Şøķåŕą
06-04-2022, 06:28 PM
تفسير الآية
ثم بين- سبحانه- ضخامة التبعة التي حملها الإنسان فقال: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ .
.
.
وأرجح الأقوال وأجمعها في المراد بالأمانة هنا: أنها التكاليف والفرائض الشرعية التي كلف الله- تعالى- بها عباده، من إخلاص في العبادة، ومن أداء للطاعات، ومن محافظة على آداب هذا الدين وشعائره وسننه.
وسمى- سبحانه- ما كلفنا به أمانة، لأن هذه التكاليف حقوق أمرنا- سبحانه- بها، وائتمننا عليها، وأوجب علينا مراعاتها والمحافظة عليها، وأداءها بدون إخلال بشيء منها.
والمراد بالإنسان: آدم- عليه السلام- أو جنس الإنسان.
والمراد بحمله إياها: تقبله لحمل هذه التكاليف والأوامر والنواهي مع ثقلها وضخامتها.
وللعلماء في تفسير هذه الآية اتجاهات، فمنهم من يرى أن الكلام على حقيقته، وأن الله- تعالى- قد عرض هذه التكاليف الشرعية المعبر عنها بالأمانة، على السموات والأرض والجبال فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها لثقلها وضخامتها وَأَشْفَقْنَ مِنْها أى: وخفن من عواقب حملها أن ينشأ لهن من ذلك ما يؤدى بهن إلى عذاب الله وسخطه بسبب التقصير في أداء ما كلفن بأدائه.
وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ أى: وقبل الإنسان حمل هذه الأمانة عند عرضها عليه، بعد أن أبت السموات والأرض والجبال حملها، وأشفقن منها.
إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا أى: إنه كان مفرطا في ظلمه لنفسه، ومبالغا في الجهل، لأن هذا الجنس من الناس لم يلتزموا جميعا بأداء ما كلفهم الله- تعالى- بأدائه.
وإنما منهم من أداها على وجهها- وهم الأقلون-، ومنهم من لم يؤدها وإنما عصى ما أمره به ربه، وخان الأمانة التي التزم بأدائها.
فالضمير في قوله إِنَّهُ يعود على بعض أفراد جنس الإنسان، وهم الذين لم يؤدوا حقوق هذه الامانة التي التزموا بحملها.
قال الآلوسى: إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا أى: بحسب غالب أفراده الذين لم يعملوا بموجب فطرتهم السليمة، دون من عداهم من الذين لم يبدلوا فطرة الله ويكفى في صدق الحكم على الجنس بشيء، وجوده في بعض أفراده، فضلا عن وجوده في غالبها.
.
.
وقال بعض العلماء: ورجوع الضمير إلى مجرد اللفظ دون اعتبار المعنى التفصيلي معروف في اللغة التي نزل بها القرآن.
وقد جاء فعلا في آية من كتاب الله، وهي قوله- تعالى-: وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ .
.
.
لأن الضمير في قوله: وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ راجع إلى لفظ المعمر دون معناه التفصيلي، كما هو ظاهر.
وهذه المسألة هي المعروفة عند علماء العربية بمسألة: عندي درهم ونصفه.
أى: ونصف درهم آخر .
وأصحاب هذا الاتجاه يقولون: لا مانع إطلاقا من أن يخلق الله- تعالى- إدراكا ونطقا للسموات والأرض والجبال، ولكن هذا الإدراك والنطق لا يعلمه إلا هو- سبحانه-.
ومما يشهد لذلك قوله- تعالى-: تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ، وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً .
قال الجمل: وكان هذا العرض عليهن- أى على السموات والأرض والجبال تخييرا لا إلزاما، ولو ألزمهن لم يمتنعن عن حملها.
والجمادات كلها خاضعة لله- تعالى- مطيعة لأمره، ساجدة له.
قال بعض أهل العلم: ركب الله- تعالى- فيهن العقل والفهم حين عرض عليهن الأمانة، حتى عقلن الخطاب، وأجبن بما أجبن.
ويرى بعضهم أن العرض في الآية الكريمة من قبيل ضرب المثل، أو من قبيل المجاز.
قال الإمام القرطبي ما ملخصه: لما بين- تعالى- في هذه السورة من الأحكام ما بين، أمر بالتزام أوامره، والأمانة تعم جميع وظائف الدين، على الصحيح من الأقوال، وهو قول الجمهور.
.
ويصح أن يكون عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال على سبيل الحقيقة.
.
