Şøķåŕą
03-28-2023, 12:30 PM
توجيهات وتحقيقات في الأحاديث النبوية (11)
الحديث الحادي عشر
عن حذيفة، قال: "حدثنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حديثين، قد رأيتُ أحدهما وأنا أنتظرُ الآخر؛ حدَّثنا: ((أن الأمانة نزلت في جذر قُلُوب الرجال، ثم نزل القُرآنُ، فعلِموا من القرآن، وعلمُوا من السنَّة))، ثمَّ حدثنا عن رفع الأمانة قال: ((ينامُ الرجلُ النومة فتُقبَض الأمانة من قلبه، فيظل أثرُها مثل الوَكْت، ثمَّ ينامُ النومة فتُقبض الأمانةُ من قلبه، فيظل أثرُها مثل المَجْل كجمرٍ دحرجتَه على رِجلك فنفط، فتراه مُنتبرًا وليس فيه شيءٌ - ثمَّ أخذ حصًى فدحرجه على رجله - فيُصبح الناسُ يتبايعون لا يكادُ أحد يؤدِّي الأمانة حتى يقال: إنَّ في بني فلان رجُلاً أمينًا، حتى يقال للرجل: ما أجلدَه! ما أظْرَفَه! ما أعقلَه! وما في قلبه مثقالُ حبَّةٍ من خردلٍ من إيمانٍ))، ولقد أتى عليَّ زمانٌ وما أُبالي أيَّكم بايعتُ؛ لئن كان مُسلمًا ليردَّنَّه عليَّ دينُه، ولئن كان نصرانيًّا أو يهوديًّا ليرُدَّنَّه عليَّ ساعيه، وأما اليوم فما كنتُ لأُبايع منكم إلاَّ فُلانًا وفُلانًا"[1].
توجيهات وتحقيقات الحديث:
"وأنا أنتظرُ الآخَر": قدَّم الصحابيُّ الجليل حذيفةُ بن اليمان رضي الله عنه المسنَدَ إليه على الخبر الفعلي؛ لإفادته تقوية الحُكم، فيفيد أنَّه لا بُدَّ من حصول الآخَر أيضًا.
((حدَّثنا أنَّ الأمانة...)): فصلَها عمَّا قبلها؛ لأنَّه تفصيلٌ بعد إجمالٍ، فهو من باب الفصل لكمال الاتصال، ويجوز أن يكونَ لوقوعه جوابًا عن سؤالٍ مقدَّرٍ، كأن سائلاً قال له: فماذا حدَّثكم؟ فيكون من الفصل لشبه كمال الاتصال.
خصَّ الرجال بالذِّكر مع أنَّها نزلَت في جذر قلوب النساء أيضًا؛ وهذا من باب الاكتفاء بأحد الجنسين عن الآخر، فهو على حدِّ قوله تبارك وتعالى: ﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ ﴾ [النحل: 81]؛ أي: والبردَ.
ذكر قوله: ((ثمَّ نزل القرآن...)) بعد نزول الأمانة في جذر قلوبهم؛ ليفيد أنَّ الأمانة مع كونها فطريَّة في القلوب، لا بُدَّ لها من شريعةٍ تبيِّنها وتوضحها وتؤكِّدها، وتزيد فيها ما يخفى من تفاصيلها.
"ثمَّ حدَّثنا عن رفع الأمانة": هذا هو الحديث الثَّاني الذي ينتظره حذيفة رضي الله عنه، وهو رفع الأمانة أصلاً حتى لا يبقى إلاَّ النادر، وهذا لم يدركه حذيفة؛ بل كان ينتظره، ولا يُنافي هذا ما ذكره في آخر الحديثِ ممَّا يدل على أنَّه أدرك شيئًا قليلاً مِن رَفْع الأمانة جعله يحتاط في المعاملة، ولا يبايِع إلاَّ من يُعرف بالأمانة، وكان جميعهم قبل هذا أُمناء، فلم يكن يحتاط في معاملتهم.
