♡ Šąɱąя ♡
06-01-2022, 11:21 PM
ج- من سنن الله في رسله وأتباعهم، أن الحرب والنصر بينهم وبين أعدائهم مداولة:
فيكون النصر تارة لهم وتارة لعدوهم، لكن تكون عاقبة الأمر لهم، وهذه من أعلام الرسل التي أخبر بها هرقل أبا سفيان رضي الله عنه لما سأله فكيف قتالكم إياه؟) فقال أبو سفيان الحرب بيننا وبينه سجال[1]، يصيب منا ونصيب منه)، فقال هرقل - لما عرف علامات النبوة الصادقة -: ( وسألتك: هل قاتلتموه فزعمت أنكم قد قاتلتموه، فتكون الحرب بينكم وبينه سجالا، ينال منكم وتنالون منه، وكذلك الرسل تبتلى، ثم تكون لهم العاقبة)[2].
وقد بين الله تعالى ذلك في قوله: ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [3].
ومن حكمة الله تعالى في ذلك - والله أعلم - أن الرسل والمؤمنين لو اُنتصر عليهم دائما، لم يحصل المقصود من البعثة والرسالة، ولو انتصروا دائما، لآل الأمر إلى الإلجاء المنافي للتكليف، فاقتضت حكمته تعالى جمع الأمرين منعا للإلجاء من جهة، أو ضياع الرسالة من جهة أخرى.
كما أنه تعالى لو نصر المؤمنين دائما، لطغت نفوسهم، كطغيانها لو بسط الله لهم الرزق، كما في قوله تعالى: ﴿ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ﴾ [4]، فإن النفوس تكتسب من العافية الدائمة والنصر طغيانا وركونا إلى العاجلة، فلا يصلح لها إلا السراء والضراء، والشدة والرخاوة[5].
إضافة إلى ذلك ما قد يفوتهم من المصالح المترتبة على الابتلاء - والتي قد تخفى - من اتخاذ الشهداء، الوصول إلى الدرجات العلى عند الصبر، وتمييز الطيب من الخبيث، وتمحيص النفوس.
وهذا هو حال الرسل، وحال نبينا صلوات الله عليهم وسلامه، وقد قصها الله تعالى في كتابه الكريم على عباده، لتكون (عبرة للمؤمنين منهم، فإنهم لا بد أن يبتلوا بما هو أكثر من ذلك، ولا ييأسوا إذا ابتلوا بذلك، ويعلمون أنه قد ابتلي به من هو خير منهم، وكانت العاقبة إلى خير، فليتق المرتاب، ويتوب المذنب، ويقوى إيمان المؤمنين، فبها يصح الإتساء بالأنبياء)[6].
ولا ينبغي للأمة الإسلامية أن يصيبها الوهن والخذلان عند غلبة الآخرين وتفوقهم عليها، بل تنظر إلى ماضيها، وكيف أنها سادت الأرض زمنا طويلا، ولتدفعها معرفة سنة تداول القوى، إلى العمل على استعادة مكانتها وفعلها الحضاري على الأرض، وقد قال تعالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [7].[8]
د- سنة الأخذ بالأسباب، والتأهب والاستعداد:
إن المسلم الحق يباشر الأسباب المباحة لينال مطلوبه، ويبذل وسعه لتحقيق ما يريد، ولا يعجز أو يتواكل، ثم يدعي التوكل على الله،[9] بل أنه يأخذ بالأسباب التي تساعده في الوصول إلى هدفه المنشود، في ذات الوقت الذي يجعل كل اعتماده وتوكله على الله تعالى لا على الأسباب ذاتها، فلا تعارض بينهما.
فالمؤمن يعلم أن الأمور كلها بيد الله تعالى وتقديره، (وإنما الأسباب وتوفرها فيها طمأنينة للقلوب وثبات كل على الخير)[10]، وفي نفس الوقت هو مأمور بالعمل بالأسباب المباحة الملائمة لتحقيق ما يسعى إليه، وهذا ما يعبر عنه بـ(قانون السببية)، وهو: أن الله تعالى أقام مظاهر الكون على أساس واحد، وهو تعلق الأسباب بالمسببات، والمعلول بالعلة، فإنه لا يحدث شيء في الكون إلا وله سبب أدى إلى حدوثه، ولا يسري نظام ما في ظاهرة كونية، إلا وله تعليل مادي أو غير مادي، أودعه الله في هذه الظاهرة الكونية، كي تسير على نسق دقيق، يدل على حكمته وقدرته تعالى[11].