وقال القفال وغيره: العرض في هذه الآية ضرب مثل، أى: أن السموات والأرض والجبال على كبر أجرامها، لو كانت بحيث يجوز تكليفها، لثقل عليها تقلد الشرائع، لما فيها من الثواب والعقاب.
أى: أن التكليف أمر حقه أن تعجز عنه السموات والأرض والجبال، وقد حمله الإنسان وهو ظلوم جهول لو عقل.
وهذا كقوله: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ، لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ.
.
.
.
وقال قوم: إن الآية من المجاز: أى: أنا إذا قايسنا ثقل الأمانة بقوة السموات والأرض والجبال، رأينا أنها لا تطيقها، وأنها لو تكلمت لأبت وأشفقت، فعبّر عن هذا بعرض الأمانة.
كما تقول: عرضت الحمل على البعير فأباه، وأنت تريد: قايست قوته بثقل الحمل فرأيت أنها تقصر عنه.
.
وقيل: عَرَضْنَا يعنى عارضنا الأمانة بالسموات والأرض والجبال، فضعفت هذه الأشياء عن الأمانة.
ورجحت الأمانة بثقلها عليها.
.
ويبدو لنا أن حمل الكلام على الحقيقة أولى بالقبول، لأنه ما دام لم يوجد مانع يمنع منه، فلا داعي لصرفه عن ذلك.
ومما لا شك أن قدرة الله- تعالى- لا يعجزها أن تخلق في السموات والأرض والجبال إدراكا وتمييزا ونطقا لا يعلمه إلا هو- سبحانه.
» تفسير القرطبي: مضمون الآية
قوله تعالى : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولالما بين تعالى في هذه السورة من الأحكام ما بين ، أمر بالتزام أوامره .
والأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال ، وهو قول الجمهور .
روى الترمذي الحكيم أبو عبد الله : حدثنا إسماعيل بن نصر عن صالح بن عبد الله عن محمد بن يزيد بن جوهر عن الضحاك عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قال الله تعالى لآدم يا آدم إني عرضت الأمانة على السماوات والأرض فلم تطقها فهل أنت حاملها بما فيها فقال وما فيها يا رب قال إن حملتها أجرت وإن ضيعتها عذبت فاحتملها بما فيها فلم يلبث في الجنة إلا قدر ما بين صلاة الأولى إلى العصر حتى أخرجه الشيطان منها ) .
فالأمانة هي الفرائض التي ائتمن الله عليها العباد .
وقد اختلف في تفاصيل بعضها على أقوال ; فقال ابن مسعود : هي في أمانات الأموال كالودائع وغيرها .
وروي عنه أنها في كل الفرائض ، وأشدها أمانة المال .
وقال أبي بن كعب : من الأمانة أن ائتمنت المرأة على فرجها .
وقال أبو الدرداء : غسل الجنابة أمانة ، وأن الله تعالى لم يأمن ابن آدم على شيء من دينه غيرها .
وفي حديث مرفوع الأمانة الصلاة إن شئت قلت قد صليت وإن شئت قلت لم أصل .
وكذلك الصيام وغسل الجنابة .
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : أول ما خلق الله تعالى من الإنسان فرجه وقال هذه أمانة استودعتكها ، فلا تلبسها إلا بحق .
فإن حفظتها حفظتك ، فالفرج أمانة ، والأذن أمانة ، والعين أمانة ، واللسان أمانة ، والبطن أمانة ، واليد أمانة ، والرجل أمانة ، ولا إيمان لمن لا أمانة له .
وقال السدي : هي ائتمان آدم ابنه قابيل على ولده وأهله ، وخيانته إياه في قتل أخيه .
وذلك أن الله تعالى قال له : ( يا آدم ، هل تعلم أن لي بيتا في الأرض ) قال : ( اللهم لا ) قال : ( فإن لي بيتا بمكة فأته ) فقال للسماء : احفظي ولدي بالأمانة ؟ فأبت ، وقال للأرض : احفظي ولدي بالأمانة فأبت ، وقال للجبال كذلك فأبت .
فقال لقابيل : احفظ ولدي بالأمانة ، فقال نعم ، تذهب وترجع فتجد ولدك كما يسرك .
فرجع فوجده قد قتل أخاه ، فذلك قوله تبارك وتعالى : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها .
الآية .
وروى معمر عن الحسن أن الأمانة عرضت على السماوات والأرض والجبال ، قالت : وما فيها ؟ قيل لها : إن أحسنت جوزيت وإن أسأت عوقبت .
فقالت لا .
