضلاً عن القوامة و الحماية التي تثقل عبء الرجل في مزاولة الحياة . الأمر الذي استدعى شيئاً من التمايز في نفس الحقوق الزوجية , ممّا أوجب للرجل امتيازاً بدرجة ï´؟ ... وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ... ï´¾ 2.
و هذا التفاضل في الذات و المعطيات هو الذي جعل من موضع الرجل في الأسرة موضع القوامة . ï´؟ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ... ï´¾ 12 .
إنّ الأسرة هي المؤسَّسة الأولى في الحياة الإنسانية , و هي نقطة البدء التي تؤثّر في كلّ مراحل الطريق , و التي تزاول إنشاء و تنشئة العنصر الإنساني , و هو أكرم عناصر هذا الكون في التصوّر الإسلامي . و إذا كانت المؤسّسات ـ التي هي أقلّ شأناً و أرخص سعراً كالمؤسّسات المالية و الصناعية و التجارية و ما إليها ـ لا توكل أمرها عادةً إلاّ للأكفاء من استعدادات طبيعية للإدارة و القوامة , فالأولى أن تُتَّبّع هذه القاعدة في مؤسّسة الأسرة التي تُنشِئ أثمن عناصر الكون , ذلك هو العنصر الإنساني .
و المنهج الربّاني يراعي هذا , و يراعي به الفطرة و الاستعدادات الموهبة لشطري النفس ـ العقلاني و الجسماني ـ لأداء الوظائف المنوطة بهما معاً , كما يراعي به العدالة في توزيع الأعباء على شطري الأسرة الواحدة , و العدالة في اختصاص كلًّ منها بنوع الأعباء المهيّأ لها , المعان عليها من فطرته و استعداداته المتميّزه المتفرّدة .
و المسلَّم به ابتداءاً أنّ الرجل و المرأة كلاهما من خلق الله , و أنّه تعالى لا يريد ظلماً بأحدٍ من خلقه , و هو يُهيّئ و يُعدّه لوظيفة خاصّة , و يمنحه الاستعدادات اللازمة لإحسان هذه الوظيفة . و قد خلق الله الناس ذكراً و أنثى زوجين على أساس القاعدة الكلّيّة في بناء هذا الكون . و جعل من وظائف المرأة أن تحمل و تضع و ترضع و تكفل ثمرة الاتّصال بينها و بين الرجل . و هي وظائف ضخمة و خطيرة و ليست هيّنة و لا يسيرة , بحيث يمكن أن تؤدّى بدون إعداد عضويّ و نفسيّ و عقليّ عميق غائر في كيان الأنثى . فكان جديراً أن ينوط بالشرط الآخر ـ الرجل ـ توفير الحاجات الضرورية , و توفير الحماية كذلك للأنثى كي تتفرّغ لأداء وظيفتها الخطيرة . و لا يحمل عليها أن تحمل و تضع و ترضع و تكفل ثم هي التي تعمل و تكدّ و تسهر ليلاً و تجهد نهاراً لحماية نفسها و كفالة ولدها في آنٍ واحد ! فكان عدلاً كذلك أن يمنح الرجل من الخصائص في تكوينه العضويّ و العصبيّ و العقليّ و النفسيّ ما يُعينه على أداء وظائف هذه الخطيرة أيضاً . و كان هذا فعلاً ï´؟ ... وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ï´¾ 13 .
و من ثَمَّ زُوَّدت المرأة ـ فيما زوَّدت به من الخصائص ـ بالرقّة و العطف و الحنان , و سرعة الانفعال و الاستجابة العاجلة لمطالب الطفولة بغير وعي و لا سابق تفكير , لأنّ الضرورات الإنسانية العميقة كلّها و الملحّة أحياناً ـ حتى في الفرد الواحد ـ قد لا تترك لأرجحة الوعي و التفكير و بطئه مجالاً , بل فرضت الاستجابة لها غير إرادية , لتسهل تلبيتها فوراً و فيما يَشبه أن تكون قسراً , و لكنّه قسرٌ داخلي غير مفروض من خارج النفس , و يكون لذيذاً و مستحبّاً في معظم الأحيان , لتكون الاستجابة سريعة من جهةٍ و مريحة من جهةٍ أخرى , مهما يكن فيها من المشقّة و التضحية ï´؟ ... صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ... ï´¾ 14 .
