تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مشهد واحد.. بعيون مختلفة


رحيل
02-11-2023, 03:17 PM
مشهد واحد.. بعيون مختلفة
منة حازم

ما زال من الشيء المحيِّر أن نستوعب كيف للموقف نفسه أن يحدث أمام اثنين بالقدر نفسه وبالظروف نفسها؛ فيتصرَّف أحدُهما بسلبية، والآخر بإيجابية! كيف لطفلين ترعرعا في الجو نفسه القاسي الأليم، فكبرا حتى صار أحدهما طبيبًا، والآخر سارقًا خلف الجدران؟! برغم أنه إن سألت: "ما الذي أوصلكما إلى هذا؟"، لقال كلاهما: "مررتُ بظروفٍ قاسية"! الظروف نفسها صنعت شابًّا ناجحًا مقاومًا، والآخر يائسًا مستسلمًا.

أتذكر مرةً قرأت في كتاب "ملهمون" لصالح بن محمد الخزيم قصةً حقيقيةً بعنوان: نظرة إيجابية، تقول: "قام رئيس إحدى شركات الأحذية بإرسال أحد البائعين لديه في مهمة تستغرق أسبوعين إلى إحدى الدول النامية؛ ليرى إن كانت هناك أي إمكانية لإقامة أعمال فيها، ركب البائع الطائرة، وجاب الدولة مدة أسبوعين، ثم عاد لرئيسه قائلًا: "أيها الرئيس، لا توجد لنا أي فرصة في هذه الدولة؛ إنهم لا يرتدون أية أحذية على الإطلاق"، كان الرئيس رجلَ أعمالٍ ذكيًّا، فقرَّر أن يرسل بائعًا آخر للمهمة نفسها في الدولة نفسها، فركب البائع الطائرة في رحلة مدتها أسبوعان، وعندما عاد، أسرع من المطار إلى شركته مباشرةً، ودخل إلى رئيسه بحماسٍ وقال: "أيها الرئيس، لدينا فرصة رائعة لبيع الأحذية في هذه الدولة، فلا يوجد أحد يرتديها بعد".

كيف لكل عقلٍ أن يقص صورة مختلفة من مشهد كامل ثابت لجميع الحاضرين، بحيث تتلاءم كل صورة قُصَّت مع شعور كلٍّ منهم، كي يكون دومًا الضحية، كي يصنع لروحه إطارًا من الألم والحزن والبكاء، المشهد نفسه قد يُسعِدُ أُناسًا، ويُدخِل أُناسًا آخرين في مصحَّاتٍ نفسية، ابتسامة واحدة قد تملأ حياتك بهجةً وسعادة وأملًا، وأخرى يُستدل منها على مكر وكذب ونفاق، لقد كان المشهد واحدًا، نحن مَنْ حدَّدْنا وقعه علينا، نحن من رسمنا الخطط، ووضعنا المبادئ، نحن من تأثَّرْنا وأثَّرْنا من خلال نظرتنا له، نحن من كوَّنَّا الضغائن، وبرَّرْنا الأخطاء، وزيَّفْنا الحقائق، نحن وليس سوانا.

أتذكرون تلك المرة التي أوقعنا فيها شيئًا ثمينًا، ونحن صغار، وكم المرات التي وُبِّخنا من أجل تلك الزهرية المكسورة أو اللبن المسكوب! أجرى أحد الصحفيين مقابلةً مع عالم وباحث شهير استطاع صنع العديد من الإنجازات الطبية المبهرة، وسأله عن السبب الذي جعله متميِّزًا عن غيره؟ لقد كانت إجابته يومها مثيرةً للعجب من وجهة نظرنا؛ بل وخارقة لما اعتدنا عليه من المشاهد اليومية التي نعاصرها، لقد أجاب بأن كل ذلك نابع من درس علمته له أمُّه عندما كان صغيرًا؛ حيث كان يحاول إخراج زجاجة لبن من الثلاجة؛ ولكن أفلتت يده الزجاجة، فانسكبت بالكامل على أرض المطبخ، وبدلًا من أن تُوبِّخه أمُّه قالت له: "يا لها من فوضى رائعة تلك التي صنَعْتَها! حسنًا يا بني لقد وقع الضرر بالفعل، لا تقلق بشأن هذا، هل تريد أن تلهو معي قليلًا بينما نقوم بتنظيف هذا اللبن المسكوب؟ إننا عندما نصنع فوضى كهذه يكون علينا تنظيفها في نهاية الأمر؛ لذا كيف تحب أن نفعل هذا؟ يمكننا استخدام فوطة، أو إسفنجة، أو ممسحة، أيهما تفضل؟ وبعد أن انتهوا من تنظيف اللبن المسكوب، قالت: "إن ما لدينا هنا هو تجربة فاشلة في حمل زجاجة كبيرة من اللبن بيدين صغيرتين، دعنا نخرج إلى الفناء الخلفي، ونملأ الزجاجة بالماء ونرى إن كان بمقدورك اكتشاف طريقة تحمل الزجاجة بها دون أن تُسقِطها".