قال مجاهد : فلما خلق الله تعالى آدم عرضها عليه ، قال : وما هي ؟ قال : إن أحسنت أجرتك وإن أسأت عذبتك .
قال : فقد تحملتها يا رب .
قال مجاهد : فما كان بين أن تحملها إلى أن أخرج من الجنة إلا قدر ما بين الظهر والعصر .
وروى علي بن طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال قال : الأمانة الفرائض ، عرضها الله عز وجل على السماوات والأرض والجبال ، إن أدوها أثابهم ، وإن ضيعوها عذبهم .
فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية ، ولكن تعظيما لدين الله عز وجل ألا يقوموا به .
ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها .
قال النحاس : وهذا القول هو الذي عليه أهل التفسير .
وقيل : لما حضرت آدم صلى الله عليه وسلم الوفاة أمر أن يعرض الأمانة على الخلق ، فعرضها فلم يقبلها إلا بنوه .
وقيل : هذه الأمانة هي ما أودعه الله تعالى في السماوات والأرض والجبال والخلق ، من الدلائل على ربوبيته أن يظهروها فأظهروها ، إلا الإنسان فإنه كتمها وجحدها ; قاله بعض المتكلمين .
ومعنى عرضنا أظهرنا ، كما تقول : عرضت الجارية على البيع .
والمعنى إنا عرضنا الأمانة وتضييعها على أهل السماوات وأهل الأرض من الملائكة والإنس والجن فأبين أن يحملنها أي أن يحملن وزرها ، كما قال جل وعز : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم .
وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا .
وحملها الإنسان قال الحسن : المراد الكافر والمنافق .
إنه كان ظلوما لنفسه جهولا بربه .
فيكون على هذا الجواب مجازا ، مثل : واسأل القرية .
وفيه جواب آخر على أن يكون حقيقة أنه عرض على السماوات والأرض والجبال الأمانة وتضييعها وهي الثواب والعقاب ، أي أظهر لهن ذلك فلم يحملن وزرها ، وأشفقت وقالت : لا أبتغي ثوابا ولا عقابا ، وكل يقول : هذا أمر لا نطيقه ، ونحن لك سامعون ومطيعون فيما أمرن به وسخرن له ، قال الحسن وغيره .
قال العلماء : معلوم أن الجماد لا يفهم ولا يجيب ، فلا بد من تقدير الحياة على القول الأخير .
وهذا العرض عرض تخيير لا إلزام .
والعرض على الإنسان إلزام .
وقال القفال وغيره : العرض في هذه الآية ضرب مثل ، أي أن السماوات والأرض على كبر أجرامها ، لو كانت بحيث يجوز تكليفها لثقل عليها تقلد الشرائع ، لما فيها من الثواب والعقاب ، أي أن التكليف أمر حقه أن تعجز عنه السماوات والأرض والجبال ، وقد كلفه الإنسان وهو ظلوم جهول لو عقل .
وهذا كقوله : لو أنزلنا هذا القرآن على جبل - ثم قال : - وتلك الأمثال نضربها للناس .
قال القفال : فإذا تقرر في أنه تعالى يضرب الأمثال ، وورد علينا من الخبر ما لا يخرج إلا على ضرب المثل ، وجب حمله عليه .
وقال قوم : إن الآية من المجاز ، أي إنا إذا قايسنا ثقل الأمانة بقوة السماوات والأرض والجبال ، رأينا أنها لا تطيقها ، وأنها لو تكلمت لأبت وأشفقت ، فعبر عن هذا المعنى بقوله .
إنا عرضنا الأمانة الآية .
وهذا كما تقول : عرضت الحمل على البعير فأباه ، وأنت تريد قايست قوته بثقل الحمل ، فرأيت أنها تقصر عنه .
وقيل : عرضنا بمعنى عارضنا الأمانة بالسماوات والأرض والجبال فضعفت هذه الأشياء عن الأمانة ، ورجحت الأمانة بثقلها عليها .
وقيل : إن عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال ، إنما كان من آدم عليه السلام .
وذلك أن الله تعالى لما استخلفه على ذريته ، وسلطه على جميع ما في الأرض من الأنعام والطير والوحش ، وعهد إليه عهدا أمره فيه ونهاه وحرم وأحل ، فقبله ولم يزل عاملا به .
فلما أن حضرته الوفاة سأل الله أن يعلمه من يستخلف بعده ، ويقلده من الأمانة ما تقلده ، فأمره أن يعرض ذلك على السماوات بالشرط الذي أخذ عليه من الثواب إن أطاع ومن العقاب إن عصى ، فأبين أن يقبلنه شفقا من عذاب الله .