((ينام الرَّجل النومةَ)): يجوز أن يكون النَّوم على حقيقته، والحقُّ أنه من باب الاستعارة؛ لأنَّه لا معنى لتقيِيد رَفْع الأمانة بحالة النَّوم، وإنما شبهَت الغفلةُ عن الطاعة بالنوم؛ بجامعِ عدم الشعور في كلٍّ منهما، ثمَّ استُعير النومُ للغفلة عن الطاعة واشتُق منه (ينام) بمعنى يغفل عن الطاعة.
أخذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حصًى قد دحرجه على رجله؛ ليمثِّل المعقول بما يدرِكه الحسُّ، وهذا من وسائل الإيضاح التي قرَّرها علمُ التربية الحديث!
((حتى يُقال)): "حتى" ابتدائيَّة بمعنى الفاء، ورواية البخاري: "فيُقال".
((ما أظرفه ما أعقله)): رواية البخاري: ((ما أعقله وما أظرفه وما أجلده)) فكلٌّ من الجملة الثانية والثالثة معطوف على الأولى بحَذْف حرف العطف.
وقد يُقال: فما يفيد بقاء الرجل الأمين في حال رفع الأمانة؟!
والجواب: أنَّ هذا يجعل حديث رفع الأمانة موافقًا لحديث: ((لا تزالُ طائفةٌ من أُمَّتي ظاهرين على الحقِّ، لا يضرُّهم من خذلهم، حتَّى يأتِيَ أمرُ الله وهم كذلك))[2]؛ ليكونوا شهداءَ على الناس، ولا ينقطع الأمل في عودة الأمانة إلى أصلِها، فيقوم من بَقِي محافظًا عليها بالدعوة إليها بينهم، ولا ييئس من إصلاحهم.
"ما أبالي أيَّكم بايَعْتُ": "ما" نافية، "أبالي" فعل مضارع وفاعله أنا، "أيكم" اسم استفهام مفعول مقدَّم، "بايعتُ" فعل وفاعل، وقد علق الاستفهام أبالي عن العمل لفظًا فيما بعدها، والتقدير: وما أبالي جواب هذا الاستفهام.
الحديث الحادي عشر
عن حذيفة، قال: "حدثنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حديثين، قد رأيتُ أحدهما وأنا أنتظرُ الآخر؛ حدَّثنا: ((أن الأمانة نزلت في جذر قُلُوب الرجال، ثم نزل القُرآنُ، فعلِموا من القرآن، وعلمُوا من السنَّة))، ثمَّ حدثنا عن رفع الأمانة قال: ((ينامُ الرجلُ النومة فتُقبَض الأمانة من قلبه، فيظل أثرُها مثل الوَكْت، ثمَّ ينامُ النومة فتُقبض الأمانةُ من قلبه، فيظل أثرُها مثل المَجْل كجمرٍ دحرجتَه على رِجلك فنفط، فتراه مُنتبرًا وليس فيه شيءٌ - ثمَّ أخذ حصًى فدحرجه على رجله - فيُصبح الناسُ يتبايعون لا يكادُ أحد يؤدِّي الأمانة حتى يقال: إنَّ في بني فلان رجُلاً أمينًا، حتى يقال للرجل: ما أجلدَه! ما أظْرَفَه! ما أعقلَه! وما في قلبه مثقالُ حبَّةٍ من خردلٍ من إيمانٍ))، ولقد أتى عليَّ زمانٌ وما أُبالي أيَّكم بايعتُ؛ لئن كان مُسلمًا ليردَّنَّه عليَّ دينُه، ولئن كان نصرانيًّا أو يهوديًّا ليرُدَّنَّه عليَّ ساعيه، وأما اليوم فما كنتُ لأُبايع منكم إلاَّ فُلانًا وفُلانًا"[1].
توجيهات وتحقيقات الحديث:
"وأنا أنتظرُ الآخَر": قدَّم الصحابيُّ الجليل حذيفةُ بن اليمان رضي الله عنه المسنَدَ إليه على الخبر الفعلي؛ لإفادته تقوية الحُكم، فيفيد أنَّه لا بُدَّ من حصول الآخَر أيضًا.