لقد أدت "زجاجة اللبن المسكوب" إلى إنارة الطريق لهذا العالِم، وجعلت تلك التجربة العملية البسيطة حياته ناجحة، وأصبحت حياته مليئة بالنجاحات الطبية المدهشة التي استطاع تحقيقها بسبب تعلُّمِه من أخطائه.

وبشكل شخصي، ما جعلني أكتب تلك المقالة اليوم هو مشهد من بساطته كان من المفترض أن يمرُّ كما تمرُّ كُلُّ المشاهد اليومية؛ لكنه ظلَّ مُعلَّقًا بذاكرتي حتى الآن، رأيتُ مرةً عند سيري أُمًّا وابنَها يعبران الشارع، عبرت الأُمُّ مسرعةً، وصعدت سُلَّمًا ما، فاستند الطفل الصغير على سيارةٍ بجواره كي يستطيع صعود السلم، كانت السيارة مليئة بالأتربة، فاتَّسَخَتْ يداه، وعندما رأتْه أمُّه أخذت تُوبِّخه وتضربه في الشارع بغضب، وأخذ يبكي.

نحن نعشق أن نظهر بصورةٍ كاملة، تلك الرغبة في أن يكون كل شيء على ما يُرام، لا أن نجعله على ما يُرام، فنحن نحمل من الأعباء ما لا يستطيع أحد حملها، ولا نملك وقتًا لإصلاح تلك الثغرات! حتى وإن كان كل شيء على ما يُرام فنحن لسنا كذلك، دومًا الصورة ناقصة، دومًا نراها ناقصة.

كلنا نحمل الأعباء نفسها، لا تحاول أن تثبت لنفسك عكس هذا، أنا مثلك وأنت مثلي ونحن مثلهم، أعطى الله لكلٍّ منا أشياءَ ومنع عنا أخرى بالقدر نفسه، و﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، كما قال في كتابه الكريم.

لا تستحل لنفسك ظلم الآخرين بسبب شعورك بالظلم، ولا تجعل شخصًا يثير في نفسك الشفقة المفرطة تجاهه، قد تُحكى الحكاية بطريقتين؛ فتتعاطف مع إحداهما، وتضحك حامدًا الله على فضله من الأخرى، هي فقط نظرتنا للأمور التي تحدد ما ستؤول إليه حياتنا كلها فيما بعد.

كلما رأيت أحدًا يسخر من أحد، أو يتكبَّر على سائلٍ يسأله في مادةٍ علميةٍ أو عن وصفٍ لطريق أو عن سلعةٍ يبيعها يودُّ أن يعرف عنها معلومات أكثر، وعندما يتحدَّث شخص بسيط أمام شخص متعلم، كيف يضحك منه بمجرد رحيله، ويستنكر تفاهة أسئلته، ذلك أيضًا من ضمن الصور المقصوصة، ليس بُعد نظر؛ بل بُعْد بصيرة، لم يُفكِّر الساخر يومًا أن الله قد سخَّره لقضاء حوائج الناس دون باقي البشر، اختصه أن ينير دربًا بسيطًا لرجلٍ بسيط قد يكون عكازًا له في حياته القادمة، بتلك المعلومةِ البسيطة التي استهنت بها وأخرجتها له تكلفًا وعلى مضض، قد يمتن لك عمرًا بطوله وينفع الله بعلمك ليكون لك صدقةً جارية مهما مرت السنين، نعمة عظيمة نغفل عنها جميعًا، هي عدم تقديرنا لمن يسألنا ويرغب في التعلُّم منا، لقد اعتدنا على قص المشاهد إلى الحد الذي لم يجعلنا نستطيع الآن بأي شكلٍ كان أن ندرك حجم المشهد واتساعه وتشعُّبه، كل ما نراه ما ضيعناه من وقتٍ في أمرٍ تافه لا يستحق، أو في مدى سخافة من لا يعلم تلك المعلومة العادية الواضحة الظاهرة لكل العيان!

نستخف بكلمةٍ طيبة، بالشكر، بالامتنان، نستخف بالابتسامة، بـ"السلام عليكم"، بتفاصيل صغيرة علمها لنا ديننا ولم يعلمها لنا عبثًا؛ إنما هي مفتاح لحل كل الكروب، ولمسة حانية على أكتاف بعضنا البعض لنشعُر أن في ابتلاءاتنا عطايا من الله عز وجل لن ندرك حكمتها الآن.

ليس من السهل إقناع أحدهم أن يكف عن قص الصور في حياته ليبرز المآسي، من يقص لا يدرك أنه يقص، تذهب عيناه تلقائيًّا على النقوص، فيكبرها ويبلورها حتى تظهر الدنيا بجودة أقل من المعتاد، ويسعى البعض للتفكير في مغادرتها، والتخلص منها سعيًا إلى حياة نحو المجهول الذي بالطبع سيكون أفضل مما هم عليه!

الحياة هي الحياة، سنظل نمرُّ بكل المواقف التي كتبها الله لنا غيبًا، سنظل نسقط ونقوم حتى يأتينا الأجل، فلنجعل تلك اللحظات التي يُقدَّر لنا أن نعيشها هي أفضل ما يكون، فلننتظر دومًا الحكمة من كل شيء، لك ربٌّ إن استشعرت وجوده، وآمنت كل الإيمان بقدرته لمرَّت الأيام عليك خفيفة، لتعلمت كل يومٍ شيئًا جديدًا، ولأحببت شمس كل نهار جديد، وشكرت الله أن وهبك فرصةً لتجربةٍ جديدة.

мя Зάмояч
02-11-2023, 07:15 PM
جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك

إِيزآبَيل♡
02-12-2023, 06:13 AM
_









جَزاك الله جنّةٌ عَرضهَا السموَاتِ والأَرض
وَ لا حَرمك الأجر يَارب.

نور القمر
02-12-2023, 02:26 PM
سلمت يداك
طرح مميز ورائع
وأطروحاتك دائماً قيّمة
ثريه بالجمال والابداع
دمت برضا
تحياتي لك

نبضها مطيري
02-13-2023, 03:49 PM
جزاك الله كل خير

eyes beirut
02-13-2023, 04:20 PM
/

تسلم ايدك ع الطرح
يعتيك العافية

Şøķåŕą
02-13-2023, 04:29 PM
_



جزاك الله كل خير ..
وَبارك الله فيك ولا حرمك الأجر
لك من الشكر أجزله.

Şøķåŕą
02-13-2023, 04:29 PM
_



جزاك الله كل خير ..
وَبارك الله فيك ولا حرمك الأجر
لك من الشكر أجزله.

رحيل
02-14-2023, 09:56 AM
جزاك الله خير الجزاء
يعطيك العافية ع الطرح القيم
لروحك السعادة

بسمة فجر
02-14-2023, 05:54 PM
بارك الله فيك ع موضوعك القيم والمميز
وبانتظار جديدك القادم
ارق التحايا لك

غـُـلايےّ
02-15-2023, 10:41 AM
.

.



عَبِقَ نَرْجِسِيُّ يُسَطِّرُ بِعُذُوبَةِ
يُعَانِقُ السَّمَاءُ كَجَمَالِ الإنتقاء
سَلِمَت يُمنَاكم دُمْتُم وَدَام عطاؤكُم
شُكْرًا كَبِيرَة ولقلوبكم الْفَرَح . . https://a-al7b.com/vb/images/smilies/239.gif

نور القمر
02-15-2023, 04:48 PM
متصفح جميل وجهد مدهش
تباركت أناملك
وليُمنآك الجآلبه عُمق الشكر
ولـِ روحك أجل سلاماً

غـُـلايےّ
02-15-2023, 04:55 PM
.