ثم أمره أن يعرض ذلك على الأرض والجبال كلها فأبياه .
ثم أمره أن يعرض ذلك على ولده فعرضه عليه فقبله بالشرط ، ولم يهب منه ما تهيبت السماوات والأرض والجبال .
إنه كان ظلوما لنفسه جهولا بعاقبة ما تقلد لربه .
قال الترمذي الحكيم أبو عبد الله محمد بن علي : عجبت من هذا القائل من أين أتى بهذه القصة ! فإن نظرنا إلى الآثار وجدناها بخلاف ما قال ، وإن نظرنا إلى ظاهره وجدناه بخلاف ما قال ، وإن نظرنا إلى باطنه وجدناه بعيدا مما قال ! وذلك أنه ردد ذكر الأمانة ولم يذكر ما الأمانة ، إلا أنه يومئ في مقالته إلى أنه سلطه على جميع ما في الأرض ، وعهد الله إليه عهدا فيه أمره ونهيه وحله وحرامه ، وزعم أنه أمره أن يعرض ذلك على السماوات والأرض والجبال ; فما تصنع السماوات والأرض والجبال بالحلال والحرام ؟ وما التسليط على الأنعام والطير والوحش ! وكيف إذا عرضه على ولده فقبله في أعناق ذريته من بعده .
وفي مبتدأ الخبر في التنزيل أنه عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال حتى ظهر الإباء منهم ، ثم ذكر أن الإنسان حملها ، أي من قبل نفسه لا أنه حمل ذلك ، فسماه ظلوما أي لنفسه ، جهولا بما فيها .
وأما الآثار التي هي بخلاف ما ذكر ، فحدثني أبي رحمه الله قال حدثنا الفيض بن الفضل الكوفي حدثنا السري بن إسماعيل عن عامر الشعبي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال : لما خلق الله الأمانة مثلها صخرة ، ثم وضعها حيث شاء ، ثم دعا لها السماوات والأرض والجبال ليحملنها ، وقال لهن : إن هذه الأمانة ، ولها ثواب وعليها عقاب ; قالوا : يا رب ، لا طاقة لنا بها ; وأقبل الإنسان من قبل أن يدعى فقال للسماوات والأرض والجبال : ما وقوفكم ؟ قالوا : دعانا ربنا أن نحمل هذه فأشفقنا منها ولم نطقها ; قال : فحركها بيده وقال : والله لو شئت أن أحملها لحملتها ; فحملها حتى بلغ بها إلى ركبتيه ، ثم وضعها وقال : والله لو شئت أن أزداد لازددت ; قالوا : دونك ! فحملها حتى بلغ بها حقويه ، ثم وضعها وقال : والله لو شئت أن أزداد لازددت ; قالوا : دونك ، فحملها حتى وضعها على عاتقه ، فلما أهوى ليضعها ، قالوا : مكانك ! إن هذه الأمانة ، ولها ثواب وعليها عقاب ، وأمرنا ربنا أن نحملها فأشفقنا منها ، وحملتها أنت من غير أن تدعى لها ، فهي في عنقك وفي أعناق ذريتك إلى يوم القيامة ، إنك كنت ظلوما جهولا .
وذكر أخبارا عن الصحابة والتابعين تقدم أكثرها .
وحملها الإنسان أي التزم القيام بحقها ، وهو في ذلك ظلوم لنفسه .
وقال قتادة : للأمانة ، جهول بقدر ما دخل فيه .
وهذا تأويل ابن عباس وابن جبير .
وقال الحسن : جهول بربه .
قال : ومعنى ( حملها ) خان فيها .
وقال الزجاج : والآية في الكافر والمنافق والعصاة على قدرهم على هذا التأويل .
وقال ابن عباس وأصحابه والضحاك وغيره : الإنسان آدم ، تحمل الأمانة فما تم له يوم حتى عصى المعصية التي أخرجته من الجنة .
وعن ابن عباس أن الله تعالى قال له : أتحمل هذه الأمانة بما فيها .
قال وما فيها ؟ قال : إن أحسنت جزيت وإن أسأت عوقبت .
قال : أنا أحملها بما فيها بين أذني وعاتقي .
فقال الله تعالى له : إني سأعينك ، قد جعلت لبصرك حجابا فأغلقه عما لا يحل لك ، ولفرجك لباسا فلا تكشفه إلا على ما أحللت لك .
وقال قوم : الإنسان النوع كله .
وهذا حسن مع عموم الأمانة كما ذكرناه أولا .
وقال السدي : الإنسان قابيل .
فالله أعلم .
ثم بين- سبحانه- ضخامة التبعة التي حملها الإنسان فقال: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ .
.
.
وأرجح الأقوال وأجمعها في المراد بالأمانة هنا: أنها التكاليف والفرائض الشرعية التي كلف الله- تعالى- بها عباده، من إخلاص في العبادة، ومن أداء للطاعات، ومن محافظة على آداب هذا الدين وشعائره وسننه.
وسمى- سبحانه- ما كلفنا به أمانة، لأن هذه التكاليف حقوق أمرنا- سبحانه- بها، وائتمننا عليها، وأوجب علينا مراعاتها والمحافظة عليها، وأداءها بدون إخلال بشيء منها.
والمراد بالإنسان: آدم- عليه السلام- أو جنس الإنسان.
والمراد بحمله إياها: تقبله لحمل هذه التكاليف والأوامر والنواهي مع ثقلها وضخامتها.
وللعلماء في تفسير هذه الآية اتجاهات، فمنهم من يرى أن الكلام على حقيقته، وأن الله- تعالى- قد عرض هذه التكاليف الشرعية المعبر عنها بالأمانة، على السموات والأرض والجبال فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها لثقلها وضخامتها وَأَشْفَقْنَ مِنْها أى: وخفن من عواقب حملها أن ينشأ لهن من ذلك ما يؤدى بهن إلى عذاب الله وسخطه بسبب التقصير في أداء ما كلفن بأدائه.
وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ أى: وقبل الإنسان حمل هذه الأمانة عند عرضها عليه، بعد أن أبت السموات والأرض والجبال حملها، وأشفقن منها.
إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا أى: إنه كان مفرطا في ظلمه لنفسه، ومبالغا في الجهل، لأن هذا الجنس من الناس لم يلتزموا جميعا بأداء ما كلفهم الله- تعالى- بأدائه.
وإنما منهم من أداها على وجهها- وهم الأقلون-، ومنهم من لم يؤدها وإنما عصى ما أمره به ربه، وخان الأمانة التي التزم بأدائها.
فالضمير في قوله إِنَّهُ يعود على بعض أفراد جنس الإنسان، وهم الذين لم يؤدوا حقوق هذه الامانة التي التزموا بحملها.
قال الآلوسى: إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا أى: بحسب غالب أفراده الذين لم يعملوا بموجب فطرتهم السليمة، دون من عداهم من الذين لم يبدلوا فطرة الله ويكفى في صدق الحكم على الجنس بشيء، وجوده في بعض أفراده، فضلا عن وجوده في غالبها.
.
.
وقال بعض العلماء: ورجوع الضمير إلى مجرد اللفظ دون اعتبار المعنى التفصيلي معروف في اللغة التي نزل بها القرآن.
وقد جاء فعلا في آية من كتاب الله، وهي قوله- تعالى-: وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ .
.
.
لأن الضمير في قوله: وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ راجع إلى لفظ المعمر دون معناه التفصيلي، كما هو ظاهر.
وهذه المسألة هي المعروفة عند علماء العربية بمسألة: عندي درهم ونصفه.
أى: ونصف درهم آخر .
وأصحاب هذا الاتجاه يقولون: لا مانع إطلاقا من أن يخلق الله- تعالى- إدراكا ونطقا للسموات والأرض والجبال، ولكن هذا الإدراك والنطق لا يعلمه إلا هو- سبحانه-.
ومما يشهد لذلك قوله- تعالى-: تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ، وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً .
قال الجمل: وكان هذا العرض عليهن- أى على السموات والأرض والجبال تخييرا لا إلزاما، ولو ألزمهن لم يمتنعن عن حملها.
والجمادات كلها خاضعة لله- تعالى- مطيعة لأمره، ساجدة له.
قال بعض أهل العلم: ركب الله- تعالى- فيهن العقل والفهم حين عرض عليهن الأمانة، حتى عقلن الخطاب، وأجبن بما أجبن.
ويرى بعضهم أن العرض في الآية الكريمة من قبيل ضرب المثل، أو من قبيل المجاز.
قال الإمام القرطبي ما ملخصه: لما بين- تعالى- في هذه السورة من الأحكام ما بين، أمر بالتزام أوامره، والأمانة تعم جميع وظائف الدين، على الصحيح من الأقوال، وهو قول الجمهور.
.
ويصح أن يكون عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال على سبيل الحقيقة.
.
وقال القفال وغيره: العرض في هذه الآية ضرب مثل، أى: أن السموات والأرض والجبال على كبر أجرامها، لو كانت بحيث يجوز تكليفها، لثقل عليها تقلد الشرائع، لما فيها من الثواب والعقاب.
أى: أن التكليف أمر حقه أن تعجز عنه السموات والأرض والجبال، وقد حمله الإنسان وهو ظلوم جهول لو عقل.
وهذا كقوله: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ، لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ.
.
.
.
وقال قوم: إن الآية من المجاز: أى: أنا إذا قايسنا ثقل الأمانة بقوة السموات والأرض والجبال، رأينا أنها لا تطيقها، وأنها لو تكلمت لأبت وأشفقت، فعبّر عن هذا بعرض الأمانة.
كما تقول: عرضت الحمل على البعير فأباه، وأنت تريد: قايست قوته بثقل الحمل فرأيت أنها تقصر عنه.
.
وقيل: عَرَضْنَا يعنى عارضنا الأمانة بالسموات والأرض والجبال، فضعفت هذه الأشياء عن الأمانة.
ورجحت الأمانة بثقلها عليها.
.
ويبدو لنا أن حمل الكلام على الحقيقة أولى بالقبول، لأنه ما دام لم يوجد مانع يمنع منه، فلا داعي لصرفه عن ذلك.
ومما لا شك أن قدرة الله- تعالى- لا يعجزها أن تخلق في السموات والأرض والجبال إدراكا وتمييزا ونطقا لا يعلمه إلا هو- سبحانه.
» تفسير القرطبي: مضمون الآية
قوله تعالى : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولالما بين تعالى في هذه السورة من الأحكام ما بين ، أمر بالتزام أوامره .
والأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال ، وهو قول الجمهور .
روى الترمذي الحكيم أبو عبد الله : حدثنا إسماعيل بن نصر عن صالح بن عبد الله عن محمد بن يزيد بن جوهر عن الضحاك عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قال الله تعالى لآدم يا آدم إني عرضت الأمانة على السماوات والأرض فلم تطقها فهل أنت حاملها بما فيها فقال وما فيها يا رب قال إن حملتها أجرت وإن ضيعتها عذبت فاحتملها بما فيها فلم يلبث في الجنة إلا قدر ما بين صلاة الأولى إلى العصر حتى أخرجه الشيطان منها ) .
فالأمانة هي الفرائض التي ائتمن الله عليها العباد .
وقد اختلف في تفاصيل بعضها على أقوال ; فقال ابن مسعود : هي في أمانات الأموال كالودائع وغيرها .
وروي عنه أنها في كل الفرائض ، وأشدها أمانة المال .
وقال أبي بن كعب : من الأمانة أن ائتمنت المرأة على فرجها .
وقال أبو الدرداء : غسل الجنابة أمانة ، وأن الله تعالى لم يأمن ابن آدم على شيء من دينه غيرها .
وفي حديث مرفوع الأمانة الصلاة إن شئت قلت قد صليت وإن شئت قلت لم أصل .
وكذلك الصيام وغسل الجنابة .
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : أول ما خلق الله تعالى من الإنسان فرجه وقال هذه أمانة استودعتكها ، فلا تلبسها إلا بحق .
فإن حفظتها حفظتك ، فالفرج أمانة ، والأذن أمانة ، والعين أمانة ، واللسان أمانة ، والبطن أمانة ، واليد أمانة ، والرجل أمانة ، ولا إيمان لمن لا أمانة له .
وقال السدي : هي ائتمان آدم ابنه قابيل على ولده وأهله ، وخيانته إياه في قتل أخيه .
وذلك أن الله تعالى قال له : ( يا آدم ، هل تعلم أن لي بيتا في الأرض ) قال : ( اللهم لا ) قال : ( فإن لي بيتا بمكة فأته ) فقال للسماء : احفظي ولدي بالأمانة ؟ فأبت ، وقال للأرض : احفظي ولدي بالأمانة فأبت ، وقال للجبال كذلك فأبت .
فقال لقابيل : احفظ ولدي بالأمانة ، فقال نعم ، تذهب وترجع فتجد ولدك كما يسرك .
فرجع فوجده قد قتل أخاه ، فذلك قوله تبارك وتعالى : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها .
الآية .
وروى معمر عن الحسن أن الأمانة عرضت على السماوات والأرض والجبال ، قالت : وما فيها ؟ قيل لها : إن أحسنت جوزيت وإن أسأت عوقبت .
فقالت لا .
قال مجاهد : فلما خلق الله تعالى آدم عرضها عليه ، قال : وما هي ؟ قال : إن أحسنت أجرتك وإن أسأت عذبتك .
قال : فقد تحملتها يا رب .
قال مجاهد : فما كان بين أن تحملها إلى أن أخرج من الجنة إلا قدر ما بين الظهر والعصر .
وروى علي بن طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال قال : الأمانة الفرائض ، عرضها الله عز وجل على السماوات والأرض والجبال ، إن أدوها أثابهم ، وإن ضيعوها عذبهم .
فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية ، ولكن تعظيما لدين الله عز وجل ألا يقوموا به .
ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها .
قال النحاس : وهذا القول هو الذي عليه أهل التفسير .
وقيل : لما حضرت آدم صلى الله عليه وسلم الوفاة أمر أن يعرض الأمانة على الخلق ، فعرضها فلم يقبلها إلا بنوه .
وقيل : هذه الأمانة هي ما أودعه الله تعالى في السماوات والأرض والجبال والخلق ، من الدلائل على ربوبيته أن يظهروها فأظهروها ، إلا الإنسان فإنه كتمها وجحدها ; قاله بعض المتكلمين .
ومعنى عرضنا أظهرنا ، كما تقول : عرضت الجارية على البيع .
والمعنى إنا عرضنا الأمانة وتضييعها على أهل السماوات وأهل الأرض من الملائكة والإنس والجن فأبين أن يحملنها أي أن يحملن وزرها ، كما قال جل وعز : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم .
وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا .
وحملها الإنسان قال الحسن : المراد الكافر والمنافق .
إنه كان ظلوما لنفسه جهولا بربه .
فيكون على هذا الجواب مجازا ، مثل : واسأل القرية .
وفيه جواب آخر على أن يكون حقيقة أنه عرض على السماوات والأرض والجبال الأمانة وتضييعها وهي الثواب والعقاب ، أي أظهر لهن ذلك فلم يحملن وزرها ، وأشفقت وقالت : لا أبتغي ثوابا ولا عقابا ، وكل يقول : هذا أمر لا نطيقه ، ونحن لك سامعون ومطيعون فيما أمرن به وسخرن له ، قال الحسن وغيره .
قال العلماء : معلوم أن الجماد لا يفهم ولا يجيب ، فلا بد من تقدير الحياة على القول الأخير .
وهذا العرض عرض تخيير لا إلزام .
والعرض على الإنسان إلزام .
وقال القفال وغيره : العرض في هذه الآية ضرب مثل ، أي أن السماوات والأرض على كبر أجرامها ، لو كانت بحيث يجوز تكليفها لثقل عليها تقلد الشرائع ، لما فيها من الثواب والعقاب ، أي أن التكليف أمر حقه أن تعجز عنه السماوات والأرض والجبال ، وقد كلفه الإنسان وهو ظلوم جهول لو عقل .
وهذا كقوله : لو أنزلنا هذا القرآن على جبل - ثم قال : - وتلك الأمثال نضربها للناس .
قال القفال : فإذا تقرر في أنه تعالى يضرب الأمثال ، وورد علينا من الخبر ما لا يخرج إلا على ضرب المثل ، وجب حمله عليه .
وقال قوم : إن الآية من المجاز ، أي إنا إذا قايسنا ثقل الأمانة بقوة السماوات والأرض والجبال ، رأينا أنها لا تطيقها ، وأنها لو تكلمت لأبت وأشفقت ، فعبر عن هذا المعنى بقوله .
إنا عرضنا الأمانة الآية .
وهذا كما تقول : عرضت الحمل على البعير فأباه ، وأنت تريد قايست قوته بثقل الحمل ، فرأيت أنها تقصر عنه .
وقيل : عرضنا بمعنى عارضنا الأمانة بالسماوات والأرض والجبال فضعفت هذه الأشياء عن الأمانة ، ورجحت الأمانة بثقلها عليها .
وقيل : إن عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال ، إنما كان من آدم عليه السلام .
وذلك أن الله تعالى لما استخلفه على ذريته ، وسلطه على جميع ما في الأرض من الأنعام والطير والوحش ، وعهد إليه عهدا أمره فيه ونهاه وحرم وأحل ، فقبله ولم يزل عاملا به .
فلما أن حضرته الوفاة سأل الله أن يعلمه من يستخلف بعده ، ويقلده من الأمانة ما تقلده ، فأمره أن يعرض ذلك على السماوات بالشرط الذي أخذ عليه من الثواب إن أطاع ومن العقاب إن عصى ، فأبين أن يقبلنه شفقا من عذاب الله .