ومن النصوص الصريحة الواردة في مراعاة الأسباب، وعدم تعارضها مع التوكل أو تنافيه الحديث الذي رواه عمرو بن أمية الضمري[12] رضي الله عنه، عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله أرسل راحلتي وأتوكل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بل قيدها وتوكل))[13].
وأهل السنة والجماعة وسط في الأخذ بالأسباب فهم لا يعطلون الأسباب ويعرضوا عنها، بدعوى التوكل على الله[14]، أو باعتقاد عدم نفعها لسبق القضاء[15]، وكذلك لا يتشبثون بالأسباب بجوارحهم وقلوبهم، ويغفلون عن مسبب هذه الأسباب، ويعتمدون عليها،[16] بل يأخذون بها ولا يغفلون عن مسببها، فهم معها بجوارحهم وأبدانهم، ومع ربهم بقلوبهم وعقولهم، وهؤلاء هم المتوكلون حقا، فهم قد رعوا سنة الله في خلقه، وأيقنوا بأن الله هو الذي وضع هذه الأسباب وأمر باتخاذها، ورتب عليها آثارها قدرا وشرعا، وهو القادر - في الوقت نفسه - على أن يعطلها إذا شاء، وأن يخلق من الموانع ما يعوق سيرها، ويبطل أثرها[17].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
(فالتوكل من أعظم الأسباب التي يحصل بها المطلوب، ويندفع بها المكروه، فمن أنكر الأسباب لم يستقم منه التوكل، ولكن من تمام التوكل عدم الركون إلى الأسباب، وقطع علاقة القلب بها، فيكون حال قلبه قيامه بالله لا بها، وحال بدنه قيامه بها)[18].
ومن هذا المنطلق، نرى النبي صلى الله عليه وسلم - وهو أعظم الخلق وأصدقهم توكلا على الله - يعد العدة ويهيئ الأسباب الملائمة في جميع غزواته، كما يتخذ الاحتياطات اللازمة لسلامة الجيش، فيدعو الله أن يأخذ الأخبار والعيون كي لا تصل أخباره إلى قريش.
ويستخدم التورية والخدعة في الحرب، حين يرسل سرية تمويهية إلى بطن أضم قبل مسيره إلى مكة، ويأمر بحراسة مداخل المدينة، ويستنفر الناس ويأمرهم بأخذ الأهبة والتجهز للقتال، وكل هذه أسباب لإحكام المفاجأة وإنجاح الغزوة.
وحرصا منه على قوة المسلمين وألا يخالطهم وينتابهم أي ضعف، يأمرهم بالفطر، ثم لما نزل مر الظهران أقام الحراسة حول المعسكر احتياطا، كما يلبس المغفر حماية لنفسه من الأذى، إلى غير ذلك مما يظهر للمتأمل في تدابير غزوة الفتح.
وتظهر أهمية فقه السنن الإلهية ومعرفتها من النقاط الآتية:
1- أن معرفة أثر السنن في الأنفس والمجتمعات، ضروري لمعرفة طبيعة هذا الدين، وطبيعة الجاهلية المقابلة، فيكون المسلم على بينة من مباينة السبل، واختلاف المناهج والتوجهات والأهداف بين المسلمين وأعدائهم الكافرين.
2- من خلال السنن الإلهية يفهم المسلمون التاريخ على حقيقته، فيعرفون عوامل البناء والأمن والاستقرار والتقدم، وعوامل الهدم والخوف والانحطاط والتخلف، ويتبصرون بكيفية السلوك الصحيح في الحياة، فلا يقعون في الخطأ والغرور والأماني الكاذبة[19].
3- أن الإيمان بالسنن الإلهية ذو مردود معنوي باهر في نفس المؤمن، فهو يشعر بالرضا والاطمئنان عن نفسه وعن ربه، ويرضى بقدر الله تعالى في السراء والضراء، وقد علم أن الله تعالى قد أتقن كل شيء، ولم يخلقه عبثا، بل كل شيء له تعالى فيه حكمة، فيرضى بما قسم الله له من رزق وقدرات، لأنه يؤمن بعدله تعالى وحكمته.
كما يشعر بالأمن النفسي، فلا يتحسر على ما فاته في الماضي، ولا يجزع من الحاضر، أو يخاف من المستقبل، فهو آمن على رزقه، لأن الله تعالى ضامنه، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [20].
كما يعيش آمنا على أجله، لأنه يعلم أن له ميقاتا مسمى، وأنه سنة الله في عباده، فلا يخاف الموت، وقد قال تعالى: ﴿ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [21].
وحين يعلم سنة الله في ابتلاء عباده المؤمنين بالشدائد،وأن العاقبة للمتقين، يغمر جوانحه السكينة، وينشرح صدره بالأمل، ويبتعد عن القنوط، بل ينبعث النشاط في روحه وبدنه وتهون عليه مصائب الدنيا، ويثبت في الشدائد والمحن.
وإذا علم سنة الله في محاسبة الناس مؤمنهم وكافرهم، وأن تفاضل الناس بتفاضل تقواهم وأعمالهم الصالحة، كان ذلك دافعا له إلى إخلاص العمل وإتقانه، وللمسارعة إلى الخيرات والمداومة عليها، وإذا علم سنة الله في محاسبة الناس مؤمنهم وكافرهم، وأن تفاضل الناس بتفاضل تقواهم وأعمالهم الصالحة، كان ذلك دافعا له إلى إخلاص العمل وإتقانه، وللمسارعة إلى الخيرات والمداومة عليها.[22]
4- كما أن معرفة السنن الإلهية تمثل دافعاً محركاً، يحرك الناس في اتجاه العقيدة الصحيحة، لأن القرآن لا يؤكد ثبات السنن وصدقها فحسب، بل يحولها إلى دافع حركي، يفرض على الجماعات المسلمة أن تتجاوز مواقع الخطأ، التي قادت الجماعات البشرية إلى الهلاك والدمار، وأن تلتزم بفكر وسلوك الجماعات التي رفعت راية الإيمان، واستحقت لأجل ذلك رضا الله[23].
فيكون النصر تارة لهم وتارة لعدوهم، لكن تكون عاقبة الأمر لهم، وهذه من أعلام الرسل التي أخبر بها هرقل أبا سفيان رضي الله عنه لما سأله فكيف قتالكم إياه؟) فقال أبو سفيان الحرب بيننا وبينه سجال[1]، يصيب منا ونصيب منه)، فقال هرقل - لما عرف علامات النبوة الصادقة -: ( وسألتك: هل قاتلتموه فزعمت أنكم قد قاتلتموه، فتكون الحرب بينكم وبينه سجالا، ينال منكم وتنالون منه، وكذلك الرسل تبتلى، ثم تكون لهم العاقبة)[2].
وقد بين الله تعالى ذلك في قوله: ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [3].
ومن حكمة الله تعالى في ذلك - والله أعلم - أن الرسل والمؤمنين لو اُنتصر عليهم دائما، لم يحصل المقصود من البعثة والرسالة، ولو انتصروا دائما، لآل الأمر إلى الإلجاء المنافي للتكليف، فاقتضت حكمته تعالى جمع الأمرين منعا للإلجاء من جهة، أو ضياع الرسالة من جهة أخرى.
كما أنه تعالى لو نصر المؤمنين دائما، لطغت نفوسهم، كطغيانها لو بسط الله لهم الرزق، كما في قوله تعالى: ﴿ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ﴾ [4]، فإن النفوس تكتسب من العافية الدائمة والنصر طغيانا وركونا إلى العاجلة، فلا يصلح لها إلا السراء والضراء، والشدة والرخاوة[5].
إضافة إلى ذلك ما قد يفوتهم من المصالح المترتبة على الابتلاء - والتي قد تخفى - من اتخاذ الشهداء، الوصول إلى الدرجات العلى عند الصبر، وتمييز الطيب من الخبيث، وتمحيص النفوس.
وهذا هو حال الرسل، وحال نبينا صلوات الله عليهم وسلامه، وقد قصها الله تعالى في كتابه الكريم على عباده، لتكون (عبرة للمؤمنين منهم، فإنهم لا بد أن يبتلوا بما هو أكثر من ذلك، ولا ييأسوا إذا ابتلوا بذلك، ويعلمون أنه قد ابتلي به من هو خير منهم، وكانت العاقبة إلى خير، فليتق المرتاب، ويتوب المذنب، ويقوى إيمان المؤمنين، فبها يصح الإتساء بالأنبياء)[6].
ولا ينبغي للأمة الإسلامية أن يصيبها الوهن والخذلان عند غلبة الآخرين وتفوقهم عليها، بل تنظر إلى ماضيها، وكيف أنها سادت الأرض زمنا طويلا، ولتدفعها معرفة سنة تداول القوى، إلى العمل على استعادة مكانتها وفعلها الحضاري على الأرض، وقد قال تعالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [7].[8]
د- سنة الأخذ بالأسباب، والتأهب والاستعداد:
إن المسلم الحق يباشر الأسباب المباحة لينال مطلوبه، ويبذل وسعه لتحقيق ما يريد، ولا يعجز أو يتواكل، ثم يدعي التوكل على الله،[9] بل أنه يأخذ بالأسباب التي تساعده في الوصول إلى هدفه المنشود، في ذات الوقت الذي يجعل كل اعتماده وتوكله على الله تعالى لا على الأسباب ذاتها، فلا تعارض بينهما.
فالمؤمن يعلم أن الأمور كلها بيد الله تعالى وتقديره، (وإنما الأسباب وتوفرها فيها طمأنينة للقلوب وثبات كل على الخير)[10]، وفي نفس الوقت هو مأمور بالعمل بالأسباب المباحة الملائمة لتحقيق ما يسعى إليه، وهذا ما يعبر عنه بـ(قانون السببية)، وهو: أن الله تعالى أقام مظاهر الكون على أساس واحد، وهو تعلق الأسباب بالمسببات، والمعلول بالعلة، فإنه لا يحدث شيء في الكون إلا وله سبب أدى إلى حدوثه، ولا يسري نظام ما في ظاهرة كونية، إلا وله تعليل مادي أو غير مادي، أودعه الله في هذه الظاهرة الكونية، كي تسير على نسق دقيق، يدل على حكمته وقدرته تعالى[11].
ومن النصوص الصريحة الواردة في مراعاة الأسباب، وعدم تعارضها مع التوكل أو تنافيه الحديث الذي رواه عمرو بن أمية الضمري[12] رضي الله عنه، عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله أرسل راحلتي وأتوكل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بل قيدها وتوكل))[13].
وأهل السنة والجماعة وسط في الأخذ بالأسباب فهم لا يعطلون الأسباب ويعرضوا عنها، بدعوى التوكل على الله[14]، أو باعتقاد عدم نفعها لسبق القضاء[15]، وكذلك لا يتشبثون بالأسباب بجوارحهم وقلوبهم، ويغفلون عن مسبب هذه الأسباب، ويعتمدون عليها،[16] بل يأخذون بها ولا يغفلون عن مسببها، فهم معها بجوارحهم وأبدانهم، ومع ربهم بقلوبهم وعقولهم، وهؤلاء هم المتوكلون حقا، فهم قد رعوا سنة الله في خلقه، وأيقنوا بأن الله هو الذي وضع هذه الأسباب وأمر باتخاذها، ورتب عليها آثارها قدرا وشرعا، وهو القادر - في الوقت نفسه - على أن يعطلها إذا شاء، وأن يخلق من الموانع ما يعوق سيرها، ويبطل أثرها[17].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
(فالتوكل من أعظم الأسباب التي يحصل بها المطلوب، ويندفع بها المكروه، فمن أنكر الأسباب لم يستقم منه التوكل، ولكن من تمام التوكل عدم الركون إلى الأسباب، وقطع علاقة القلب بها، فيكون حال قلبه قيامه بالله لا بها، وحال بدنه قيامه بها)[18].
ومن هذا المنطلق، نرى النبي صلى الله عليه وسلم - وهو أعظم الخلق وأصدقهم توكلا على الله - يعد العدة ويهيئ الأسباب الملائمة في جميع غزواته، كما يتخذ الاحتياطات اللازمة لسلامة الجيش، فيدعو الله أن يأخذ الأخبار والعيون كي لا تصل أخباره إلى قريش.
ويستخدم التورية والخدعة في الحرب، حين يرسل سرية تمويهية إلى بطن أضم قبل مسيره إلى مكة، ويأمر بحراسة مداخل المدينة، ويستنفر الناس ويأمرهم بأخذ الأهبة والتجهز للقتال، وكل هذه أسباب لإحكام المفاجأة وإنجاح الغزوة.
وحرصا منه على قوة المسلمين وألا يخالطهم وينتابهم أي ضعف، يأمرهم بالفطر، ثم لما نزل مر الظهران أقام الحراسة حول المعسكر احتياطا، كما يلبس المغفر حماية لنفسه من الأذى، إلى غير ذلك مما يظهر للمتأمل في تدابير غزوة الفتح.
وتظهر أهمية فقه السنن الإلهية ومعرفتها من النقاط الآتية:
1- أن معرفة أثر السنن في الأنفس والمجتمعات، ضروري لمعرفة طبيعة هذا الدين، وطبيعة الجاهلية المقابلة، فيكون المسلم على بينة من مباينة السبل، واختلاف المناهج والتوجهات والأهداف بين المسلمين وأعدائهم الكافرين.
2- من خلال السنن الإلهية يفهم المسلمون التاريخ على حقيقته، فيعرفون عوامل البناء والأمن والاستقرار والتقدم، وعوامل الهدم والخوف والانحطاط والتخلف، ويتبصرون بكيفية السلوك الصحيح في الحياة، فلا يقعون في الخطأ والغرور والأماني الكاذبة[19].
3- أن الإيمان بالسنن الإلهية ذو مردود معنوي باهر في نفس المؤمن، فهو يشعر بالرضا والاطمئنان عن نفسه وعن ربه، ويرضى بقدر الله تعالى في السراء والضراء، وقد علم أن الله تعالى قد أتقن كل شيء، ولم يخلقه عبثا، بل كل شيء له تعالى فيه حكمة، فيرضى بما قسم الله له من رزق وقدرات، لأنه يؤمن بعدله تعالى وحكمته.
كما يشعر بالأمن النفسي، فلا يتحسر على ما فاته في الماضي، ولا يجزع من الحاضر، أو يخاف من المستقبل، فهو آمن على رزقه، لأن الله تعالى ضامنه، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [20].
كما يعيش آمنا على أجله، لأنه يعلم أن له ميقاتا مسمى، وأنه سنة الله في عباده، فلا يخاف الموت، وقد قال تعالى: ﴿ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [21].
وحين يعلم سنة الله في ابتلاء عباده المؤمنين بالشدائد،وأن العاقبة للمتقين، يغمر جوانحه السكينة، وينشرح صدره بالأمل، ويبتعد عن القنوط، بل ينبعث النشاط في روحه وبدنه وتهون عليه مصائب الدنيا، ويثبت في الشدائد والمحن.
وإذا علم سنة الله في محاسبة الناس مؤمنهم وكافرهم، وأن تفاضل الناس بتفاضل تقواهم وأعمالهم الصالحة، كان ذلك دافعا له إلى إخلاص العمل وإتقانه، وللمسارعة إلى الخيرات والمداومة عليها، وإذا علم سنة الله في محاسبة الناس مؤمنهم وكافرهم، وأن تفاضل الناس بتفاضل تقواهم وأعمالهم الصالحة، كان ذلك دافعا له إلى إخلاص العمل وإتقانه، وللمسارعة إلى الخيرات والمداومة عليها.[22]
4- كما أن معرفة السنن الإلهية تمثل دافعاً محركاً، يحرك الناس في اتجاه العقيدة الصحيحة، لأن القرآن لا يؤكد ثبات السنن وصدقها فحسب، بل يحولها إلى دافع حركي، يفرض على الجماعات المسلمة أن تتجاوز مواقع الخطأ، التي قادت الجماعات البشرية إلى الهلاك والدمار، وأن تلتزم بفكر وسلوك الجماعات التي رفعت راية الإيمان، واستحقت لأجل ذلك رضا الله[23].