تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : {حتى تنفقوا مما تحبون}


Şøķåŕą
06-06-2022, 03:36 PM
﴿ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

من أجلِّ العبادات التي افترضها اللهُ على عباده الإنفاقُ، فقد أوجبها وندب إليها في كثير من النصوص الشرعية؛ لكن هذه العبادة كغيرها من العبادات تحُفُّ بها أمورٌ ترقى بصاحبها وتختلف بها موازين أهلها؛ كصلاح النية، والابتداء والمسارعة، وغيرها، ويحُفُّ بالإنفاق مثلًا زيادةً على ما سبق الكسبُ الطيبُ، وعدمُ المنة، والبدء بالأولى، وهكذا.



ولكن ثمة أمرٌ عظيم أكَّده الوحيُ وحرَص عليه، وهو مما يغاير بين أجر المنفقين، ويرفع أو يخفض به عمل الباذلين؛ إنه الإنفاق مما يحب الإنسان وربما كان في حاجته، والله تعالى يقول: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9]، أو مما لو أُعطي إياه فلن يأخُذه لرداءته إلا إذا تغاضى عنه مكرهًا؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [البقرة: 267].



في الحديث النبوي قال صلى الله عليه وسلم: ((والصَّدَقةُ بُرْهانٌ))؛ رواه مسلم، إي وربي برهان لإيمان هذا العبد الذي استخرج حظَّ الدنيا من قلبه قبل أن يُخرج ماله، برهان لإيمان العبد الذي آمن بالغيب وصدَّق موعود الله الذي وقر في قلبه؛ فأنفق ما في يده وما كسبه من عرق جبينه؛ ليفوز برضوان الله تبارك وتعالى، يقول تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ [الإنسان: 8، 9]، وعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قَالَ: جاءَ رجلٌ إِلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رسولَ اللَّهِ، أيُّ الصَّدقةِ أعْظمُ أجْرًا؟ قَالَ: ((أَنْ تَصَدَّقَ وأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وتَأْمُلُ الغِنَى، ولَا تُمْهِلُ حتَّى إذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ..))؛ متفقٌ عَلَيهِ. مؤشر عظيم وتنبيه جليل، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون!



تأمَّل قول الحق تعالى: ﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ ﴾ [البقرة: 177].



إذًا إذا كان هذا المال محبوبًا لنفس صاحبه، ثم بعد ذلك يتخير من ماله ما يحب وما هو عنده من أفخر ما يختاره لنفسه، فينفقه لوجه الله طيِّبةً بها نفسُه؛ كان هذا مؤشرًا لصدق عمله وقوة إيمانه، يقول تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 92]، وهنا نلحظ أن الأمر بالإنفاق مما يحب ليس واجبًا، والإنفاق كُلُّه خيرٌ، ولكن درجة أهل البر وثوابهم لا شك أنها مرام الناسكين الصادقين، ولا يصِلُها إلا من صدق الله واتبع هدي رسول الله، ودونك هذا الموقف العظيم للصحابي الجليل أبو طلحة رضي الله عنه عن أَنسٍ رضي الله عنه قَالَ: "كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالمدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوالِهِ إِلَيْهِ بَيْرَحاءَ، وَكانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ المَسْجِدِ، وكانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُهَا وَيَشْربُ مِنْ ماءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، قَالَ أَنَسٌ: فلَمَّا نزَلَتْ هَذِهِ الآيةُ: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ قام أَبُو طَلْحَةَ إِلى رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللَّه، إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَنْزَلَ عَلَيْكَ: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾، وَإِنَّ أَحَبَّ مَالي إِلَيَّ بَيْرَحَاء، وإِنَّهَا صَدقَةٌ للَّهِ تَعَالَى، أَرْجُو بِرَّهَا وذُخْرَهَا عِنْد اللَّه تَعَالَى، فَضَعْها يَا رَسُولَ اللَّهِ حيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ، فقال رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((بَخٍ، ذلِكَ مَالٌ رَابحٌ، ذلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا في الأَقْرَبِينَ))، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رسولَ اللَّه، فَقَسَمَها أَبُو طَلْحَةَ في أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ"؛ متفقٌ عَلَيهِ.



فتأمل فِقْه هذا الصحابي لهذا المؤشر المهم في الإنفاق، ولا شكَّ أنه دالٌّ على خروج الدنيا من قلبه قبل أن يخرُج المالُ من يده.



