Şøķåŕą
07-11-2022, 07:57 PM
أحسن القصص
(142 قصّة قرآنيّة)
جمعيّة القرآن الكريم للتّوجيه والإرشاد
بيروت - لبنان
الطّبعة الأولى، ذو الحجّة 1433هـ // 2012م
فهرس الكتاب
الجزء (1)
الجزء (2) الجزء (3) الجزء (4) الجزء (5) الجزء (6)
(121) ـ أدب التّخاطب مع الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
(132) ـ خادمة السّيّدة الزّهراء (عليها السّلام)
(122) ـ مثل الاستقامة
(133) ـ القرآن الكريم محور الحديث
(123) ـ المباهلة
(134) ـ بشارة لشيعة أهل البيت (عليهم السّلام)
(124) ـ حبل الله تعالى
(135) ـ زهد الوصي (عليه السّلام)
(125) ـ إكرام اليتيم
(136) ـ عناد الفراعنة واستكبارهم
(126) ـ الكوثر
(137) ـ الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحبّ إلى المؤمن من نفسه
(127) ـ تذرّع المشركين
(138) ـ وارث علم الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
(128) ـ ألف روح فداء الحبيب
(139) ـ أحبّاء الله تعالى
(129) ـ زهرة الدّنيا الفانية
(140) ـ دعاء المضطر
(130) ـ خطط المنافقين
(141) ـ المفقودون في الوصال
(131) ـ شجاعة قنبر
(142) ـ جيش 313
121- أدب التّخاطب مع الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
وَفَدَ نفرٌ من تميم وهم عطارد بن حاجب بن زرارة في أشراف من بني تميم، منهم الأقرع بن حابس والزّبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم وقيس بن عاصم في وفد عظيم، فلمّا دخلوا المسجد نادوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من وراء الحجرات أن أخرج إلينا يا محمّد، فآذى ذلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فخرج إليهم فقالوا: جئناك لنفاخرك فأذن لشاعرنا وخطيبنا، فقال: قد أذنت، فقام عطارد بن حاجب وقال: الحمد لله الّذي جعلنا ملوكًا، الّذي له الفضل علينا والّذي وهب علينا أموالاً عظامًا نفعل بها المعروف وجعلنا أعزّ أهل المشرق وأكثر عددًا وعدة، فمن مثلنا في النّاس، فمن فاخرنا فليعدّ مثل ما عددنا ولو شئنا لأكثرنا من الكلام ولكنّا نستحي من الإكثار، ثمّ جلس، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لثابت بن قيس بن شمّاس: قم فأجبه، فقام فقال: الحمد الله الّذي السّماوات والأرض خلقه، قضى فيهنّ أمره ووسع كرسيّه علمه ولم يكن شيء قطّ إلاّ من فضله، ثمّ كان من فضله أن جعلنا ملوكًا واصطفى من خير خلقه رسولاً أكرمهم نسبًا وأصدقهم حديثًا وأفضلهم حسبًا، فأنزل الله عليه كتابًا وائتمنه على خلقه فكان خيرة الله على العالمين، ثمّ دعا النّاس إلى الإيمان بالله فآمن به المهاجرون من قومه وذوي رحمة، أكرم النّاس أحسابًا وأحسنهم وجوهًا فكان أوّل الخلق إجابة واستجابة لله حين دعاه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فنحن أنصار رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وردؤه، نقاتل النّاس حتّى يؤمنوا، فمن آمن بالله ورسوله منع ماله ودمه ومن نكث جاهدناه في الله أبدًا وكان قتله علينا يسيرًا، أقول هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات والسّلام عليكم. ثمّ قام الزّبرقان بن بدر ينشد، وأجابه حسّان بن ثابت، فلمّا فرغ حسّان من قوله قال الأقرع: إنّ هذا الرّجل خطيبه أخطب من خطيبنا وشاعره أشعر من شاعرنا وأصواتهم أعلى من أصواتنا، فلمّا فرغوا أجازهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأحسن جوائزهم وأسلموا [254] .
وفي ندائهم رسول الله وخطابهم إياه بالطّريقة الّتي آذت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نزلت الآية الكريمة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [255] .
122- مثل الاستقامة
بعد معركة أُحُد نال المسلمين ما نالهم من القتل والجراح، والوهن والحزن، فلمّا رأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذلك شقّ عليه الأمر، فنزلت الآية الكريمة: ﴿ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [256] تسلية للمؤمنين لما نالهم.
في ذلك اليوم أتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) وفيه ثمانون جراحة من طعنة وضربة ورمية، فجعل الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يمسحها وهي تلتئم بإذن الله تعالى وأمير المؤمنين مثل المضغة على نطع، فلمّا رآه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بكى فقال له: « إنّ رجلاً يصيبه هذا في الله لحقٌّ على الله أن يفعل به ويفعل »، فقال مجيبًا له وبكى: بأبي أنت وأمّي الحمد لله الّذي لم يرني ولّيت عنك ولا فررت، بأبي وأمّي كيف حرمت الشّهادة؟ قال: إنّها من ورائك إن شاء الله، قال: فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّ أبا سفيان قد أرسل موعدة بيننا وبينكم حمراء الأسد، فقال: بأبي أنت وأمّي والله لو حملت على أيدي الرّجال ما تخلّفت عنك [257] ، قال: فنزل القرآن: ﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [258] .
