تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : عبرة في قصة (1) {ففهمناها سليمان}


إِيزآبَيل♡
01-08-2023, 06:43 AM
عبرة في قصة (1)

﴿ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ﴾


خرجت امرأتان معهما صبيان لهما، فعدا الذئب على إحداهما فأخذ ولدها، فاختصمتا في الصبي الباقي إلى داود عليه السلام، فقضى به للكبرى، قيل: لأنها هي التي كانت تحمله، وعجزت الأخرى عن إقامة البينة.

((فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السلام فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينهما))، لم يقصد سليمان عليه السلام حقيقة الشق، وإنما هو من قبيل التحايل للوصول إلى الحق.

فأما الكبرى، فلم تبالِ أن يموت الصبي كما مات ولدها الذي أكله الذئب، وفي إحدى روايات النسائي: ((قالت الكبرى: نعم، اقطعوه))[1].

وأما الصغرى فقالت: ((لا تفعل يرحمك الله، هو ابنها))، فقضى به للصغرى[2].

فهِم سليمان عليه السلام أن هذه المرأة هي الأم الحقيقية؛ لأنها اختارت أن يبقى ابنها على قيد الحياة، ولو كان عند غيرها على أن يُقتَل.

وهذا فيه اختيار أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما، فهذه الأم كانت بين أمرين؛ إما أن يُشَقَّ الولد ويُراق دمه، وإما أن تتنازل عنه، مع حبها له وحرصها عليه، فاختارت الأمر الثاني؛ إذ إن مصلحة بقائه حيًّا ولو عند غيرها أقل ضررًا من موته.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها"[3].

فمتى وُجد ضرران، لا بد من وقوعهما، ولا سبيل إلى دفعهما معًا، يُحتمل الضرر الأصغر؛ لدفع الضرر الأكبر.

وقال رحمه الله: "التعارض بين حسنتين لا يمكن الجمع بينهما، فتقدم أحسنهما بتفويت المرجوح كالواجب والمستحب، وكفرض العين وفرض الكفاية، مثل تقديم قضاء الدين المطالب به على صدقة التطوع، والتعارض بين سيئتين لا يمكن الخلو منهما فيُدفع أسوؤهما باحتمال أدناهما؛ كتقديم المرأة المهاجرة لسفر الهجرة بلا محرم على بقائها بدار الحرب)[4].

ومن أدلة اعتبار الموازنة بين المصالح والمفاسد:
أولًا: الأدلة من القرآن:
1- قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْ ﴾ [الأنعام: 108].

فنهى الله تعالى عن سبِّ آلهة المشركين، وإن كان فيه مصلحة، إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها، وهي مقابلة المشركين بسبِّ إله المؤمنين؛ وهو الله لا إله إلا هو.

2- قصة الخضر مع موسى لما خرق السفينة؛ ﴿ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ﴾ [الكهف: 79].

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في هذه الآية: "وأما من استدل به على جواز دفع أغلظ الضررين بأخفِّهما؛ فصحيح"[5].

ثانيًا: الأدلة من السنة:
3- إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكف عن قتل المنافقين مع كونه مصلحة، حتى ((لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه))[6].

4- قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: ((لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية، لأمرت بالبيت، فهُدم، فأدخلت فيه ما أُخرج منه، وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين: بابًا شرقيًّا، وبابًا غربيًّا، فبلغت به أساس إبراهيم))[7].

ثالثًا: من تطبيقات الصحابة رضي الله عنهم لهذه القاعدة:
5- ما فعله عبدالله بن حذافة السهمي رضي الله عنه لما عرض عليه ملك الروم أن يُقبِّل رأسه، ويخلي له مائة أسير، فقبَّل رأسه؛ ففي حديث أبي رافع: "فقال له الطاغية: هل لك أن تقبل رأسي، وأخلي عنك؟ فقال له عبدالله: وعن جميع الأسارى؟ قال: نعم، فقبَّل رأسه، وقدم بالأسارى على عمر، فأخبره خبره، فقال عمر: حقٌّ على كل مسلم أن يُقبِّل رأس ابن حذافة، وأنا أبدأ، فقبَّل رأسه"[8].

ومن تطبيقات هذه القاعدة في الفقه الإسلامي:
1- وجوب السكوت على المنكر، إذا كان يترتب على إنكاره ضرر أعظم منه؛ قال الإمام الشوكاني رحمه الله: "الداعي إلى الحق، والناهي عن الباطل إذا خَشِيَ أن يتسبب عن ذلك ما هو أشد منه من انتهاك حُرُمٍ، ومخالفة حقٍّ، ووقوع في باطل أشد، كان الترك أولى به، بل كان واجبًا عليه"[9].

2- طاعة الأمير الجائر إذا كان يترتب على الخروج عليه شرٌّ أعظم؛ قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: "فالصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه؛ لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف، وإراقة الدماء، وانطلاق أيدي الدَّهْمَاء، وتبييت الغارات على المسلمين، والفساد في الأرض، وهذا أعظم من الصبر على جَورِ الجائر"[10].

وهكذا قبِلتِ الأم الحقيقية أن تتنازل عن ولدها؛ ثمرة فؤادها، وفلذة كبدها، وأغلى ما تملك في حياتها، تتنازل عنه لأجل سلامته، تتنازل عن حقها في الولد؛ لأجل أن تحفظ حياته؛ لأنها تحبه، وكذلك الذي يحب دينه وبلده المسلم قد يتنازل عن حقه؛ لأجل سلامة بلد الإسلام من الفتن وحمايته من الضياع، أما الأم الكاذبة صاحبة الحب المزيف، فقد رضيت بشق الولد، حينما كاد أن يضيع من بين يديها، ومثلها الذين يحرضون على سفك الدماء، وحرق الأوطان، إذا ضاعت مصالحهم.

