رحيل
06-15-2022, 01:35 PM
ذكر من قال ذلك :
1646 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ) - على عهد سليمان - قال : كانت الشياطين تصعد إلى السماء ، فتقعد منها مقاعد للسمع ، فيستمعون من كلام الملائكة فيما يكون في الأرض من موت أو غيث أو أمر ، فيأتون الكهنة فيخبرونهم ، فتحدث الكهنة الناس ، فيجدونه كما قالوا . حتى إذا أمنتهم الكهنة كذبوا لهم فأدخلوا فيه غيره ، فزادوا مع كل كلمة سبعين كلمة ، فاكتتب [ ص: 406 ] الناس ذلك الحديث في الكتب ، وفشا في بني إسرائيل أن الجن تعلم الغيب ، فبعث سليمان في الناس فجمع تلك الكتب ، فجعلها في صندوق ، ثم دفنها تحت كرسيه ، ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي إلا احترق ، وقال : لا أسمع أحدا يذكر أن الشياطين تعلم الغيب إلا ضربت عنقه! فلما مات سليمان ، وذهبت العلماء الذين كانوا يعرفون أمر سليمان ، وخلف بعد ذلك خلف ، تمثل الشيطان في صورة إنسان ، ثم أتى نفرا من بني إسرائيل ، فقال : هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبدا؟ قالوا : نعم . قال : فاحفروا تحت الكرسي ، وذهب معهم فأراهم المكان ، وقام ناحية ، فقالوا له : فادن! قال : لا ولكني هاهنا في أيديكم ، فإن لم تجدوه فاقتلوني! فحفروا فوجدوا تلك الكتب ، فلما أخرجوها قال الشيطان : إن سليمان إنما كان يضبط الإنس والشياطين والطير بهذا السحر ، ثم طار فذهب ، وفشا في الناس أن سليمان كان ساحرا ، واتخذت بنو إسرائيل تلك الكتب ، فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم خاصموه بها ، فذلك حين يقول : ( وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ) .
1647 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ) ، قالوا : إن اليهود سألوا محمدا صلى الله عليه وسلم زمانا عن أمور من التوراة ، لا يسألونه عن شيء من ذلك إلا أنزل الله عليه ما سألوه عنه ، فيخصمهم ، فلما رأوا ذلك قالوا : هذا أعلم بما أنزل إلينا منا! وأنهم سألوه عن السحر وخاصموه به ، فأنزل الله جل وعز : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ) . وإن الشياطين عمدوا إلى كتاب فكتبوا فيه السحر [ ص: 407 ] والكهانة وما شاء الله من ذلك ، فدفنوه تحت مجلس سليمان - وكان سليمان لا يعلم الغيب ، فلما فارق سليمان الدنيا استخرجوا ذلك السحر وخدعوا به الناس ، وقالوا : هذا علم كان سليمان يكتمه ويحسد الناس عليه! فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث ، فرجعوا من عنده وقد حزنوا ، وأدحض الله حجتهم .
1648 - وحدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ) ، قال : لما جاءهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصدقا لما معهم ، ( نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب ) الآية ، قال : اتبعوا السحر ، وهم أهل الكتاب . فقرأ حتى بلغ : ( ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ) .
وقال آخرون : بل عنى الله بذلك اليهود الذين كانوا على عهد سليمان .
ذكر من قال ذلك :
1649 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج : تلت الشياطين السحر على اليهود على ملك سليمان ، فاتبعته اليهود على ملكه ، يعني اتبعوا السحر على ملك سليمان .
