Şøķåŕą
03-18-2022, 11:42 AM
بلغ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أنَّ بني المصطلق يجتمعون لحربه وقائدهم الحرث بن أبي ضرار أبو جويرية زوج النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكان ذلك في السّنة الخامسة للهجرة، فلمّا سمع بهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، خرج إليهم حتّى لقيهم على ماء من مياههم، يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى السّاحل، فتزاحف النّاس واقتتلوا فهزم الله بني المصطلق وقتل منهم من قتل ونفل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أبناءهم ونساءهم وأموالهم، فبينا النّاس على ذلك الماء إذ وردت واردة النّاس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار، يقال له جهجاه بن سعيد يقود له فرسه فازدحم جهجاه وسنان الجهنيّ من بني عوف بن خزرج على الماء فاقتتلا فصرخ الجهنيّ يا معشر الأنصار وصرخ الغفاريّ يا معشر المهاجرين فأعان الغفاريّ رجل من المهاجرين، يقال له جعال وكان فقيرًا، فقال عبد الله بن أبيّ لجعال: إنّك لهتّاك، فقال: وما يمنعني أن أفعل ذلك واشتدّ لسان جعال على عبد الله، فقال عبد الله: والّذي يحلف به لآزرنّك ويهمّك غير هذا وغضب ابن أبيّ وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم حديث السّن، فقال ابن أبيّ: قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا والله ما مثلنا ومثلهم إلاّ كما قال القائل: سمّن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، يعني بالأعزّ نفسه وبالأذلّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ أقبل على من حضره من قومه، فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل الطّعام لم يركبوا رقابكم ولأوشكوا أن يتحوّلوا من بلادكم ويلحقوا بعشائرهم ومواليهم، فقال زيد بن أرقم: أنت والله الذّليل القليل المبغض في قومك، ومحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في عزّ من الرّحمن ومودّة من المسلمين، والله لا أحبّك بعد كلامك هذا، فقال عبد الله: اسكت فإنّما كنت ألعب فمشى زيد بن أرقم إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وذلك بعد فراغه من الغزو فأخبره الخبر فأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالرّحيل وأرسل إلى عبد الله فأتاه، فقال: ما هذا الّذي بلغني عنك؟ فقال عبد الله: والّذي أنزل عليك الكتاب، ما قلت شيئًا من ذلك قطّ وإن زيدًا لكاذب، وقال: من حضر من الأنصار يا رسول الله شيخنا وكبيرنا لا تصدّق عليه كلام غلام من غلمان الأنصار عسى أن يكون هذا الغلام وهم في حديثه، فعذره رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وفشت الملامة من الأنصار لزيد ولمّا استقلّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فسار لقيه أسيد بن الحضير فحيّاه بتحيّة النّبوّة، ثمّ قال: يا رسول الله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها، فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أو ما بلغك ما قال صاحبكم زعم أنّه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعزّ منها الأذلّ، فقال أسيد: فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت، هو والله الذّليل وأنت العزيز، ثمّ قال: يا رسول الله ارفق به فوالله لقد جاء الله بك وإنّ قومه لينظمون له الخرز ليتوّجوه وإنّه ليرى أنّك قد اسلبته ملكًا وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبيّ ما كان من أمر أبيه، فأتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال: يا رسول الله، إنّه قد بلغني أنّك تريد قتل أبي فإن كنت لا بدَّ فاعلاً فمرني فأنا أحمل إليك رأسه، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبرّ بوالديه منّي وأنّي أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبيّ أن يمشي في النّاس فأقتله، فأقتل مؤمنًا بكافر فأدخل النّار، فقال: بل ترفق به وتحسن صحبته ما بقي معنا، قالوا: وسار رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالنّاس يومهم ذلك حتّى أمسى وليلتهم حتّى أصبح وصدر يومهم ذلك حتّى آذتهم الشّمس، ثمّ نزل بالنّاس فلم يكن إلاّ أن وجدوا مسّ الأرض، وقعوا نيامًا إنّما فعل ذلك ليشغل النّاس عن الحديث الّذي خرج من عبد الله بن أبيّ، ثمّ راح بالنّاس حتّى نزل على ماء بالحجاز فويق البقيع [94] يقال له: بقعاء، فهاجت ريح شديدة آذتهم وتخوّفوها وضلّت ناقة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وذلك ليلاً، فقال: مات اليوم منافق عظيم النّفاق بالمدينة، قيل من هو؟ قال: رفاعة، فقال: رجل من المنافقين، كيف يزعم أنّه يعلم الغيب ولا يعلم مكان ناقته، ألا يخبره الّذي يأتيه بالوحي، فأتاه جبرائيل (عليه السّلام) فأخبره بقول المنافق وبمكان النّاقة وأخبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بذلك أصحابه، وقال: ما أزعم أنّي أعلم الغيب وما أعلمه، ولكن الله تعالى أخبرني بقول المنافق وبمكان ناقتي هي في الشّعب فإذا هي كما قال فجاؤوا بها وآمن ذلك المنافق، فلمّا قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد في التّابوت وهو أحد بني قينقاع وكان من عظماء اليهود وقد مات ذلك اليوم، قال: زيد بن أرقم، فلمّا وافى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المدينة، جلست في البيت لما بي من الهمّ والحياء، فنزلت سورة المنافقين في تصديق زيد وتكذيب عبد الله بن أبيّ، ثمّ أخذ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأذن زيد فرفعه عن الرّحل، ثمّ قال: يا غلام صدق فوك ووعت أذناك ووعى قلبك وقد أنزل الله فيما قلت قرآنًا وكان عبد الله بن أبيّ بقرب المدينة، فلمّا أراد أن يدخلها جاءه إبنه عبد الله بن عبد الله بن أبيّ حتّى أناخ على مجامع طرق المدينة، فقال: مالك ويلك؟ قال: والله لا تدخلها إلاّ بإذن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولتعلمنّ اليوم مَن الأعزّ مِن الأذلّ، فشكا عبد الله إبنه إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأرسل إليه أن خَلّ عنه يدخل، فقال: أمّا إذا أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فنعم فدخل فلم يلبث إلاّ أيامًا قلائل حتّى اشتكى ومات، فلمّا نزلت هذه الآيات وبان كذب عبد الله قيل له، نزل فيك آيٌ شداد فاذهب إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يستغفر لك، فلوّى رأسه، ثمّ قال: أمرتموني أن أؤمن فقد آمنت، وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فقد أعطيت، فما بقي إلاّ أن أسجد لمحمّد فنزل: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْاْ رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُواْ عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّواْ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [95] .