قال سيّد قطب : و هذه الخصائص ليست سطحية , بل هي غائرة في التكوين العضويّ و العصبيّ و العقليّ و النفسيّ للمرأة . بل يقول كبار العلماء المختصّين : إنّها غائرة في تكوين كلّ خليّة , لأنّها عميقة في تكوين الخلية الأولى , التي يكون من انقسامها و تكاثرها الجنين , بكلّ خصائصه الأساسية . 15
و كذلك زُوَّد الرجل ـ فيما زُوَّد به من الخصائص ـ بالمقاومة و الصلابة, و بطء الانفعال و الاستجابة , و التروّي و استخدام الوعي و التفكير قبل الحركة و الاستجابة , لأنّ وظائفه كلّها منذ بدء الحياة و ممارسة التنازع في البقاء كنت تحتاج إلى قدرٍ من التروّي قبل الإقدام , و إعمال الفكر و البطء في الاستجابة بوجهٍ عامّ 16 . و كلّها عميقة في تكوينه عمق خصائص المرأة في تكوينها . و هذا الخصائص تجعله أقدر على القوامة و أفضل في مجالها . كما أنّ تكليفه بالإنفاق ـ و هو فرعٌ من توزيع الاختصاصات ـ يجعله بدوره أولى بالقوامة .
و هذان العنصران هما اللذان أبرزهما النصّ القرآني , و هو يقرّر قوامة الرجال على النساء في المجتمع الإسلامي . قوامة لها أسبابها وعللها من التكوين والاستعداد, إلى جنب أسبابها من توزيع الوظائف و الاختصاصات , الأمر الذي جعل من مرتبة الرجل أعلى من مرتبة المرأة بدرجة !
قال سّيد قطب : إنّها مسائل خطيرة , أخطر من أن تتحكّم فيها أهواء البشر , و أخطر من أن تترك لهم يخبطون فيها خبط عشواء . و حين تركت لهم و لأهوائهم في الجاهليات القديمة و الجاهليات الحديثة هدّدت البشرية تهديداً خطيراً في وجودها ذاته , و في بقاء الخصائص الإنسانية التي تقوم بها الحياة الإنسانية و تتميّز .
و لعلّ من الدلائل التي تشير بها الفطرة إلى وجودها و تحكّمها , و وجود قوانينها المتحكّمة في بني الإنسان , حتّى و هم ينكرونها و يرفضونها و يتفكّرون لها , لعلّ من هذه الدلائل ما أصاب الحياة البشرية من تخبّط و فساد , و من تدهور و انهيار, ومن تهديدٍ بالدمار و البوار , في كلّ مرّةٍ خولفت فيها هذه القاعدة . فاهتزّت سلطة القوامة في الأسرة , أو اختلطت معالمها , أو شذّت عن قاعدتها الفطرية الأصيلة .
و لعلّ من هذه الدلائل تَوَقان نفس المرأة ذاتها إلى قيام هذه القوامة على أصلها الفطري في الاُسرة , و شعورها بالحرمان و النقص و القلق و قلّة السعادة , عندما تعيش مع رجلٍ لا يزاول مهامّ القوامة و تنقصه صفاتها اللازمة , فيكل إليها هي أمر القوامة ! و هي حقيقة ملحوظة تسلَّم بها حتى المنحرفات الخابطات في الظلام .
و لعلّ من هذه الدلائل أنّ الأطفال الذين ينشّأون في عائلة ليست القوامة فيها للأب , إمّا لأنّه ضعيف الشخصية بحيث تبرز عليه شخصية الاُمّ و تسيطر , و إمّا لأنّه مفقود لوفاته أو لعدم وجود أبٍ شرعي . فلمّا ينشّأون أسوياء و قلّ أن لا ينحرفوا إلى شذوذٍ مّا , في تكوينهم العصبيّ و النفسيّ , و في سلوكهم العمليّ و الخُلقيّ .