1650 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق قال : عمدت الشياطين حين عرفت موت سليمان بن داود عليه السلام ، فكتبوا أصناف السحر : "من كان يحب أن يبلغ كذا وكذا ، فليفعل كذا وكذا" . حتى إذا صنعوا أصناف السحر ، جعلوه في كتاب ثم ختموا عليه بخاتم على نقش خاتم سليمان ، وكتبوا في عنوانه : "هذا ما كتب آصف بن برخيا الصديق للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم" ، ثم دفنوه تحت كرسيه ، فاستخرجته بعد ذلك بقايا بني إسرائيل حين أحدثوا ما أحدثوا ، فلما عثروا عليه قالوا : ما كان سليمان [ ص: 408 ] بن داود إلا بهذا! فأفشوا السحر في الناس وتعلموه وعلموه ، فليس في أحد أكثر منه في يهود . فلما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما نزل عليه من الله ، سليمان بن داود وعده فيمن عده من المرسلين ، قال من كان بالمدينة من يهود : ألا تعجبون لمحمد ! يزعم أن سليمان بن داود كان نبيا! والله ما كان إلا ساحرا! فأنزل الله في ذلك من قولهم على محمد صلى الله عليه وسلم : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا ) .
قال : كان حين ذهب ملك سليمان ، ارتد فئام من الجن والإنس واتبعوا الشهوات ، فلما رجع الله إلى سليمان ملكه ، قام الناس على الدين كما كانوا ، وأن سليمان ظهر على كتبهم فدفنها تحت كرسيه ، وتوفي سليمان حدثان ذلك ، فظهرت الجن والإنس على الكتب بعد وفاة سليمان ، وقالوا : هذا كتاب من الله نزل على سليمان أخفاه منا! فأخذوا به فجعلوه دينا ، فأنزل الله : ( ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون واتبعوا ما تتلو الشياطين ) ، وهي المعازف واللعب ، وكل شيء يصد عن ذكر الله .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في تأويل قوله : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ) ، أن ذلك توبيخ من الله لأحبار اليهود الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجحدوا نبوته ، وهم يعلمون أنه لله رسول مرسل ، وتأنيب منه لهم في رفضهم تنزيله ، وهجرهم العمل به ، وهو في أيديهم يعلمونه [ ص: 409 ] ويعرفون أنه كتاب الله ، واتباعهم واتباع أوائلهم وأسلافهم ما تلته الشياطين في عهد سليمان . وقد بينا وجه جواز إضافة أفعال أسلافهم إليهم فيما مضى ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .
وإنما اخترنا هذا التأويل ، لأن المتبعة ما تلته الشياطين ، في عهد سليمان وبعده إلى أن بعث الله نبيه بالحق ، وأمر السحر لم يزل في اليهود . ولا دلالة في الآية أن الله تعالى أراد بقوله : ( واتبعوا ) بعضا منهم دون بعض . إذ كان جائزا فصيحا في كلام العرب إضافة ما وصفنا - من اتباع أسلاف المخبر عنهم بقوله : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين ) - إلى أخلافهم بعدهم ، ولم يكن بخصوص ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر منقول ، ولا حجة تدل عليه؛ فكان الواجب من القول في ذلك أن يقال : كل متبع ما تلته الشياطين على عهد سليمان من اليهود ، داخل في معنى الآية ، على النحو الذي قلنا .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ما تتلو الشياطين )
قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( ما تتلو الشياطين ) ، الذي تتلو . فتأويل الكلام إذا : واتبعوا الذي تتلو الشياطين .
واختلف في تأويل قوله : ( تتلو ) . فقال بعضهم : يعني بقوله : ( تتلو ) ، تحدث وتروي ، وتتكلم به وتخبر ، نحو "تلاوة" الرجل للقرآن ، وهي قراءته . ووجه قائلو هذا القول تأويلهم ذلك ، إلى أن الشياطين هي التي علمت الناس السحر وروته لهم .
ذكر من قال ذلك :
1651 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن عمرو ، عن مجاهد في قول الله : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ) ، قال : كانت الشياطين تسمع الوحي ، فما سمعوا من كلمة زادوا فيها [ ص: 410 ] مائتين مثلها . فأرسل سليمان إلى ما كتبوا من ذلك فجمعه ، فلما توفي سليمان وجدته الشياطين ، فعلمته الناس ، وهو السحر .
1652 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ) ، من الكهانة والسحر . وذكر لنا ، والله أعلم ، أن الشياطين ابتدعت كتابا فيه سحر وأمر عظيم ، ثم أفشوه في الناس وعلموهم إياه .
1653 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال عطاء : قوله : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين ) ، قال : نراه ما تحدث .