.



عَبِقَ نَرْجِسِيُّ يُسَطِّرُ بِعُذُوبَةِ
يُعَانِقُ السَّمَاءُ كَجَمَالِ الإنتقاء
سَلِمَت يُمنَاكم دُمْتُم وَدَام عطاؤكُم
شُكْرًا كَبِيرَة ولقلوبكم الْفَرَح

إيلين
02-15-2023, 05:12 PM
_




:x1:








دائما متميز في طرحك للمواضيع
سلمت على روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا روعه مواضيعك
لكـ خالص احترامي



:em1:

Şøķåŕą
02-16-2023, 09:43 AM
_



جزاك الله كل خير ..
وَبارك الله فيك ولا حرمك الأجر
لك من الشكر أجزله.

غلا الشمال
02-16-2023, 04:39 PM
جزاك المولى الجنه
وكتب الله لك اجر هذه الحروف
كجبل احد حسنات
وجعله المولى شاهداً لك لا عليك
لاعدمنا روعتك
ولك احترامي وتقديري
كانت هنــــــــــــ غلا الشمال :44:

نور القمر
02-16-2023, 05:34 PM
طرح رآقي گ روحـگ
لآعدمنا جمآل ذآئقتگ
تحية صادقه من الاعماق
وبآنتظار جديد آبداعكگ دائمآ
ودي لگ

سمارا
02-21-2023, 11:15 PM
بارك الله فيك على الطرح القيم
جزاك ربك خير الجزاء
وجعله في ميزان حسناتك
دمت بحفظ الرحمن

سمأأأأأرا

Şøķåŕą
03-03-2023, 08:33 AM
_



جزاك الله كل خير ..
وَبارك الله فيك ولا حرمك الأجر
لك من الشكر أجزله.

روحي تبيك
03-06-2023, 05:39 PM
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الأجر يارب
وأنار الله قلبك بنورالإيمان
أحترآمي لــ/سموك

Şøķåŕą
03-06-2023, 10:01 PM
_



جزاك الله كل خير ..
وَبارك الله فيك ولا حرمك الأجر
لك من الشكر أجزله.

Şøķåŕą
06-10-2023, 01:49 PM
_



جزاك الله كل خير ..
وَبارك الله فيك ولا حرمك الأجر
لك من الشكر أجزله.

رزان
09-18-2023, 06:47 PM
سلمت الابادي
شكرا لك

رحيل
09-18-2023, 07:17 PM
اشرقت شمس
صفحتي بنوركم البهي
لاحرمني الله الطله الرائعه
كونوا دوم بالقرب
لروحكم السعاده

رحيل
09-18-2023, 07:19 PM
سكره
.
اشرقت شمس
صفحتي بنوركم البهي
لاحرمني الله الطله الرائعه
كونوا دوم بالقرب
لروحكم السعاده

رحيل
09-18-2023, 07:20 PM
رزان
.
اشرقت شمس
صفحتي بنوركم البهي
لاحرمني الله الطله الرائعه
كونوا دوم بالقرب
لروحكم السعاده

بنت العز
12-29-2023, 09:12 PM
سلمت الأيادي ..
ويعطيك العافية لـ جمال الآنتقاء

رحيل
01-02-2024, 10:54 AM
سرني جدا حضورك
واسعدني تواجدك
واطلالتك المشرقة
تعطر ركني
لروحك جنائن الياسمين
مع كل الود

كارا
06-01-2024, 01:02 PM
جَزآگ اللهُ خَيرَ آلجَزآءْ..،
جَعَلَ يومَگ نُوراً وَسُروراً
وَجَبآلاُ مِنِ آلحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحوراً..
جَعَلَهُا آلله في مُوآزيَنَ آعمآلَگ
دَآمَ لَنآعَطآئُگ..
دُمْتِ بــِطآعَة الله ..~
..:ღ:..

Şøķåŕą
06-01-2024, 01:35 PM
شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير