Şøķåŕą
05-11-2022, 11:02 AM
خواطر إيمانية حول منظومة (سلم الوصول)
في التوحيد (2)
قال الشيخ أحمد حكمي - رحمه الله -:
"مقدمةٌ تعرِّف العبد بما خُلق له، وبأول ما فرض الله تعالى، وبما أخذ الله عليه الميثاق من ظهر آدم - عليه السلامُ - وبما هو صائر إليه.
13- اعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ
لَمْ يَتْرُكِ الْخَلْقَ سُدًى وُهُمَّلاَ
14- بَلْ خَلَقَ الْخَلْقَ لِيَعْبُدُوهُ
وَبِالْإِلَهِيَّةِ يُفْرِدُوهُ"
الله - سبحانه وتعالى - خلَق الخلق لغاية وهدف سامٍ؛ بل هو أسمى وأعلى ما يمكن أن تطمح إليه البشرية، ألا وهو عبادته - جلَّ وعلا.
قال - تعالى -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].
وقال - تعالى -: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115].
وقال كذلك: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ ﴾ [الدخان: 38 - 39].
فحاشا لله أن يكون شيء من أفعاله بلا حكمة أو غاية، والعجب - كل العجب - من أولئك البشر الجاحدين الذين ظنوا أن هذا الكون، وهذه السموات، وهذه الأرضين، والبحار والأنهار، والنباتات، والبشر، والمخلوقات - قد وُجدت هكذا، وجاءت خَبْط عشواء، فكيف يستقيم في فلسفاتهم وعلومهم ومنهجهم التجريبِي - أنَّ لكل سبب مسببًا، ولكل موجود مُوجدًا، ثم لا يقرُّون بأن الله - عزَّ وجلَّ - هو الخالق البارئ المدبِّر لهذا الكون العظيم.
أمْ كيف يظن الظانُّ أن هذه الحياة الكبيرة، وهذا العمر المتطاول للبشرية من قديمٍ - ليس في آخره حسابٌ وجزاء، وانتصاف وقضاء، ونعيم وعذاب؟
أوَيظن أحد أن الناس تكون بعد حياتها ترابًا، فلا حساب ولا عذاب، ولا سؤال عما فعل في حياته؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.
ثم إن الإله العظيم المدبِّر الخالق، إله واحد، لا إله إلا هو، لا شريك، ولا رب سواه، ولا يقبل الله صرفًا من أحد ولا عدْلاً، إلا بعد أن يقر بذلك ويسلِّم، ويفرد ربه بالعبودية - جلَّ وعلا.
15- أَخْرَجَ فِيمَا قَدْ مَضَى مِنْ ظَهْرِ
آدَمَ ذُرِّيَّتَهُ كَالذَّرِّ
16- وَأَخَذَ الْعَهْدَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ
لاَ رَبَّ مَعْبُودٌ بِحَقٍّ غَيْرَهُ
يقول - تعالى -: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ﴾ [الأعراف: 172]، فأخذ الله - عزَّ وجلَّ - الميثاق على كل البشر، وهم كالذر في ظهر آدم - عليه السلام - وخاطبهم وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى.
فشهدوا أن الله - عزَّ وجلَّ - هو الإله الواحد، وهذا الميثاق لا يُحاسَب عليه العبد في الآخرة حتى يأتيه رسول؛ وإنما أثرُه الفطرةُ التي يولَد عليها العبدُ، فيجد نفسه مجبولاً على التوجه نحو السماء، ونحو إله واحد؛ كما قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((كل مولود يُولد على الفطرة - وفي رواية: على هذه الملة - فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه))؛ متفق عليه.
17- وَبَعْدَ هَذَا رُسْلَهُ قَدْ أَرْسَلاَ
لَهُمْ وَبِالْحَقِّ الْكِتَابَ أَنْزَلاَ
18- لِكَيْ - بِذَا الْعَهْدِ - يُذَكِّرُوهُمْ
وَيُنْذِرُوهُمْ وَيُبَشِّرُوهُمْ
19- كَيْ لاَ يَكُونَ حُجَّةٌ لِلنَّاسِ بَلْ
لِلَّهِ أَعْلَى حُجَّةٍ عَزَّ وَجَلّ
يشب الإنسانُ على الفطرة، التي هي أثر الميثاق الأول - ميثاق الذَّرِّ - وهو مجبول على التوجه إلى إله واحد لا شريك له، ولكن الله - عزَّ وجلَّ - مِن رحمته بالبشر لا يحاسبهم حتى يرسل إليهم رسلاً؛ ليذكروهم بعهد الله الأول، ويبشِّروهم بجنة الله - عزَّ وجلَّ - لمن أطاع الله ورسله، وينذروهم عقابَه ونارَه لمن عصاه أو عصى رسله، ومن تمام رحمته وشفقته - سبحانه - بالخلق أنه لم يرسل الرسلَ ليحادثوا الناس ويرشدوهم وفقط؛ وإنما أرسل معهم أيضًا كتبًا بينةً واضحةً تنطق بالحق المبين؛ لتظل مع الناس نبراسًا وهدًى، وحجةً قائمةً، وبرهانًا قاطعًا.
قال - تعالى -: ﴿ رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ [النساء: 165].
وقال - تعالى -: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾ [البقرة: 176].
20- فَمَنْ يُصَدِّقْهُمْ بِلاَ شِقَاقِ
فَقَدْ وَفَى بِذَلِكَ الْمِيثَاقِ
21- وَذَاكَ نَاجٍ مِنْ عَذَابِ النَّارِ
وَذَلِكَ الْوَارِثُ عُقْبَى الدَّارِ
فمن يصدق الرسل، ويؤمن بما جاؤوا به من عند ربهم - عزَّ وجلَّ - ويتَّبعهم ويطيعهم، فقد أطاع الله ووفى بكلا العهدين: ميثاق الذر، وميثاق الرسل، ونجا من عذاب يوم القيامة، وورث الجنة، وصحب الأنبياء والمرسلين والصالحين عند رب العالمين - سبحانه.
قال - تعالى -: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80].
وقال أيضًا: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].
فبِحُسْن اتباعه وعمله الصالح يكون العبدُ في دار الكرامة عند ربه - سبحانه - ويُقال له: ﴿ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الزخرف: 72].
وأما.
22- وَمَنْ بِهِمْ وَبِالْكِتَابِ كَذَّبَا
وَلاَزَمَ الإِعْرَاضَ عَنْهُ وَالإِبَا
فجحد ما جاء به الرسلُ، وكذَّب بالحق لمَّا جاءه، وأعرض ونأى بجانبه، وأبى واستكبر، وشاقَّ الله وشاقَّ الرسل، فحق عليه قول الله: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115].
23- فَذَاكَ نَاقِضٌ كِلاَ الْعَهْدَيْنِ
مُسْتَوْجِبٌ لِلْخِزْيِ فِي الدَّارَيْنِ
نقَض الميثاق الأول، فانتكستْ فطرتُه، حتى لم يعد يرى الحق حقًّا، ولا الباطل باطلاً، وفي ذلك يقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حديث طويل في عرض الفتَنِ على القلوب: ((إن القلوب تصير إلى قلبين: قلبٍ أبيضَ مثلِ الصفا، لا تضُرُّه فتنةٌ ما دامت السموات والأرض، وقلبٍ أسودَ مُرْبَادٍّ كالكُوز مُجَخِّيًا (مقلوبًا)، لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكَرًا، إلا ما أُشرب من هواه)).
فهذا الذي انقلبتْ فطرتُه حتى ما عاد يملك هذا النور الذي وضعه الله في قلب المؤمن، الذي إذا زاد في قلب العبد زال الظلامُ من قلبه، وأصبح العبدُ عبدًا ربانيًّا، فسمعُه وبصره وجوارحه لله وبالله، وإذا زال من قلب العبد زادتْ ظلمتُه ووحشته، وخُشي عليه السقوطُ في دياجير الكفر والنفاق، ثم هو - على إثر ذلك - ما عاد يميز الخبيث من الطيب، فجحد ونقض العهد الثاني، والميثاق التالي: ميثاق الرسل، فكذَّب وعصى، واستكبر وشاقَّ، ولم يتبع سبيل المؤمنين، فاستوجب العقاب، وحقَّ عليه الخزْيُ والعار والخِذلان، وهكذا اقتضت حكمةُ الله - عزَّ وجلَّ - أن العز كل العز في طاعة الله، وإن حَمل العبد أوساخ الناس، والذلَّ كل الذل في عصيان الله، ولو حمل الدُّرَّ والياقوت، وساد رقاب الناس.
يقول - تعالى - في آية محكمة قاطعة فاصلة، حقها أن تُكتب وتُنقش في القلوب قبل الأوراق: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 124 - 127].
وقد صدق من قال من السلف: "إنهم وإن طَقْطَقَتْ بهم البغالُ، وهَمْلَجَتْ بهم البراذينُ، فإنَّ ذُلَّ المعصية لا يُفارق رقابَهم؛ أبَى الله إلا أن يُذل مَن عصاه".
وإلى المقال القادم إن شاء الله.
في التوحيد (2)
قال الشيخ أحمد حكمي - رحمه الله -:
"مقدمةٌ تعرِّف العبد بما خُلق له، وبأول ما فرض الله تعالى، وبما أخذ الله عليه الميثاق من ظهر آدم - عليه السلامُ - وبما هو صائر إليه.
13- اعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ
لَمْ يَتْرُكِ الْخَلْقَ سُدًى وُهُمَّلاَ
14- بَلْ خَلَقَ الْخَلْقَ لِيَعْبُدُوهُ
وَبِالْإِلَهِيَّةِ يُفْرِدُوهُ"
الله - سبحانه وتعالى - خلَق الخلق لغاية وهدف سامٍ؛ بل هو أسمى وأعلى ما يمكن أن تطمح إليه البشرية، ألا وهو عبادته - جلَّ وعلا.
قال - تعالى -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].
وقال - تعالى -: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115].
وقال كذلك: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ ﴾ [الدخان: 38 - 39].
فحاشا لله أن يكون شيء من أفعاله بلا حكمة أو غاية، والعجب - كل العجب - من أولئك البشر الجاحدين الذين ظنوا أن هذا الكون، وهذه السموات، وهذه الأرضين، والبحار والأنهار، والنباتات، والبشر، والمخلوقات - قد وُجدت هكذا، وجاءت خَبْط عشواء، فكيف يستقيم في فلسفاتهم وعلومهم ومنهجهم التجريبِي - أنَّ لكل سبب مسببًا، ولكل موجود مُوجدًا، ثم لا يقرُّون بأن الله - عزَّ وجلَّ - هو الخالق البارئ المدبِّر لهذا الكون العظيم.
أمْ كيف يظن الظانُّ أن هذه الحياة الكبيرة، وهذا العمر المتطاول للبشرية من قديمٍ - ليس في آخره حسابٌ وجزاء، وانتصاف وقضاء، ونعيم وعذاب؟
أوَيظن أحد أن الناس تكون بعد حياتها ترابًا، فلا حساب ولا عذاب، ولا سؤال عما فعل في حياته؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.
ثم إن الإله العظيم المدبِّر الخالق، إله واحد، لا إله إلا هو، لا شريك، ولا رب سواه، ولا يقبل الله صرفًا من أحد ولا عدْلاً، إلا بعد أن يقر بذلك ويسلِّم، ويفرد ربه بالعبودية - جلَّ وعلا.
15- أَخْرَجَ فِيمَا قَدْ مَضَى مِنْ ظَهْرِ
آدَمَ ذُرِّيَّتَهُ كَالذَّرِّ
16- وَأَخَذَ الْعَهْدَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ
لاَ رَبَّ مَعْبُودٌ بِحَقٍّ غَيْرَهُ
يقول - تعالى -: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ﴾ [الأعراف: 172]، فأخذ الله - عزَّ وجلَّ - الميثاق على كل البشر، وهم كالذر في ظهر آدم - عليه السلام - وخاطبهم وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى.
فشهدوا أن الله - عزَّ وجلَّ - هو الإله الواحد، وهذا الميثاق لا يُحاسَب عليه العبد في الآخرة حتى يأتيه رسول؛ وإنما أثرُه الفطرةُ التي يولَد عليها العبدُ، فيجد نفسه مجبولاً على التوجه نحو السماء، ونحو إله واحد؛ كما قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((كل مولود يُولد على الفطرة - وفي رواية: على هذه الملة - فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه))؛ متفق عليه.
17- وَبَعْدَ هَذَا رُسْلَهُ قَدْ أَرْسَلاَ
لَهُمْ وَبِالْحَقِّ الْكِتَابَ أَنْزَلاَ
18- لِكَيْ - بِذَا الْعَهْدِ - يُذَكِّرُوهُمْ
وَيُنْذِرُوهُمْ وَيُبَشِّرُوهُمْ
19- كَيْ لاَ يَكُونَ حُجَّةٌ لِلنَّاسِ بَلْ
لِلَّهِ أَعْلَى حُجَّةٍ عَزَّ وَجَلّ
يشب الإنسانُ على الفطرة، التي هي أثر الميثاق الأول - ميثاق الذَّرِّ - وهو مجبول على التوجه إلى إله واحد لا شريك له، ولكن الله - عزَّ وجلَّ - مِن رحمته بالبشر لا يحاسبهم حتى يرسل إليهم رسلاً؛ ليذكروهم بعهد الله الأول، ويبشِّروهم بجنة الله - عزَّ وجلَّ - لمن أطاع الله ورسله، وينذروهم عقابَه ونارَه لمن عصاه أو عصى رسله، ومن تمام رحمته وشفقته - سبحانه - بالخلق أنه لم يرسل الرسلَ ليحادثوا الناس ويرشدوهم وفقط؛ وإنما أرسل معهم أيضًا كتبًا بينةً واضحةً تنطق بالحق المبين؛ لتظل مع الناس نبراسًا وهدًى، وحجةً قائمةً، وبرهانًا قاطعًا.
قال - تعالى -: ﴿ رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ [النساء: 165].
وقال - تعالى -: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾ [البقرة: 176].
20- فَمَنْ يُصَدِّقْهُمْ بِلاَ شِقَاقِ
فَقَدْ وَفَى بِذَلِكَ الْمِيثَاقِ
21- وَذَاكَ نَاجٍ مِنْ عَذَابِ النَّارِ
وَذَلِكَ الْوَارِثُ عُقْبَى الدَّارِ
فمن يصدق الرسل، ويؤمن بما جاؤوا به من عند ربهم - عزَّ وجلَّ - ويتَّبعهم ويطيعهم، فقد أطاع الله ووفى بكلا العهدين: ميثاق الذر، وميثاق الرسل، ونجا من عذاب يوم القيامة، وورث الجنة، وصحب الأنبياء والمرسلين والصالحين عند رب العالمين - سبحانه.
قال - تعالى -: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80].
وقال أيضًا: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].
فبِحُسْن اتباعه وعمله الصالح يكون العبدُ في دار الكرامة عند ربه - سبحانه - ويُقال له: ﴿ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الزخرف: 72].
وأما.
22- وَمَنْ بِهِمْ وَبِالْكِتَابِ كَذَّبَا
وَلاَزَمَ الإِعْرَاضَ عَنْهُ وَالإِبَا
فجحد ما جاء به الرسلُ، وكذَّب بالحق لمَّا جاءه، وأعرض ونأى بجانبه، وأبى واستكبر، وشاقَّ الله وشاقَّ الرسل، فحق عليه قول الله: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115].
23- فَذَاكَ نَاقِضٌ كِلاَ الْعَهْدَيْنِ
مُسْتَوْجِبٌ لِلْخِزْيِ فِي الدَّارَيْنِ
نقَض الميثاق الأول، فانتكستْ فطرتُه، حتى لم يعد يرى الحق حقًّا، ولا الباطل باطلاً، وفي ذلك يقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حديث طويل في عرض الفتَنِ على القلوب: ((إن القلوب تصير إلى قلبين: قلبٍ أبيضَ مثلِ الصفا، لا تضُرُّه فتنةٌ ما دامت السموات والأرض، وقلبٍ أسودَ مُرْبَادٍّ كالكُوز مُجَخِّيًا (مقلوبًا)، لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكَرًا، إلا ما أُشرب من هواه)).
فهذا الذي انقلبتْ فطرتُه حتى ما عاد يملك هذا النور الذي وضعه الله في قلب المؤمن، الذي إذا زاد في قلب العبد زال الظلامُ من قلبه، وأصبح العبدُ عبدًا ربانيًّا، فسمعُه وبصره وجوارحه لله وبالله، وإذا زال من قلب العبد زادتْ ظلمتُه ووحشته، وخُشي عليه السقوطُ في دياجير الكفر والنفاق، ثم هو - على إثر ذلك - ما عاد يميز الخبيث من الطيب، فجحد ونقض العهد الثاني، والميثاق التالي: ميثاق الرسل، فكذَّب وعصى، واستكبر وشاقَّ، ولم يتبع سبيل المؤمنين، فاستوجب العقاب، وحقَّ عليه الخزْيُ والعار والخِذلان، وهكذا اقتضت حكمةُ الله - عزَّ وجلَّ - أن العز كل العز في طاعة الله، وإن حَمل العبد أوساخ الناس، والذلَّ كل الذل في عصيان الله، ولو حمل الدُّرَّ والياقوت، وساد رقاب الناس.
يقول - تعالى - في آية محكمة قاطعة فاصلة، حقها أن تُكتب وتُنقش في القلوب قبل الأوراق: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 124 - 127].
وقد صدق من قال من السلف: "إنهم وإن طَقْطَقَتْ بهم البغالُ، وهَمْلَجَتْ بهم البراذينُ، فإنَّ ذُلَّ المعصية لا يُفارق رقابَهم؛ أبَى الله إلا أن يُذل مَن عصاه".
وإلى المقال القادم إن شاء الله.