Şøķåŕą
03-29-2023, 03:09 PM
توجيهات وتحقيقات في الأحاديث النبوية (13)
الحديث الثالث عشر
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((المُؤمِنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المُؤمنِ الضَّعيفِ، وفي كُلٍّ خيرٌ، احرِص على ما ينفعُك، واستعِن بالله ولا تَعجِز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقُل: لو أنِّي فعلتُ كان كذا وكذا، ولكن قُل: قَدَرُ الله وما شاء فعل؛ فإنَّ (لو) تفتحُ عمل الشَّيطان))[1].
توجيهات وتحقيقات الحديث:
بمجرد قراءة الحديث لأول وهلة يتبادر إلى الذهنِ سؤالٌ، ألا وهو:
هل المفاضلة في الحديث الشريف بين القوة في الإيمان والضعف فيه، أو بين القوة الجسمية والنفسية والضعف فيهما؟!
والجواب: قيل إنَّ المفاضلة في الحديث بين قوة الإيمان وضعفه، ويُرَدُّ على هذا القول أنَّ المفاضلة بينهما من البداهة بحيث يكون الإخبار بها لا فائدة فيه، كما يُرَدُّ عليه أنه لا يصح معها قوله صلى الله عليه وسلم ((وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ))؛ لأنَّ ضعفَ الإيمان لا خير فيه، وكذلك سياقُ الحديثِ إلى آخرهِ.
والحقُّ أنَّ المفاضلة في الحديث بين القوَّة الجسمية والنفسية والضعف فيهما؛ لأنَّ القوة الجسمية تدخل في القوَّة التي أمرَ الله تبارك وتعالى بالإعداد لها، كما في قوله جلَّ شأنه: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾ [الأنفال: 60]، فلا معنى للفرارِ من حَمْل الحديث عليها، ولا شكَّ أنَّ شأن القوة النفسية - وهي الشَّجاعة - أعلى من شأن القوَّة الجسمية؛ فيُحمل الحديثُ عليها أيضًا من باب أولى.
((المُؤْمِنُ القَوِيُّ))، ((المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ)): (أل) في ((المؤمن)) هي (أل) الجنسية، فتكون القضية معها مهملة في قوَّة الجزئية، ولا يصحُّ جَعْل (أل) فيهما استغراقيَّة لتكون القضية كليَّة؛ لأن المؤمن الضعيف قد يكون خيرًا وأحبَّ إلى الله من المؤمِن القوي، وهذا إذا قام المؤمن الضَّعيف بما يجب عليه لدينه بقَدْر ما يمكنه؛ لأنَّ اللهَ لا يكلِّف نفسًا إلا وُسعها، وإذا لم يقم المؤمن القوِي بما يجب عليه لدينه، فيكون المؤمن الضَّعيف في هذه الحالة خيرًا وأحبَّ إلى الله تعالى منه.
((خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ)): لم يقتصِر النبيُّ صلى الله عليه وسلم على ((خير)) فقط؛ لأنَّ معنى كونه خيرًا أنَّه أكثر خيرًا، ومعنى كونه أحب؛ أي: إنه أكثر حبًّا، والثاني ((أحب)) مترتِّبٌ على الأول ((خير))، ولا يُستغنى بأحدِهما عن الآخر.
((وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ)): ذكرَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعد تفضيلِ المؤمن القوِي على الضَّعيف؛ لئلا نتغالَى في تفضيل الأقوياء حتى نعمل على مَحو الضعفاء، كما كان يفعل أهل أسبرطة قديمًا، وكما يُغالِي بعضُ الفلاسفة في التعصُّب للقوة حتى جعلوها فوق الحقِّ؛ لأنَّ كلاًّ منهما له أعمال تناسبه في الدُّنيا، فلا يُمكن أن يُستغنى بأحدهما عن الآخر، والإسلام مع تفضيله القويَّ على الضعيف يقِف بجانب الضَّعيف حتى يأخذ له حقَّه من القوِي، ولا ينكر ما له من حقٍّ في الحياة كما ترى بعضُ الفلسفات الخاطئة.