[1] أخرجه النسائي (5404) واللفظ له، وأحمد (8461).

[2] متفق عليه، صحيح البخاري، رقم: (6769)، وصحيح مسلم، رقم (1720).

[3] مجموع الفتاوى 20/ 54، 10/ 514.

[4] مجموع الفتاوى (49/ 20)، بتصرف.

[5] فتح الباري (8/ 422).

[6] البخاري (4905)، ومسلم (2584).

[7] صحيح البخاري (1586).

[8] تخريج سير أعلام النبلاء (1/ 14).

[9] كتاب استنباطات الشوكاني في تفسيره فتح القدير، ص: (305).

[10] الاستذكار، ج 5، ص 16.

غـُـلايےّ
01-08-2023, 12:52 PM
شكرا ولا تكفي لما يبذل من جهود راقية
وماننحرم من فيض عطائك وإبداعك
https://lyaly-alomr.com/vb/images/smilies/arabchathearts.gif تحياتي https://lyaly-alomr.com/vb/images/smilies/arabchathearts.gif

شيخة الزين
01-08-2023, 01:03 PM
الله يعطيك العافيه على الطرح القيم
سلمت يمينك بارك الله فيك

eyes beirut
01-08-2023, 03:25 PM
/

تسلم ايدك ع الطرح
يعتيك العافية

أفين
01-08-2023, 06:24 PM
سلمت يمينك على الطرح الرائع
لا حرمنا الله من جهودك الطيبه

نبضها مطيري
01-09-2023, 01:09 AM
جزاك الله كل خير

إِيزآبَيل♡
01-09-2023, 07:19 AM
شكرااا لهذا الاطراء العطر
والاعجاب محط تقديري واعتزازي
لكم ودي

Şøķåŕą
01-09-2023, 11:35 AM
_



جزاك الله كل خير ..
وَبارك الله فيك ولا حرمك الأجر
لك من الشكر أجزله.

اميرة الصمت
01-09-2023, 07:45 PM
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الأجر يارب
وأنار الله قلبك بنورالإيمان
أحترآمي لــ/سموك

نور القمر
01-09-2023, 08:40 PM
سلمت أناملك على طرحك القيم
وسلم ذوقكـ على حسن الانتـــــــقاااء
بـ إنتظآر جديدك وعذب أطرٌوحآتك
تحيتي وتقديري

إميلي.
01-10-2023, 03:04 AM
انتقاء بآذخ الجمآل ,
بِ إنتظآر المزيد من هذآ الفيض ,
لك من الشكر وافره,~

فرآشه ملآئكيه
01-10-2023, 09:08 AM
~`










انتقاءگ جميــل
يعطيگ العافيہ يارب , ع الموضوع ! دمت ودام ابداعگ
ودي

نور القمر
01-10-2023, 06:07 PM
‏يِعَطُيّك العإأآفِيـــةْ ..
‏عْطائكَ ممُـيزٌورائعَ
بَآقَآتْ مِنْ ألجُورِي
تُعطِر أنفَآسكْ..~~

نبضها مطيري
01-11-2023, 04:08 AM
جزاك الله خير

غـُـلايےّ
01-11-2023, 09:24 AM
سلمت آناملك ع الإنتقاء
دمت بسعاده بــحـجم السماء
لقلبك طوق آليآسمين

رحيل
01-13-2023, 11:03 AM
جزاك الله خير
وجعله في موازين حسناتك
وانارالله دربك بالايمان
ماننحرم من جديدك المميز
امنياتي لك بدوام التألق والابداع
دمـت بحفظ الله ورعايته

Şøķåŕą
01-20-2023, 11:45 PM
_



جزاك الله كل خير ..
وَبارك الله فيك ولا حرمك الأجر
لك من الشكر أجزله.

☆Šømă☆
01-22-2023, 11:25 AM
جزاكم الله خيرا وبارك
فيكم

شيخة رواية
01-24-2023, 03:13 AM
موضوع قمة الروعه والجمال
أسعدني جداً قراءته
الله يعطيك العافيه

Şøķåŕą
02-08-2023, 12:26 PM
_



جزاك الله كل خير ..
وَبارك الله فيك ولا حرمك الأجر
لك من الشكر أجزله.

روحي تبيك
02-14-2023, 08:27 PM
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الأجر يارب
وأنار الله قلبك بنورالإيمان
أحترآمي لــ/سموك

Şøķåŕą
03-07-2023, 08:37 AM
_



جزاك الله كل خير ..
وَبارك الله فيك ولا حرمك الأجر
لك من الشكر أجزله.

رزان
09-18-2023, 07:58 PM
سلمت الابادي
شكرا لك

Şøķåŕą
05-14-2024, 11:06 PM
شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

كارا
06-01-2024, 03:22 PM
جَزآگ اللهُ خَيرَ آلجَزآءْ..،
جَعَلَ يومَگ نُوراً وَسُروراً
وَجَبآلاُ مِنِ آلحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحوراً..
جَعَلَهُا آلله في مُوآزيَنَ آعمآلَگ
دَآمَ لَنآعَطآئُگ..
دُمْتِ بــِطآعَة الله ..~
..:ღ:..

Şøķåŕą
01-18-2025, 03:52 PM
شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير