Şøķåŕą
03-25-2022, 10:38 AM
شارك وانشر
شروط الإقامة في بلاد الكفار
السؤال:
ما حكمُ الإقامة في بلاد الكفار؟
الجواب:
الإقامةُ في بلاد الكفار خطر عظيم على دين المسلم وأخلاقه وسلوكه وآدابه. وقد شاهدنا - وغيرنا - انحراف كثير ممن أقاموا هناك فرجعوا بغير ما ذهبوا به؛ رجعوا فسَّاقًا، وبعضهم رجع مرتدًا عن دينه وكافرًا به وبسائر الأديان - والعياذ بالله - حتى صاروا إلى الجحود المطلق والاستهزاء بالدين وأهله السابقين منهم واللاحقين، ولهذا كان ينبغي، بل يتعين التحفظ من ذلك، ووضع الشروط التي تمنع من الهوي في تلك المهالك، فالإقامة في بلاد الكفر لابد فيها من شرطين أساسيين:
الشرط الأول: أمن المقيم على دينه، بحيث يكون عنده من العلم والإيمان وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه، والحذر من الانحراف والزيغ، وأن يكون مضمرًا لعداوة الكافرين وبغضهم، مبتعدًا عن موالاتهم ومحبتهم مما ينافي الإيمان.
قال الله تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾ [المجادلة: 22]، وقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ﴾ [المـَـائدة: 51، 52].
وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنَّ من أحبَّ قومًا فهو منهم الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ[1].
ومحبة أعداء الله من أعظم ما يكون خطرًا على المسلم؛ لأن محبتهم تستلزم موافقتهم واتباعهم، أو على الأقل عدم الإنكار عليهم، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه: من أحَبَّ قومًا فهو منهم[2].
الشرط الثاني: أن يتمكن من إظهار دينه؛ بحيث يقوم بشعائر الإسلام بدون ممانع، فلا يمنع من إقامة الصلاة والجمعة والجماعات إن كان معه من يصلي جماعة ومن يقيم الجمعة، ولا يمنع من الزكاة والصيام والحج وغيرها من شعائر الدين. فإن كان لا يتمكن من ذلك لم تجز الإقامة لوجوب الهجرة حينئذ.
قال في [المغني] (ص 457 ج8) في الكلام على أقسام الناس في الهجرة: «أحدها: من تجب عليه وهو من يقدر عليها ولا يمكنه إظهار دينه، ولا يمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار، فهذا تجب عليه الهجرة؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾[النّـِسـَـاء: 97]؛ وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب، ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه، والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»[3].
وبعد تمام هذين الشرطين الأساسيين تنقسم الإقامة في دار الكفر إلى أقسام:
القسم الأول: أن يقيم للدعوة إلى الإسلام والترغيب فيه، فهذا نوع من الجهاد، فهي فرض كفاية على من قدر عليها بشرط أن تتحقق الدعوة، وأن لا يوجد من يمنع منها أو من الاستجابة إليها؛ لأن الدعوة إلى الإسلام من واجبات الدين وهي طريقة المرسلين، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ عنه في كل زمان ومكان فقال صلى الله عليه وسلم: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً»[4].
القسم الثاني: أن يقيم لدراسة أحوال الكافرين، والتعرف على ما هم عليه من فساد العقيدة وبطلان التعبد وانحلال الأخلاق وفوضوية السلوك ليحذر الناس من الاغترار بهم، ويبين للمعجبين بهم حقيقة حالهم، وهذه الإقامة نوع من الجهاد أيضًا؛ لما يترتب عليها من التحذير من الكفر وأهله المتضمن للترغيب في الإسلام وهديه؛ لأن فساد الكفر دليل على صلاح الإسلام، كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء. لكن لابد من شرط أن يتحقق مراده بدون مفسدة أعظم منه، فإن لم يتحقق مراده بأن منع من نشر ما هم عليه والتحذير منه فلا فائدة من إقامته، وإن تحقق مراده مع مفسدة أعظم مثل أن يقابلوا فعله بسب الإسلام ورسول الإسلام وأئمة الإسلام - وجب الكف؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعـَـام: 108].
ويشبه هذا أن يقيم في بلاد الكفر ليكون عينًا للمسلمين، ليعرف ما يدبرونه للمسلمين من المكايد فيحذرهم المسلمون؛ كما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه إلى المشركين في غزوة الخندق ليعرف خبرهم.
القسم الثالث: أن يقيم لحاجة الدولة المسلمة وتنظيم علاقاتها مع دولة الكفر كموظفي السفارات؛ فحكمها حكم ما أقام من أجله. فالملحق الثقافي مثلًا يقيم ليرعى شؤون الطلبة ويراقبهم ويحملهم على التزام دين الإسلام وأخلاقه وآدابه، فيحصل بإقامته مصلحة كبيرة ويندرئ بها شر كبير.
القسم الرابع: أن يقيم لحاجة خاصة مباحة كالتجارة والعلاج فتباح الإقامة بقدر الحاجة، وقد نص أهل العلم رحمهم الله على جواز دخول بلاد الكفار للتجارة وأثروا ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم.
القسم الخامس: أن يقيم للدراسة، وهي من جنس ما قبلها؛ إقامة لحاجة لكنها أخطر منها وأشد فتكًا بدين المقيم وأخلاقه، فإن الطالب يشعر بدنو مرتبته وعلو مرتبة معلميه، فيحصل من ذلك تعظيمهم والاقتناع بآرائهم وأفكارهم وسلوكهم فيقلدهم إلا من شاء عصمته وهم قليل، ثم إن الطالب يشعر بحاجته إلى معلمه فيؤدي ذلك إلى التودد إليه ومداهنته فيما هو عليه من الانحراف والضلال. والطالب في مقر تعلمه له زملاء يتخذ منهم أصدقاء يحبهم ويتولاهم ويكتسب منهم، ومن أجل خطر هذا القسم وجب التحفظ فيه أكثر مما قبله؛ فيشترط فيه بالإضافة إلى الشرطين الأساسيين شروط:
الشرط الأول: أن يكون الطالب على مستوى كبير من النضوج العقلي الذي يميز به بين النافع والضار وينظر به إلى المستقبل البعيد؛ فأما بعث الأحداث الصغار السن وذوي العقول الصغيرة فهو خطر عظيم على دينهم، وخلقهم، وسلوكهم. ثم هو خطر على أمتهم التي سيرجعون إليها وينفثون فيها من السموم التي نهلوها من أولئك الكفار كما شهد ويشهد به الواقع، فإن كثيرًا من أولئك المبعوثين رجعوا بغير ما ذهبوا به، رجعوا منحرفين في ديانتهم، وأخلاقهم، وسلوكهم، وحصل عليهم وعلى مجتمعهم من الضرر في هذه الأمور ما هو معلوم مشاهد، وما مثل بعث هؤلاء إلا كمثل تقديم النعاج للكلاب الضارية.
الشرط الثاني: أن يكون عند الطالب من علم الشريعة ما يتمكن به من التمييز بين الحق والباطل، ومقارعة الباطل بالحق لئلا ينخدع بما هم عليه من الباطل فيظنه حقًا أو يلتبس عليه أو يعجز عن دفعه؛ وفي الدعاء المأثور: اللهمَّ أَرنِي الحقَّ حقًّا وارْزُقْنِي اتِّبَاعَه، وأَرِنِي الباطِلَ باطلًا وارْزُقْني اجْتِنَابَه، ولا تَجْعَلْهُ مُلْتَبِسًا عليَّ فأَضِلّ[5].
الشرط الثالث: أن يكون عند الطالب دين يحميه ويتحصن به من الكفر والفسوق، فضعيف الدين لا يسلم مع الإقامة هناك إلا أن يشاء الله؛ وذلك لقوة المهاجم وضعف المقاوم. فأسباب الكفر والفسوق هناك قوية وكثيرة متنوعة؛ فإذا صادفت محلًا ضعيف المقاومة عملت عملها.
الشرط الرابع: أن تدعو الحاجة إلى العلم الذي أقام من أجله؛ بأن يكون في تعلمه مصلحة للمسلمين ولا يوجد له نظير في المدارس في بلادهم، فإن كان من فضول العلم الذي لا مصلحة فيه للمسلمين، أو كان في البلاد الإسلامية من المدارس نظيره - لم يجز أن يقيم في بلاد الكفر من أجله؛ لما في الإقامة من الخطر على الدين والأخلاق، وإضاعة الأموال الكثيرة بدون فائدة.
القسم السادس: أن يقيم للسكن وهذا أخطر مما قبله وأعظم؛ لما يترتب عليه من المفاسد بالاختلاط التام بأهل الكفر وشعوره بأنه مواطن ملتزم بما تقتضيه الوطنية من مودة، وموالاة، وتكثير لسواد الكفار، ويتربى أهله بين أهل الكفر فيأخذون من أخلاقهم وعاداتهم، وربما قلدوهم في العقيدة والتعبد؛ ولذلك جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ جامَعَ المُشركَ وسَكَنَ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِثْلُه»[6]، وهذا الحديث وإن كان ضعيف السند لكن له وجهة من النظر فإن المساكنة تدعو إلى المشاكلة، وعن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا بريءٌ مِنْ كُلِّ مسلمٍ يُقيم بين أَظْهُرِ المشركين»، قالوا: يا رسول الله ولِمَ؟ قال: «لا تَرَاءَى نَارَاهُما»[7] رواه أبو داود والترمذي، وأكثر الرواة رووه مرسلًا عن قيس بن أبي حازم عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الترمذي: سمعت محمدًا - يعني البخاري - يقول: الصحيح حديث قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل. اهـ. وكيف تطيب نفس مؤمن أن يسكن في بلاد كفار تعلن فيها شعائر الكفر ويكون الحكم فيها لغير الله ورسوله وهو يشاهد ذلك بعينه ويسمعه بأذنيه ويرضى به؟! بل ينتسب إلى تلك البلاد ويسكن فيها بأهله وأولاده، ويطمئن إليها كما يطمئن إلى بلاد المسلمين، مع ما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى أهله وأولاده في دينهم وأخلاقهم.
هذا ما توصلنا إليه في حكم الإقامة في بلاد الكفر؛ نسأل الله أن يكون موافقًا للحق والصواب.
شروط الإقامة في بلاد الكفار
السؤال:
ما حكمُ الإقامة في بلاد الكفار؟
الجواب:
الإقامةُ في بلاد الكفار خطر عظيم على دين المسلم وأخلاقه وسلوكه وآدابه. وقد شاهدنا - وغيرنا - انحراف كثير ممن أقاموا هناك فرجعوا بغير ما ذهبوا به؛ رجعوا فسَّاقًا، وبعضهم رجع مرتدًا عن دينه وكافرًا به وبسائر الأديان - والعياذ بالله - حتى صاروا إلى الجحود المطلق والاستهزاء بالدين وأهله السابقين منهم واللاحقين، ولهذا كان ينبغي، بل يتعين التحفظ من ذلك، ووضع الشروط التي تمنع من الهوي في تلك المهالك، فالإقامة في بلاد الكفر لابد فيها من شرطين أساسيين:
الشرط الأول: أمن المقيم على دينه، بحيث يكون عنده من العلم والإيمان وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه، والحذر من الانحراف والزيغ، وأن يكون مضمرًا لعداوة الكافرين وبغضهم، مبتعدًا عن موالاتهم ومحبتهم مما ينافي الإيمان.
قال الله تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾ [المجادلة: 22]، وقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ﴾ [المـَـائدة: 51، 52].
وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنَّ من أحبَّ قومًا فهو منهم الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ[1].
ومحبة أعداء الله من أعظم ما يكون خطرًا على المسلم؛ لأن محبتهم تستلزم موافقتهم واتباعهم، أو على الأقل عدم الإنكار عليهم، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه: من أحَبَّ قومًا فهو منهم[2].
الشرط الثاني: أن يتمكن من إظهار دينه؛ بحيث يقوم بشعائر الإسلام بدون ممانع، فلا يمنع من إقامة الصلاة والجمعة والجماعات إن كان معه من يصلي جماعة ومن يقيم الجمعة، ولا يمنع من الزكاة والصيام والحج وغيرها من شعائر الدين. فإن كان لا يتمكن من ذلك لم تجز الإقامة لوجوب الهجرة حينئذ.
