نور القمر
02-10-2023, 05:58 PM
الأميرة عصمة الدين بنت أنر زوجة رمزين من أعظم رموز الإسلام، تزوَّجت أولًا من نور الدين محمود عام 542هجرية، وظلَّت معه إلى وفاته (27 سنة)، وأنجبت له إسماعيل الملقَّب بالصالح إسماعيل، ومات عنها نور الدين عام 569 هجرية، فتزوَّجها صلاح الدين الأيوبي عام 572هـ، ولم تنجب له لأنها كانت تقريبًا في الخمسين عندما تزوَّجها، وكان هو 40 سنة، وكان يصدر كثيرًا عن رأيها، وماتت في حياته عام 581هـ، وحزن عليها بشدَّة، ومات في العام نفسه أخوها سعد الدين مسعود وكان من كبار قواد الجيش الأيوبي وزوج أخت صلاح الدين ربيعة خاتون، فكانت المصيبة مضاعفة على صلاح الدين خاصة أنه كان مريضًا مرضًا ظنَّ الناس أنه يموت فيه، لكن اللهَ سلَّم.
الأميرة عصمة الدين بنت أنر على الرغم من كونها أميرة على رأس دولة كبرى إلا أنها كانت مشغولة بقضية غفل عنها الكثير من المسلمين، وهي قضية قيام الليل!، فهي امرأة صالحة، ولعلَّها تأثرت بزوجها الأول نور الدين محمود المجاهد الرباني الصالح، كان أبوها معين الدين أنر الحاكم العسكري لدمشق، والمتصرِّف في أمورها على الرغم من وجود الأسرة البورية في الحكم، وكان على الرغم من حبِّه للعلماء، ونزعته الدينية، كثيرًا ما يوالي الصليبيين حمايةً لأملاكه، وأهمها دمشق، وقد تزوَّج نور الدين محمود من ابنته عصمة الدين زواجًا سياسيًّا عام 542هجرية بغية التحالف بين حلب ودمشق، ومات أنر عام 544ه، ولم يتمكَّن نور الدين من ضم دمشق إلا في عام 549 هجرية.
كانت الأميرة عصمة الدين من أعفِّ النِّساء وأكرمهن وأحزمهنَّ، ولها صدقاتٌ كثيرة، بَنَتْ بدمشق مدرسةً لأصحاب أبي حنيفة، وتعرف بمدرسة خاتون، وبنت للصُّوفية رِباطًا، وبنت تُرْبة بقاسيون على نهر يزيد، ودُفنت بها، ووقفت على هذه الأماكن أوقافًا كثيرة.
لها موقف شهير حيث أنها ذات ليلة نامت عن وردها، فأصبحت وهي غضبى، فسألها السلطان نور الدين عن سبب غضبها، فأخبرته بأمرها، فأمر عند ذلك بضرب طبلخانات في القلعة وقت السحر لتوقظ المستغفرين بالأسحار، وعيَّن لها موظفًا خاصًّا براتب ثابت (جامكيَّة)، وبقيت هذه العادة حتى نهاية عصر المماليك، أي حوالي350 سنة، وقد كان نور الدين نفسه من الذين اعتادوا قيام الليل.
قيام الليل:
روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَرْفَعُهُ، قَالَ: سُئِلَ: أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ؟ وَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فَقَالَ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، صِيَامُ شَهْرِ اللهِ الْمُحَرَّمِ»[1].
الحزن على فوات قيام الليل في ليلة، أو فوات الورد التقليدي للمرء، أمر يحتاج إلى وقفة منا، لأننا لا نصبح على الأغلب غضبانين كعصمة الدين بنت أنر إذا فاتنا قيام الليل!
هناك قائمة يومية تصعد إلى السماء يُسَجَّل فيها أسماء المسلمين بصورة دورية، وهي قائمة مكتوبة ومرتَّبة على أساس قيام الليل:
روى أبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ القَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ المُقَنْطِرِينَ»[2].
بناء على هذا الحديث يمكن تقسيم المسلمين إلى أربع طوائف:
1. غافلون عن القيام: لم يقوموا بقيام في هذه الليلة، ولا حتى بسورتين قصيرتين.
2. غير غافلين عن القيام: صلوا بعشر آيات أو أكثر إلى 99 آية.
3. قانتون: صلوا بمائة آية أو أكثر إلى 999 آية.
4. مقنطرون: صلوا بألف آية أو أكثر.
أعتقد أن إحدى مهام الشيطان الرئيسة هو دفع المسلم للخروج من القوائم الثلاثة الأخيرة، وإثباته في قائمة الغافلين، فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ»[3]، ولعلنا نلاحظ هنا أن قائم الليل يصبح نشيطًا، على عكس المتوقَّع لكونه نام قليلًا، وهذه من عجائب القيام! وتذكَّر أن من صفات المتقين والمحسنين قلَّة النوم بسبب القيام والاستغفار بالأسحار {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)} [الذاريات: 15 - 19].
ملاحظة مهمة في الموقف هي تشارك الزوجين في مسألة قيام الليل، وانشغال الواحد بهمِّ الآخر في هذه المسألة التعبديَّة:
روى أبو داود عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «إِذَا أَيْقَظَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّيَا، أَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا، كُتِبَا فِي الذَّاكِرِينَ وَالذَّاكِرَاتِ»[4].
رحم اللهُ عصمة الدين بنت أنر التي ذكَّرتنا بقيام الليل، وذكَّرت دمشق كلها، بل وذكَّرت المسلمين، هي وزوجها نور الدين، بالقيام لأكثر من ثلاثة قرون ونصف!
روى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الدَّالَّ عَلَى الخَيْرِ كَفَاعِلِهِ»[5].[6].
[1] مسلم: كتاب الصيام، باب فضل صوم المحرم، (1163).
[2] أبو داود: كتاب الصلاة، باب تحزيب القرآن (1398)، وقال الشيخ الألباني : صحيح.
[3] البخاري: أبواب التهجد، باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل (1091).
[4] أبو داود: كتاب الصلاة، باب قيام الليل (1309)، قال الشيخ الألباني: صحيح.
[5] الترمذي: أبواب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء الدال على الخير كفاعله (2670)، قال الشيخ الألباني: صحيح.
الأميرة عصمة الدين بنت أنر على الرغم من كونها أميرة على رأس دولة كبرى إلا أنها كانت مشغولة بقضية غفل عنها الكثير من المسلمين، وهي قضية قيام الليل!، فهي امرأة صالحة، ولعلَّها تأثرت بزوجها الأول نور الدين محمود المجاهد الرباني الصالح، كان أبوها معين الدين أنر الحاكم العسكري لدمشق، والمتصرِّف في أمورها على الرغم من وجود الأسرة البورية في الحكم، وكان على الرغم من حبِّه للعلماء، ونزعته الدينية، كثيرًا ما يوالي الصليبيين حمايةً لأملاكه، وأهمها دمشق، وقد تزوَّج نور الدين محمود من ابنته عصمة الدين زواجًا سياسيًّا عام 542هجرية بغية التحالف بين حلب ودمشق، ومات أنر عام 544ه، ولم يتمكَّن نور الدين من ضم دمشق إلا في عام 549 هجرية.
كانت الأميرة عصمة الدين من أعفِّ النِّساء وأكرمهن وأحزمهنَّ، ولها صدقاتٌ كثيرة، بَنَتْ بدمشق مدرسةً لأصحاب أبي حنيفة، وتعرف بمدرسة خاتون، وبنت للصُّوفية رِباطًا، وبنت تُرْبة بقاسيون على نهر يزيد، ودُفنت بها، ووقفت على هذه الأماكن أوقافًا كثيرة.
لها موقف شهير حيث أنها ذات ليلة نامت عن وردها، فأصبحت وهي غضبى، فسألها السلطان نور الدين عن سبب غضبها، فأخبرته بأمرها، فأمر عند ذلك بضرب طبلخانات في القلعة وقت السحر لتوقظ المستغفرين بالأسحار، وعيَّن لها موظفًا خاصًّا براتب ثابت (جامكيَّة)، وبقيت هذه العادة حتى نهاية عصر المماليك، أي حوالي350 سنة، وقد كان نور الدين نفسه من الذين اعتادوا قيام الليل.
قيام الليل:
روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَرْفَعُهُ، قَالَ: سُئِلَ: أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ؟ وَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فَقَالَ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، صِيَامُ شَهْرِ اللهِ الْمُحَرَّمِ»[1].
الحزن على فوات قيام الليل في ليلة، أو فوات الورد التقليدي للمرء، أمر يحتاج إلى وقفة منا، لأننا لا نصبح على الأغلب غضبانين كعصمة الدين بنت أنر إذا فاتنا قيام الليل!
هناك قائمة يومية تصعد إلى السماء يُسَجَّل فيها أسماء المسلمين بصورة دورية، وهي قائمة مكتوبة ومرتَّبة على أساس قيام الليل:
روى أبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ القَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ المُقَنْطِرِينَ»[2].
بناء على هذا الحديث يمكن تقسيم المسلمين إلى أربع طوائف:
1. غافلون عن القيام: لم يقوموا بقيام في هذه الليلة، ولا حتى بسورتين قصيرتين.
2. غير غافلين عن القيام: صلوا بعشر آيات أو أكثر إلى 99 آية.
3. قانتون: صلوا بمائة آية أو أكثر إلى 999 آية.
4. مقنطرون: صلوا بألف آية أو أكثر.
أعتقد أن إحدى مهام الشيطان الرئيسة هو دفع المسلم للخروج من القوائم الثلاثة الأخيرة، وإثباته في قائمة الغافلين، فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ»[3]، ولعلنا نلاحظ هنا أن قائم الليل يصبح نشيطًا، على عكس المتوقَّع لكونه نام قليلًا، وهذه من عجائب القيام! وتذكَّر أن من صفات المتقين والمحسنين قلَّة النوم بسبب القيام والاستغفار بالأسحار {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)} [الذاريات: 15 - 19].
ملاحظة مهمة في الموقف هي تشارك الزوجين في مسألة قيام الليل، وانشغال الواحد بهمِّ الآخر في هذه المسألة التعبديَّة:
روى أبو داود عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «إِذَا أَيْقَظَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّيَا، أَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا، كُتِبَا فِي الذَّاكِرِينَ وَالذَّاكِرَاتِ»[4].
رحم اللهُ عصمة الدين بنت أنر التي ذكَّرتنا بقيام الليل، وذكَّرت دمشق كلها، بل وذكَّرت المسلمين، هي وزوجها نور الدين، بالقيام لأكثر من ثلاثة قرون ونصف!
روى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الدَّالَّ عَلَى الخَيْرِ كَفَاعِلِهِ»[5].[6].
[1] مسلم: كتاب الصيام، باب فضل صوم المحرم، (1163).
[2] أبو داود: كتاب الصلاة، باب تحزيب القرآن (1398)، وقال الشيخ الألباني : صحيح.
[3] البخاري: أبواب التهجد، باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل (1091).
[4] أبو داود: كتاب الصلاة، باب قيام الليل (1309)، قال الشيخ الألباني: صحيح.
[5] الترمذي: أبواب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء الدال على الخير كفاعله (2670)، قال الشيخ الألباني: صحيح.