فهذه كلّها بعض الدلائل التي تشير بها الفطرة إلى وجودها و تحكّمها , و وجود قوانينها المتحكّمة في بني الإنسان , حتّى و هم ينكرونها و يرفضونها و يتنكّرون لها 17 .
و نتيجةً على ما سبق , كان تفضيل الرجل على المرأة بدرجة ناظراً إلى جهة قوامته في الأسرة , و هذه القوامة تعود إلى خصائص في تكوين الرجل و وظيفته التي خوّلها له عرف الحياة الزوجية . فنعود نقرأ الآية : ï´؟ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ... ï´¾ 12 في تكوينه ï´؟ ... وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ... ï´¾ 12 حسب وظيفتهم العائلية .
قال الشيخ محمّد عبده : و أمّا قوله تعالى : ï´؟ ... وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ... ï´¾ 2 فهو يوجب على المرأة شيئاً و على الرجل أشياء . ذلك أنّ هذه الدرجة الرئاسة و القيام على المصالح المفسّرة بقوله تعالى : ï´؟ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ... ï´¾ 12 فالحياة الزوجية حياة اجتماعية , و لا تقوم مصلحة هذه الحياة إلاّ برئيس مُطاع , و الرجل أحقّ بالرئاسة لأنّه أعلم بالمصلحة و أقدر على التنفيذ بقوّته و ماله , و من ثمّ كان هو المطالب شرعاً بحماية المرأة و النفقة عليها 18 .
و قد فسّر العلّامة الطباطبائي ( المعروف ) في الآية 19 بما عرفه الناس و استأنسوا به وفق فطرتهم الأصيلة , فكان من المعروف أيضاً أن يتفاضل الرجل على المرأة بدرجة , حسب ما منحت الفطرة لكلًّ منهما من استعدادات و قوى و صلاحيات و وظائف في حياتهما الاجتماعية . . . و شرح ذلك مستوفىً على اُصول متينة
للمرأة كرامتها الإنسانية في القرآن , و قد جعلها الله في مستوى الرجل في الحظوة الإنسانية الرفيعة , حينما كانت في كلّ الأوساط المتحضّرة و الجاهلة مُهانةً وَضيْعَةَ القدر , لا شأن لها في الحياة سوى كونها لُعبة الرجل و بُلغته في الحياة . فجاء الإسلام و أخذ بيدها و صعد بها إلى حيث مستواها الرفيع الموازي لمستوى الرجل في المجال الإنساني الكريم ï´؟ ... لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ... ï´¾ 1 . ï´؟ ... وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ... ï´¾ 2 .
القرآن عندما يتحدّث عن الإنسان ـ و ليس في حقيقة الإنسانية ذكورة و لا أنوثة ـ إنّما يتحدّث عن الجنس ذكراً و أنثى على سواء . و عندما يتحدّث عن كرامة الإنسان و تفضيله على كثير ممّن خلق 3 و عن الودائع التي أودعها هذا الانسان 4 و عن نفخ روحه فيه 5 و عندما يبارك نفسه في خلقه لهذا الإنسان 6 إنّما يتحدّث عن الذات الإنسانية الرفيعة المشتركة بين الذكر و الأنثى من غير فرق . هو عندما يقول : ï´؟ وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ï´¾ 7 و عندما يقول : ï´؟ ... إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ... ï´¾ 8 و إلى أمثالها من تعابير لا يفرّق بين ذكرٍ و اُنثى : ï´؟ ... أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ... ï´¾ 9 . لا ميز بينها و لا تفارق فيما يمتاز به الإنسان في أصل وجوده و في سعيه و في البلوغ إلى مراتب كماله . ï´؟ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ï´¾ 10 .
و قد جاء قوله تعالى : ï´؟ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى ... ï´¾ 8 دليلاً قاطعاً على موازاة الاُنثى مع الذكر في أصالة النوع البشري , و لا تزال هذه الأصالة محتفظاً بها عبر تناسل الأجيال .
