تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الملة الإبراهيمية


رحيل
04-04-2022, 01:07 PM
الملة الإبراهيمية (1)


كتبه/ محمد إسماعيل المقدم


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فأفضل مَن دعا إلى "لا إله إلا الله" بعد رسول الله محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أبوه إبراهيم عليه السلام، أبو الأنبياء، وخليل الرحمن؛ فقد افتتح إبراهيم عليه السلام عهدًا جديدًا، وسطَّر في تاريخ الدعوة إلى التوحيد فصلًا متميزًا فريدًا؛ إذ دعا إلى تحقيق هذه الكلمة في قوة وحرارة بالغتين، وجاهر قومه وأباه بالعداوة، وقال لهم في صراحة وجرأة: (إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ‌وَمَا ‌أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (الممتحنة: 4).

وقال لهم كذلك: (قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ . أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ . فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ . الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ . وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ . وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ . وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ . ‌وَالَّذِي ‌أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ . رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (الشعراء:75-83).

ولما حاجه قومه في الله عز وجل وخوَّفوه عاقبة كفره بآلهتهم وشتمه لها، قال لهم موبِّخًا مسفِّهًا: (أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ . وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ . وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (الأنعام:80-83).

ولم يكتفِ إبراهيم عليه السلام بهذه الدعوة القولية إلى التوحيد، بل بلغت به الجرأة وبيع النفس لله عز وجل أن كاد لهذه الأصنام؛ فاهتبل فرصة خروج القوم إلى عيدٍ لهم؛ فراغ إلى آلهتهم فقال لهم مستهزئًا: (أَلَا تَأْكُلُونَ . مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ . فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ) (الصافات: 91-93)، (فَجَعَلَهُمْ ‌جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) (الأنبياء:58).

فلما رجع القوم إلى مدينتهم ووجدوا أصنامهم على هذا النحو مِن التّفتت والهوان، قالوا: (‌مَنْ ‌فَعَلَ ‌هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ . قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) (الأنبياء: 59-60).

وهكذا انحصرت التهمة في إبراهيم عليه السلام، (فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ . قَالُوا ‌مَنْ ‌فَعَلَ ‌هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ . قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ . قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ . قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ . قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ . فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ . ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ . قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ . أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ . قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ . قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ . وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ . وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 58-71).

وهكذا ضرب إبراهيم عليه السلام المَثَل في التضحية والإخلاص والتفاني في الدعوة إلى الله، واحتمال كل ما يَلقى في سبيلها ولو كان التحريق بالنار، واستحق بذلك ما أثنى الله به عليه في كتابه من قوله عز وجل: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ . وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ . ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل:120-123)، وقوله: (‌وَمَنْ ‌يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (البقرة: 130)، وقوله: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ ‌لِرَبِّ ‌الْعَالَمِينَ) (البقرة:131).

ولم تكن أهمية الدور الذي قام به إبراهيم -عليه السلام- في الدعوة إلى التوحيد قاصرة على ما بذله في حياته مِن جهدٍ استحق به لقب الخلة للرحمن، وتبوأ به منصب الإمامة في الدين، بل إن أهميته لتظهر أكثر وأكثر في امتداد دعوته في الأجيال من بعده، قال سبحانه: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا ‌فِي ‌ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (العنكبوت:27)، فجميع الأنبياء بعد إبراهيم عليه السلام كلهم من ذريته؛ ولهذا لُقِّب بأبي الأنبياء، وقال عز وجل: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ‌إِنَّنِي ‌بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ . إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ . وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الزخرف: 26-28).

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "يقول تعالى مخبِرًا عن عبده ورسوله وخليله إمام الحنفاء، ووالد مَن بُعِث بعده مِن الأنبياء؛ الذي تَنْتَسِب إليه قريش في نسبها ومذهبها: إنه تبرأ مِن أبيه وقومه في عبادتهم الأوثان، فقال: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ‌إِنَّنِي ‌بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ . إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ)، (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ) أي: هذه الكلمة، وهي عبادة الله وحده لا شريك له، وخلع ما سواه من الأوثان، وهي: "لا إله إلا الله" أي: جعلها دائمة في ذريته يقتدي به فيها مَن هداه الله مِن ذرية إبراهيم عليه السلام. (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي: إليها. وقال عكرمة، ومجاهد، وقتادة، وغيرهم في قوله عز وجل: (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ)، يعني: لا إله إلا الله، لا يزال في ذريته مَن يقولها، وروي نحوه عن ابن عباس. وقال ابن زيد: كلمة الإسلام، وهو يرجع إلى ما قاله الجماعة".

وجعل الله سبحانه خليله إبراهيم عليه السلام وأتباعه أسوة لعباده المؤمنين، فقال عز وجل -: (‌قَدْ ‌كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (الممتحنة: 4).

ومِن يوم أن غرس إبراهيم شجرة التوحيد وهي مورقة يانعة الثمار بفضل مَن تعهدها بعده بالسقي والإنماء من الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، نعم كانت تذبل أحيانًا، ويجف ورقها، وتتصوح أزهارها؛ بسبب تفريط الأبناء وغفلتهم عن عهود الآباء، ولكنها على كل حالٍ بقيت تغالب عوامل الموت والفناء، ولقد جاء عليها بعد عيسى عليه السلام آخر أنبياء بني إسرائيل وقتٌ مِن الزمان كادت تذهب فيه وينمحي أثرُها؛ لولا أن تداركتها عناية الله بالرسالة الجامعة الخاتمة التي جاء بها محمد بن عبد الله النبي القرشي الأمي الهاشمي، صلوات الله وسلامه عليه؛ فبعث فيها الحياة قوية فتية، وجدد مِن شبابها حتى استغلظت واستوت على سوقها، وصارت وارفة الظلال، ممتدة الأفياء، أصلها ثابت وفرعها في السماء.

وللحديث بقية إن شاء الله.

رحيل
04-04-2022, 01:07 PM
الملة الإبراهيمية (2)

كتبه/ محمد إسماعيل المقدم



ثناء الله تعالى على خليله إبراهيم عليه السلام



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

أولًا: إبراهيم أمة:

قال الله تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ *كَانَ *أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ).

(*أُمَّةً): أي: يعدل وحده جماعة فيما رزقه الله من إيمان وثبات وشِيَم.

(قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ): أي: قائمًا بأمر الله تعالى، مائلًا إلى ملة الإسلام ميلًا لا يزول عنه.

قال ابن القيم رحمه الله: "إن الله أثنى على إبراهيم خليله بقوله:

1- (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ *كَانَ *أُمَّةً) الآية، فهذه أربعة أنواع من الثناء، افتتحها بأنه هو القدوة الذي يؤتم به.

قال ابن مسعود: (الأمة: المعلم للخير)، وهي فعلة بضم الفاء من الائتمام كالقدوة، وهو الذي يقتدَى به.

والفرق بين (الأمة) و(الإمام) من وجهين:

أحدهما: أن (الإمام) كـل مـا يـؤتـم بـه، سواء كان بقصده وشعوره أو لا، ومنه سمي الطريق إمامًا، كقوله تعالى: (وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ . *فَانْتَقَمْنَا *مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ)، أي: بطريق واضح لا يخفى على السالك، ولا يسمى الطريق أمة.

الثاني: أن "الأمة" فيه زيادة معنى، وهو الذي جمع صفات الكمال من العلم والعمل، بحيث بقي فيها فردًا وحده، فهو الجامع لخصال تفرقت في غيره، فكأنه باين غيره باجتماعها فيه، وتفرقها أو عدمها في غيره، ولفظ: (الأمة) يشعر بهذا المعنى؛ لما فيه من الميم المضعَّفة الدالة على الضم بمخرجها وتكريرها، وكذلك ضم أوله، فإن الضمة من الواو ومخرجها ينضم عند النطق بها، وأتى بالتـاء الدالة على الوحدة: كالغرفة واللقمة، ومنه الحديث: "إن زيد بن عمرو بن نفيل يبعث يوم القيامة أمة وحده"، فالضم والاجتماع لازم لمعنى الأمة، ومنه سميت الأمة التي هـي آحاد الأمم؛ لأنهم الناس المجتمعون على دين واحد، أو في عصر واحد.

2- قوله: (قَانِتًا لِلَّهِ): قال ابن مسعود: "القانت: المطيع"، والقنوت يفسَّر بأشياء كلها ترجع إلى دوام الطاعة.

3- قوله: (حَنِيفًا): الحنيف المقبل على الله. ويلزم من هذا المعنى ميله عما سواه، فالميل لازم معنى الحنيف؛ لا أنه موضوعه لغة.

4- قوله: (شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ): والشكر للنعم مبني على ثلاثة أركان: الإقرار بالنعمة، وإضافتها إلى المنعم بها، وصرفها في مرضاته، والعمل فيها بما يجب؛ فلا يكون العبد شاكرًا إلا بهذه الأشياء الثلاثة.

والمقصود: أنه سبحانه مدح خليله بأربع صفات كلها ترجع إلى العلم، والعمل بموجبه، وتعليمه ونشره، فعاد الكمال كله إلى العلم والعمل بموجبه، ودعوة الخلق إليه".

أجل! لقد كان إبراهيم عليه السلام أمة في إيمانه وعبوديته الله وشكره.

أمة في ثباته على الحق، وصبره على أذى قومه وظلمهم.

أمـة في حلمه، وسعة صـدره، ولين جانبه، وحسن خلقه، وقوة حجته.

أمة في تبرئه من المشركين، وعدم موالاتهم، وتميزه عنهم.

أمـة في تمام تجرده، وشدة إذعانه، وانقياده لأمر الله تعالى في جميع أموره.

ثانيًا: إبراهيم خليل الله:

قال تعالى: *وَمَنْ *أَحْسَنُ *دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا).

- الخلة: هي غاية المحبة، وسمي الخليل خليلًا؛ لأن محبته تتخلل القلب فلا تدع فيه خللًا إلا ملأته.

ولم ينل هذه المنزلة إلا إبراهيم عليه السلام والمصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، روى مسلم بسنده إلى جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه مرفوعًا: "إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلًا، كما اتخذ إبراهيم عليه السلام خليلًا، ولو كنت متخذًا من أمتي خليلًا؛ لاتخذت أبا بكر خليلًا".

وعن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا: "إني أبرأ إلى كل خليل من خلته، ولو كنت متخذًا خليلًا؛ لاتخذت أبا بكر خليلًا، وإن صاحبكم خليل الله"، وأخرج البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون قال: إن معاذا لما قدم اليمن صلى بهم الصبح فقرأ: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)، فقال رجل من القوم: لقد قرت عين أم إبراهيم".

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: "وقوله: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)، هذا من باب الترغيب في اتباعه؛ لأنه إمـام يـقـتـدى به، حيث وصل إلى غاية ما يتقرب بـه العباد له، فإنه انتهى إلى درجة الخلة التي هي أرفع مقامات المحبة، وما ذاك إلا لكثرة طاعته لربه، كما وصفه به في قوله: (وَإِبْرَاهِيمَ *الَّذِي *وَفَّى)، قال كثيرون من السلف: أي: قام بجميع ما أمر به، ووفَّي كل مقام من مقامات العبادة، فكان لا يشغله أمر جليل عن حقير، ولا كبير عن صغير، وقال تعالى: (وَإِذِ *ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)، وقال تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ *كَانَ *أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ).

وإنما سمي خليل الله لشدة محبة ربه عز وجل له؛ لما قام له من الطاعة التي يحبها ويرضاها؛ ولهذا ثبت في الصحيحين، عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطبهم في آخر خطبة خطبها قال: "أمـا بعـد، أيها الناس، فلو كنت متخذًا من أهـل الأرض خليلًا لاتخذت أبا بكر بـن أبي قحافة خليلًا، ولكن صاحبكم خليل الله"، وجاء من طريق جندب بن عبد الله البجلي، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله اتخذني خليـلًا، كما اتخذ إبراهيـم خليلًا".

ثالثًا: إبراهيم أبو الأنبياء:

أخبر الله تعالى أنه منذ بعث نوحًا عليه السلام لم يرسل بعده رسولًا ولا نبيًّا إلا من ذريته، وكذلك إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن، لم ينزل من السماء كتابًا ولا أرسل رسولًا، ولا أوحى إلى بشر من بعده، إلا وهو من سلالته، فقال عـز وجـل: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ *فَمِنْهُمْ *مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)، وقال سبحانه في شأن إبراهيم عليه السلام: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا *فِي *ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ).


وللحديث بقية إن شاء الله.

رحيل
04-04-2022, 01:07 PM
الملة الإبراهيمية (3)

تعظيم الله تعالى لملة إبراهيم عليه السلام









كتبه/ محمد إسماعيل المقدم


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمن شـرف إبراهيم عليه السلام أن أضافه الله تعالى إلى دين الإسلام، ونسب الملة الحنيفية إلى اسمه الشريف فقال: "ملة إبراهيم"، وقد عظَّم الله سبحانه "ملة إبراهيم" بأساليب شتَّى:

- فقد نصَّ على أن جميع الأنبياء من بعده افتخروا بانتمائهم إلى ملة إبراهيم ودعوا قومهم إليها، فقد قال تعالى: "وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ *سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ".

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيرها:

"يقول تبارك وتعالى ردًّا على الكفار فيما ابتدعوه وأحدثوه من الشرك بالله، المخالف لملة إبراهيم الخليل، إمام الحنفاء: فإنه جرَّد توحيد ربه تبارك وتعالى، فلم يدعُ معه غيره، ولا أشرك به طرفة عين، وتبرأ مِن كلِّ معبود سواه، وخالف في ذلك سائر قومه، حتى تبرأ من أبيه".

وقال تعالى: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي *بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (??) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ"، وقال تعالى: "*وَمَا *كَانَ *اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ"، وقال تعالى: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً *قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ".

ولهذا وأمثاله قال تعالى: "*وَمَنْ *يَرْغَبُ *عَنْ *مِلَّةِ *إِبْرَاهِيمَ" أي: عـن طريقته ومنهجه، فيخالفها ويرغب عنهـا، "إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ" أي: ظلم نفسه بسفهه وسوء تدبيره بتركه الحق إلى الضلال، حيث خالف طـريـق مَـن اصطفي في الدنيا للهداية والرشاد، مِن حداثة سنه إلى أن اتخذه الله خليلًا، وهو في الآخرة من الصالحين السعداء، فترك طريقه هذا ومسلكه وملته، واتبع طرق الضلالة والغي؛ فأي سفه أعظم مِن هذا؟! أم أي ظلم أكبر من هذا؟!

وقال أبو العالية وقتادة: "نزلت هذه الآية في اليهود؛ فأحدثوا طريقا ليست من عند الله، وخالفوا ملة إبراهيم فيما أخذوه"، ويشهد لصحة هذا القول قول الله تعالى: "*مَا *كَانَ *إِبْرَاهِيمُ *يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ".

وقوله تعالى: "إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ *أَسْلَمْتُ *لِرَبِّ الْعَالَمِينَ"، أي: أمره الله بالإخلاص له والاستسلام والانقياد، فأجاب إلى ذلك شرعًا وقدرًا، وقوله: "*وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"، أي: وَصَّى بهذه الملة وهي الإسلام، ولحرصهم عليها ومحبتهم لها حافظوا عليها إلى حين الوفاة ووصوا بها أبناءهم مِن بعدهم، أي: أحسِنوا في حال الحياة، والزَموا هذا؛ ليرزقكم الله الموت عليه، فإن المرء يموت غالبًا على ما كان عليه، ويبعث على ما مات عليه.

وقد أجرى الله الكريم عادته بأن مَن قَصَد الخيرَ وُفِّق له ويُسِّر عليه، ومَن نوى صالحًا ثبت عليه، وهذا لا يعارض ما جاء في الحديث الصحيح: "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها"؛ لأنه قد جاء في بعض روايات هذا الحديث: "فيعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، ويعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس"، وقد قال الله تعالى: "*فَأَمَّا *مَنْ *أَعْطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى"، "أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَ?هَكَ وَإِلَ?هَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَ?هًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ".

يقول تعالى محتجًا على المشركين من العرب أبناء إسماعيل، وعلى الكفار من بني إسرائيل، وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام بأن يعقوب لما حضرته الوفاة وصَّى بنيه بعبادة الله وحده لا شريك له، فقال لهـم: "مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَ?هَكَ وَإِلَ?هَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ"، وهـذا مـن بـاب التغليب؛ لأن إسماعيل عمه.

"إِلَ?هًا وَاحِدًا" أي: نوحده بالألوهية، ولا نشرك به شيئًا غيره.

"وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" أي: مطيعون خاضعون، كما قال تعالى: "*وَلَهُ *أَسْلَمَ *مَنْ *فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ".

والإسلام هو ملة الأنبياء قاطبة، وإن تنوعت شرائعهم، واختلفت مناهجهم، كما قال تعالى: "*وَمَا *أَرْسَلْنَا *مِنْ *قَبْلِكَ *مِنْ *رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ".

والآيات في هذا كثيرة والأحاديث، فمنها:

- قوله صلى الله عليه وسلم: "نَحْنُ مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ أَوْلَادُ عَلات دِينُنَا وَاحِدٌ"، وقوله تعالى: "تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ"، أي: مضت، "لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ" أي: إن السلف الماضين مِن آبائكم مِن الأنبياء والصالحين لا ينفعكم انتسابكم إليهم إذا لم تفعلوا خيرًا يعود نفعه عليكم، فإن لهم أعمالهم التي عملوها ولكم أعمالكم، "وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ".

وهذا يوسف عليه السلام يفخر بانتسابه إلى ملة إبراهيم، فقد قصَّ الله علينا في حواره عليه السلام مع صاحبي السجن: "*قَالَ *لَا *يَأْتِيكُمَا *طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ . وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ".

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: "يخبرهما يوسف عليه السلام أنهما مهما رأيا في نومهما من حلم، فإنه عـارف بتفسيره، ويخبرهمـا بتأويله قبل وقوعه؛ ولهذا قال: "*لَا *يَأْتِيكُمَا *طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ" قال مجاهد: في نومكما، "إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا"، ثم قال: وهذا إنما هو مِن تعليم الله إياي؛ لأني اجتنبت ملة الكافرين بالله واليوم الآخر، فلا يرجون ثوابًا ولا عقابًا في المعاد.

"وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ" يقـول: هـجـرت طـريـق الكفر والشرك، وسلكت طريق هؤلاء المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهكذا يكون حال مَن سلك طريق الهدى، طريق المرسلين، وأعرض عن طريق الظالمين؛ فإنه يهدي قلبه، ويعلمه ما لم يعلمه، ويجعله إمامًا يُقتدَى به في الخير، وداعيًا إلى سبيل الرشاد.

"مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ"؛ هذا التوحيد، وهو: الإقرار بأنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له، "مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا" أي: أوحاه إلينا، وأمرنا بـه، " وَعَلَى النَّاسِ"؛ إذ جعلنا دعاة لهم إلى ذلك، "وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ" أي: لا يعرفون نعمة الله عليهم بإرسال الرسل إليهم.



عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيـل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: مَن أكرم الناس؟ قال: "أكرمهم أتقاهم"، قالوا: يا نبي الله، ليس عن هذا نسألك، قال: "فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله" إلخ.

الجواب الأول: أكرم الناس يوسف من جهة الشرف بالأعمال الصالحة، والثاني: من جهة الشرف بالنسب الصالح.

وقد افتخر رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بانتمائه لملة أبيه إبراهيم عليه السلام، "قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ".

يقول تعالى أمرًا لنبيه صلى الله عليه وسلم -سيد المرسلين-: أن يخبر بما أنعم به عليه من الهداية إلى صراطه المستقيم؛ الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف.

و"دِينًا قِيَمًا" أي: قائمًا ثابتًا، " مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" كقوله: ""وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ *سَفِهَ نَفْسَهُ".

وأمر الله تعالى خليله ورسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يتبع ملة إبراهيم: "ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ *مِلَّةَ *إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ".

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: "يمدح تعالى عبده ورسوله وخليله إبراهيم، إمام الحنفاء ووالد الأنبياء، ويبرئه من المشركين ومن اليهودية والنصرانية، فـقـال: "*إِنَّ *إِبْرَاهِيمَ *كَانَ *أُمَّةً *قَانِتًا *لِلَّهِ *حَنِيفًا"، فأما "الأمة" فهو: الإمام الذي يقتدَى به، والقانت هو: الخاشع المطيع، والحنيف هو: المنحرف قصدًا عن الشرك إلى التوحيد.

وقوله: "شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ" أي: قائمًا بشكر نعم الله عليه، كما قال: "*وَإِبْرَاهِي مَ *الَّذِي *وَفَّى"، أي: قام بجميـع مـا أمـره الله تعالى به، "*اجْتَبَاهُ" أي: اختاره واصطفاه وهداه إلى صراط مستقيم له، وهو عبادة الله وحده لا شريك له على شرع مرضي.

وقوله: "وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً" أي: جمعنا له خير الدنيـا مـن جميع ما يحتاج المؤمن إليه في إكمال حياته الطيبة، "وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ".


وقال مجاهد في قوله: "وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً"، أي: لسان صدق، وقوله: "*ثُمَّ *أَوْحَيْنَا *إِلَيْكَ *أَنِ *اتَّبِعْ *مِلَّةَ *إِبْرَاهِيمَ *حَنِيفًا" أي: مِـن كـمالـه وعظمته وصحة توحيده وطريقه، أنا أوحينا إليك يا خاتم الرسل وسيد الأنبياء: "*أَنِ *اتَّبِعْ *مِلَّةَ *إِبْرَاهِيمَ *حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ".

بنت الشام
04-04-2022, 02:09 PM
سلمت الايادي على الطرح والابداع

نتطلع الى جديدك القادم

ودي

نور القمر
04-04-2022, 02:49 PM
,,~
سلمت آناملك لروعة طرحهآ..
يعطِـــيكْ العَآفيَـــةْ.

мя Зάмояч
04-04-2022, 02:51 PM
جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك

خالد الشاعر
04-04-2022, 06:01 PM
جزاكى الله خير الجزاء
جعل يومكِ نوراً وَسروراً
وجبال من الحسنات تعآنقها بحورا
جعلها الله فى ميزان اعمالكِ
دام لنا عطائكِ

♡ Šąɱąя ♡
04-04-2022, 10:30 PM
جزاكم الله خيراً ونفع بكم
واثابكم الفردوس الاعلى من الجنه
وجعل كل ما تقدمونه في موازين حسناتكم
لكم مني ارق المنى
وخالص التقدير والاحترام

عاشق الغيم
04-04-2022, 11:53 PM
جزاك الله خير
وجعله في موازين حسناتك
وانارالله دربك بالايمان
ماننحرم من جديدك المميز
دمـت بحفظ الله ورعايته

ذآتَ حُسن♔
04-05-2022, 05:10 PM
جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض ..
بآرك الله فيك على الطَرح القيم وَ في ميزآن حسناتك ..
آسأل الله أنْ يَرزقـك فسيح آلجنات !!
دمت بحفظ الله ورعآيته ..
لِ روحك

- سمَـا.
04-06-2022, 01:51 AM
-












اسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتك
وَ يجعل الفردوس الأعلى سكنك
تقديري :241:.

روحي تبيك
04-06-2022, 01:53 AM
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الأجر يارب
وأنار الله قلبك بنورالإيمان
أحترآمي لــ/سموك

♔ قمر بغداد ♔
04-06-2022, 02:03 AM
طَرِحْ ممُيَّز جِدَاً وَرآِئعْ
تِسَلّمْ الأيَادِيْ
ولآحُرمِناْ مِنْ جَزيلِ عَطّائِهاْ

Şøķåŕą
04-06-2022, 06:19 AM
تميز في الانتقاء
سلم لنا روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا عطائك
لكـ خالص احترامي

رحيل
01-09-2023, 10:11 PM
جزاك المولى الجنه
وكتب الله لك اجر هذه الحروف
كجبل احد حسنات
وجعله المولى شاهداً لك لا عليك
دمتِم بسعاده لاتغادر روحكم

Şøķåŕą
05-12-2023, 02:38 PM
_



جزاك الله كل خير ..
وَبارك الله فيك ولا حرمك الأجر
لك من الشكر أجزله.