1654 - حدثني سلم بن جنادة السوائي قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : انطلقت الشياطين في الأيام التي ابتلي فيها سليمان ، فكتبت فيها كتبا فيها سحر وكفر ، ثم دفنوها تحت كرسي سليمان ، ثم أخرجوها فقرأوها على الناس .
وقال آخرون : معنى قوله : ( ما تتلو ) ، ما تتبعه وترويه وتعمل به .
ذكر من قال ذلك :
1655 - حدثنا الحسن بن عمرو العنقزي قال : حدثني أبي ، عن أسباط ، عن السدي ، عن أبي مالك ، عن ابن عباس : ( تتلو ) ، قال : تتبع .
1656 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأزدي قال : حدثنا يحيى بن إبراهيم ، عن سفيان الثوري ، عن منصور ، عن أبي رزين مثله . [ ص: 411 ]
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله عز وجل أخبر عن الذين أخبر عنهم أنهم اتبعوا ما تتلو الشياطين على عهد سليمان ، باتباعهم ما تلته الشياطين .
ولقول القائل : "هو يتلو كذا" في كلام العرب معنيان . أحدهما : الاتباع ، كما يقال : "تلوت فلانا" إذا مشيت خلفه وتبعت أثره ، كما قال جل ثناؤه : ( هنالك تتلو كل نفس ما أسلفت ) [ يونس : 30 ] ، يعني بذلك تتبع .
والآخر : القراءة والدراسة ، كما تقول : "فلان يتلو القرآن" ، بمعنى أنه يقرأه ويدرسه ، كما قال حسان بن ثابت :
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ويتلو كتاب الله في كل مشهد
ولم يخبرنا الله جل ثناؤه - بأى معنى"التلاوة" كانت تلاوة الشياطين الذين تلوا ما تلوه من السحر على عهد سليمان - بخبر يقطع العذر . وقد يجوز أن تكون الشياطين تلت ذلك دراسة ورواية وعملا فتكون كانت متبعته بالعمل ، ودارسته بالرواية ، فاتبعت اليهود منهاجها في ذلك ، وعملت به ، وروته .
1646 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ) - على عهد سليمان - قال : كانت الشياطين تصعد إلى السماء ، فتقعد منها مقاعد للسمع ، فيستمعون من كلام الملائكة فيما يكون في الأرض من موت أو غيث أو أمر ، فيأتون الكهنة فيخبرونهم ، فتحدث الكهنة الناس ، فيجدونه كما قالوا . حتى إذا أمنتهم الكهنة كذبوا لهم فأدخلوا فيه غيره ، فزادوا مع كل كلمة سبعين كلمة ، فاكتتب [ ص: 406 ] الناس ذلك الحديث في الكتب ، وفشا في بني إسرائيل أن الجن تعلم الغيب ، فبعث سليمان في الناس فجمع تلك الكتب ، فجعلها في صندوق ، ثم دفنها تحت كرسيه ، ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي إلا احترق ، وقال : لا أسمع أحدا يذكر أن الشياطين تعلم الغيب إلا ضربت عنقه! فلما مات سليمان ، وذهبت العلماء الذين كانوا يعرفون أمر سليمان ، وخلف بعد ذلك خلف ، تمثل الشيطان في صورة إنسان ، ثم أتى نفرا من بني إسرائيل ، فقال : هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبدا؟ قالوا : نعم . قال : فاحفروا تحت الكرسي ، وذهب معهم فأراهم المكان ، وقام ناحية ، فقالوا له : فادن! قال : لا ولكني هاهنا في أيديكم ، فإن لم تجدوه فاقتلوني! فحفروا فوجدوا تلك الكتب ، فلما أخرجوها قال الشيطان : إن سليمان إنما كان يضبط الإنس والشياطين والطير بهذا السحر ، ثم طار فذهب ، وفشا في الناس أن سليمان كان ساحرا ، واتخذت بنو إسرائيل تلك الكتب ، فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم خاصموه بها ، فذلك حين يقول : ( وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ) .