ثم أمره أن يعرض ذلك على الأرض والجبال كلها فأبياه .
ثم أمره أن يعرض ذلك على ولده فعرضه عليه فقبله بالشرط ، ولم يهب منه ما تهيبت السماوات والأرض والجبال .
إنه كان ظلوما لنفسه جهولا بعاقبة ما تقلد لربه .
قال الترمذي الحكيم أبو عبد الله محمد بن علي : عجبت من هذا القائل من أين أتى بهذه القصة ! فإن نظرنا إلى الآثار وجدناها بخلاف ما قال ، وإن نظرنا إلى ظاهره وجدناه بخلاف ما قال ، وإن نظرنا إلى باطنه وجدناه بعيدا مما قال ! وذلك أنه ردد ذكر الأمانة ولم يذكر ما الأمانة ، إلا أنه يومئ في مقالته إلى أنه سلطه على جميع ما في الأرض ، وعهد الله إليه عهدا فيه أمره ونهيه وحله وحرامه ، وزعم أنه أمره أن يعرض ذلك على السماوات والأرض والجبال ; فما تصنع السماوات والأرض والجبال بالحلال والحرام ؟ وما التسليط على الأنعام والطير والوحش ! وكيف إذا عرضه على ولده فقبله في أعناق ذريته من بعده .
وفي مبتدأ الخبر في التنزيل أنه عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال حتى ظهر الإباء منهم ، ثم ذكر أن الإنسان حملها ، أي من قبل نفسه لا أنه حمل ذلك ، فسماه ظلوما أي لنفسه ، جهولا بما فيها .
وأما الآثار التي هي بخلاف ما ذكر ، فحدثني أبي رحمه الله قال حدثنا الفيض بن الفضل الكوفي حدثنا السري بن إسماعيل عن عامر الشعبي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال : لما خلق الله الأمانة مثلها صخرة ، ثم وضعها حيث شاء ، ثم دعا لها السماوات والأرض والجبال ليحملنها ، وقال لهن : إن هذه الأمانة ، ولها ثواب وعليها عقاب ; قالوا : يا رب ، لا طاقة لنا بها ; وأقبل الإنسان من قبل أن يدعى فقال للسماوات والأرض والجبال : ما وقوفكم ؟ قالوا : دعانا ربنا أن نحمل هذه فأشفقنا منها ولم نطقها ; قال : فحركها بيده وقال : والله لو شئت أن أحملها لحملتها ; فحملها حتى بلغ بها إلى ركبتيه ، ثم وضعها وقال : والله لو شئت أن أزداد لازددت ; قالوا : دونك ! فحملها حتى بلغ بها حقويه ، ثم وضعها وقال : والله لو شئت أن أزداد لازددت ; قالوا : دونك ، فحملها حتى وضعها على عاتقه ، فلما أهوى ليضعها ، قالوا : مكانك ! إن هذه الأمانة ، ولها ثواب وعليها عقاب ، وأمرنا ربنا أن نحملها فأشفقنا منها ، وحملتها أنت من غير أن تدعى لها ، فهي في عنقك وفي أعناق ذريتك إلى يوم القيامة ، إنك كنت ظلوما جهولا .
وذكر أخبارا عن الصحابة والتابعين تقدم أكثرها .
وحملها الإنسان أي التزم القيام بحقها ، وهو في ذلك ظلوم لنفسه .
وقال قتادة : للأمانة ، جهول بقدر ما دخل فيه .
وهذا تأويل ابن عباس وابن جبير .
وقال الحسن : جهول بربه .
قال : ومعنى ( حملها ) خان فيها .
وقال الزجاج : والآية في الكافر والمنافق والعصاة على قدرهم على هذا التأويل .
وقال ابن عباس وأصحابه والضحاك وغيره : الإنسان آدم ، تحمل الأمانة فما تم له يوم حتى عصى المعصية التي أخرجته من الجنة .
وعن ابن عباس أن الله تعالى قال له : أتحمل هذه الأمانة بما فيها .
قال وما فيها ؟ قال : إن أحسنت جزيت وإن أسأت عوقبت .
قال : أنا أحملها بما فيها بين أذني وعاتقي .
فقال الله تعالى له : إني سأعينك ، قد جعلت لبصرك حجابا فأغلقه عما لا يحل لك ، ولفرجك لباسا فلا تكشفه إلا على ما أحللت لك .
وقال قوم : الإنسان النوع كله .
وهذا حسن مع عموم الأمانة كما ذكرناه أولا .
وقال السدي : الإنسان قابيل .
فالله أعلم .