123- المباهلة
كتب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه طس سليمان (سورة النّمل): بسم الله إله إبراهيم وإسحق ويعقوب من محمّد رسول الله إلى أسقف نجران وأهل نجران إن أسلمتم فإنّي أحمد إليكم الله إله إبراهيم وإسحق ويعقوب، أمّا بعد فإنّي أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد ـ فإن أبيتم فالجزية وإن أبيتم فقد آذنتكم بالحرب والسّلام ـ فلمّا قرأ الأسقف الكتاب فظع به وذعر ذعرًا شديدًا فبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له شرحبيل بن وداعة فدفع إليه كتاب النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقرأه، فقال له الأسقف: ما رأيك؟ فقال شرحبيل: قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذريّة إسماعيل من النّبوّة فما يُؤمَن أن يكون هذا الرّجل؟ ليس لي في النّبوّة رأي، لو كان رأي من أمر الدّنيا أشرت عليك فيه، وجهدتّ لك، فبعث الأسقف إلى واحد بعد واحد من أهل نجران فكلّهم قالوا مثل قول شرحبيل فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة، وعبد الله بن شرحبيل، وجبار بن فيض، فيأتونهم بخبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلمّا وفدوا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكان سيّدهم الأهتم والعقاب والسّيّد ـ وحضرت صلاتهم فأقبلوا يضربون النّاقوس وصلّوا ـ فقال أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا رسول الله هذا في مسجدك ـ فقال: دعوهم، فلمّا فرغوا دنوا من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقالوا: إلى ما تدعو؟ فقال: إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّي رسول الله وأنّ عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث، قالوا: فمن أبوه؟ فنزل الوحي على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: قل لهم ما تقولون في آدم أكان عبدًا مخلوقًا يأكل ويشرب ويحدث...؟ فسألهم النّبيّ فقالوا: نعم، قال: فمن أبوه؟ فبهتوا فأنزل الله سبحانه: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ وقوله: ﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فباهلوني فإن كنت صادقًا أنزلت اللّعنة عليكم وإن كنت كاذبًا أنزلت عليّ، فقالوا: أنصفت فتواعدوا للمباهلة، فلمّا رجعوا إلى منازلهم، قال رؤساؤهم السّيّد والعقاب والأهتم: إن باهلنا بقومه باهلناه فإنّه ليس نبيًّا، وإن باهلنا بأهل بيته خاصّة لم نباهله، فإنّه لا يقدم إلى أهل بيته إلاّ وهو صادق، فلمّا أصبحوا جاؤوا إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) غدا محتضنًا بالحسين آخذًا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعليّ خلفها وهو يقول: إذا أنا دعوت فأمِّنوا، فقال أسقف نجران: يا معشر النّصارى إنّي لأرى وجوهًا لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصرانيّ إلى يوم القيامة، فقالوا: يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك وأن نقرّك على دينك ونثبت على ديننا، قال: فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم، فأبوا، قال: فإنّي أناجزكم، فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردّنا عن ديننا على أن نؤدّي إليك كلّ عام ألفَيْ حلّة ألف في صفر وألف في رجب، وثلاثين درعًا عادية من حديد فصالحهم على ذلك [259] .
124- حبل الله تعالى
لمّا ثقل النّبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في مرضه دعا عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) فقال: أدعوا لي عمّي ـ يعني العبّاس (رضي الله عنه) ـ فدعي له، فحمله وعليّ (عليه السّلام)، حتّى أخرجاه، فصلى بالنّاس وإنّه لقاعد، ثمّ حمل فوضع على المنبر بعد ذلك، فاجتمع لذلك جميع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار، حتّى برزت العوائق من خدورها، فبين باك وصائح، ومسترجع، وواجم، والنّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يخطب ساعة، ويسكت ساعة، فكان فيما ذكر من خطبته أن قال: يا معشر المهاجرين والأنصار، ومن حضر في يومي هذا وفي ساعتي هذه من الإنس والجنّ، ليبلغ شاهدكم غائبكم، ألا إنّي قد خلفت فيكم كتاب الله فيه النّور والهدى، والبيان لما فرض الله تبارك وتعالى من شيء، حجّة الله عليكم وحجّتي وحجّة وليّي، وخلفت فيكم العلم الأكبر، علم الدّين، ونور الهدى، وضياءه، وهو عليّ بن أبي طالب، ألا وهو حبل الله: ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [260] .
125- إكرام اليتيم
في كلّ مجتمع يوجد أيتام فقدوا آباءهم منذ صغرهم، ومن الواضح أنّ هؤلاء الصّغار حرموا من طعم العاطفة والمحبّة الأبويّة ولم يتذوّقوها بالقدر الكافي، وهذا الأمر يشكّل ضررًا على شخصيّة هؤلاء الصّغار وقد يؤثّر عليهم سلبيًّا، بحيث يوجِد فيهم خصالاً سيّئة وخطيرة قد تنعكس على المجتمع فيما بعد، فإذا لم يقدم المجتمع على جبر هذا النّقص في المحبّة والحنان فإنّ اليتيم سينشأ ويكبر وفي شخصيّته نقص واضح وهذا يجعله شخصًا غير سليم، قاسي القلب، وأحيانًا قد ينحرف إلى ارتكاب الجرائم، لذلك فإنّ الإسلام المقدّس قد أولى هذه القضيّة اهتمامًا بالغًا وجعل من أهمّ أولويّات برنامجه التّربويّ رفع الحاجات الماليّة والعاطفيّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة عند هذه الفئة من المجتمع، خصوصًا فيما يتعلّق بالعاطفة والمحبّة والمسائل الرّوحيّة والشّعوريّة العاطفيّة، فأوصى بذلك وحثّ على القيام به وجعل له الجزاء العظيم.
لقد كان النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يحسن إلى اليتامى ويبرّهم ويوصي بهم، وجاء في حديث عن ابن أبي أوفى قال: كنّا جلوسًا عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأتاه غلام فقال: غلام يتيم وأخت يتيمة وأمّ لي أرملة أطعمنا ممّا أطعمك الله، أعطاك الله ممّا عنده حتّى ترضى، قال: ما أحسن ما قلت يا غلام، اذهب يا بلال فأتنا بما كان عندنا، فجاء بواحد وعشرين تمرة فقال: سبع لك وسبع لأختك وسبع لأمّك، فقام إليه معاذ بن جبل فمسح رأسه وقال: جبر الله يتمك وجعلك خلفًا من أبيك وكان من أبناء المهاجرين. فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): رأيتك يا معاذ وما صنعت، قال رحمته، قال: لا يلي منكم يتيمًا فيحسن ولايته ويضع يده على رأسه إلاّ كتب الله له بكلّ شعرة حسنة، ومحى عنه بكلّ شعرة سيّئة، ورفع له بكلّ شعرة درجة. وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): من مسح على رأس يتيم كان له بكلّ شعرة تمرّ به على يده نور يوم القيامة. وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أنا وكافل اليتيم كهاتَيْن في الجنّة إذا اتّقى الله (عزّ وجلّ)، وأشار بالسّبابة والوسطى [261] .
يقول تعالى في كتابه العزيز: ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ ﴾ [262] .
يقول أمير المؤمنين عليّ (عليه السّلام) في وصيّته المعروفة: « الله الله في الأيتام، فلا تغبّوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم » [263] .
126- الكوثر
أجمع المؤرّخون والمفسّرون على أنّ الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد أنجب من السّيّدة خديجة (عليه السّلام) من الذّكور القاسم وهو الولد الأكبر، ولد بعد البعثة النّبوية لذلك كُنِّيَ (عليه السّلام) بأبي القاسم، ثمّ ولد له (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عبد الله ويقال له الطّيب والطّاهر، لكن التّقدير والإرادة الإلهيّة شاءت أن لا يعيش للنّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحد من أبنائه الذّكور.
ينقل عن ابن عبّاس: أنَّ العاص بن وائل السّهميّ رأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يخرج من المسجد فالتقيا عند باب بني سهم وتحدّثا وأناس من صناديد قريش جلوس في المسجد، فلمّا دخل العاص، قالوا: من الّذي كنت تتحدّث معه؟ قال ذلك الأبتر، وكان قد توفّي قبل ذلك عبد الله بن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو من خديجة وكانوا يسمّون من ليس له ابن أبتر، فسمَّته قريش عند موت ابنه أبتر وصنبورًا، فنزلت السّورة المباركة: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ [264] .
والشّيء العجيب والمعجز في هذه السّورة المباركة أنّها تخبر عن الغيب، وهذا نوع من الاعجاز التّاريخيّ، فلو نظرنا في أيّامنا هذه إلى الواقع لرأينا أنّ أبناء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في العالم يتجاوز عددهم المئة مليون نسمة في حين أن لا خبر عن نسل العاص بن وائل، فمن هو الأبتر؟!.
127- تذرّع المشركين
بعدما سطع نور الإسلام وبدأ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يبشر بالدّعوة والدّين الجديد « الإسلام »، وقف المشركون بوجه انتشار هذه الدّعوة، وعملوا جهدهم لإطفاء نور الإسلام بأعمالهم وأفواههم الملوّثة بشتّى أنواع الموبقات، لكنّ الله تعالى متمّ نوره ولا رادّ لإرادته ولو كره المشركون.
من الأشياء الغريبة والعجيبة الّتي طلبوها من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعنوان المعجزات الخارقة أنّهم قالوا: يا محمّد تخبرنا أنّ موسى (عليه السّلام) كان معه عصا يضرب بها الحجر فينفجر منه اثنتا عشرة عينًا، وتخبرنا أنّ عيسى (عليه السّلام) كان يحيي الموتى، وتخبرنا أنّ ثمود كانت لهم ناقة، فاتنا بآية من الآيات حتّى نصدّقك، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أيّ شيء تحبّون أن آتيكم به، قالوا: اجعل لنا الصّفا ذهبًا، وابعث لنا بعض موتانا حتّى نسألهم عنك أحقٌّ ما تقول أم باطل وأرنا الملائكة يشهدون لك أو ائتنا بالله والملائكة قبيلاً، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): فإن فعلت بعض ما تقولون أتصدّقونني، قالوا: نعم والله لئن فعلت لنتّبعنّك أجمعين، وسأل المسلمون رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن ينزلها عليهم حتّى يؤمنوا، فقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يدعو أن يجعل الصّفا ذهبًا فجاءه جبرائيل (عليه السّلام)، فقال له: إن شئت أصبح الصّفا ذهبًا ولكن إن لم يصدّقوا عذّبتهم وإن شئت تركتهم حتّى يتوب تائبهم، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): بل يتوب تائبهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية [265] : ﴿ وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [266] .