أخيرًا وحتى يكتمل عِقْد هذا الموضوع، وحتى لا يُفهَم أن الندب لإزهاق المال كاملًا دونما أن يبقى شيء لصاحبه وأهله، وربما البعض استند لبعض النصوص أو المواقف دونما فِقْهٍ ونَظَرٍ لبقية النصوص المكمِّلة؛ بل الموضوع في أصله هو أن ينفق العبد مما يحب ولو كان في حاجته، دون الإضرار بنفسه على وجه الندب، وربما الوجوب في بعض الأحوال. فأشير اختصارًا إلى ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خَيْرُ الصَّدَقَةِ ما كانَ عن ظَهْرِ غِنًى، وابْدَأْ بمَن تَعُولُ))، وفيه أنَّ خيرَ الصَّدقةِ ما أخرَجَه الإنسانُ مِن مالِه بعْدَ القِيامِ بحُقوقِ النَّفْسِ والعِيالِ، بحيثُ لا يَصيرُ المُتصدِّقُ محتاجًا بعْدَ صدقتِه إلى أحدٍ، فهذه هي الصَّدقةُ التي عنْ ظَهرِ غِنًى، ثم قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((وابدَأْ بمَنْ تَعُولُ))، وهذا دَليلٌ على أنَّ النَّفَقةَ على الأهلِ أفضَلُ مِن الصَّدَقةِ؛ لأنَّ الصدَقةَ تطَوُّعٌ، والنَّفَقةَ على الأهلِ فريضةٌ، وهذا مِن التَّربيةِ النَّبويَّةِ، وترتيبِ الأوْلَويَّاتِ في النَّفقةِ؛ حتَّى يَكفِيَ المرءُ أهْلَه ومَن تَلزَمُه نفَقتُه، ثمَّ يتَصدَّق عن ظَهرِ غِنًى، وفي الحديثِ: تقديمُ نفقةِ نفْسِه وعِيالِه؛ لأنَّها مُنحصِرةٌ فيه، بخلافِ نفقةِ غيرِهم، وفيه: أنَّ الإنسانَ لا يتصدَّقُ بكلِّ ما عندَه، وفيه: الابتداءُ بالأهمِّ فالأهمِّ في الأمورِ الشَّرعيَّةِ، وفيه: أنَّ النفَقةَ على الأهلِ ومَن يَعُولُهم الإنسانُ تُحسَبُ صدَقةً إذا احتسَبَها الإنسانُ، وقد قال سبحانه: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ﴾ [البقرة: 219]، قال ابن كثير في تفسيره: قال ابن عباس: ما يفضل عن أهلك، وقال جمع من المفسرين: ﴿ قُلِ الْعَفْوَ ﴾ يعني: الفضل.وقال الحسن: ذلك ألَّا تجهد مالك ثم تقعد تسأل الناس.



روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، عندي دينار؟ قال: ((أنفِقْه على نَفْسِك))، قال: عندي آخر؟ قال: ((أنْفِقْه على أهْلِكَ))، قال: عندي آخر؟ قال: ((أنْفِقْه على ولَدِكَ))، قال عندي آخر؟ قال: ((فأنْتَ أبْصَرُ)).



وأخرج مسلم أيضًا عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: ((ابْدَأ بنَفْسِكَ فتصدَّقَ عليها، فإن فضَلَ عن نفسِك شيءٌ فلأَهْلِك، فإن فضلَ شيءٌ فلذوي قرابتِك، فإن فضَلَ عن ذوي قَرابتِك شيءٌ فَهَكذا وَهَكذا)).



اللهم وفِّقنا لما تحبه وترضاه، وهَبْ لنا يقينًا بما عندك يُعيننا على طاعتك، وفقِّهنا يا الله في ديننا، وعلِّمنا ما ينفعُنا، وانفَعْنا بما علَّمْتنا، وزِدْنا عِلْمًا وعَمَلًا يا أرحم الراحمين.

