Şøķåŕą
03-28-2023, 12:28 PM
توجيهات وتحقيقات في الأحاديث النبوية (9)
الحديث التاسع
عن جابر بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنَّ هذا الدِّين مَتينٌ، فأوغِل فيه برفقٍ، ولا تُبغِّض إلى نفسِك عِبادة الله؛ فإن المُنبَتَّ لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى))[1].
توجيهات وتحقيقات الحديث:
((إنَّ هذا الدِّين مَتينٌ)): أكد النبي صلوات الله وسلامه عليه كلامَه لحال المخاطَب لأنه يُنكر أنَّ الدِّين متين أو يشكُّ في هذا، فيوغِل فيه حتى يحمِّل نفسَه ما لا يُطيق، وقد يكون غير منكرٍ لهذا ولا شاكٍّ فيه، ولكنه نزل منزلتهما، والله تعالى يقول: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 286]، وقال أيضًا: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7]، وقال جلَّ جلالُه: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78]، وقال سبحانه: ﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [المائدة: 6].
((الدِّينَ)): المراد به التكاليف الشرعيَّة، سواء في دين الإسلام أو غيره.
وقد ورَد في حديثٍ أنه صلوات الله وسلامه عليه قال: ((إنَّ خير دينكم أيسره، إنَّ خير دينكم أيسره))[2].
وقد ورد عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أنه قال: جاء ثلاثةُ رهطٍ إلى بُيُوت أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يَسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبِرُوا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحنُ من النبي صلى الله عليه وسلم؛ قد غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، قال أحدُهم: أما أنا فإني أُصلِّي الليلَ أبدًا، وقال آخرُ: أنا أصومُ الدَّهرَ ولا أُفطِر، وقال آخرُ: أنا أعتزل النساءَ فلا أتزوَّجُ أبدًا، فجاء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: ((أنتُم الذين قُلتُم كذا وكذا، أَمَا والله إنِّي لأخشاكُم لله وأتقاكُم له؛ لكني أصومُ وأُفطِر، وأُصلِّي وأرقُدُ، وأتزوَّجُ النساء، فمَن رَغب عن سُنَّتي فليس منِّي))[3].
وقد ذمَّ الله أهلَ الكتاب بسبب غلوِّهم؛ فقال تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ﴾ [المائدة: 77].
قال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر: الإسلام يُسْر بالنسبَةِ إلى الأديان قبلَه؛ لأن الله رفع عن هذه الأمَّة الإِصْرَ الذي كان على مَن قبلهم، ومِن أوضح الأمثلة: أنَّ توبة مَن كان قبلَنا كانت بقتلِهم أنفسهم، وتوبة هذه الأمَّة بالإقلاعِ، والعزم على عدم العودَة للذنب، والنَّدم[4].
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هَلَك المتنطِّعون))[5].
ويجوز أن يُراد بـ((الدِّين)) الإسلام؛ على أنَّ شدةَ تكاليفه بالنسبة إلى عدمها؛ لأن النَّفس تستثقلها مع يُسْرِها، وتميلُ إلى أنْ تسيرَ وفق هواها.
((فإنَّ)) الفاء للتعليل، وهي تعليلٌ لمحذوفٍ تقديرُه: فإنَّك لو أوغلتَ فيه بغير رفقٍ أهلكتَ نفسك وانقطعتَ.
((فإنَّ المنبَتَّ[6] لا أرضًا قطعَ، ولا ظهرًا أبقى))، أكَّده النبيُّ صلى الله عليه وسلم كما أكَّد أول كلامِه؛ لأنه مثله في الردِّ على ما ينكره المخاطب أو يشكُّ فيه.
((فإنَّ المنبَتَّ)): تقدير الكلام في هذا: فإنك إن أَوغلتَ فيه بغير رفقٍ أهلكتَ نفسك وانقطعتَ، فتكون كالمنبتِّ؛ لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى، وبهذا يكون تشبيهًا بليغًا؛ لحذف أداه التشبيه فيه، وهو تشبيهٌ تمثيلي ضمني، شبهت فيه هيئةُ المتشدِّد الذي يُضعِف نفسَه بالعبادة حتى ينقطع عنها بهيئة المنبتِّ في إضعافه دابَّته، وعدم وصوله إلى مبتغاه، والجامع: عدم إدراكِ المقصود فيهما.
((لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى)): قدَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم المفعولَ؛ للاهتمام بنفي الفعل عنه؛ لأنه هو المقصود مِن فعله، ولأنه لم يصِل إليه بسوءِ تدبيره.
وقد يُقال: إذا كان التشدُّد في الدِّين مذمومًا، فهل يُمدح التساهل فيه؟!
والجواب: أن الممدوح هو التوسُّط بين التشدُّد والتساهل؛ لأنَّ هذا هو السبيل الذي سلكه الإسلامُ في كلِّ تشريعاته، وبهذا جاء دينًا وسطًا؛ لا إفراط ولا تفريط، ولا تشديد ولا تساهل، إنه منهجٌ واقعي، وسَطِي، متوازن، هذا المنهج الواقعي الوسطي المتوازن، ينقلك إلى أعلى مراتب الإيمان.
ولهذا قال الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143].
وحثَّ على التوازُن في حياة المسلِم فقال تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [القصص: 77].
وقال جلَّ جلاله: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185].
الحديث التاسع
عن جابر بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنَّ هذا الدِّين مَتينٌ، فأوغِل فيه برفقٍ، ولا تُبغِّض إلى نفسِك عِبادة الله؛ فإن المُنبَتَّ لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى))[1].
توجيهات وتحقيقات الحديث:
((إنَّ هذا الدِّين مَتينٌ)): أكد النبي صلوات الله وسلامه عليه كلامَه لحال المخاطَب لأنه يُنكر أنَّ الدِّين متين أو يشكُّ في هذا، فيوغِل فيه حتى يحمِّل نفسَه ما لا يُطيق، وقد يكون غير منكرٍ لهذا ولا شاكٍّ فيه، ولكنه نزل منزلتهما، والله تعالى يقول: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 286]، وقال أيضًا: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7]، وقال جلَّ جلالُه: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78]، وقال سبحانه: ﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [المائدة: 6].
((الدِّينَ)): المراد به التكاليف الشرعيَّة، سواء في دين الإسلام أو غيره.
وقد ورَد في حديثٍ أنه صلوات الله وسلامه عليه قال: ((إنَّ خير دينكم أيسره، إنَّ خير دينكم أيسره))[2].
وقد ورد عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أنه قال: جاء ثلاثةُ رهطٍ إلى بُيُوت أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يَسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبِرُوا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحنُ من النبي صلى الله عليه وسلم؛ قد غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، قال أحدُهم: أما أنا فإني أُصلِّي الليلَ أبدًا، وقال آخرُ: أنا أصومُ الدَّهرَ ولا أُفطِر، وقال آخرُ: أنا أعتزل النساءَ فلا أتزوَّجُ أبدًا، فجاء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: ((أنتُم الذين قُلتُم كذا وكذا، أَمَا والله إنِّي لأخشاكُم لله وأتقاكُم له؛ لكني أصومُ وأُفطِر، وأُصلِّي وأرقُدُ، وأتزوَّجُ النساء، فمَن رَغب عن سُنَّتي فليس منِّي))[3].
وقد ذمَّ الله أهلَ الكتاب بسبب غلوِّهم؛ فقال تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ﴾ [المائدة: 77].
قال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر: الإسلام يُسْر بالنسبَةِ إلى الأديان قبلَه؛ لأن الله رفع عن هذه الأمَّة الإِصْرَ الذي كان على مَن قبلهم، ومِن أوضح الأمثلة: أنَّ توبة مَن كان قبلَنا كانت بقتلِهم أنفسهم، وتوبة هذه الأمَّة بالإقلاعِ، والعزم على عدم العودَة للذنب، والنَّدم[4].
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هَلَك المتنطِّعون))[5].
ويجوز أن يُراد بـ((الدِّين)) الإسلام؛ على أنَّ شدةَ تكاليفه بالنسبة إلى عدمها؛ لأن النَّفس تستثقلها مع يُسْرِها، وتميلُ إلى أنْ تسيرَ وفق هواها.
((فإنَّ)) الفاء للتعليل، وهي تعليلٌ لمحذوفٍ تقديرُه: فإنَّك لو أوغلتَ فيه بغير رفقٍ أهلكتَ نفسك وانقطعتَ.
((فإنَّ المنبَتَّ[6] لا أرضًا قطعَ، ولا ظهرًا أبقى))، أكَّده النبيُّ صلى الله عليه وسلم كما أكَّد أول كلامِه؛ لأنه مثله في الردِّ على ما ينكره المخاطب أو يشكُّ فيه.
((فإنَّ المنبَتَّ)): تقدير الكلام في هذا: فإنك إن أَوغلتَ فيه بغير رفقٍ أهلكتَ نفسك وانقطعتَ، فتكون كالمنبتِّ؛ لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى، وبهذا يكون تشبيهًا بليغًا؛ لحذف أداه التشبيه فيه، وهو تشبيهٌ تمثيلي ضمني، شبهت فيه هيئةُ المتشدِّد الذي يُضعِف نفسَه بالعبادة حتى ينقطع عنها بهيئة المنبتِّ في إضعافه دابَّته، وعدم وصوله إلى مبتغاه، والجامع: عدم إدراكِ المقصود فيهما.
((لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى)): قدَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم المفعولَ؛ للاهتمام بنفي الفعل عنه؛ لأنه هو المقصود مِن فعله، ولأنه لم يصِل إليه بسوءِ تدبيره.
وقد يُقال: إذا كان التشدُّد في الدِّين مذمومًا، فهل يُمدح التساهل فيه؟!
والجواب: أن الممدوح هو التوسُّط بين التشدُّد والتساهل؛ لأنَّ هذا هو السبيل الذي سلكه الإسلامُ في كلِّ تشريعاته، وبهذا جاء دينًا وسطًا؛ لا إفراط ولا تفريط، ولا تشديد ولا تساهل، إنه منهجٌ واقعي، وسَطِي، متوازن، هذا المنهج الواقعي الوسطي المتوازن، ينقلك إلى أعلى مراتب الإيمان.
ولهذا قال الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143].
وحثَّ على التوازُن في حياة المسلِم فقال تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [القصص: 77].
وقال جلَّ جلاله: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185].