128- ألف روح فداء الحبيب
عندما اجتمع المشركون وصمّموا على قتل النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، هبط جبرائيل الأمين وأخبر الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بما عزمت عليه قريش وبطونها، فأمر الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليًّا (عليه السّلام) أن ينام مكانه وقد أحاط المشركون بالدّار يريدون قتل النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقال له: إتّشح ببردي الحضرميّ الأخضر، ونم على فراشي، فإنّه لا يصل منهم إليك مكروه إن شاء الله تعالى، ففعل ذلك عليّ (عليه السّلام) فأوحى الله تعالى إلى جبرائيل وميكائيل (عليه السّلام): إنّي آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة، فأوحى الله تعالى إلَيْهما: أفلا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب؟ آخيت بينه وبين محمّد فبات على فراشه يفديه بنفسه، ويؤثره بالحياة، إهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه فنزلا، فكان جبرائيل عند رأسه، وميكائيل عند رجلَيْه، وجبرائيل ينادي: بخ بخ من مثلك يا عليّ؟ يباهي الله تبارك وتعالى بك الملائكة. فأنزل الله على رسوله وهو متوّجه إلى المدينة في شأن عليّ (عليه السّلام): ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [267] .
وقد هاجر الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وخلف أمير المؤمنين (عليه السّلام) بمكّة لقضاء ديونه والودائع الّتي كانت عنده [268] .
يقول الشّاعر المعروف حسّان بن ثابت في ليلة المبيت وغيرها من فضائل أمير المؤمنين (عليه السّلام):
مَن ذا بخاتَمه تصدّقَ راكعًا وأسرّها في نفسه إسرارا
مَن كانَ باتَ على فراشِ محمّدٍ ومحمّدٌ أسرى يَؤمُّ الغارا
مَن كان في القرآنِ سُمّيَ مؤمنًا في تسعِ آياتٍ تُلينَ غزارا
129- زهرة الدّنيا الفانية
يقول أبو رافع وهو صحابيّ كان مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثمّ تولّى بيت المال في عهد أمير المؤمنين عليّ (عليه السّلام): « نزل برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ضيف فبعثني إلى يهوديّ، فقال: قل إنّ رسول الله يقول: بعني كذا وكذا من الدّقيق أو أسلفني إلى هلال رجب، فأتيته، فقلت له، فقال: والله لا أبعه ولا أسلفه إلاّ بِرَهْن، فأتيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأخبرته، فقال: والله لو باعني أو أسلفني لقضيته وإنّي لأمين في السّماء وأمين في الأرض إذهب بدرعي الحديد إليه، فنزلت هذه الآية تسلية له عن الدّني [269] . ﴿ وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ ﴿ وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ (34) وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [270] .
نعم لقد طلب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قرضًا من رجل يهوديّ، ولا يجب أن نتعجّب لهذا الأمر لأنّ الدّنيا وما فيها لا تعدل عند الله تعالى جناح بعوضة، فقد ورد في الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « والّذي نفس محمّد بيده لو أنَّ الدّنيا كانت تعدل عند الله جناح بعوضة (أو ذباب) ما سقى الكافر والفاجر منها شربة من ماء » [271] .
130- خطط المنافقين
من المعروف أنّ اليهود كانوا وما زالوا من أشدّ أعداء المسلمين والدّين الإسلاميّ، وكانوا يجهدون في مواجهة الدّين الجديد ويضعون لذلك الخطط والمكائد المشؤومة، ومن ذلك أنّهم يوجدون الشّبهات ويبثّونها بين المسلمين ليحرفونهم عن إيمانهم، أو يدخلون الشّك إلى قلوبهم. من هذه الطّروحات والمكائد أنَّه تواطأ اثنا عشر رجلاً من أحبار يهود خيبر وقرى عرينة، وقال بعضهم لبعض: أدخلوا في دين محمّد أوّل النّهار باللّسان دون الاعتقاد واكفروا به آخر النّهار، وقولوا: أنّا نظرنا في كتبنا وشاورنا علماءنا فوجدنا محمّدًا ليس بذلك، وظهر لنا كذبه وبطلان دينه، فإذا فعلتم ذلك شكّ أصحابه في دينه، وقالوا: أنّهم أهل الكتاب وهم أعلم به منّا، فيرجعون عن دينهم إلى دينكم. ولمّا حوّلت القبلة إلى الكعبة شقّ ذلك على اليهود، فقال كعب بن الأشرف لأصحابه: آمنوا بالله وبما أنزل على محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أمر الكعبة وصلّوا إليها أوّل النّهار وارجعوا إلى قبلتكم آخره لعلهم يشكّون [272] . فنزلت الآية المباركة: ﴿ وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [273] .
131- شجاعة قنبر
كان الحجّاج بن يوسف رجلاً فاجرًا فاسقًا قاسي القلب عُيِّن واليًا على الفرات من قبل عبد الملك بن مروان، وكان ينكّل بأصحاب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام). أدخل عليه قنبر مولى أمير المؤمنين (عليه السّلام) يومًا فقال الحجّاج: ما الّذي كنت تلي عليّ بن أبي طالب؟ قال: كنت أوضّيه، فقال له: ما كان يقول إذا فرغ من وضوئه؟ فقال: كان يتلو هذه الآية: ﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [274] . فقال الحجّاج: أظنّه كان يتأوّلها علينا؟ قال: نعم. فقال الحجّاج: ماذا تقول إذا أمرنا بقطع عنقك؟ قال: أنال سعادة الشّهادة وتنال بلادة الشّقاوة. فأمر الحجّاج بقتله فاستشهد رحمه الله [275] .
(142 قصّة قرآنيّة)
جمعيّة القرآن الكريم للتّوجيه والإرشاد
بيروت - لبنان
الطّبعة الأولى، ذو الحجّة 1433هـ // 2012م
فهرس الكتاب
الجزء (1)
الجزء (2) الجزء (3) الجزء (4) الجزء (5) الجزء (6)
(121) ـ أدب التّخاطب مع الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
(132) ـ خادمة السّيّدة الزّهراء (عليها السّلام)
(122) ـ مثل الاستقامة
(133) ـ القرآن الكريم محور الحديث
(123) ـ المباهلة
(134) ـ بشارة لشيعة أهل البيت (عليهم السّلام)
(124) ـ حبل الله تعالى
(135) ـ زهد الوصي (عليه السّلام)
(125) ـ إكرام اليتيم
(136) ـ عناد الفراعنة واستكبارهم
(126) ـ الكوثر
(137) ـ الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحبّ إلى المؤمن من نفسه
(127) ـ تذرّع المشركين
(138) ـ وارث علم الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
(128) ـ ألف روح فداء الحبيب
(139) ـ أحبّاء الله تعالى
(129) ـ زهرة الدّنيا الفانية
(140) ـ دعاء المضطر
(130) ـ خطط المنافقين
(141) ـ المفقودون في الوصال
(131) ـ شجاعة قنبر
(142) ـ جيش 313
121- أدب التّخاطب مع الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
وَفَدَ نفرٌ من تميم وهم عطارد بن حاجب بن زرارة في أشراف من بني تميم، منهم الأقرع بن حابس والزّبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم وقيس بن عاصم في وفد عظيم، فلمّا دخلوا المسجد نادوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من وراء الحجرات أن أخرج إلينا يا محمّد، فآذى ذلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فخرج إليهم فقالوا: جئناك لنفاخرك فأذن لشاعرنا وخطيبنا، فقال: قد أذنت، فقام عطارد بن حاجب وقال: الحمد لله الّذي جعلنا ملوكًا، الّذي له الفضل علينا والّذي وهب علينا أموالاً عظامًا نفعل بها المعروف وجعلنا أعزّ أهل المشرق وأكثر عددًا وعدة، فمن مثلنا في النّاس، فمن فاخرنا فليعدّ مثل ما عددنا ولو شئنا لأكثرنا من الكلام ولكنّا نستحي من الإكثار، ثمّ جلس، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لثابت بن قيس بن شمّاس: قم فأجبه، فقام فقال: الحمد الله الّذي السّماوات والأرض خلقه، قضى فيهنّ أمره ووسع كرسيّه علمه ولم يكن شيء قطّ إلاّ من فضله، ثمّ كان من فضله أن جعلنا ملوكًا واصطفى من خير خلقه رسولاً أكرمهم نسبًا وأصدقهم حديثًا وأفضلهم حسبًا، فأنزل الله عليه كتابًا وائتمنه على خلقه فكان خيرة الله على العالمين، ثمّ دعا النّاس إلى الإيمان بالله فآمن به المهاجرون من قومه وذوي رحمة، أكرم النّاس أحسابًا وأحسنهم وجوهًا فكان أوّل الخلق إجابة واستجابة لله حين دعاه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فنحن أنصار رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وردؤه، نقاتل النّاس حتّى يؤمنوا، فمن آمن بالله ورسوله منع ماله ودمه ومن نكث جاهدناه في الله أبدًا وكان قتله علينا يسيرًا، أقول هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات والسّلام عليكم. ثمّ قام الزّبرقان بن بدر ينشد، وأجابه حسّان بن ثابت، فلمّا فرغ حسّان من قوله قال الأقرع: إنّ هذا الرّجل خطيبه أخطب من خطيبنا وشاعره أشعر من شاعرنا وأصواتهم أعلى من أصواتنا، فلمّا فرغوا أجازهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأحسن جوائزهم وأسلموا [254] .
وفي ندائهم رسول الله وخطابهم إياه بالطّريقة الّتي آذت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نزلت الآية الكريمة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [255] .
122- مثل الاستقامة
بعد معركة أُحُد نال المسلمين ما نالهم من القتل والجراح، والوهن والحزن، فلمّا رأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذلك شقّ عليه الأمر، فنزلت الآية الكريمة: ﴿ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [256] تسلية للمؤمنين لما نالهم.
في ذلك اليوم أتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) وفيه ثمانون جراحة من طعنة وضربة ورمية، فجعل الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يمسحها وهي تلتئم بإذن الله تعالى وأمير المؤمنين مثل المضغة على نطع، فلمّا رآه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بكى فقال له: « إنّ رجلاً يصيبه هذا في الله لحقٌّ على الله أن يفعل به ويفعل »، فقال مجيبًا له وبكى: بأبي أنت وأمّي الحمد لله الّذي لم يرني ولّيت عنك ولا فررت، بأبي وأمّي كيف حرمت الشّهادة؟ قال: إنّها من ورائك إن شاء الله، قال: فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّ أبا سفيان قد أرسل موعدة بيننا وبينكم حمراء الأسد، فقال: بأبي أنت وأمّي والله لو حملت على أيدي الرّجال ما تخلّفت عنك [257] ، قال: فنزل القرآن: ﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [258] .
123- المباهلة
كتب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه طس سليمان (سورة النّمل): بسم الله إله إبراهيم وإسحق ويعقوب من محمّد رسول الله إلى أسقف نجران وأهل نجران إن أسلمتم فإنّي أحمد إليكم الله إله إبراهيم وإسحق ويعقوب، أمّا بعد فإنّي أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد ـ فإن أبيتم فالجزية وإن أبيتم فقد آذنتكم بالحرب والسّلام ـ فلمّا قرأ الأسقف الكتاب فظع به وذعر ذعرًا شديدًا فبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له شرحبيل بن وداعة فدفع إليه كتاب النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقرأه، فقال له الأسقف: ما رأيك؟ فقال شرحبيل: قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذريّة إسماعيل من النّبوّة فما يُؤمَن أن يكون هذا الرّجل؟ ليس لي في النّبوّة رأي، لو كان رأي من أمر الدّنيا أشرت عليك فيه، وجهدتّ لك، فبعث الأسقف إلى واحد بعد واحد من أهل نجران فكلّهم قالوا مثل قول شرحبيل فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة، وعبد الله بن شرحبيل، وجبار بن فيض، فيأتونهم بخبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلمّا وفدوا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكان سيّدهم الأهتم والعقاب والسّيّد ـ وحضرت صلاتهم فأقبلوا يضربون النّاقوس وصلّوا ـ فقال أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا رسول الله هذا في مسجدك ـ فقال: دعوهم، فلمّا فرغوا دنوا من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقالوا: إلى ما تدعو؟ فقال: إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّي رسول الله وأنّ عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث، قالوا: فمن أبوه؟ فنزل الوحي على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: قل لهم ما تقولون في آدم أكان عبدًا مخلوقًا يأكل ويشرب ويحدث...؟ فسألهم النّبيّ فقالوا: نعم، قال: فمن أبوه؟ فبهتوا فأنزل الله سبحانه: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ وقوله: ﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فباهلوني فإن كنت صادقًا أنزلت اللّعنة عليكم وإن كنت كاذبًا أنزلت عليّ، فقالوا: أنصفت فتواعدوا للمباهلة، فلمّا رجعوا إلى منازلهم، قال رؤساؤهم السّيّد والعقاب والأهتم: إن باهلنا بقومه باهلناه فإنّه ليس نبيًّا، وإن باهلنا بأهل بيته خاصّة لم نباهله، فإنّه لا يقدم إلى أهل بيته إلاّ وهو صادق، فلمّا أصبحوا جاؤوا إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) غدا محتضنًا بالحسين آخذًا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعليّ خلفها وهو يقول: إذا أنا دعوت فأمِّنوا، فقال أسقف نجران: يا معشر النّصارى إنّي لأرى وجوهًا لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصرانيّ إلى يوم القيامة، فقالوا: يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك وأن نقرّك على دينك ونثبت على ديننا، قال: فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم، فأبوا، قال: فإنّي أناجزكم، فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردّنا عن ديننا على أن نؤدّي إليك كلّ عام ألفَيْ حلّة ألف في صفر وألف في رجب، وثلاثين درعًا عادية من حديد فصالحهم على ذلك [259] .
124- حبل الله تعالى
لمّا ثقل النّبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في مرضه دعا عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) فقال: أدعوا لي عمّي ـ يعني العبّاس (رضي الله عنه) ـ فدعي له، فحمله وعليّ (عليه السّلام)، حتّى أخرجاه، فصلى بالنّاس وإنّه لقاعد، ثمّ حمل فوضع على المنبر بعد ذلك، فاجتمع لذلك جميع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار، حتّى برزت العوائق من خدورها، فبين باك وصائح، ومسترجع، وواجم، والنّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يخطب ساعة، ويسكت ساعة، فكان فيما ذكر من خطبته أن قال: يا معشر المهاجرين والأنصار، ومن حضر في يومي هذا وفي ساعتي هذه من الإنس والجنّ، ليبلغ شاهدكم غائبكم، ألا إنّي قد خلفت فيكم كتاب الله فيه النّور والهدى، والبيان لما فرض الله تبارك وتعالى من شيء، حجّة الله عليكم وحجّتي وحجّة وليّي، وخلفت فيكم العلم الأكبر، علم الدّين، ونور الهدى، وضياءه، وهو عليّ بن أبي طالب، ألا وهو حبل الله: ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [260] .
125- إكرام اليتيم
في كلّ مجتمع يوجد أيتام فقدوا آباءهم منذ صغرهم، ومن الواضح أنّ هؤلاء الصّغار حرموا من طعم العاطفة والمحبّة الأبويّة ولم يتذوّقوها بالقدر الكافي، وهذا الأمر يشكّل ضررًا على شخصيّة هؤلاء الصّغار وقد يؤثّر عليهم سلبيًّا، بحيث يوجِد فيهم خصالاً سيّئة وخطيرة قد تنعكس على المجتمع فيما بعد، فإذا لم يقدم المجتمع على جبر هذا النّقص في المحبّة والحنان فإنّ اليتيم سينشأ ويكبر وفي شخصيّته نقص واضح وهذا يجعله شخصًا غير سليم، قاسي القلب، وأحيانًا قد ينحرف إلى ارتكاب الجرائم، لذلك فإنّ الإسلام المقدّس قد أولى هذه القضيّة اهتمامًا بالغًا وجعل من أهمّ أولويّات برنامجه التّربويّ رفع الحاجات الماليّة والعاطفيّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة عند هذه الفئة من المجتمع، خصوصًا فيما يتعلّق بالعاطفة والمحبّة والمسائل الرّوحيّة والشّعوريّة العاطفيّة، فأوصى بذلك وحثّ على القيام به وجعل له الجزاء العظيم.
