رحيل
07-16-2022, 09:52 PM
المؤرخة المغربية ليلى مزيان: البحر في تاريخ المغرب شكّل نقطة تواصل مع العالم
تتمتع المؤرخة المغربية ليلى مزيان بقدرة كبيرة على التحليل والمقارنة، وتتميز مؤلفاتها بدقة المنهج التاريخي، فهي تحوّل التاريخ الهامشي إلى مركزي، بطريقة يغدو فيها البحر مدخلا لكتابة تاريخ مغربي أشمل وجديدا وأكثر تحررا من الاجترار الذي يطبع بعض الأبحاث التاريخية
المؤرخة المغربية ليلى مزيان تعتبر أن البحر شكل نقطة تواصل بين المغرب والعالم كونه البلد الوحيد في العالمين العربي والإسلامي الذي يتوفر على واجهتين بحريتين تطلان على المتوسط والأطلسي
تعدّ المؤرخة والأكاديمية المغربية ليلى مزيان من كبار المؤرخات داخل المنطقة المغاربية، فهي لم تكتف في سيرتها الأكاديمية بالتدريس والتلقين والإشراف على البحوث والأطروحات الجامعية داخل مختبرات مغربية وأجنبية، وإنما قادها شغفها بالتاريخ البحري المغربي وتاريخ الموانئ والثقافة البحرية المرتبطة بهما إلى تناول هذه المواضيع من خلال مناهج متجددة عبر التنقيب في الأرشيفات المغربية والأوروبية.
ولأن أستاذة التاريخ الحديث بجامعة الحسن الثاني ليلى مزيان تجيد الحديث والكتابة بالعربية والفرنسية والإسبانية، فقد جعلها ذلك أكثر تميزا وشهرة داخل الجامعات الغربية، لا سيما قدرتها على الحفر في الأرشيفين الفرنسي والإسباني، وطريقتها المذهلة في اقتناص أهم اللحظات التاريخية التي كان فيها المغرب قويا على مستوى علاقاته الدبلوماسية مع دول العالم. وهي طريقة صعبة وتحتاج إلى صبر كبير للتنقل داخل عدد من مراكز الأرشيفات الإسبانية والفرنسية والبرتغالية والإيطالية من أجل الحصول على معلومات جديدة وأكثر دقة.
هذا الأمر هو ما تجيده صاحبة "سلا وقراصنتها"، وهذا ما يفسر الطفرة المعرفية التي لامسها العديد من الباحثين في مؤلفات مزيان. وتتمتع مؤلفة "الشرق والبحر والمتوسط ما وراء الحدود" بقدرة كبيرة على التحليل والمقارنة، ذلك أن مؤلفاتها في التاريخ البحري تتميز بقوة الأحداث التي تستعرضها، ودقة المنهج التاريخي الذي تقارب به حيثياتها وتلامس به نتوءاتها، فهي تحوّل التاريخ الهامشي إلى مركزي
لكن إلى جانب التاريخ أوليتم اهتماما كبيرا بالتراث البحري؟
نعم، فالتراث باعتباره تعبيرا عن الثقافة البحرية وتثمينا لها يشكل رافعة حقيقية للتنمية. وفي هذا الإطار اشتغلت على عدة مشاريع في المغرب والخارج، وقمت بتنسيق عدد منها كمشاركة المغرب ضيف شرف في مهرجان البحر بفرنسا في صيف 2012، بل قمنا بإعادة بناء سفينتين من التراث البحري المغربي المتوسطي الأطلنطي، وذلك لأول مرة في تاريخ هذا البلد، قبل أن تنقلهما البحرية الملكية إلى ميناء بريست لتعزيز "القرية البحرية" المغربية بعين المكان.
كما قمت بكمبوديا وبعدها بكوريا الجنوبية بتنسيق مشروع تصنيف خليج الحسيمة من بين أجمل الخلجان في العالم. بالإضافة إلى تنظيم عدد من المعارض حول التاريخ والتراث البحري المغربي بكل من المغرب والخارج.
وكان الهدف طبعا هو تسليط الضوء على الثروات التي يزخر بها هذا البلد وتثمينها بشكل أفضل، لبلورة دينامية جماعية جديدة وتعبئتها حول المشاريع الثقافية الإستراتيجية التي تحمل في طياتها الذاكرة والقيم، مشاريع تنقل أيضا الشعور بالانتماء والهوية الجماعية دائما بهدف الانفتاح، والتي بإمكانها أن تشكل وسيلة حقيقية لتطوير البلد بأكمله.
العيش في زمن الكبار
كيف جاء وتأتى اهتمامك بمجال التاريخ البحري المغربي خلال الحقبة الحديثة، حيث قادك البحر وعوالمه المدهشة والساحرة إلى إنجاز دكتوراه بجامعة "كاين" الفرنسية العريقة؟
في الواقع إن اهتمامي بالبحر لم يأت بالصدفة، بل يعود أساسا إلى تكويني الجامعي خلال مرحلة الإجازة الأساسية في شعبة التاريخ عام 1992، والذي غيّر جذريا رؤيتي للتاريخ. وفي هذا المسار، كانت لي فرصة الدراسة عند مجموعة من الأساتذة الذين تكونوا في الجامعات الفرنسية. فمنذ السنة الأولى كان لي الحظ في التعرف عن كثب على المدارس التاريخية، وكنت آنذاك في الـ18 من عمري.
لقد قدم لنا التاريخ بعيون جديدة في إطار نموذج "أسطغرافي" جديد سمي بـ"التاريخ الجديد" بروح مدرسة الحوليات التي كانت قد أحدث ثورية فكرية في فرنسا والعالم، ولا سيما مع فرناند بروديل. وهكذا استفدت الكثير من أهمية المجال في التاريخ وتعدد الأزمنة التاريخية، بالإضافة إلى مفهوم التاريخ الإشكالي والزمن الطويل من خلال أعمال فرناند بروديل. وهذا ما شجعني أيضا على الاشتغال في بحث الإجازة على موضوع "قراءة جديدة لكتابه البحر الأبيض المتوسط".
إن هذه المقاربة الجديدة في قراءة التاريخ ألهمتني وأثرت علي بشكل كبير، بل دفعتني إلى قراءات مكملة. وكان لنا في كلية الآداب بمدينة القنيطرة المغربية مكتبة متميزة، ففيها قرأت لأول مرة بروديل وكتاباته عن المتوسط والحضارة المادية، كما كانت هذه المكتبة تحتوي على أهم الكتب في تاريخ المغرب والعالم. وكان لبعض أساتذتنا الفضل علينا بإعارتنا كتبهم الخاصة، وهذا ما ساهم في اكتشافنا لعوالم جديدة، وفتح لنا آفاقا لا متناهية.
تأثير بروديل
هل كان هناك أي تأثير للمؤرخ الفرنسي فرناند بروديل عليك بوصفك باحثة؟
ما هو مؤكد هو أنه كان لبروديل دور محوري في مساري الأكاديمي، إذ جعلني في مقاربتي للإشكاليات المطروحة مرنة ومنفتحة على جميع المفاجآت، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة الانفتاح على العلوم الاجتماعية التي تغذي مناهج التاريخ من خلال تجديد أدواته ومفاهيمه وأسئلته.
وهذا ما يفسر أيضا طبيعة مساري العلمي، بدءا بمتابعة دراستي وأبحاثي بفرنسا لمدة 7 سنوات على يد المؤرخ الكبير أندري زيسبيرغ الذي شكلت أعماله حول "المجذفين الفرنسيين خلال القرنين الـ17 والـ18" ثورة حقيقية في حقل التاريخ الاجتماعي البحري، وكذلك في مركز البحث الذي أسسه أحد عمالقة التاريخ الكمي، وهو المؤرخ بيير شونو بجامعة كاين الفرنسية.
في هذه السنوات، تمكنت من الحصول على منح مكنتني من السفر إلى عدد من دور الأرشيفات الأوروبية بكل من إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وهولندا، بحثا عن مادة مصدرية جديدة تساعدني على مقاربة الاقتصاد البحري المغربي في الفترة الحديثة بأدوات منهجية جديدة، من خلال الاشتغال على النشاط القرصني للمغرب زمن السلطان المولى إسماعيل (1645-1727 م).
تتمتع المؤرخة المغربية ليلى مزيان بقدرة كبيرة على التحليل والمقارنة، وتتميز مؤلفاتها بدقة المنهج التاريخي، فهي تحوّل التاريخ الهامشي إلى مركزي، بطريقة يغدو فيها البحر مدخلا لكتابة تاريخ مغربي أشمل وجديدا وأكثر تحررا من الاجترار الذي يطبع بعض الأبحاث التاريخية
المؤرخة المغربية ليلى مزيان تعتبر أن البحر شكل نقطة تواصل بين المغرب والعالم كونه البلد الوحيد في العالمين العربي والإسلامي الذي يتوفر على واجهتين بحريتين تطلان على المتوسط والأطلسي
تعدّ المؤرخة والأكاديمية المغربية ليلى مزيان من كبار المؤرخات داخل المنطقة المغاربية، فهي لم تكتف في سيرتها الأكاديمية بالتدريس والتلقين والإشراف على البحوث والأطروحات الجامعية داخل مختبرات مغربية وأجنبية، وإنما قادها شغفها بالتاريخ البحري المغربي وتاريخ الموانئ والثقافة البحرية المرتبطة بهما إلى تناول هذه المواضيع من خلال مناهج متجددة عبر التنقيب في الأرشيفات المغربية والأوروبية.
ولأن أستاذة التاريخ الحديث بجامعة الحسن الثاني ليلى مزيان تجيد الحديث والكتابة بالعربية والفرنسية والإسبانية، فقد جعلها ذلك أكثر تميزا وشهرة داخل الجامعات الغربية، لا سيما قدرتها على الحفر في الأرشيفين الفرنسي والإسباني، وطريقتها المذهلة في اقتناص أهم اللحظات التاريخية التي كان فيها المغرب قويا على مستوى علاقاته الدبلوماسية مع دول العالم. وهي طريقة صعبة وتحتاج إلى صبر كبير للتنقل داخل عدد من مراكز الأرشيفات الإسبانية والفرنسية والبرتغالية والإيطالية من أجل الحصول على معلومات جديدة وأكثر دقة.
هذا الأمر هو ما تجيده صاحبة "سلا وقراصنتها"، وهذا ما يفسر الطفرة المعرفية التي لامسها العديد من الباحثين في مؤلفات مزيان. وتتمتع مؤلفة "الشرق والبحر والمتوسط ما وراء الحدود" بقدرة كبيرة على التحليل والمقارنة، ذلك أن مؤلفاتها في التاريخ البحري تتميز بقوة الأحداث التي تستعرضها، ودقة المنهج التاريخي الذي تقارب به حيثياتها وتلامس به نتوءاتها، فهي تحوّل التاريخ الهامشي إلى مركزي
لكن إلى جانب التاريخ أوليتم اهتماما كبيرا بالتراث البحري؟
نعم، فالتراث باعتباره تعبيرا عن الثقافة البحرية وتثمينا لها يشكل رافعة حقيقية للتنمية. وفي هذا الإطار اشتغلت على عدة مشاريع في المغرب والخارج، وقمت بتنسيق عدد منها كمشاركة المغرب ضيف شرف في مهرجان البحر بفرنسا في صيف 2012، بل قمنا بإعادة بناء سفينتين من التراث البحري المغربي المتوسطي الأطلنطي، وذلك لأول مرة في تاريخ هذا البلد، قبل أن تنقلهما البحرية الملكية إلى ميناء بريست لتعزيز "القرية البحرية" المغربية بعين المكان.
كما قمت بكمبوديا وبعدها بكوريا الجنوبية بتنسيق مشروع تصنيف خليج الحسيمة من بين أجمل الخلجان في العالم. بالإضافة إلى تنظيم عدد من المعارض حول التاريخ والتراث البحري المغربي بكل من المغرب والخارج.