قال في [المغني] (ص 457 ج8) في الكلام على أقسام الناس في الهجرة: «أحدها: من تجب عليه وهو من يقدر عليها ولا يمكنه إظهار دينه، ولا يمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار، فهذا تجب عليه الهجرة؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾[النّـِسـَـاء: 97]؛ وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب، ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه، والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»[3].
وبعد تمام هذين الشرطين الأساسيين تنقسم الإقامة في دار الكفر إلى أقسام:
القسم الأول: أن يقيم للدعوة إلى الإسلام والترغيب فيه، فهذا نوع من الجهاد، فهي فرض كفاية على من قدر عليها بشرط أن تتحقق الدعوة، وأن لا يوجد من يمنع منها أو من الاستجابة إليها؛ لأن الدعوة إلى الإسلام من واجبات الدين وهي طريقة المرسلين، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ عنه في كل زمان ومكان فقال صلى الله عليه وسلم: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً»[4].
القسم الثاني: أن يقيم لدراسة أحوال الكافرين، والتعرف على ما هم عليه من فساد العقيدة وبطلان التعبد وانحلال الأخلاق وفوضوية السلوك ليحذر الناس من الاغترار بهم، ويبين للمعجبين بهم حقيقة حالهم، وهذه الإقامة نوع من الجهاد أيضًا؛ لما يترتب عليها من التحذير من الكفر وأهله المتضمن للترغيب في الإسلام وهديه؛ لأن فساد الكفر دليل على صلاح الإسلام، كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء. لكن لابد من شرط أن يتحقق مراده بدون مفسدة أعظم منه، فإن لم يتحقق مراده بأن منع من نشر ما هم عليه والتحذير منه فلا فائدة من إقامته، وإن تحقق مراده مع مفسدة أعظم مثل أن يقابلوا فعله بسب الإسلام ورسول الإسلام وأئمة الإسلام - وجب الكف؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعـَـام: 108].
ويشبه هذا أن يقيم في بلاد الكفر ليكون عينًا للمسلمين، ليعرف ما يدبرونه للمسلمين من المكايد فيحذرهم المسلمون؛ كما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه إلى المشركين في غزوة الخندق ليعرف خبرهم.
القسم الثالث: أن يقيم لحاجة الدولة المسلمة وتنظيم علاقاتها مع دولة الكفر كموظفي السفارات؛ فحكمها حكم ما أقام من أجله. فالملحق الثقافي مثلًا يقيم ليرعى شؤون الطلبة ويراقبهم ويحملهم على التزام دين الإسلام وأخلاقه وآدابه، فيحصل بإقامته مصلحة كبيرة ويندرئ بها شر كبير.
القسم الرابع: أن يقيم لحاجة خاصة مباحة كالتجارة والعلاج فتباح الإقامة بقدر الحاجة، وقد نص أهل العلم رحمهم الله على جواز دخول بلاد الكفار للتجارة وأثروا ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم.
القسم الخامس: أن يقيم للدراسة، وهي من جنس ما قبلها؛ إقامة لحاجة لكنها أخطر منها وأشد فتكًا بدين المقيم وأخلاقه، فإن الطالب يشعر بدنو مرتبته وعلو مرتبة معلميه، فيحصل من ذلك تعظيمهم والاقتناع بآرائهم وأفكارهم وسلوكهم فيقلدهم إلا من شاء عصمته وهم قليل، ثم إن الطالب يشعر بحاجته إلى معلمه فيؤدي ذلك إلى التودد إليه ومداهنته فيما هو عليه من الانحراف والضلال. والطالب في مقر تعلمه له زملاء يتخذ منهم أصدقاء يحبهم ويتولاهم ويكتسب منهم، ومن أجل خطر هذا القسم وجب التحفظ فيه أكثر مما قبله؛ فيشترط فيه بالإضافة إلى الشرطين الأساسيين شروط:
الشرط الأول: أن يكون الطالب على مستوى كبير من النضوج العقلي الذي يميز به بين النافع والضار وينظر به إلى المستقبل البعيد؛ فأما بعث الأحداث الصغار السن وذوي العقول الصغيرة فهو خطر عظيم على دينهم، وخلقهم، وسلوكهم. ثم هو خطر على أمتهم التي سيرجعون إليها وينفثون فيها من السموم التي نهلوها من أولئك الكفار كما شهد ويشهد به الواقع، فإن كثيرًا من أولئك المبعوثين رجعوا بغير ما ذهبوا به، رجعوا منحرفين في ديانتهم، وأخلاقهم، وسلوكهم، وحصل عليهم وعلى مجتمعهم من الضرر في هذه الأمور ما هو معلوم مشاهد، وما مثل بعث هؤلاء إلا كمثل تقديم النعاج للكلاب الضارية.