ألم ترَ إلى أبي بكرٍ رضي الله عنه وقت أن وَلِي الخلافةَ خطَب في الناس قائلاً: "يا أيها النَّاسُ، إني قد وُلِّيتُ عليكم ولستُ بخيركم؛ فإن ضعُفتُ فقوِّمُوني، وإن أحسنتُ فأعينُوني، الصِّدقُ أمانةٌ، والكذبُ خيانةٌ، الضَّعيفُ فيكم القويُّ عندي حتَّى أُزيح عليه حقَّه إن شاء الله، والقويُّ فيكُمُ الضعيفُ عندي حتى آخُذ منه الحقَّ إن شاء الله، لا يدعُ قومٌ الجهادَ في سبيل الله إلاَّ ضربهم الله بالفقر، ولا ظهرَت - أو قال: شاعَت - الفاحشةُ في قومٍ إلاَّ عمَّمهم البلاءُ، أطيعُوني ما أطعتُ اللهَ ورسولَه، فإذا عصيتُ الله ورسولَه، فلا طاعة لي عليكم، قُوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله"[2].
((المُؤمِن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المُؤمن الضَّعيف)): قوله صلى الله عليه وسلم: ((خيرٌ وأَحبُّ)) خبر المبتدأ، وقد تنازعا المجرورَين بعدهما، فأُعمل الثَّاني وأُضمر في الأول وحُذف، والتقدير: خير إلى الله منه، ولو أُعمِل الأول أُضمِر في الثاني، وكان التقدير: وأحب إليه منه.
((إِلى الله)): بمعنى عند الله، كقول الشاعر:
أم لا سبيل إلى الشبابِ وذكرهِ = أشهى إليَّ من الرَّحِيق السَّلسلِ
بمعني: أشهى عندي.
((احرِص على ما ينفعُك)): فصلَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم عمَّا قبله؛ لِما بينهما من كمال الانقطاع؛ لاختلافهما خبرًا وإنشاءً، لفظًا ومعنًى.
وهذه الجملة مرتبطةٌ بما قبلها، والمعنى: احرص بقوَّتك على ما ينفعك، وخُذ فيه ولا تتردَّد، وهذا يتضمَّن الحثَّ على استعمالِ القوَّة الجسمية والنفسية فيما ينفع، لا فيما يضر.
((واستعِن بالله ولا تَعجِز)): مرتبطةٌ بأوَّل الحديث أيضًا، ويُراد بها الحث على الاستعانةِ بالله عند الشعورِ بالعجز عن المضِيِّ فيما ينفع.
فيجب تَرْك اليَأْس والركون إلى العَجْز في هذه الحالة، وعليه أن يُجاهد بما يمكنه من قوَّة، مستعينًا بالله تعالى ليمده بقوَّة على قوته، ومن ثابَر وصل إلى ما يُريد، ومن يَئس وقف في أول الطريق.
((واستعِن بالله ولا تعجز)): موصولة بِما قبلها للتوسُّط بين الكمالين؛ لأنهما اتَّفقا في الإنشائيَّة، ووُجد الجامِع بينهما، وهو الاتِّفاق في المسند إليه.
((وإن أصابك شيءٌ)): للنَّهي عن العَجز عند الوقوع في مصيبةٍ من مصائب الدنيا، فيجب أنْ يتمسَّك الإنسان بقوَّته في المصيبة، ويعمل على التخلُّص منها بقوةٍ، فلا ييئس ويعتقد أنَّه فرَّط فيما أوقعه فيها، وأنَّ ما فاته من ذلك لا يُمكن تداركه؛ لأنَّها وقعَت بقدَرِ الله تعالى، وإن كان هناك تفريط فيمكن التخلُّص منها بقدرِ الله أيضًا، ولا يصح اليَأْس من التخلُّص منها، ولا ترك العمل على إزالتها.
((لو أنِّي فعلتُ كان كذا وكذا)): (لو) شرطيَّة، وشرطُها مَحذوف تقديره: لو ثبَت أنِّي فعلتُ كذا، "أن" وما بعدها في تأويل مصدر فاعل "ثبَت"، ((كان)) جواب الشرط تامَّة، ((كذا)) فاعلها مبنِي، ((كذا)) - الثانية - معطوف عليه.
الحديث الثالث عشر
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((المُؤمِنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المُؤمنِ الضَّعيفِ، وفي كُلٍّ خيرٌ، احرِص على ما ينفعُك، واستعِن بالله ولا تَعجِز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقُل: لو أنِّي فعلتُ كان كذا وكذا، ولكن قُل: قَدَرُ الله وما شاء فعل؛ فإنَّ (لو) تفتحُ عمل الشَّيطان))[1].
توجيهات وتحقيقات الحديث:
بمجرد قراءة الحديث لأول وهلة يتبادر إلى الذهنِ سؤالٌ، ألا وهو:
هل المفاضلة في الحديث الشريف بين القوة في الإيمان والضعف فيه، أو بين القوة الجسمية والنفسية والضعف فيهما؟!
والجواب: قيل إنَّ المفاضلة في الحديث بين قوة الإيمان وضعفه، ويُرَدُّ على هذا القول أنَّ المفاضلة بينهما من البداهة بحيث يكون الإخبار بها لا فائدة فيه، كما يُرَدُّ عليه أنه لا يصح معها قوله صلى الله عليه وسلم ((وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ))؛ لأنَّ ضعفَ الإيمان لا خير فيه، وكذلك سياقُ الحديثِ إلى آخرهِ.
والحقُّ أنَّ المفاضلة في الحديث بين القوَّة الجسمية والنفسية والضعف فيهما؛ لأنَّ القوة الجسمية تدخل في القوَّة التي أمرَ الله تبارك وتعالى بالإعداد لها، كما في قوله جلَّ شأنه: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾ [الأنفال: 60]، فلا معنى للفرارِ من حَمْل الحديث عليها، ولا شكَّ أنَّ شأن القوة النفسية - وهي الشَّجاعة - أعلى من شأن القوَّة الجسمية؛ فيُحمل الحديثُ عليها أيضًا من باب أولى.
((المُؤْمِنُ القَوِيُّ))، ((المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ)): (أل) في ((المؤمن)) هي (أل) الجنسية، فتكون القضية معها مهملة في قوَّة الجزئية، ولا يصحُّ جَعْل (أل) فيهما استغراقيَّة لتكون القضية كليَّة؛ لأن المؤمن الضعيف قد يكون خيرًا وأحبَّ إلى الله من المؤمِن القوي، وهذا إذا قام المؤمن الضَّعيف بما يجب عليه لدينه بقَدْر ما يمكنه؛ لأنَّ اللهَ لا يكلِّف نفسًا إلا وُسعها، وإذا لم يقم المؤمن القوِي بما يجب عليه لدينه، فيكون المؤمن الضَّعيف في هذه الحالة خيرًا وأحبَّ إلى الله تعالى منه.
((خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ)): لم يقتصِر النبيُّ صلى الله عليه وسلم على ((خير)) فقط؛ لأنَّ معنى كونه خيرًا أنَّه أكثر خيرًا، ومعنى كونه أحب؛ أي: إنه أكثر حبًّا، والثاني ((أحب)) مترتِّبٌ على الأول ((خير))، ولا يُستغنى بأحدِهما عن الآخر.
((وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ)): ذكرَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعد تفضيلِ المؤمن القوِي على الضَّعيف؛ لئلا نتغالَى في تفضيل الأقوياء حتى نعمل على مَحو الضعفاء، كما كان يفعل أهل أسبرطة قديمًا، وكما يُغالِي بعضُ الفلاسفة في التعصُّب للقوة حتى جعلوها فوق الحقِّ؛ لأنَّ كلاًّ منهما له أعمال تناسبه في الدُّنيا، فلا يُمكن أن يُستغنى بأحدهما عن الآخر، والإسلام مع تفضيله القويَّ على الضعيف يقِف بجانب الضَّعيف حتى يأخذ له حقَّه من القوِي، ولا ينكر ما له من حقٍّ في الحياة كما ترى بعضُ الفلسفات الخاطئة.
