قــهـوه مـــره
08-16-2022, 02:01 PM
"العند يورث الكفر".. مقولة نسمعها كثيرة حينما نصادف أقواما تصد أمثالهم وتسفر وجوههم، بدعوى أنهم من العصاة والمذنبين، وربما اتهمه بأنه أمواله من الحرام ويأكل حراما ويعيش في الحرام، فلا يكن أمام هذا العاصي الذي صددته إلا مزيد من العناد، لطالما قمت بوضعه في نار جهنم، وأغلقت في وجهه باب التوبة والغفران، وطردته من رحمة الله بفظاظة وجهك ناحيته، فماذا عساه أن يفعل بعد أن نازعت ربه في ملكه وعباده، واستأثرت بداء الكبر عندك، لتعلن عن ملكيتك لمفاتيح الجنة والنار.
وقد تناول القرآن هذه القضية الخطيرة التي يتوقف عليها مستقبل الأمم، في ظل نزاع البشر مع رب البشر في حكمته من قبول توبة هذا وهداية ذاك، فقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً(النساء:64).
ودل الله عز وجل على المنهج في دعوة العصاة والمذنبين، فوضع نقاطا محددة لهذا المنهج الرباني في التعامل مع الغير
من العصاة والمذنبين، بقول لا لبث فيه وحكم منزل لا راد له، بقوله تعالى : "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)(آل عمران:159)".
بل أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما جاءه شاب يطلب منه الإذن له بالفحشاء وارتكاب كبيرة الزنا، ضرب النبي المثل في استيعاب هذا العاصي وتعليمه واحتوائه للحد الذي يجعلك تهجر هذه المعصية تماما.
فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: "إِنَّ فَتًى شَابّاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ، قَالُوا: مَهْ مَهْ، فَقَالَ: ((ادْنُهْ))، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيباً، قال: فَجَلَسَ، قَالَ: ((أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟))، قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ))، قَالَ: ((أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟))، قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ))، قَالَ: ((أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ))، قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ)) قَالَ: ((أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ)) قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ))، قَالَ: ((أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ))، قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ))، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ))، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ".
وعن أبي هريرة قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت.
قال: «مالك؟»
قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تجد رقبة تعتقها؟»
قال: لا .
قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟»
قال: لا.
قال: «هل تجد إطعام ستين مسكينا؟»
قال: لا.
قال: «اجلس».
ومكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر- والعرق المكتل الضخم- قال: «أين السائل؟»
قال: أنا.
قال: «خذ هذا فتصدق به» .
فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي!
فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: «أطعمه أهلك».
فتسامح النبي صلى الله عليه وسلم مع العصاة والمذنبين ربما لا يستوعبها الكثير منا، وخاصة من المتدينين والمتلزمين، خاصة وأنها لم تكن من الصغائر التي قال فيها ربنا : {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم: 32]، ولكنها كانت من الكبائر في قصة الشاب الذي طلب من النبي أن يأذن له بالزنا.
فانظر إليه صلى الله عليه وسلم، لم يأمره باجتناب مجلسه الطاهر، فهو يعلم صلى الله عليه وسلم أنه من أجل هؤلاء بُعث، ومهمته أصلا مع الذين يهلكون أنفسهم، يجرهم من الهلكة إلى النجاة، ومن النار إلى الجنة.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها» .
فالبعض حينما تعرض عليه المعصية قد يصل به الحال إلى نهر غيره، وتكفيره،
فالبعض حينما تعرض عليه المعصية قد يصل به الحال إلى نهر غيره، وتكفيره،
بالرغم من أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يُبد انزعاجا ولا انقباضا ولا تجهما في وجه الرجل؛ لأنه يعلم أن الإنسان خلق ضعيفا، وأن الخطأ من سمات البشر، وأن إصلاح الخطأ من سمات الصالحين، هكذا ينظر النبي صلى الله عليه وسلم إليه أنه جاءه ليُصلح خطأه، إنه يعلم أنه ما ألجأه إليه إلا بقايا إيمان في ضميره، أفسدت عليه لذة المعصية، وأيقظت في جوانبه النفس اللوامة، فجاء يلوم نفسه ويخاصمها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تخاصمه هي بين يدي الله سبحانه يوم القيامة.
لم يوجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرجل كلمة عتاب واحدة؛ ليس لأن معصيته صغيرة، ولكن؛ لأن الرجل أفاق وندم، فعلام التوبيخ إذن، وقد قام الرجل بتوبيخ نفسه بما يكفي، وجاء مسلمًا إياها للنبي صلى الله عليه وسلم يفعل فيها ما يشاء، المهم أن يصلحها ويحط عنها آثامها، فلا حاجة إذن لجلد نفسية الرجل، فلتبدأ إجراءات الإصلاح فورا.
إن أفضلنا يعد نفسه من أولي العزم في الدعوة لو أنفق جزءًا من وقته ليستمع حكاية السائل وشكوا
ه، لكن النبي صلى الله عليه وسلم يسعى إلى الحل وكأن المشكلة مشكلته هو صلى الله عليه وسلم!.
فلمَّا يحضر التمر، يعطيه إياه النبي صلى الله عليه وسلم ليكفِّر به عن خطيئته، فيستمر الرجل في إدهاشه: وهل هناك من هو أفقر منا لنتصدق عليه! فيقره النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يدفعه إليه دفع الكاره المغضَب، بل يعطيه إياه عطاء المحب المشفق، وهو يضحك صلى الله عليه وسلم.
وعن أنس قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدا فأقمه علي، قال : ولم يسأله عنه، وحضرت الصلاة فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، قام إليه الرجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حدا فأقم فيَّ كتاب الله.
قال: أليس قد صليت معنا؟ قال: نعم، قال: فإن الله قد غفر لك ذنبك، أو قال: حدك “، فلم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن طبيعة الذنب وتفاصيله ، بل انتقل من الذنب إلى العلاج، دون أن يقف مع طبيعة الذنب منعا لإحراجه، وسترا عليه.
والفارق بين هذا الرجل والرجل الأول، حيث سأل الأول : فقال له : «مالك؟»؛ أن الأول وصف معصيته بأنها مهلكة، فكأنه صلى الله عليه وسلم خشي أن يكون الرجل ممن يبالغ فيعتقد هلاك نفسه في أمر غير مهلك فسأله من أجل ذلك، كما سأل الغامدية لعلها تكون هوَلت، فقال لها : لعلك ولعلك. أما هذا الرجل فيبدو أنه لا يبالغ ولا يهون ولا يهوِّل.
فوقف النبي صلى الله عليه وسلم على نفوس نادمة باحثة عن سبل الخلاص من تبعات الإثم مهما كلفها ذلك من تضحيات، وبإزاء ذلك رب عفو كريم يحب العفو، ويريد أن يتوب على عباده، ويريد أن يخفف عنهم {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا } [النساء: 27، 28]
فلما رأى صلى الله عليه وسلم هذا من العبد، وأيقن ذلك من الرب، تخلَّق بخلق القرآن، فلم يكن يفرح بعقوبة مخطئ، ولا يتتبع خطأ عاصٍ، بل جُلُّ رجائه : عفو قادم، وتخفيف نازل، وستر باق؛ ولِمَ له وقد وصفته عائشة رضي الله عنها بأنه كان خلقه القرآن.
وقد تناول القرآن هذه القضية الخطيرة التي يتوقف عليها مستقبل الأمم، في ظل نزاع البشر مع رب البشر في حكمته من قبول توبة هذا وهداية ذاك، فقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً(النساء:64).
ودل الله عز وجل على المنهج في دعوة العصاة والمذنبين، فوضع نقاطا محددة لهذا المنهج الرباني في التعامل مع الغير
من العصاة والمذنبين، بقول لا لبث فيه وحكم منزل لا راد له، بقوله تعالى : "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)(آل عمران:159)".
بل أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما جاءه شاب يطلب منه الإذن له بالفحشاء وارتكاب كبيرة الزنا، ضرب النبي المثل في استيعاب هذا العاصي وتعليمه واحتوائه للحد الذي يجعلك تهجر هذه المعصية تماما.
فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: "إِنَّ فَتًى شَابّاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ، قَالُوا: مَهْ مَهْ، فَقَالَ: ((ادْنُهْ))، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيباً، قال: فَجَلَسَ، قَالَ: ((أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟))، قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ))، قَالَ: ((أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟))، قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ))، قَالَ: ((أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ))، قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ)) قَالَ: ((أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ)) قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ))، قَالَ: ((أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ))، قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ))، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ))، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ".
وعن أبي هريرة قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت.
قال: «مالك؟»
قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تجد رقبة تعتقها؟»
قال: لا .
قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟»
قال: لا.
قال: «هل تجد إطعام ستين مسكينا؟»
قال: لا.
قال: «اجلس».
ومكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر- والعرق المكتل الضخم- قال: «أين السائل؟»
قال: أنا.
قال: «خذ هذا فتصدق به» .
فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي!
فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: «أطعمه أهلك».
فتسامح النبي صلى الله عليه وسلم مع العصاة والمذنبين ربما لا يستوعبها الكثير منا، وخاصة من المتدينين والمتلزمين، خاصة وأنها لم تكن من الصغائر التي قال فيها ربنا : {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم: 32]، ولكنها كانت من الكبائر في قصة الشاب الذي طلب من النبي أن يأذن له بالزنا.
فانظر إليه صلى الله عليه وسلم، لم يأمره باجتناب مجلسه الطاهر، فهو يعلم صلى الله عليه وسلم أنه من أجل هؤلاء بُعث، ومهمته أصلا مع الذين يهلكون أنفسهم، يجرهم من الهلكة إلى النجاة، ومن النار إلى الجنة.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها» .
فالبعض حينما تعرض عليه المعصية قد يصل به الحال إلى نهر غيره، وتكفيره،
فالبعض حينما تعرض عليه المعصية قد يصل به الحال إلى نهر غيره، وتكفيره،
بالرغم من أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يُبد انزعاجا ولا انقباضا ولا تجهما في وجه الرجل؛ لأنه يعلم أن الإنسان خلق ضعيفا، وأن الخطأ من سمات البشر، وأن إصلاح الخطأ من سمات الصالحين، هكذا ينظر النبي صلى الله عليه وسلم إليه أنه جاءه ليُصلح خطأه، إنه يعلم أنه ما ألجأه إليه إلا بقايا إيمان في ضميره، أفسدت عليه لذة المعصية، وأيقظت في جوانبه النفس اللوامة، فجاء يلوم نفسه ويخاصمها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تخاصمه هي بين يدي الله سبحانه يوم القيامة.
لم يوجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرجل كلمة عتاب واحدة؛ ليس لأن معصيته صغيرة، ولكن؛ لأن الرجل أفاق وندم، فعلام التوبيخ إذن، وقد قام الرجل بتوبيخ نفسه بما يكفي، وجاء مسلمًا إياها للنبي صلى الله عليه وسلم يفعل فيها ما يشاء، المهم أن يصلحها ويحط عنها آثامها، فلا حاجة إذن لجلد نفسية الرجل، فلتبدأ إجراءات الإصلاح فورا.
إن أفضلنا يعد نفسه من أولي العزم في الدعوة لو أنفق جزءًا من وقته ليستمع حكاية السائل وشكوا
ه، لكن النبي صلى الله عليه وسلم يسعى إلى الحل وكأن المشكلة مشكلته هو صلى الله عليه وسلم!.
فلمَّا يحضر التمر، يعطيه إياه النبي صلى الله عليه وسلم ليكفِّر به عن خطيئته، فيستمر الرجل في إدهاشه: وهل هناك من هو أفقر منا لنتصدق عليه! فيقره النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يدفعه إليه دفع الكاره المغضَب، بل يعطيه إياه عطاء المحب المشفق، وهو يضحك صلى الله عليه وسلم.
وعن أنس قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدا فأقمه علي، قال : ولم يسأله عنه، وحضرت الصلاة فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، قام إليه الرجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حدا فأقم فيَّ كتاب الله.
قال: أليس قد صليت معنا؟ قال: نعم، قال: فإن الله قد غفر لك ذنبك، أو قال: حدك “، فلم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن طبيعة الذنب وتفاصيله ، بل انتقل من الذنب إلى العلاج، دون أن يقف مع طبيعة الذنب منعا لإحراجه، وسترا عليه.
والفارق بين هذا الرجل والرجل الأول، حيث سأل الأول : فقال له : «مالك؟»؛ أن الأول وصف معصيته بأنها مهلكة، فكأنه صلى الله عليه وسلم خشي أن يكون الرجل ممن يبالغ فيعتقد هلاك نفسه في أمر غير مهلك فسأله من أجل ذلك، كما سأل الغامدية لعلها تكون هوَلت، فقال لها : لعلك ولعلك. أما هذا الرجل فيبدو أنه لا يبالغ ولا يهون ولا يهوِّل.
فوقف النبي صلى الله عليه وسلم على نفوس نادمة باحثة عن سبل الخلاص من تبعات الإثم مهما كلفها ذلك من تضحيات، وبإزاء ذلك رب عفو كريم يحب العفو، ويريد أن يتوب على عباده، ويريد أن يخفف عنهم {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا } [النساء: 27، 28]
فلما رأى صلى الله عليه وسلم هذا من العبد، وأيقن ذلك من الرب، تخلَّق بخلق القرآن، فلم يكن يفرح بعقوبة مخطئ، ولا يتتبع خطأ عاصٍ، بل جُلُّ رجائه : عفو قادم، وتخفيف نازل، وستر باق؛ ولِمَ له وقد وصفته عائشة رضي الله عنها بأنه كان خلقه القرآن.