الحقوقي فيصل
06-06-2022, 05:06 PM
سلمت على روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا روعه مواضيعك

لكـ خالص احترامي

♡ Šąɱąя ♡
06-06-2022, 05:49 PM
جزاكم الله خيراً ونفع بكم
واثابكم الفردوس الاعلى من الجنه
وجعل كل ما تقدمونه في موازين حسناتكم
لكم مني ارق المنى
وخالص التقدير والاحترام

:kf1::f15::kf1:

رحيل
06-06-2022, 06:48 PM
جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض
بآرك الله فيك على الطَرح القيم
في ميزآن حسناتك ان شاء الله ,,
آسأل الله أن يَرزقـك فسيح آلجنات !!
وجَعل مااقدمت في مَيزانْ حسَناتك
وعَمر آلله قلبك بآآآلايمَآآنْ
علىَ طرحَك آالمحمَل بنفحآتٍ إيمآنيهِ
دمت بـِ طآعَة الله

мя Зάмояч
06-06-2022, 10:21 PM
جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك

الدكتور على حسن
06-06-2022, 11:10 PM
كل الشكر وكل التقدير
لحضرتك
على روعة ما قدمت لنـــا
من موضوع اكثر من رائع
اللهم اكرمك وأسعدك وبارك فيك
ربنا يجعل كل ما تقدمونه
في موازين حسناتكم
ويجازيك عنا خير الجــزاء
يااااااااااااااااارب
لك كل تحياتى وتقديرى وحبى
الدكتــور علــى
:rose::eq-32::rose:

الدكتور على حسن
06-06-2022, 11:11 PM
كل الشكر وكل التقدير
لحضـرتك
على روعة ما قدمت لنـــا
من موضوع اكثر من رائع
اللهم اكرمك وأسعدك وبارك فيك
ربنا يجعل كل ما تقدمونه
في موازين حسناتكم
ويجازيك عنا خير الجــزاء
يااااااااااااااااارب
لك كل تحياتى وتقديرى وحبى
الدكتــور علــى
:rose::eq-32::rose:

خالد الشاعر
06-07-2022, 08:09 AM
جزاكى الله خير الجزاء
جعل يومكِ نوراً وَسروراً
وجبال من الحسنات تعآنقها بحورا
جعلها الله فى ميزان اعمالكِ
دام لنا عطائكِ

بنت الشام
06-07-2022, 11:50 AM
,

جزاك الله خير على الطرح القيم
وجعله الله في ميزان حسناتك
وان يرزقك الفردوس الاعلى من الجنة
الله لايحرمنا من جديدك
ودي وتقديري

سمارا
06-07-2022, 01:09 PM
تسلم الأيادي على ما قدمت
ننتظر جديدك بكل شوق
تقبل مني أعطر التحايا

سمأأأأأرا

- سمَـا.
06-07-2022, 01:19 PM
-












اسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتك
وَ يجعل الفردوس الأعلى سكنك
تقديري ~

♔ قمر بغداد ♔
06-07-2022, 08:49 PM
تِسَلّمْ الأيَادِيْ
ولآحُرمِناْ مِنْ جَزيلِ عَطّائِهاْ

،؛

ليلك
06-08-2022, 01:48 AM
جزاك الله خيرا
وكتب بميزان حسناتك…
:x2:

خاطري آضمـڪ
06-08-2022, 01:56 AM
جزاك اللهُ خير الجزاء..
جعل يومگ نورا وسرورا
وجبالا من الحسنات تعانقها بُحورا
جعلها آلله في ميزان آعمآلَگ
دام لَنآ عطائك

جَوآهر
06-08-2022, 06:43 AM
يعطيك الف عافيه على الطرح الجميل
سلمت :34: .

Şøķåŕą
07-02-2022, 11:32 AM
عمر
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
07-02-2022, 11:33 AM
قمر
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
07-02-2022, 11:33 AM
سمر
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
07-02-2022, 11:33 AM
سما
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
07-02-2022, 11:33 AM
ليلك
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
07-02-2022, 11:33 AM
الحقوني
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
07-02-2022, 11:34 AM
الدكتور
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
07-02-2022, 11:34 AM
بنت الشام
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
07-02-2022, 11:34 AM
خالد
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
07-02-2022, 11:34 AM
خاطري
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
07-02-2022, 11:34 AM
سمارا
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
07-02-2022, 11:35 AM
سمارا
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
07-02-2022, 11:36 AM
غرام
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
07-02-2022, 11:36 AM
ميراي
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
04-29-2025, 02:27 PM
شكرا لك على المرور العذب :w1:

Şøķåŕą
04-29-2025, 02:27 PM
شكرا لك على المرور العذب :th_23: