رحيل
07-10-2022, 09:45 AM
وَالنُّفُوسُ تَحْنُو عَلَى أَقَارِبِهَا مَا لَا تَحْنُو عَلَى غَيْرِهِمْ،
وَكَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ إِنْ بَاهَلُوهُ نَزَلَتِ الْبَهْلَةُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَقَارِبِهِمْ، وَاجْتَمَعَ خَوْفُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى أَقَارِبِهِمْ، فَكَانَ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي امْتِنَاعِهِمْ، وَإِلَّا فَالْإِنْسَانُ قَدْ يَخْتَارُ أَنْ يَهْلَكَ وَيَحْيَا ابْنُهُ، وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ قَدْ يَخْتَارُ الْمَوْتَ إِذَا بَقِيَ أَقَارِبُهُ فِي نِعْمَةٍ وَمَالٍ. وَهَذَا مَوْجُودٌ كَثِيرٌ. فَطَلَبَ مِنْهُمُ الْمُبَاهَلَةَ بِالْأَبْنَاءِ وَالنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ وَالْأَقْرَبِينَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، فَلِهَذَا دَعَا هَؤُلَاءِ. وَآيَةُ الْمُبَاهَلَةِ نَزَلَتْ سَنَةَ عَشْرٍ ; لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ، وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ بَقِيَ مِنْ أَعْمَامِهِ إِلَّا الْعَبَّاسُ، وَالْعَبَّاسُ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَلَا كَانَ لَهُ بِهِ اخْتِصَاصٌ كَعَلِيٍّ.
وَأَمَّا بَنُو عَمِّهِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مِثْلُ عَلِيٍّ، وَكَانَ جَعْفَرُ قَدْ قُتِلَ قَبْلَ ذَلِكَ. فَإِنَّ الْمُبَاهَلَةَ كَانَتْ لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ سَنَةَ تِسْعٍ أَوْ عَشْرٍ، وَجَعْفَرُ قُتِلَ بِمُؤْتَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ، فَتَعَيَّنَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَكَوْنُهُ تَعَيَّنَ لِلْمُبَاهَلَةِ ; إِذْ لَيْسَ فِي الْأَقَارِبِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، بَلْ وَلَا أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ مُطْلَقًا، بَلْ لَهُ بِالْمُبَاهَلَةِ نَوْعُ فَضِيلَةٍ،
وَهِيَ مُشْتَرِكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَاطِمَةَ وَحَسَنٍ وَحُسَيْنٍ، لَيْسَتْ مِنْ خَصَائِصِ الْإِمَامَةِ، فَإِنَّ خَصَائِصَ الْإِمَامَةِ لَا تَثْبُتُ لِلنِّسَاءِ، وَلَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَنْ بَاهَلَ بِهِ أَفْضَلَ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، كَمَا لَمْ يُوجِبْ أَنْ تَكُونَ فَاطِمَةُ وَحَسَنٌ وَحُسَيْنٌ أَفْضَلَ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: " لَوْ كَانَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ مُسَاوِيًا لَهُمْ، أَوْ أَفْضَلَ مِنْهُمْ فِي اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ لَأَمَرَهُ تَعَالَى بِأَخْذِهِمْ مَعَهُ ; لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ ". فَيُقَالُ فِي الْجَوَابِ: لَمْ يَكُنِ الْمَقْصُودُ إِجَابَةَ الدُّعَاءِ، فَإِنَّ دُعَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحْدَهُ كَافٍ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِمَنْ يَدْعُوهُ مَعَهُ أَنْ يُسْتَجَابَ دُعَاؤُهُ ; لَدَعَا الْمُؤْمِنِينَ كُلَّهُمْ وَدَعَا بِهِمْ، كَمَا كَانَ يَسْتَسْقِي بِهِمْ وَكَمَا كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِصَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ، وَكَانَ يَقُولُ: " وَهَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ؟ بِدُعَائِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ ".
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَؤُلَاءِ، وَإِنْ كَانُوا مُجَابِينَ، فَكَثْرَةُ الدُّعَاءِ أَبْلَغُ فِي الْإِجَابَةِ. لَكِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَقْصُودُ دَعْوَةَ مَنْ دَعَاهُ لِإِجَابَةِ دُعَائِهِ، بَلْ لِأَجْلِ الْمُقَابَلَةِ بَيْنَ الْأَهْلِ وَالْأَهْلِ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -لَوْ دَعَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ، وَابْنَ مَسْعُودٍ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَغَيْرَهُمْ لِلْمُبَاهَلَةِ، لَكَانُوا مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ اسْتِجَابَةً لِأَمْرِهِ، وَكَانَ دُعَاءُ هَؤُلَاءِ وَغَيْرِهِمْ أَبْلَغَ فِي إِجَابَةِ الدُّعَاءِ، لَكِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِأَخْذِهِمْ [مَعَهُ] ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ. فَإِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ أُولَئِكَ يَأْتُونَ بِمَنْ يُشْفِقُونَ عَلَيْهِ طَبْعًا، كَأَبْنَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَرِجَالِهِمُ الَّذِينَ هُمْ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِمْ. فَلَوْ دَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْمًا أَجَانِبَ لَأَتَى أُولَئِكَ بِأَجَانِبَ، وَلَمْ يَكُنْ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ نُزُولُ الْبَهْلَةِ بِأُولَئِكَ الْأَجَانِبِ، كَمَا يَشْتَدُّ عَلَيْهِمْ نُزُولُهَا بِالْأَقْرَبِينَ إِلَيْهِمْ، فَإِنَّ طَبْعَ الْبَشَرِ يَخَافُ عَلَى أَقْرِبَيْهِ، مَا لَا يَخَافُ عَلَى الْأَجَانِبِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَدْعُوَ قَرَابَتَهُ، وَأَنْ يَدْعُوَا أُولَئِكَ قَرَابَتَهُمْ.
وَالنَّاسُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ تَقُولُ كُلُّ طَائِفَةٍ لِلْأُخْرَى: أَرْهِنُوا عِنْدَنَا أَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ، فَلَوْ رَهَنَتْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَجْنَبِيًّا لَمْ يَرْضَ أُولَئِكَ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ دَعَا النَّبِيُّ الْأَجَانِبَ لَمْ يَرْضَ أُولَئِكَ الْمُقَابِلُونَ لَهُ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَهْلُ الرَّجُلِ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ إِذَا قَابَلَ بِهِمْ لِمَنْ يُقَابِلُهُ بِأَهْلِهِ. فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْآيَةَ لَا دَلَالَةَ فِيهَا أَصْلًا عَلَى مَطْلُوبِ الرَّافِضِيِّ، لَكِنَّهُ وَأَمْثَالَهُ مِمَّنْ فِي قَلْبِهِ زَيْغٌ، كَالنَّصَارَى الَّذِينَ يَتَعَلَّقُونَ بِالْأَلْفَاظِ الْمُجْمَلَةِ وَيَدَعُونَ النُّصُوصَ الصَّرِيحَةَ، ثُمَّ قَدْحَهُ فِي خِيَارِ الْأُمَّةِ بِزَعْمِهِ الْكَاذِبِ،
حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَنْفُسِ: الْمُسَاوُونَ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُسْتَعْمَلِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: " نِسَاءَنَا " لَا يَخْتَصُّ بِفَاطِمَةَ، بَلْ مَنْ دَعَاهُ مِنْ بَنَاتِهِ كَانَتْ بِمَنْزِلَتِهَا فِي ذَلِكَ، لَكِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِذْ ذَاكَ إِلَّا فَاطِمَةُ، فَإِنَّ رُقَيَّةَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ وَزَيْنَبَ كُنَّ قَدْ تُوُفِّينَ قَبْلَ ذَلِكَ. فَكَذَلِكَ " أَنْفُسَنَا " لَيْسَ مُخْتَصًّا بِعَلِيٍّ، بَلْ هَذِهِ صِيغَةُ جَمْعٍ، كَمَا أَنَّ " نِسَاءَنَا " صِيغَةُ جَمْعٍ وَكَذَلِكَ " أَبْنَاءَنَا " صِيغَةُ جَمْعٍ، وَإِنَّمَا دَعَا حَسَنًا وَحُسَيْنًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُنْسَبُ إِلَيْهِ بِالْبُنُوَّةِ سِوَاهُمَا، فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ إِنْ كَانَ مَوْجُودًا إِذْ ذَاكَ فَهُوَ طِفْلٌ لَا يُدْعَى، فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ الَّتِي أَهْدَاهَا لَهُ [الْمُقَوْقِسُ] صَاحِبُ مِصْرَ، وَأَهْدَى لَهُ الْبَغْلَةَ وَمَارِيَةَ وَسِيرِينَ، فَأَعْطَى سِيرِينَ لِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ، وَتَسَرَّى مَارِيَةَ فَوَلَدَتْ لَهُ إِبْرَاهِيمَ، وَعَاشَ بِضْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَمَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ تُتِمُّ إِرْضَاعَهُ»
وَكَانَ إِهْدَاءُ الْمُقَوْقِسِ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ، بَلْ بَعْدَ حُنَيْنٍ.
وَكَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ إِنْ بَاهَلُوهُ نَزَلَتِ الْبَهْلَةُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَقَارِبِهِمْ، وَاجْتَمَعَ خَوْفُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى أَقَارِبِهِمْ، فَكَانَ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي امْتِنَاعِهِمْ، وَإِلَّا فَالْإِنْسَانُ قَدْ يَخْتَارُ أَنْ يَهْلَكَ وَيَحْيَا ابْنُهُ، وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ قَدْ يَخْتَارُ الْمَوْتَ إِذَا بَقِيَ أَقَارِبُهُ فِي نِعْمَةٍ وَمَالٍ. وَهَذَا مَوْجُودٌ كَثِيرٌ. فَطَلَبَ مِنْهُمُ الْمُبَاهَلَةَ بِالْأَبْنَاءِ وَالنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ وَالْأَقْرَبِينَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، فَلِهَذَا دَعَا هَؤُلَاءِ. وَآيَةُ الْمُبَاهَلَةِ نَزَلَتْ سَنَةَ عَشْرٍ ; لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ، وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ بَقِيَ مِنْ أَعْمَامِهِ إِلَّا الْعَبَّاسُ، وَالْعَبَّاسُ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَلَا كَانَ لَهُ بِهِ اخْتِصَاصٌ كَعَلِيٍّ.
وَأَمَّا بَنُو عَمِّهِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مِثْلُ عَلِيٍّ، وَكَانَ جَعْفَرُ قَدْ قُتِلَ قَبْلَ ذَلِكَ. فَإِنَّ الْمُبَاهَلَةَ كَانَتْ لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ سَنَةَ تِسْعٍ أَوْ عَشْرٍ، وَجَعْفَرُ قُتِلَ بِمُؤْتَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ، فَتَعَيَّنَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَكَوْنُهُ تَعَيَّنَ لِلْمُبَاهَلَةِ ; إِذْ لَيْسَ فِي الْأَقَارِبِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، بَلْ وَلَا أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ مُطْلَقًا، بَلْ لَهُ بِالْمُبَاهَلَةِ نَوْعُ فَضِيلَةٍ،
وَهِيَ مُشْتَرِكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَاطِمَةَ وَحَسَنٍ وَحُسَيْنٍ، لَيْسَتْ مِنْ خَصَائِصِ الْإِمَامَةِ، فَإِنَّ خَصَائِصَ الْإِمَامَةِ لَا تَثْبُتُ لِلنِّسَاءِ، وَلَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَنْ بَاهَلَ بِهِ أَفْضَلَ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، كَمَا لَمْ يُوجِبْ أَنْ تَكُونَ فَاطِمَةُ وَحَسَنٌ وَحُسَيْنٌ أَفْضَلَ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: " لَوْ كَانَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ مُسَاوِيًا لَهُمْ، أَوْ أَفْضَلَ مِنْهُمْ فِي اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ لَأَمَرَهُ تَعَالَى بِأَخْذِهِمْ مَعَهُ ; لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ ". فَيُقَالُ فِي الْجَوَابِ: لَمْ يَكُنِ الْمَقْصُودُ إِجَابَةَ الدُّعَاءِ، فَإِنَّ دُعَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحْدَهُ كَافٍ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِمَنْ يَدْعُوهُ مَعَهُ أَنْ يُسْتَجَابَ دُعَاؤُهُ ; لَدَعَا الْمُؤْمِنِينَ كُلَّهُمْ وَدَعَا بِهِمْ، كَمَا كَانَ يَسْتَسْقِي بِهِمْ وَكَمَا كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِصَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ، وَكَانَ يَقُولُ: " وَهَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ؟ بِدُعَائِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ ".
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَؤُلَاءِ، وَإِنْ كَانُوا مُجَابِينَ، فَكَثْرَةُ الدُّعَاءِ أَبْلَغُ فِي الْإِجَابَةِ. لَكِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَقْصُودُ دَعْوَةَ مَنْ دَعَاهُ لِإِجَابَةِ دُعَائِهِ، بَلْ لِأَجْلِ الْمُقَابَلَةِ بَيْنَ الْأَهْلِ وَالْأَهْلِ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -لَوْ دَعَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ، وَابْنَ مَسْعُودٍ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَغَيْرَهُمْ لِلْمُبَاهَلَةِ، لَكَانُوا مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ اسْتِجَابَةً لِأَمْرِهِ، وَكَانَ دُعَاءُ هَؤُلَاءِ وَغَيْرِهِمْ أَبْلَغَ فِي إِجَابَةِ الدُّعَاءِ، لَكِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِأَخْذِهِمْ [مَعَهُ] ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ. فَإِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ أُولَئِكَ يَأْتُونَ بِمَنْ يُشْفِقُونَ عَلَيْهِ طَبْعًا، كَأَبْنَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَرِجَالِهِمُ الَّذِينَ هُمْ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِمْ. فَلَوْ دَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْمًا أَجَانِبَ لَأَتَى أُولَئِكَ بِأَجَانِبَ، وَلَمْ يَكُنْ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ نُزُولُ الْبَهْلَةِ بِأُولَئِكَ الْأَجَانِبِ، كَمَا يَشْتَدُّ عَلَيْهِمْ نُزُولُهَا بِالْأَقْرَبِينَ إِلَيْهِمْ، فَإِنَّ طَبْعَ الْبَشَرِ يَخَافُ عَلَى أَقْرِبَيْهِ، مَا لَا يَخَافُ عَلَى الْأَجَانِبِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَدْعُوَ قَرَابَتَهُ، وَأَنْ يَدْعُوَا أُولَئِكَ قَرَابَتَهُمْ.
وَالنَّاسُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ تَقُولُ كُلُّ طَائِفَةٍ لِلْأُخْرَى: أَرْهِنُوا عِنْدَنَا أَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ، فَلَوْ رَهَنَتْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَجْنَبِيًّا لَمْ يَرْضَ أُولَئِكَ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ دَعَا النَّبِيُّ الْأَجَانِبَ لَمْ يَرْضَ أُولَئِكَ الْمُقَابِلُونَ لَهُ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَهْلُ الرَّجُلِ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ إِذَا قَابَلَ بِهِمْ لِمَنْ يُقَابِلُهُ بِأَهْلِهِ. فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْآيَةَ لَا دَلَالَةَ فِيهَا أَصْلًا عَلَى مَطْلُوبِ الرَّافِضِيِّ، لَكِنَّهُ وَأَمْثَالَهُ مِمَّنْ فِي قَلْبِهِ زَيْغٌ، كَالنَّصَارَى الَّذِينَ يَتَعَلَّقُونَ بِالْأَلْفَاظِ الْمُجْمَلَةِ وَيَدَعُونَ النُّصُوصَ الصَّرِيحَةَ، ثُمَّ قَدْحَهُ فِي خِيَارِ الْأُمَّةِ بِزَعْمِهِ الْكَاذِبِ،
حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَنْفُسِ: الْمُسَاوُونَ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُسْتَعْمَلِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: " نِسَاءَنَا " لَا يَخْتَصُّ بِفَاطِمَةَ، بَلْ مَنْ دَعَاهُ مِنْ بَنَاتِهِ كَانَتْ بِمَنْزِلَتِهَا فِي ذَلِكَ، لَكِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِذْ ذَاكَ إِلَّا فَاطِمَةُ، فَإِنَّ رُقَيَّةَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ وَزَيْنَبَ كُنَّ قَدْ تُوُفِّينَ قَبْلَ ذَلِكَ. فَكَذَلِكَ " أَنْفُسَنَا " لَيْسَ مُخْتَصًّا بِعَلِيٍّ، بَلْ هَذِهِ صِيغَةُ جَمْعٍ، كَمَا أَنَّ " نِسَاءَنَا " صِيغَةُ جَمْعٍ وَكَذَلِكَ " أَبْنَاءَنَا " صِيغَةُ جَمْعٍ، وَإِنَّمَا دَعَا حَسَنًا وَحُسَيْنًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُنْسَبُ إِلَيْهِ بِالْبُنُوَّةِ سِوَاهُمَا، فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ إِنْ كَانَ مَوْجُودًا إِذْ ذَاكَ فَهُوَ طِفْلٌ لَا يُدْعَى، فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ الَّتِي أَهْدَاهَا لَهُ [الْمُقَوْقِسُ] صَاحِبُ مِصْرَ، وَأَهْدَى لَهُ الْبَغْلَةَ وَمَارِيَةَ وَسِيرِينَ، فَأَعْطَى سِيرِينَ لِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ، وَتَسَرَّى مَارِيَةَ فَوَلَدَتْ لَهُ إِبْرَاهِيمَ، وَعَاشَ بِضْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَمَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ تُتِمُّ إِرْضَاعَهُ»
وَكَانَ إِهْدَاءُ الْمُقَوْقِسِ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ، بَلْ بَعْدَ حُنَيْنٍ.