الشرط الثاني: أن يكون عند الطالب من علم الشريعة ما يتمكن به من التمييز بين الحق والباطل، ومقارعة الباطل بالحق لئلا ينخدع بما هم عليه من الباطل فيظنه حقًا أو يلتبس عليه أو يعجز عن دفعه؛ وفي الدعاء المأثور: اللهمَّ أَرنِي الحقَّ حقًّا وارْزُقْنِي اتِّبَاعَه، وأَرِنِي الباطِلَ باطلًا وارْزُقْني اجْتِنَابَه، ولا تَجْعَلْهُ مُلْتَبِسًا عليَّ فأَضِلّ[5].
الشرط الثالث: أن يكون عند الطالب دين يحميه ويتحصن به من الكفر والفسوق، فضعيف الدين لا يسلم مع الإقامة هناك إلا أن يشاء الله؛ وذلك لقوة المهاجم وضعف المقاوم. فأسباب الكفر والفسوق هناك قوية وكثيرة متنوعة؛ فإذا صادفت محلًا ضعيف المقاومة عملت عملها.
الشرط الرابع: أن تدعو الحاجة إلى العلم الذي أقام من أجله؛ بأن يكون في تعلمه مصلحة للمسلمين ولا يوجد له نظير في المدارس في بلادهم، فإن كان من فضول العلم الذي لا مصلحة فيه للمسلمين، أو كان في البلاد الإسلامية من المدارس نظيره - لم يجز أن يقيم في بلاد الكفر من أجله؛ لما في الإقامة من الخطر على الدين والأخلاق، وإضاعة الأموال الكثيرة بدون فائدة.
القسم السادس: أن يقيم للسكن وهذا أخطر مما قبله وأعظم؛ لما يترتب عليه من المفاسد بالاختلاط التام بأهل الكفر وشعوره بأنه مواطن ملتزم بما تقتضيه الوطنية من مودة، وموالاة، وتكثير لسواد الكفار، ويتربى أهله بين أهل الكفر فيأخذون من أخلاقهم وعاداتهم، وربما قلدوهم في العقيدة والتعبد؛ ولذلك جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ جامَعَ المُشركَ وسَكَنَ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِثْلُه»[6]، وهذا الحديث وإن كان ضعيف السند لكن له وجهة من النظر فإن المساكنة تدعو إلى المشاكلة، وعن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا بريءٌ مِنْ كُلِّ مسلمٍ يُقيم بين أَظْهُرِ المشركين»، قالوا: يا رسول الله ولِمَ؟ قال: «لا تَرَاءَى نَارَاهُما»[7] رواه أبو داود والترمذي، وأكثر الرواة رووه مرسلًا عن قيس بن أبي حازم عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الترمذي: سمعت محمدًا - يعني البخاري - يقول: الصحيح حديث قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل. اهـ. وكيف تطيب نفس مؤمن أن يسكن في بلاد كفار تعلن فيها شعائر الكفر ويكون الحكم فيها لغير الله ورسوله وهو يشاهد ذلك بعينه ويسمعه بأذنيه ويرضى به؟! بل ينتسب إلى تلك البلاد ويسكن فيها بأهله وأولاده، ويطمئن إليها كما يطمئن إلى بلاد المسلمين، مع ما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى أهله وأولاده في دينهم وأخلاقهم.
هذا ما توصلنا إليه في حكم الإقامة في بلاد الكفر؛ نسأل الله أن يكون موافقًا للحق والصواب.