نعم , هناك خصائص نفسيّة و عقلية ميّزت أحدهما عن ألآخره في تكوينها الذاتي ممّا أوجب تفارقاً في توزيع الوظائف التي يقوم بها كلٌّ منهما في حقل الحياة , توزيعاً عادلاً يتناسب مع معطيات و مؤهّلات كلّ من الذكر و الأنثى , الأمر الذي يؤكّد شمول العدل في التكليف و الاختيار . و لننظر في هذه الفوارق الناشئة من مقام حكمته تعالى في الخلق و التدبير .
ï´؟ ... وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ... ï´¾ 2
هنا وقفة قصيرة عندما نلحظ أنّ القرآن فضّل الرجل على النساء بدرجة !
فهل في ذلك حطٌّ من قدر المرأة ؟ أو كمال حُظي به الرجل دونها ؟
ليس من هذا أو ذلك في شيء , و إنّما هي مرافقة مع ذات الفطرة التي جُبِل عليها كلٌّ من الرجل والمرأة .
إنّ معطيات الرجل النفسية و الخُلُفية تختلف عن معطيات المرأة , كما تختلف طبيعتها الاُنوثيّة المُرْهَفَة الرقيقة عن طبيعة الرجل الصلبة الشديدة , كما قال الإمام أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) " المرأة ريحانة و ليست بقهرمانة " 11 . فنعومة طبعها و ظرافة خُلُقها تجعلها سريعة الانفعال تجاه مصطدمات الأمور , على خلاف الرجل في تريثه و مقاومته عند مقابلة الحوادث .
فالمرأة في حقوقها و مزاياها الإنسانية تعادل الرجل ï´؟ ... وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ... ï´¾ 2 . هذا في أصل خلقتها لتكون للرجل زوجاً من نفسه أي نظيره في الجنس , فيتكافلان ويتعاونان معاً في الحياة الزوجية على سواء . فلها مثل الذي عليها من الحقّ المشترك , و هذا هو التماثل بالمعروف أي التساوي فيما يعترف به العقل و لا يستنكره .
لكنّ الشرط الذي يتحمّله الرجل في الحياة الزوجية , هو الشرط الأثقل الأشقّ , فضلاً عن القوامة و الحماية التي تثقل عبء الرجل في مزاولة الحياة . الأمر الذي استدعى شيئاً من التمايز في نفس الحقوق الزوجية , ممّا أوجب للرجل امتيازاً بدرجة ï´؟ ... وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ... ï´¾ 2.
و هذا التفاضل في الذات و المعطيات هو الذي جعل من موضع الرجل في الأسرة موضع القوامة . ï´؟ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ... ï´¾ 12 .
إنّ الأسرة هي المؤسَّسة الأولى في الحياة الإنسانية , و هي نقطة البدء التي تؤثّر في كلّ مراحل الطريق , و التي تزاول إنشاء و تنشئة العنصر الإنساني , و هو أكرم عناصر هذا الكون في التصوّر الإسلامي . و إذا كانت المؤسّسات ـ التي هي أقلّ شأناً و أرخص سعراً كالمؤسّسات المالية و الصناعية و التجارية و ما إليها ـ لا توكل أمرها عادةً إلاّ للأكفاء من استعدادات طبيعية للإدارة و القوامة , فالأولى أن تُتَّبّع هذه القاعدة في مؤسّسة الأسرة التي تُنشِئ أثمن عناصر الكون , ذلك هو العنصر الإنساني .
و المنهج الربّاني يراعي هذا , و يراعي به الفطرة و الاستعدادات الموهبة لشطري النفس ـ العقلاني و الجسماني ـ لأداء الوظائف المنوطة بهما معاً , كما يراعي به العدالة في توزيع الأعباء على شطري الأسرة الواحدة , و العدالة في اختصاص كلًّ منها بنوع الأعباء المهيّأ لها , المعان عليها من فطرته و استعداداته المتميّزه المتفرّدة .
و المسلَّم به ابتداءاً أنّ الرجل و المرأة كلاهما من خلق الله , و أنّه تعالى لا يريد ظلماً بأحدٍ من خلقه , و هو يُهيّئ و يُعدّه لوظيفة خاصّة , و يمنحه الاستعدادات اللازمة لإحسان هذه الوظيفة . و قد خلق الله الناس ذكراً و أنثى زوجين على أساس القاعدة الكلّيّة في بناء هذا الكون . و جعل من وظائف المرأة أن تحمل و تضع و ترضع و تكفل ثمرة الاتّصال بينها و بين الرجل . و هي وظائف ضخمة و خطيرة و ليست هيّنة و لا يسيرة , بحيث يمكن أن تؤدّى بدون إعداد عضويّ و نفسيّ و عقليّ عميق غائر في كيان الأنثى . فكان جديراً أن ينوط بالشرط الآخر ـ الرجل ـ توفير الحاجات الضرورية , و توفير الحماية كذلك للأنثى كي تتفرّغ لأداء وظيفتها الخطيرة . و لا يحمل عليها أن تحمل و تضع و ترضع و تكفل ثم هي التي تعمل و تكدّ و تسهر ليلاً و تجهد نهاراً لحماية نفسها و كفالة ولدها في آنٍ واحد ! فكان عدلاً كذلك أن يمنح الرجل من الخصائص في تكوينه العضويّ و العصبيّ و العقليّ و النفسيّ ما يُعينه على أداء وظائف هذه الخطيرة أيضاً . و كان هذا فعلاً ï´؟ ... وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ï´¾ 13 .
و من ثَمَّ زُوَّدت المرأة ـ فيما زوَّدت به من الخصائص ـ بالرقّة و العطف و الحنان , و سرعة الانفعال و الاستجابة العاجلة لمطالب الطفولة بغير وعي و لا سابق تفكير , لأنّ الضرورات الإنسانية العميقة كلّها و الملحّة أحياناً ـ حتى في الفرد الواحد ـ قد لا تترك لأرجحة الوعي و التفكير و بطئه مجالاً , بل فرضت الاستجابة لها غير إرادية , لتسهل تلبيتها فوراً و فيما يَشبه أن تكون قسراً , و لكنّه قسرٌ داخلي غير مفروض من خارج النفس , و يكون لذيذاً و مستحبّاً في معظم الأحيان , لتكون الاستجابة سريعة من جهةٍ و مريحة من جهةٍ أخرى , مهما يكن فيها من المشقّة و التضحية ï´؟ ... صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ... ï´¾ 14 .
قال سيّد قطب : و هذه الخصائص ليست سطحية , بل هي غائرة في التكوين العضويّ و العصبيّ و العقليّ و النفسيّ للمرأة . بل يقول كبار العلماء المختصّين : إنّها غائرة في تكوين كلّ خليّة , لأنّها عميقة في تكوين الخلية الأولى , التي يكون من انقسامها و تكاثرها الجنين , بكلّ خصائصه الأساسية . 15
و كذلك زُوَّد الرجل ـ فيما زُوَّد به من الخصائص ـ بالمقاومة و الصلابة, و بطء الانفعال و الاستجابة , و التروّي و استخدام الوعي و التفكير قبل الحركة و الاستجابة , لأنّ وظائفه كلّها منذ بدء الحياة و ممارسة التنازع في البقاء كنت تحتاج إلى قدرٍ من التروّي قبل الإقدام , و إعمال الفكر و البطء في الاستجابة بوجهٍ عامّ 16 . و كلّها عميقة في تكوينه عمق خصائص المرأة في تكوينها . و هذا الخصائص تجعله أقدر على القوامة و أفضل في مجالها . كما أنّ تكليفه بالإنفاق ـ و هو فرعٌ من توزيع الاختصاصات ـ يجعله بدوره أولى بالقوامة .
و هذان العنصران هما اللذان أبرزهما النصّ القرآني , و هو يقرّر قوامة الرجال على النساء في المجتمع الإسلامي . قوامة لها أسبابها وعللها من التكوين والاستعداد, إلى جنب أسبابها من توزيع الوظائف و الاختصاصات , الأمر الذي جعل من مرتبة الرجل أعلى من مرتبة المرأة بدرجة !
