Şøķåŕą
08-29-2022, 10:01 AM
الاعتدال بين الجد والمرح
بعضُ الناس يبالغون في الجدية إلى حد الإفراط، فتراهم في تعاملهم مع الآخرين كأنهم في ساحة حرب داحس والغبراء، أو معركة حامية الوطيس، شديدة البلاء، كثيرة النَّقْع والغبار، لا هوادة فيها ولا صلح.
يلتقي بك أحدهم عابسَ الوجه، مكفهرَّ القسمات، متذمِّر النفس، لا ترى أثرًا للانبساط عليه؛ فلا يبتسم، ولا يألف، ولا يجامل، ولا يضحك، بل يرى هذا النمط من التعامل نوعًا من الرجولة، بينما يعد المخالطة مع الناس أو الاستئناس بهم نوعًا من خوارم المروءة، أو تقليلًا من الهيبة والمكانة، أو نوعًا من أنواع النفاق.
يتعامل معك بجفاءٍ وبرود، وينظر إليك نظرة شكٍّ وارتياب في كل حركة وهمسة، ويوجه الكلام العادي إلى أبعد الاحتمالات التي لا تخطر على بال إبليس، وللناس فيما يعشقون مذاهب، والجنون فنون كما يُقال.
عمومًا إن مثل هذه النوعية من الأشخاص الذين يُطلق عليهم مصطلح "صعبي المراس" موجودون في كل مكان، وبالمقابل هناك أناس آخرون جعلوا المزاح والدعابة فاكهة المجالس، والضحك والتنكيت مهنة وحرفة، ومطيَّة للنَّيل من الآخرين والاستهزاء بهم، "وكلا طرفي قصد الأمور ذميم".
لكن الشخص الناجح يحاول التوازن بين الجد والمرح، ويعرف أن لكل مقام مقالًا، ويعمل بالمثل القائل: لا تكن لينًا فتُعصر، ولا قاسيًا فتُكسر، فالحياة تحتاج إلى شيء من المرح والمرونة والضحك والتفاعل مع الناس، ولكن في حدود الشرع والأدب والعرف المعتبر؛ وذلك للتغلب على مصاعب الحياة ومقاومة الاكتئاب، ومن باب أن البِشرَ والبشاشة والابتسامة وإدخال السرور إلى القلب من أحسن ما يُقدَّم للآخرين.
بشاشةُ وجه المرء خير من القِرى
فكيف بمن يأتي به وهو ضاحكُ
فعلًا البشاشة والابتسامة صمام أمان من القلق والتوتر، وهي أعز ما يُستقبل به الإنسان، ويُكرم به الضيف، والوجه البشوش شمس ثانية، وصفة من صفات الملوك والعظماء التي أشار إليها المتنبي بقوله: "ووجهك وضاح وثغرك باسم"؛ حيث يصف سيف الدولة في حالة الحرب، وهو واقف بكل شجاعة وبسالة، ولا تفارق البشاشة مُحيَّاه ووجهه، أو كما يقول زهير في هرِم بن سنان:
تراه إذا ما جئته متهللًا
كأنك تعطيه الذي أنت سائلُه
إذًا؛ فالتسلح بروح المرح جانبُ إيجابي ومُشرق في الحياة، إذا ما رُوعي فيه الأدب والوقار واحترام الآخرين، وعدم السخرية أو النَّيل منهم أو تجاوز حدود الشرع والذوق العام.
شمعة أخيرة:
يقول الشيخ عبدالفتاح أبو غدة رحمه الله: "ولست أريد من المحافظة على الزمن أن تكون الحياة كلها جدًّا ودأبًا، لا راحة فيها ولا مرح، وأن تكون عابسة لا ضحك فيها ولا بِشْرَ، وإنما أريد أن لا تكون أوقات الفراغ طاغية على أوقات العمل، وألَّا تكون أوقات الفراغ هي صميم الحياة وأوقات العمل على حاشيتها وصرفها"؛ [قيمة الزمن، ص: 120].
بعضُ الناس يبالغون في الجدية إلى حد الإفراط، فتراهم في تعاملهم مع الآخرين كأنهم في ساحة حرب داحس والغبراء، أو معركة حامية الوطيس، شديدة البلاء، كثيرة النَّقْع والغبار، لا هوادة فيها ولا صلح.
يلتقي بك أحدهم عابسَ الوجه، مكفهرَّ القسمات، متذمِّر النفس، لا ترى أثرًا للانبساط عليه؛ فلا يبتسم، ولا يألف، ولا يجامل، ولا يضحك، بل يرى هذا النمط من التعامل نوعًا من الرجولة، بينما يعد المخالطة مع الناس أو الاستئناس بهم نوعًا من خوارم المروءة، أو تقليلًا من الهيبة والمكانة، أو نوعًا من أنواع النفاق.
يتعامل معك بجفاءٍ وبرود، وينظر إليك نظرة شكٍّ وارتياب في كل حركة وهمسة، ويوجه الكلام العادي إلى أبعد الاحتمالات التي لا تخطر على بال إبليس، وللناس فيما يعشقون مذاهب، والجنون فنون كما يُقال.
عمومًا إن مثل هذه النوعية من الأشخاص الذين يُطلق عليهم مصطلح "صعبي المراس" موجودون في كل مكان، وبالمقابل هناك أناس آخرون جعلوا المزاح والدعابة فاكهة المجالس، والضحك والتنكيت مهنة وحرفة، ومطيَّة للنَّيل من الآخرين والاستهزاء بهم، "وكلا طرفي قصد الأمور ذميم".
لكن الشخص الناجح يحاول التوازن بين الجد والمرح، ويعرف أن لكل مقام مقالًا، ويعمل بالمثل القائل: لا تكن لينًا فتُعصر، ولا قاسيًا فتُكسر، فالحياة تحتاج إلى شيء من المرح والمرونة والضحك والتفاعل مع الناس، ولكن في حدود الشرع والأدب والعرف المعتبر؛ وذلك للتغلب على مصاعب الحياة ومقاومة الاكتئاب، ومن باب أن البِشرَ والبشاشة والابتسامة وإدخال السرور إلى القلب من أحسن ما يُقدَّم للآخرين.
بشاشةُ وجه المرء خير من القِرى
فكيف بمن يأتي به وهو ضاحكُ
فعلًا البشاشة والابتسامة صمام أمان من القلق والتوتر، وهي أعز ما يُستقبل به الإنسان، ويُكرم به الضيف، والوجه البشوش شمس ثانية، وصفة من صفات الملوك والعظماء التي أشار إليها المتنبي بقوله: "ووجهك وضاح وثغرك باسم"؛ حيث يصف سيف الدولة في حالة الحرب، وهو واقف بكل شجاعة وبسالة، ولا تفارق البشاشة مُحيَّاه ووجهه، أو كما يقول زهير في هرِم بن سنان:
تراه إذا ما جئته متهللًا
كأنك تعطيه الذي أنت سائلُه
إذًا؛ فالتسلح بروح المرح جانبُ إيجابي ومُشرق في الحياة، إذا ما رُوعي فيه الأدب والوقار واحترام الآخرين، وعدم السخرية أو النَّيل منهم أو تجاوز حدود الشرع والذوق العام.
شمعة أخيرة:
يقول الشيخ عبدالفتاح أبو غدة رحمه الله: "ولست أريد من المحافظة على الزمن أن تكون الحياة كلها جدًّا ودأبًا، لا راحة فيها ولا مرح، وأن تكون عابسة لا ضحك فيها ولا بِشْرَ، وإنما أريد أن لا تكون أوقات الفراغ طاغية على أوقات العمل، وألَّا تكون أوقات الفراغ هي صميم الحياة وأوقات العمل على حاشيتها وصرفها"؛ [قيمة الزمن، ص: 120].