وكان الهدف طبعا هو تسليط الضوء على الثروات التي يزخر بها هذا البلد وتثمينها بشكل أفضل، لبلورة دينامية جماعية جديدة وتعبئتها حول المشاريع الثقافية الإستراتيجية التي تحمل في طياتها الذاكرة والقيم، مشاريع تنقل أيضا الشعور بالانتماء والهوية الجماعية دائما بهدف الانفتاح، والتي بإمكانها أن تشكل وسيلة حقيقية لتطوير البلد بأكمله.
العيش في زمن الكبار
كيف جاء وتأتى اهتمامك بمجال التاريخ البحري المغربي خلال الحقبة الحديثة، حيث قادك البحر وعوالمه المدهشة والساحرة إلى إنجاز دكتوراه بجامعة "كاين" الفرنسية العريقة؟
في الواقع إن اهتمامي بالبحر لم يأت بالصدفة، بل يعود أساسا إلى تكويني الجامعي خلال مرحلة الإجازة الأساسية في شعبة التاريخ عام 1992، والذي غيّر جذريا رؤيتي للتاريخ. وفي هذا المسار، كانت لي فرصة الدراسة عند مجموعة من الأساتذة الذين تكونوا في الجامعات الفرنسية. فمنذ السنة الأولى كان لي الحظ في التعرف عن كثب على المدارس التاريخية، وكنت آنذاك في الـ18 من عمري.
لقد قدم لنا التاريخ بعيون جديدة في إطار نموذج "أسطغرافي" جديد سمي بـ"التاريخ الجديد" بروح مدرسة الحوليات التي كانت قد أحدث ثورية فكرية في فرنسا والعالم، ولا سيما مع فرناند بروديل. وهكذا استفدت الكثير من أهمية المجال في التاريخ وتعدد الأزمنة التاريخية، بالإضافة إلى مفهوم التاريخ الإشكالي والزمن الطويل من خلال أعمال فرناند بروديل. وهذا ما شجعني أيضا على الاشتغال في بحث الإجازة على موضوع "قراءة جديدة لكتابه البحر الأبيض المتوسط".
إن هذه المقاربة الجديدة في قراءة التاريخ ألهمتني وأثرت علي بشكل كبير، بل دفعتني إلى قراءات مكملة. وكان لنا في كلية الآداب بمدينة القنيطرة المغربية مكتبة متميزة، ففيها قرأت لأول مرة بروديل وكتاباته عن المتوسط والحضارة المادية، كما كانت هذه المكتبة تحتوي على أهم الكتب في تاريخ المغرب والعالم. وكان لبعض أساتذتنا الفضل علينا بإعارتنا كتبهم الخاصة، وهذا ما ساهم في اكتشافنا لعوالم جديدة، وفتح لنا آفاقا لا متناهية.
تأثير بروديل
هل كان هناك أي تأثير للمؤرخ الفرنسي فرناند بروديل عليك بوصفك باحثة؟
ما هو مؤكد هو أنه كان لبروديل دور محوري في مساري الأكاديمي، إذ جعلني في مقاربتي للإشكاليات المطروحة مرنة ومنفتحة على جميع المفاجآت، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة الانفتاح على العلوم الاجتماعية التي تغذي مناهج التاريخ من خلال تجديد أدواته ومفاهيمه وأسئلته.
وهذا ما يفسر أيضا طبيعة مساري العلمي، بدءا بمتابعة دراستي وأبحاثي بفرنسا لمدة 7 سنوات على يد المؤرخ الكبير أندري زيسبيرغ الذي شكلت أعماله حول "المجذفين الفرنسيين خلال القرنين الـ17 والـ18" ثورة حقيقية في حقل التاريخ الاجتماعي البحري، وكذلك في مركز البحث الذي أسسه أحد عمالقة التاريخ الكمي، وهو المؤرخ بيير شونو بجامعة كاين الفرنسية.
في هذه السنوات، تمكنت من الحصول على منح مكنتني من السفر إلى عدد من دور الأرشيفات الأوروبية بكل من إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وهولندا، بحثا عن مادة مصدرية جديدة تساعدني على مقاربة الاقتصاد البحري المغربي في الفترة الحديثة بأدوات منهجية جديدة، من خلال الاشتغال على النشاط القرصني للمغرب زمن السلطان المولى إسماعيل (1645-1727 م).