1647 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ) ، قالوا : إن اليهود سألوا محمدا صلى الله عليه وسلم زمانا عن أمور من التوراة ، لا يسألونه عن شيء من ذلك إلا أنزل الله عليه ما سألوه عنه ، فيخصمهم ، فلما رأوا ذلك قالوا : هذا أعلم بما أنزل إلينا منا! وأنهم سألوه عن السحر وخاصموه به ، فأنزل الله جل وعز : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ) . وإن الشياطين عمدوا إلى كتاب فكتبوا فيه السحر [ ص: 407 ] والكهانة وما شاء الله من ذلك ، فدفنوه تحت مجلس سليمان - وكان سليمان لا يعلم الغيب ، فلما فارق سليمان الدنيا استخرجوا ذلك السحر وخدعوا به الناس ، وقالوا : هذا علم كان سليمان يكتمه ويحسد الناس عليه! فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث ، فرجعوا من عنده وقد حزنوا ، وأدحض الله حجتهم .
1648 - وحدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ) ، قال : لما جاءهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصدقا لما معهم ، ( نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب ) الآية ، قال : اتبعوا السحر ، وهم أهل الكتاب . فقرأ حتى بلغ : ( ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ) .
وقال آخرون : بل عنى الله بذلك اليهود الذين كانوا على عهد سليمان .
ذكر من قال ذلك :
1649 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج : تلت الشياطين السحر على اليهود على ملك سليمان ، فاتبعته اليهود على ملكه ، يعني اتبعوا السحر على ملك سليمان .
1650 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق قال : عمدت الشياطين حين عرفت موت سليمان بن داود عليه السلام ، فكتبوا أصناف السحر : "من كان يحب أن يبلغ كذا وكذا ، فليفعل كذا وكذا" . حتى إذا صنعوا أصناف السحر ، جعلوه في كتاب ثم ختموا عليه بخاتم على نقش خاتم سليمان ، وكتبوا في عنوانه : "هذا ما كتب آصف بن برخيا الصديق للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم" ، ثم دفنوه تحت كرسيه ، فاستخرجته بعد ذلك بقايا بني إسرائيل حين أحدثوا ما أحدثوا ، فلما عثروا عليه قالوا : ما كان سليمان [ ص: 408 ] بن داود إلا بهذا! فأفشوا السحر في الناس وتعلموه وعلموه ، فليس في أحد أكثر منه في يهود . فلما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما نزل عليه من الله ، سليمان بن داود وعده فيمن عده من المرسلين ، قال من كان بالمدينة من يهود : ألا تعجبون لمحمد ! يزعم أن سليمان بن داود كان نبيا! والله ما كان إلا ساحرا! فأنزل الله في ذلك من قولهم على محمد صلى الله عليه وسلم : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا ) .
قال : كان حين ذهب ملك سليمان ، ارتد فئام من الجن والإنس واتبعوا الشهوات ، فلما رجع الله إلى سليمان ملكه ، قام الناس على الدين كما كانوا ، وأن سليمان ظهر على كتبهم فدفنها تحت كرسيه ، وتوفي سليمان حدثان ذلك ، فظهرت الجن والإنس على الكتب بعد وفاة سليمان ، وقالوا : هذا كتاب من الله نزل على سليمان أخفاه منا! فأخذوا به فجعلوه دينا ، فأنزل الله : ( ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون واتبعوا ما تتلو الشياطين ) ، وهي المعازف واللعب ، وكل شيء يصد عن ذكر الله .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في تأويل قوله : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ) ، أن ذلك توبيخ من الله لأحبار اليهود الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجحدوا نبوته ، وهم يعلمون أنه لله رسول مرسل ، وتأنيب منه لهم في رفضهم تنزيله ، وهجرهم العمل به ، وهو في أيديهم يعلمونه [ ص: 409 ] ويعرفون أنه كتاب الله ، واتباعهم واتباع أوائلهم وأسلافهم ما تلته الشياطين في عهد سليمان . وقد بينا وجه جواز إضافة أفعال أسلافهم إليهم فيما مضى ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .
وإنما اخترنا هذا التأويل ، لأن المتبعة ما تلته الشياطين ، في عهد سليمان وبعده إلى أن بعث الله نبيه بالحق ، وأمر السحر لم يزل في اليهود . ولا دلالة في الآية أن الله تعالى أراد بقوله : ( واتبعوا ) بعضا منهم دون بعض . إذ كان جائزا فصيحا في كلام العرب إضافة ما وصفنا - من اتباع أسلاف المخبر عنهم بقوله : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين ) - إلى أخلافهم بعدهم ، ولم يكن بخصوص ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر منقول ، ولا حجة تدل عليه؛ فكان الواجب من القول في ذلك أن يقال : كل متبع ما تلته الشياطين على عهد سليمان من اليهود ، داخل في معنى الآية ، على النحو الذي قلنا .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ما تتلو الشياطين )
قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( ما تتلو الشياطين ) ، الذي تتلو . فتأويل الكلام إذا : واتبعوا الذي تتلو الشياطين .
واختلف في تأويل قوله : ( تتلو ) . فقال بعضهم : يعني بقوله : ( تتلو ) ، تحدث وتروي ، وتتكلم به وتخبر ، نحو "تلاوة" الرجل للقرآن ، وهي قراءته . ووجه قائلو هذا القول تأويلهم ذلك ، إلى أن الشياطين هي التي علمت الناس السحر وروته لهم .
ذكر من قال ذلك :
1651 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن عمرو ، عن مجاهد في قول الله : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ) ، قال : كانت الشياطين تسمع الوحي ، فما سمعوا من كلمة زادوا فيها [ ص: 410 ] مائتين مثلها . فأرسل سليمان إلى ما كتبوا من ذلك فجمعه ، فلما توفي سليمان وجدته الشياطين ، فعلمته الناس ، وهو السحر .
1652 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ) ، من الكهانة والسحر . وذكر لنا ، والله أعلم ، أن الشياطين ابتدعت كتابا فيه سحر وأمر عظيم ، ثم أفشوه في الناس وعلموهم إياه .
1653 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال عطاء : قوله : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين ) ، قال : نراه ما تحدث .
1654 - حدثني سلم بن جنادة السوائي قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : انطلقت الشياطين في الأيام التي ابتلي فيها سليمان ، فكتبت فيها كتبا فيها سحر وكفر ، ثم دفنوها تحت كرسي سليمان ، ثم أخرجوها فقرأوها على الناس .
وقال آخرون : معنى قوله : ( ما تتلو ) ، ما تتبعه وترويه وتعمل به .
ذكر من قال ذلك :
1655 - حدثنا الحسن بن عمرو العنقزي قال : حدثني أبي ، عن أسباط ، عن السدي ، عن أبي مالك ، عن ابن عباس : ( تتلو ) ، قال : تتبع .
1656 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأزدي قال : حدثنا يحيى بن إبراهيم ، عن سفيان الثوري ، عن منصور ، عن أبي رزين مثله . [ ص: 411 ]
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله عز وجل أخبر عن الذين أخبر عنهم أنهم اتبعوا ما تتلو الشياطين على عهد سليمان ، باتباعهم ما تلته الشياطين .
ولقول القائل : "هو يتلو كذا" في كلام العرب معنيان . أحدهما : الاتباع ، كما يقال : "تلوت فلانا" إذا مشيت خلفه وتبعت أثره ، كما قال جل ثناؤه : ( هنالك تتلو كل نفس ما أسلفت ) [ يونس : 30 ] ، يعني بذلك تتبع .
والآخر : القراءة والدراسة ، كما تقول : "فلان يتلو القرآن" ، بمعنى أنه يقرأه ويدرسه ، كما قال حسان بن ثابت :
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ويتلو كتاب الله في كل مشهد
ولم يخبرنا الله جل ثناؤه - بأى معنى"التلاوة" كانت تلاوة الشياطين الذين تلوا ما تلوه من السحر على عهد سليمان - بخبر يقطع العذر . وقد يجوز أن تكون الشياطين تلت ذلك دراسة ورواية وعملا فتكون كانت متبعته بالعمل ، ودارسته بالرواية ، فاتبعت اليهود منهاجها في ذلك ، وعملت به ، وروته .