((حدَّثنا أنَّ الأمانة...)): فصلَها عمَّا قبلها؛ لأنَّه تفصيلٌ بعد إجمالٍ، فهو من باب الفصل لكمال الاتصال، ويجوز أن يكونَ لوقوعه جوابًا عن سؤالٍ مقدَّرٍ، كأن سائلاً قال له: فماذا حدَّثكم؟ فيكون من الفصل لشبه كمال الاتصال.
خصَّ الرجال بالذِّكر مع أنَّها نزلَت في جذر قلوب النساء أيضًا؛ وهذا من باب الاكتفاء بأحد الجنسين عن الآخر، فهو على حدِّ قوله تبارك وتعالى: ﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ ﴾ [النحل: 81]؛ أي: والبردَ.
ذكر قوله: ((ثمَّ نزل القرآن...)) بعد نزول الأمانة في جذر قلوبهم؛ ليفيد أنَّ الأمانة مع كونها فطريَّة في القلوب، لا بُدَّ لها من شريعةٍ تبيِّنها وتوضحها وتؤكِّدها، وتزيد فيها ما يخفى من تفاصيلها.
"ثمَّ حدَّثنا عن رفع الأمانة": هذا هو الحديث الثَّاني الذي ينتظره حذيفة رضي الله عنه، وهو رفع الأمانة أصلاً حتى لا يبقى إلاَّ النادر، وهذا لم يدركه حذيفة؛ بل كان ينتظره، ولا يُنافي هذا ما ذكره في آخر الحديثِ ممَّا يدل على أنَّه أدرك شيئًا قليلاً مِن رَفْع الأمانة جعله يحتاط في المعاملة، ولا يبايِع إلاَّ من يُعرف بالأمانة، وكان جميعهم قبل هذا أُمناء، فلم يكن يحتاط في معاملتهم.
((ينام الرَّجل النومةَ)): يجوز أن يكون النَّوم على حقيقته، والحقُّ أنه من باب الاستعارة؛ لأنَّه لا معنى لتقيِيد رَفْع الأمانة بحالة النَّوم، وإنما شبهَت الغفلةُ عن الطاعة بالنوم؛ بجامعِ عدم الشعور في كلٍّ منهما، ثمَّ استُعير النومُ للغفلة عن الطاعة واشتُق منه (ينام) بمعنى يغفل عن الطاعة.
أخذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حصًى قد دحرجه على رجله؛ ليمثِّل المعقول بما يدرِكه الحسُّ، وهذا من وسائل الإيضاح التي قرَّرها علمُ التربية الحديث!
((حتى يُقال)): "حتى" ابتدائيَّة بمعنى الفاء، ورواية البخاري: "فيُقال".
((ما أظرفه ما أعقله)): رواية البخاري: ((ما أعقله وما أظرفه وما أجلده)) فكلٌّ من الجملة الثانية والثالثة معطوف على الأولى بحَذْف حرف العطف.
وقد يُقال: فما يفيد بقاء الرجل الأمين في حال رفع الأمانة؟!
والجواب: أنَّ هذا يجعل حديث رفع الأمانة موافقًا لحديث: ((لا تزالُ طائفةٌ من أُمَّتي ظاهرين على الحقِّ، لا يضرُّهم من خذلهم، حتَّى يأتِيَ أمرُ الله وهم كذلك))[2]؛ ليكونوا شهداءَ على الناس، ولا ينقطع الأمل في عودة الأمانة إلى أصلِها، فيقوم من بَقِي محافظًا عليها بالدعوة إليها بينهم، ولا ييئس من إصلاحهم.
"ما أبالي أيَّكم بايَعْتُ": "ما" نافية، "أبالي" فعل مضارع وفاعله أنا، "أيكم" اسم استفهام مفعول مقدَّم، "بايعتُ" فعل وفاعل، وقد علق الاستفهام أبالي عن العمل لفظًا فيما بعدها، والتقدير: وما أبالي جواب هذا الاستفهام.