ألم ترَ إلى أبي بكرٍ رضي الله عنه وقت أن وَلِي الخلافةَ خطَب في الناس قائلاً: "يا أيها النَّاسُ، إني قد وُلِّيتُ عليكم ولستُ بخيركم؛ فإن ضعُفتُ فقوِّمُوني، وإن أحسنتُ فأعينُوني، الصِّدقُ أمانةٌ، والكذبُ خيانةٌ، الضَّعيفُ فيكم القويُّ عندي حتَّى أُزيح عليه حقَّه إن شاء الله، والقويُّ فيكُمُ الضعيفُ عندي حتى آخُذ منه الحقَّ إن شاء الله، لا يدعُ قومٌ الجهادَ في سبيل الله إلاَّ ضربهم الله بالفقر، ولا ظهرَت - أو قال: شاعَت - الفاحشةُ في قومٍ إلاَّ عمَّمهم البلاءُ، أطيعُوني ما أطعتُ اللهَ ورسولَه، فإذا عصيتُ الله ورسولَه، فلا طاعة لي عليكم، قُوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله"[2].
((المُؤمِن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المُؤمن الضَّعيف)): قوله صلى الله عليه وسلم: ((خيرٌ وأَحبُّ)) خبر المبتدأ، وقد تنازعا المجرورَين بعدهما، فأُعمل الثَّاني وأُضمر في الأول وحُذف، والتقدير: خير إلى الله منه، ولو أُعمِل الأول أُضمِر في الثاني، وكان التقدير: وأحب إليه منه.
((إِلى الله)): بمعنى عند الله، كقول الشاعر:
أم لا سبيل إلى الشبابِ وذكرهِ = أشهى إليَّ من الرَّحِيق السَّلسلِ
بمعني: أشهى عندي.
((احرِص على ما ينفعُك)): فصلَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم عمَّا قبله؛ لِما بينهما من كمال الانقطاع؛ لاختلافهما خبرًا وإنشاءً، لفظًا ومعنًى.
وهذه الجملة مرتبطةٌ بما قبلها، والمعنى: احرص بقوَّتك على ما ينفعك، وخُذ فيه ولا تتردَّد، وهذا يتضمَّن الحثَّ على استعمالِ القوَّة الجسمية والنفسية فيما ينفع، لا فيما يضر.
((واستعِن بالله ولا تَعجِز)): مرتبطةٌ بأوَّل الحديث أيضًا، ويُراد بها الحث على الاستعانةِ بالله عند الشعورِ بالعجز عن المضِيِّ فيما ينفع.
فيجب تَرْك اليَأْس والركون إلى العَجْز في هذه الحالة، وعليه أن يُجاهد بما يمكنه من قوَّة، مستعينًا بالله تعالى ليمده بقوَّة على قوته، ومن ثابَر وصل إلى ما يُريد، ومن يَئس وقف في أول الطريق.
((واستعِن بالله ولا تعجز)): موصولة بِما قبلها للتوسُّط بين الكمالين؛ لأنهما اتَّفقا في الإنشائيَّة، ووُجد الجامِع بينهما، وهو الاتِّفاق في المسند إليه.
((وإن أصابك شيءٌ)): للنَّهي عن العَجز عند الوقوع في مصيبةٍ من مصائب الدنيا، فيجب أنْ يتمسَّك الإنسان بقوَّته في المصيبة، ويعمل على التخلُّص منها بقوةٍ، فلا ييئس ويعتقد أنَّه فرَّط فيما أوقعه فيها، وأنَّ ما فاته من ذلك لا يُمكن تداركه؛ لأنَّها وقعَت بقدَرِ الله تعالى، وإن كان هناك تفريط فيمكن التخلُّص منها بقدرِ الله أيضًا، ولا يصح اليَأْس من التخلُّص منها، ولا ترك العمل على إزالتها.
((لو أنِّي فعلتُ كان كذا وكذا)): (لو) شرطيَّة، وشرطُها مَحذوف تقديره: لو ثبَت أنِّي فعلتُ كذا، "أن" وما بعدها في تأويل مصدر فاعل "ثبَت"، ((كان)) جواب الشرط تامَّة، ((كذا)) فاعلها مبنِي، ((كذا)) - الثانية - معطوف عليه.