لقد كان النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يحسن إلى اليتامى ويبرّهم ويوصي بهم، وجاء في حديث عن ابن أبي أوفى قال: كنّا جلوسًا عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأتاه غلام فقال: غلام يتيم وأخت يتيمة وأمّ لي أرملة أطعمنا ممّا أطعمك الله، أعطاك الله ممّا عنده حتّى ترضى، قال: ما أحسن ما قلت يا غلام، اذهب يا بلال فأتنا بما كان عندنا، فجاء بواحد وعشرين تمرة فقال: سبع لك وسبع لأختك وسبع لأمّك، فقام إليه معاذ بن جبل فمسح رأسه وقال: جبر الله يتمك وجعلك خلفًا من أبيك وكان من أبناء المهاجرين. فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): رأيتك يا معاذ وما صنعت، قال رحمته، قال: لا يلي منكم يتيمًا فيحسن ولايته ويضع يده على رأسه إلاّ كتب الله له بكلّ شعرة حسنة، ومحى عنه بكلّ شعرة سيّئة، ورفع له بكلّ شعرة درجة. وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): من مسح على رأس يتيم كان له بكلّ شعرة تمرّ به على يده نور يوم القيامة. وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أنا وكافل اليتيم كهاتَيْن في الجنّة إذا اتّقى الله (عزّ وجلّ)، وأشار بالسّبابة والوسطى [261] .
يقول تعالى في كتابه العزيز: ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ ﴾ [262] .
يقول أمير المؤمنين عليّ (عليه السّلام) في وصيّته المعروفة: « الله الله في الأيتام، فلا تغبّوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم » [263] .
126- الكوثر
أجمع المؤرّخون والمفسّرون على أنّ الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد أنجب من السّيّدة خديجة (عليه السّلام) من الذّكور القاسم وهو الولد الأكبر، ولد بعد البعثة النّبوية لذلك كُنِّيَ (عليه السّلام) بأبي القاسم، ثمّ ولد له (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عبد الله ويقال له الطّيب والطّاهر، لكن التّقدير والإرادة الإلهيّة شاءت أن لا يعيش للنّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحد من أبنائه الذّكور.
ينقل عن ابن عبّاس: أنَّ العاص بن وائل السّهميّ رأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يخرج من المسجد فالتقيا عند باب بني سهم وتحدّثا وأناس من صناديد قريش جلوس في المسجد، فلمّا دخل العاص، قالوا: من الّذي كنت تتحدّث معه؟ قال ذلك الأبتر، وكان قد توفّي قبل ذلك عبد الله بن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو من خديجة وكانوا يسمّون من ليس له ابن أبتر، فسمَّته قريش عند موت ابنه أبتر وصنبورًا، فنزلت السّورة المباركة: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ [264] .
والشّيء العجيب والمعجز في هذه السّورة المباركة أنّها تخبر عن الغيب، وهذا نوع من الاعجاز التّاريخيّ، فلو نظرنا في أيّامنا هذه إلى الواقع لرأينا أنّ أبناء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في العالم يتجاوز عددهم المئة مليون نسمة في حين أن لا خبر عن نسل العاص بن وائل، فمن هو الأبتر؟!.
127- تذرّع المشركين
بعدما سطع نور الإسلام وبدأ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يبشر بالدّعوة والدّين الجديد « الإسلام »، وقف المشركون بوجه انتشار هذه الدّعوة، وعملوا جهدهم لإطفاء نور الإسلام بأعمالهم وأفواههم الملوّثة بشتّى أنواع الموبقات، لكنّ الله تعالى متمّ نوره ولا رادّ لإرادته ولو كره المشركون.
من الأشياء الغريبة والعجيبة الّتي طلبوها من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعنوان المعجزات الخارقة أنّهم قالوا: يا محمّد تخبرنا أنّ موسى (عليه السّلام) كان معه عصا يضرب بها الحجر فينفجر منه اثنتا عشرة عينًا، وتخبرنا أنّ عيسى (عليه السّلام) كان يحيي الموتى، وتخبرنا أنّ ثمود كانت لهم ناقة، فاتنا بآية من الآيات حتّى نصدّقك، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أيّ شيء تحبّون أن آتيكم به، قالوا: اجعل لنا الصّفا ذهبًا، وابعث لنا بعض موتانا حتّى نسألهم عنك أحقٌّ ما تقول أم باطل وأرنا الملائكة يشهدون لك أو ائتنا بالله والملائكة قبيلاً، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): فإن فعلت بعض ما تقولون أتصدّقونني، قالوا: نعم والله لئن فعلت لنتّبعنّك أجمعين، وسأل المسلمون رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن ينزلها عليهم حتّى يؤمنوا، فقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يدعو أن يجعل الصّفا ذهبًا فجاءه جبرائيل (عليه السّلام)، فقال له: إن شئت أصبح الصّفا ذهبًا ولكن إن لم يصدّقوا عذّبتهم وإن شئت تركتهم حتّى يتوب تائبهم، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): بل يتوب تائبهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية [265] : ﴿ وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [266] .