قال سّيد قطب : إنّها مسائل خطيرة , أخطر من أن تتحكّم فيها أهواء البشر , و أخطر من أن تترك لهم يخبطون فيها خبط عشواء . و حين تركت لهم و لأهوائهم في الجاهليات القديمة و الجاهليات الحديثة هدّدت البشرية تهديداً خطيراً في وجودها ذاته , و في بقاء الخصائص الإنسانية التي تقوم بها الحياة الإنسانية و تتميّز .
و لعلّ من الدلائل التي تشير بها الفطرة إلى وجودها و تحكّمها , و وجود قوانينها المتحكّمة في بني الإنسان , حتّى و هم ينكرونها و يرفضونها و يتفكّرون لها , لعلّ من هذه الدلائل ما أصاب الحياة البشرية من تخبّط و فساد , و من تدهور و انهيار, ومن تهديدٍ بالدمار و البوار , في كلّ مرّةٍ خولفت فيها هذه القاعدة . فاهتزّت سلطة القوامة في الأسرة , أو اختلطت معالمها , أو شذّت عن قاعدتها الفطرية الأصيلة .
و لعلّ من هذه الدلائل تَوَقان نفس المرأة ذاتها إلى قيام هذه القوامة على أصلها الفطري في الاُسرة , و شعورها بالحرمان و النقص و القلق و قلّة السعادة , عندما تعيش مع رجلٍ لا يزاول مهامّ القوامة و تنقصه صفاتها اللازمة , فيكل إليها هي أمر القوامة ! و هي حقيقة ملحوظة تسلَّم بها حتى المنحرفات الخابطات في الظلام .
و لعلّ من هذه الدلائل أنّ الأطفال الذين ينشّأون في عائلة ليست القوامة فيها للأب , إمّا لأنّه ضعيف الشخصية بحيث تبرز عليه شخصية الاُمّ و تسيطر , و إمّا لأنّه مفقود لوفاته أو لعدم وجود أبٍ شرعي . فلمّا ينشّأون أسوياء و قلّ أن لا ينحرفوا إلى شذوذٍ مّا , في تكوينهم العصبيّ و النفسيّ , و في سلوكهم العمليّ و الخُلقيّ .
فهذه كلّها بعض الدلائل التي تشير بها الفطرة إلى وجودها و تحكّمها , و وجود قوانينها المتحكّمة في بني الإنسان , حتّى و هم ينكرونها و يرفضونها و يتنكّرون لها 17 .
و نتيجةً على ما سبق , كان تفضيل الرجل على المرأة بدرجة ناظراً إلى جهة قوامته في الأسرة , و هذه القوامة تعود إلى خصائص في تكوين الرجل و وظيفته التي خوّلها له عرف الحياة الزوجية . فنعود نقرأ الآية : ï´؟ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ... ï´¾ 12 في تكوينه ï´؟ ... وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ... ï´¾ 12 حسب وظيفتهم العائلية .
قال الشيخ محمّد عبده : و أمّا قوله تعالى : ï´؟ ... وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ... ï´¾ 2 فهو يوجب على المرأة شيئاً و على الرجل أشياء . ذلك أنّ هذه الدرجة الرئاسة و القيام على المصالح المفسّرة بقوله تعالى : ï´؟ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ... ï´¾ 12 فالحياة الزوجية حياة اجتماعية , و لا تقوم مصلحة هذه الحياة إلاّ برئيس مُطاع , و الرجل أحقّ بالرئاسة لأنّه أعلم بالمصلحة و أقدر على التنفيذ بقوّته و ماله , و من ثمّ كان هو المطالب شرعاً بحماية المرأة و النفقة عليها 18 .
و قد فسّر العلّامة الطباطبائي ( المعروف ) في الآية 19 بما عرفه الناس و استأنسوا به وفق فطرتهم الأصيلة , فكان من المعروف أيضاً أن يتفاضل الرجل على المرأة بدرجة , حسب ما منحت الفطرة لكلًّ منهما من استعدادات و قوى و صلاحيات و وظائف في حياتهما الاجتماعية . . . و شرح ذلك مستوفىً على اُصول متينة