Şøķåŕą
04-03-2023, 12:37 PM
توجيهات وتحقيقات في الأحاديث النبوية (23)
الحديث الثالث والعشرون
عن النُّعمان بن بشير رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثَل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثَل قومٍ استَهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفَلَها، فكان الذين في أسفلها إذا استَقَوْا من الماء مرُّوا على مَن فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقْنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ مَن فوقَنا، فإن يَتركوهم وما أرادوا هلَكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نَجَوْا، ونَجَوْا جميعًا) [1].
توجيهات وتحقيقات الحديث:
• (القائم على حدود الله): مجاز، مِن قام على الأمر، أي: دام وثبت.
• (الواقع فيها) معناه: الواقع بسببها؛ أي: بسبب مخالفتها، فـ(في) سببيَّة.
• (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمَثَل قومٍ استهموا على سفينة...): تشبيه تمثيليٌّ، شبَّه فيه القائمين على حدود الله عند تقصيرهم في وعظ الواقعين فيها وعدم تقصيرهم بهيئة من في أعلى السفينة ومَن في أسفلها؛ إذا أرادوا خرقها من الأسفل عند مَنْعِهِمْ لهم منه وعدم منعهم، بجامع حصول النَّفْع والضرر في الحالين.
• (استهموا على سفينة): قوله صلى الله عليه وسلم: (على)؛ إما أن تكون أصلية بمعنى لام التعليل؛ أي: اقترعوا لأجل قِسمة السفينة، وإما أن تكون زائدة إذا كان استهموا بمعنى: اقتسموا.
• (لو أنا خَرَقنا في نصيبنا خرقًا): (لو) يَجوز أن تكون شَرطيَّة جوابها محذوف، وتقديره: لكان حسنًا، أو يكون قولهم: (لم نؤذِ) هو الجواب، وتكون الواو زائدة،، ويجوز أن تكون للتمني فلا تحتاج إلى جواب.
ولكن المناسب لحال العصاة الذين مُثِّلوا بمن في أسفل السفينة أن تكون (لو) شرطية لا للتمني؛ لأن التمني يكون معه شعور باستحالة أو تعذر، والعصاة ليس عندهم مثل هذا الشعور، ويؤيِّده قوله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: (فإن تركوهم وما أرادوا)؛ لأن الإرادة تقتضي الشروع في الفعل، بخلاف التمني الذي معه شعور بالاستحالة أو التعذر، فلا يكون فيه شُرُوع في الفعل.
• (فإن يَتركوهم): إن شرطيَّة جوابُها هلَكوا، وضمير الرفع (الواو) عائد على أهل العلو في السفينة، وضمير النصب (هم) عائد على أهل السفل.
• (وما أرادوا)، الواو بمعنى مع، و(ما) مصدرية أو موصولة، فعلى الأول يكون المعنى: وإرادتهم، وعلى الثاني يكون المعنى: والذي أرادوا.
• (هلَكوا جميعًا)، الواو في (هلكوا) تعود على الفريقين معًا، و(جميعًا) حال.
• (نَجَوْا ونَجَوْا جميعًا)، الواو في (نَجَوْا) الأولى عائد على الآخِذين، وفي (نجوا) الثانية عائد على المأخوذين، كذا قال الكرماني، وذكر البَدْر العيني أن الذي في الثانية عائد على الفريقين معًا، وهو ما يترجَّح لنا.
• لماذا لم يكرِّر (هلكوا) كما كرَّر (نجوا)؟!
لم يكرِّر (هلكوا) للإشارة إلى أن كلاًّ منهم له نصيبه فيما وقَع لهم من الهلاك، وكرَّر (نَجَوْا) للإشارة إلى أن نجاة الطائعين هي الأصل، وأن نجاة غيرهم تابعة لنجاتهم، فضمير (نجوا) - الأولى - لمن في أعلى السفينة فقط، وضمير الثانية لهم جميعًا.
لذلك فالمصلحةُ مشترَكة، وسلامة المؤمنين كلٌّ لا يتجزَّأ، فإذا أخطأ بعضهم انسحب هذا الخطأ على الباقين، ولهذا قال الله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾ [الأنفال: 25].
ويشهد لهذا قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يدَيه أوشَكَ أن يَعمَّهم الله بعقاب) [2].
• (أخَذوا على أيديهم) أي: منَعوهم مِن أن يَخرقوا فيها، والأَخْذ على اليد كنايةٌ عن استعمال الشدة والقوة، والتعبير بـ(على) يفيد الاستعلاء والفوقية، كما ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في حديث: (انصرْ أخاك ظالمًا أو مظلومًا) [3]؛ حيث قال: قوله: (تأخذ فوق يديه): كنى به عن كفه عن الظلم بالفعل إن لم يكف بالقول، وعبر بالفوقية إشارة إلى الأخذ بالاستعلاء والقوة [4].
• لماذا نصَّ في الحديث على كون القِسمة بالاستهام؟!
للإشارة إلى أن الطاعة والمعصية اللتين مثل لهما بذلك عن قدر سابق، ولا عمل للعبد إلا فيما يضاهي عمل الاستهام، وهو يَكفي في إثبات الاختيار ونفْي الجبر الذي يقول به الجبرية.