128- ألف روح فداء الحبيب
عندما اجتمع المشركون وصمّموا على قتل النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، هبط جبرائيل الأمين وأخبر الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بما عزمت عليه قريش وبطونها، فأمر الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليًّا (عليه السّلام) أن ينام مكانه وقد أحاط المشركون بالدّار يريدون قتل النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقال له: إتّشح ببردي الحضرميّ الأخضر، ونم على فراشي، فإنّه لا يصل منهم إليك مكروه إن شاء الله تعالى، ففعل ذلك عليّ (عليه السّلام) فأوحى الله تعالى إلى جبرائيل وميكائيل (عليه السّلام): إنّي آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة، فأوحى الله تعالى إلَيْهما: أفلا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب؟ آخيت بينه وبين محمّد فبات على فراشه يفديه بنفسه، ويؤثره بالحياة، إهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه فنزلا، فكان جبرائيل عند رأسه، وميكائيل عند رجلَيْه، وجبرائيل ينادي: بخ بخ من مثلك يا عليّ؟ يباهي الله تبارك وتعالى بك الملائكة. فأنزل الله على رسوله وهو متوّجه إلى المدينة في شأن عليّ (عليه السّلام): ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [267] .
وقد هاجر الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وخلف أمير المؤمنين (عليه السّلام) بمكّة لقضاء ديونه والودائع الّتي كانت عنده [268] .
يقول الشّاعر المعروف حسّان بن ثابت في ليلة المبيت وغيرها من فضائل أمير المؤمنين (عليه السّلام):
مَن ذا بخاتَمه تصدّقَ راكعًا وأسرّها في نفسه إسرارا
مَن كانَ باتَ على فراشِ محمّدٍ ومحمّدٌ أسرى يَؤمُّ الغارا
مَن كان في القرآنِ سُمّيَ مؤمنًا في تسعِ آياتٍ تُلينَ غزارا
129- زهرة الدّنيا الفانية
يقول أبو رافع وهو صحابيّ كان مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثمّ تولّى بيت المال في عهد أمير المؤمنين عليّ (عليه السّلام): « نزل برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ضيف فبعثني إلى يهوديّ، فقال: قل إنّ رسول الله يقول: بعني كذا وكذا من الدّقيق أو أسلفني إلى هلال رجب، فأتيته، فقلت له، فقال: والله لا أبعه ولا أسلفه إلاّ بِرَهْن، فأتيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأخبرته، فقال: والله لو باعني أو أسلفني لقضيته وإنّي لأمين في السّماء وأمين في الأرض إذهب بدرعي الحديد إليه، فنزلت هذه الآية تسلية له عن الدّني [269] . ﴿ وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ ﴿ وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ (34) وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [270] .
نعم لقد طلب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قرضًا من رجل يهوديّ، ولا يجب أن نتعجّب لهذا الأمر لأنّ الدّنيا وما فيها لا تعدل عند الله تعالى جناح بعوضة، فقد ورد في الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « والّذي نفس محمّد بيده لو أنَّ الدّنيا كانت تعدل عند الله جناح بعوضة (أو ذباب) ما سقى الكافر والفاجر منها شربة من ماء » [271] .
130- خطط المنافقين
من المعروف أنّ اليهود كانوا وما زالوا من أشدّ أعداء المسلمين والدّين الإسلاميّ، وكانوا يجهدون في مواجهة الدّين الجديد ويضعون لذلك الخطط والمكائد المشؤومة، ومن ذلك أنّهم يوجدون الشّبهات ويبثّونها بين المسلمين ليحرفونهم عن إيمانهم، أو يدخلون الشّك إلى قلوبهم. من هذه الطّروحات والمكائد أنَّه تواطأ اثنا عشر رجلاً من أحبار يهود خيبر وقرى عرينة، وقال بعضهم لبعض: أدخلوا في دين محمّد أوّل النّهار باللّسان دون الاعتقاد واكفروا به آخر النّهار، وقولوا: أنّا نظرنا في كتبنا وشاورنا علماءنا فوجدنا محمّدًا ليس بذلك، وظهر لنا كذبه وبطلان دينه، فإذا فعلتم ذلك شكّ أصحابه في دينه، وقالوا: أنّهم أهل الكتاب وهم أعلم به منّا، فيرجعون عن دينهم إلى دينكم. ولمّا حوّلت القبلة إلى الكعبة شقّ ذلك على اليهود، فقال كعب بن الأشرف لأصحابه: آمنوا بالله وبما أنزل على محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أمر الكعبة وصلّوا إليها أوّل النّهار وارجعوا إلى قبلتكم آخره لعلهم يشكّون [272] . فنزلت الآية المباركة: ﴿ وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [273] .
131- شجاعة قنبر
كان الحجّاج بن يوسف رجلاً فاجرًا فاسقًا قاسي القلب عُيِّن واليًا على الفرات من قبل عبد الملك بن مروان، وكان ينكّل بأصحاب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام). أدخل عليه قنبر مولى أمير المؤمنين (عليه السّلام) يومًا فقال الحجّاج: ما الّذي كنت تلي عليّ بن أبي طالب؟ قال: كنت أوضّيه، فقال له: ما كان يقول إذا فرغ من وضوئه؟ فقال: كان يتلو هذه الآية: ﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [274] . فقال الحجّاج: أظنّه كان يتأوّلها علينا؟ قال: نعم. فقال الحجّاج: ماذا تقول إذا أمرنا بقطع عنقك؟ قال: أنال سعادة الشّهادة وتنال بلادة الشّقاوة. فأمر الحجّاج بقتله فاستشهد رحمه الله [275] .