رحيل
08-08-2022, 08:55 PM
قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}
الْمُرَادُ بِهِ أَمْنُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ مِنْ الْكُفْرِ عِنْدَ عَرْضِ الْأَدْيَانِ؟ أَمْ الْمُرَادُ بِهِ إذَا أَحْدَثَ حَدَثًا لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ مَا دَامَ فِي الْحَرَمِ؟.
فَأَجَابَ:
التَّفْسِيرُ الْمَعْرُوفُ فِي أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَرَمَ بَلَدًا آمِنًا قَدْرًا وَشَرْعًا فَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَسْفِكُ بَعْضُهُمْ دِمَاءَ بَعْضٍ خَارِجَ الْحَرَمِ فَإِذَا دَخَلُوا الْحَرَمَ أَوْ لَقِيَ الرَّجُلُ قَاتِلَ أَبِيهِ لَمْ يَهْجُرُوا حُرْمَتَهُ فَفِي الْإِسْلَامِ كَذَلِكَ وَأَشَدُّ. لَكِنْ لَوْ أَصَابَ الرَّجُلُ حَدًّا خَارِجَ الْحَرَمِ ثُمَّ لَجَأَ إلَيْهِ فَهَلْ يَكُونُ آمِنًا لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِيهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نِزَاعٌ. وَأَكْثَرُ السَّلَفِ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ آمِنًا كَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْإِمَامِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمَا. وَقَدْ اسْتَدَلُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ وَبِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدِ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدِ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا}.
فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُولُوا: إنَّمَا أَحَلَّهَا اللَّهُ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يُحِلَّهَا لَك. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّسُولَ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ فِيهَا دَمُ مَنْ كَانَ مُبَاحًا فِي الْحِلِّ وَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ أُبِيحَ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ {وَمَنْ دَخَلَهُ} الْحَرَمُ كُلُّهُ. وَأَمَّا عَرْضُ الْأَدْيَانِ وَقْتَ الْمَوْتِ فَيُبْتَلَى بِهِ بَعْضُ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ وَمَنْ لَمْ يَحُجَّ خِيفَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ {مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ ثُمَّ لَمْ يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إنْ شَاءَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا} وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(فصل)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
وأما قوله تعالى {ومن دخله كان آمنا} فهذا من باب البيت. كما قال تعالى: {أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم} وقال تعالى: {فليعبدوا رب هذا البيت} {الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} وقال تعالى: {أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء} فكانوا في الجاهلية يقتل بعضهم بعضا خارج الحرم فإذا دخلوا الحرم أو لقي الرجل قاتل أبيه لم يهجه وكان هذا من الآيات التي جعلها الله فيه كما قال: {فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا} والإسلام زاد حرمته. فمذهب أكثر الفقهاء أن من أصاب حدا خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم لم يقم عليه الحد حتى يخرج منه كما قال ابن عمر وابن عباس.
وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وغيرهما؛ لما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرا وأنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار ثم قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس}.
ومن ظن أن من دخل الحرم كان آمنا من عذاب الآخرة مع ترك الفرائض من الصلاة وغيرها ومع ارتكاب المحارم فقد خالف إجماع المسلمين فقد دخل البيت من الكفار والمنافقين والفاسقين من هو من أهل النار بإجماع المسلمين. والله أعلم.
الْمُرَادُ بِهِ أَمْنُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ مِنْ الْكُفْرِ عِنْدَ عَرْضِ الْأَدْيَانِ؟ أَمْ الْمُرَادُ بِهِ إذَا أَحْدَثَ حَدَثًا لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ مَا دَامَ فِي الْحَرَمِ؟.
فَأَجَابَ:
التَّفْسِيرُ الْمَعْرُوفُ فِي أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَرَمَ بَلَدًا آمِنًا قَدْرًا وَشَرْعًا فَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَسْفِكُ بَعْضُهُمْ دِمَاءَ بَعْضٍ خَارِجَ الْحَرَمِ فَإِذَا دَخَلُوا الْحَرَمَ أَوْ لَقِيَ الرَّجُلُ قَاتِلَ أَبِيهِ لَمْ يَهْجُرُوا حُرْمَتَهُ فَفِي الْإِسْلَامِ كَذَلِكَ وَأَشَدُّ. لَكِنْ لَوْ أَصَابَ الرَّجُلُ حَدًّا خَارِجَ الْحَرَمِ ثُمَّ لَجَأَ إلَيْهِ فَهَلْ يَكُونُ آمِنًا لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِيهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نِزَاعٌ. وَأَكْثَرُ السَّلَفِ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ آمِنًا كَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْإِمَامِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمَا. وَقَدْ اسْتَدَلُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ وَبِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدِ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدِ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا}.
فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُولُوا: إنَّمَا أَحَلَّهَا اللَّهُ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يُحِلَّهَا لَك. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّسُولَ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ فِيهَا دَمُ مَنْ كَانَ مُبَاحًا فِي الْحِلِّ وَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ أُبِيحَ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ {وَمَنْ دَخَلَهُ} الْحَرَمُ كُلُّهُ. وَأَمَّا عَرْضُ الْأَدْيَانِ وَقْتَ الْمَوْتِ فَيُبْتَلَى بِهِ بَعْضُ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ وَمَنْ لَمْ يَحُجَّ خِيفَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ {مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ ثُمَّ لَمْ يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إنْ شَاءَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا} وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(فصل)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
وأما قوله تعالى {ومن دخله كان آمنا} فهذا من باب البيت. كما قال تعالى: {أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم} وقال تعالى: {فليعبدوا رب هذا البيت} {الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} وقال تعالى: {أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء} فكانوا في الجاهلية يقتل بعضهم بعضا خارج الحرم فإذا دخلوا الحرم أو لقي الرجل قاتل أبيه لم يهجه وكان هذا من الآيات التي جعلها الله فيه كما قال: {فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا} والإسلام زاد حرمته. فمذهب أكثر الفقهاء أن من أصاب حدا خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم لم يقم عليه الحد حتى يخرج منه كما قال ابن عمر وابن عباس.
وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وغيرهما؛ لما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرا وأنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار ثم قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس}.
ومن ظن أن من دخل الحرم كان آمنا من عذاب الآخرة مع ترك الفرائض من الصلاة وغيرها ومع ارتكاب المحارم فقد خالف إجماع المسلمين فقد دخل البيت من الكفار والمنافقين والفاسقين من هو من أهل النار بإجماع المسلمين. والله أعلم.