ففي الحديث رد على القدرية والجبرية معًا.
الحديث الثالث والعشرون
عن النُّعمان بن بشير رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثَل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثَل قومٍ استَهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفَلَها، فكان الذين في أسفلها إذا استَقَوْا من الماء مرُّوا على مَن فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقْنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ مَن فوقَنا، فإن يَتركوهم وما أرادوا هلَكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نَجَوْا، ونَجَوْا جميعًا) [1].
توجيهات وتحقيقات الحديث:
• (القائم على حدود الله): مجاز، مِن قام على الأمر، أي: دام وثبت.
• (الواقع فيها) معناه: الواقع بسببها؛ أي: بسبب مخالفتها، فـ(في) سببيَّة.
• (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمَثَل قومٍ استهموا على سفينة...): تشبيه تمثيليٌّ، شبَّه فيه القائمين على حدود الله عند تقصيرهم في وعظ الواقعين فيها وعدم تقصيرهم بهيئة من في أعلى السفينة ومَن في أسفلها؛ إذا أرادوا خرقها من الأسفل عند مَنْعِهِمْ لهم منه وعدم منعهم، بجامع حصول النَّفْع والضرر في الحالين.
• (استهموا على سفينة): قوله صلى الله عليه وسلم: (على)؛ إما أن تكون أصلية بمعنى لام التعليل؛ أي: اقترعوا لأجل قِسمة السفينة، وإما أن تكون زائدة إذا كان استهموا بمعنى: اقتسموا.
• (لو أنا خَرَقنا في نصيبنا خرقًا): (لو) يَجوز أن تكون شَرطيَّة جوابها محذوف، وتقديره: لكان حسنًا، أو يكون قولهم: (لم نؤذِ) هو الجواب، وتكون الواو زائدة،، ويجوز أن تكون للتمني فلا تحتاج إلى جواب.
ولكن المناسب لحال العصاة الذين مُثِّلوا بمن في أسفل السفينة أن تكون (لو) شرطية لا للتمني؛ لأن التمني يكون معه شعور باستحالة أو تعذر، والعصاة ليس عندهم مثل هذا الشعور، ويؤيِّده قوله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: (فإن تركوهم وما أرادوا)؛ لأن الإرادة تقتضي الشروع في الفعل، بخلاف التمني الذي معه شعور بالاستحالة أو التعذر، فلا يكون فيه شُرُوع في الفعل.
• (فإن يَتركوهم): إن شرطيَّة جوابُها هلَكوا، وضمير الرفع (الواو) عائد على أهل العلو في السفينة، وضمير النصب (هم) عائد على أهل السفل.
• (وما أرادوا)، الواو بمعنى مع، و(ما) مصدرية أو موصولة، فعلى الأول يكون المعنى: وإرادتهم، وعلى الثاني يكون المعنى: والذي أرادوا.
• (هلَكوا جميعًا)، الواو في (هلكوا) تعود على الفريقين معًا، و(جميعًا) حال.
• (نَجَوْا ونَجَوْا جميعًا)، الواو في (نَجَوْا) الأولى عائد على الآخِذين، وفي (نجوا) الثانية عائد على المأخوذين، كذا قال الكرماني، وذكر البَدْر العيني أن الذي في الثانية عائد على الفريقين معًا، وهو ما يترجَّح لنا.
• لماذا لم يكرِّر (هلكوا) كما كرَّر (نجوا)؟!
لم يكرِّر (هلكوا) للإشارة إلى أن كلاًّ منهم له نصيبه فيما وقَع لهم من الهلاك، وكرَّر (نَجَوْا) للإشارة إلى أن نجاة الطائعين هي الأصل، وأن نجاة غيرهم تابعة لنجاتهم، فضمير (نجوا) - الأولى - لمن في أعلى السفينة فقط، وضمير الثانية لهم جميعًا.
لذلك فالمصلحةُ مشترَكة، وسلامة المؤمنين كلٌّ لا يتجزَّأ، فإذا أخطأ بعضهم انسحب هذا الخطأ على الباقين، ولهذا قال الله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾ [الأنفال: 25].
ويشهد لهذا قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يدَيه أوشَكَ أن يَعمَّهم الله بعقاب) [2].
• (أخَذوا على أيديهم) أي: منَعوهم مِن أن يَخرقوا فيها، والأَخْذ على اليد كنايةٌ عن استعمال الشدة والقوة، والتعبير بـ(على) يفيد الاستعلاء والفوقية، كما ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في حديث: (انصرْ أخاك ظالمًا أو مظلومًا) [3]؛ حيث قال: قوله: (تأخذ فوق يديه): كنى به عن كفه عن الظلم بالفعل إن لم يكف بالقول، وعبر بالفوقية إشارة إلى الأخذ بالاستعلاء والقوة [4].
• لماذا نصَّ في الحديث على كون القِسمة بالاستهام؟!
للإشارة إلى أن الطاعة والمعصية اللتين مثل لهما بذلك عن قدر سابق، ولا عمل للعبد إلا فيما يضاهي عمل الاستهام، وهو يَكفي في إثبات الاختيار ونفْي الجبر الذي يقول به الجبرية.
ففي الحديث رد على القدرية والجبرية معًا.