Şøķåŕą
03-07-2022, 05:57 PM
العلة في المصطلح الأصولي
(الجزء الأوَّل)
تعريف العلة:
العلة لغة: من عَلَّ بلام مشددة مفتوحة: فعل متعدٍ ولازمٌ، نقول فيهما: عَلَّ يُعلُّ بضم العين وكسرها، ومصدرهما: عَلاًّ وعَلَلًا، وأَعلَّهُ اللهُ: أي: أصابه بعلة، والعلة: المرض، عَلَّ واعتلّ، أي مرض، وصاحبها مُعتَلّ، فهو عليل، وهي حدث يشغل صاحبه عن وجهه، كأنَّ تلك العلة صارت شُغلًا ثانيًا، منعه عن شغله الأول.
وعَلَّلَهُ بالشيء تعليلًا، أي: لَهَّاه به، كما يُعلَّل الصبيُّ بشيء من الطعام عن اللبن، والتعليل: سقيٌ بعد سقي، وجنيُ الثمرة مرة بعد أخرى، والتعليل: تبيين عِلة الشيء، وأيضًا ما يستدل به من العلة على المعلول، وعَلَّلَ الشيءَ: بَيّن علتَهُ وأَثبتَهُ بالدليل، فهو مُعلَّل[1].
وقال القرافي: العلة باعتبار اللغة مأخوذة من ثلاثة أشياء: العرض المؤثر: كعلَّة المرض، وهو الذي يؤثر فيه عادة. والداعي للأمر: من قولهم: علَّة إكرام زيد لعمرٍو علمه وإحسانه.
وقيل من الدوام والتكرار: ومنه العلل للشرب بعد الري، يقال: شرب عللا بعد نهل[2].
العلة اصطلاحًا: هي: وصف ظاهر منضبط دل الدليل على كونه مناطا للحكم[3].
ومعنى قولهم: وصف أي: معنى من المعاني، ولهذا كثر في كلام الأصوليين والفقهاء إطلاق المعنى على العلة، بل إن المتقدمين لا يكادون يذكرون (العلة) بل (المعنى).
وقولهم: ظاهر: قيد يخرج الوصف الخفي الذي لا يطلع عليه إلا من قام به، مثل الرضى في البيع، فإنه لا يعلل به وإنما يعلل انعقاد البيع بقول الشخص بعت أو قبلت، فالنطق بالصيغة وصف ظاهر، ولهذا جعل هو العلة في انعقاد البيع.
قولهم: منضبط، فالوصف المنضبط هو الذي لا يختلف باختلاف الأفراد ولا باختلاف الأزمنة والأمكنة.
ومثلوا لغير المنضبط بالمشقة إذا قيل: علة الفطر في السفر المشقة، فإن المشقة تختلف باختلاف الأفراد والأزمان والأمكنة.
ومثلوا للمنضبط بالسفر إذا عللنا جواز الفطر به.
وقولهم: دل الدليل على كونه مناطا للحكم، أي: قام دليل معتبر من الأدلة الدالة على العلة على أن هذا الوصف علة الحكم.
ومعنى قولهم: مناطًا للحكم أي: متعلَّقًا للحكم، بمعنى أن الحكم يعلق على هذا الوصف فيوجد بوجوده ويعدم بعدمه.
وهذا التعريف يصلح لجميع المذاهب مع اختلافهم في أثر العلة[4].
ومن أمثلته: الإسكار علة لتحريم الخمر، والطعم مع اتحاد الجنس علة لتحريم التفاضل في بيع البر بالبر والتمر بالتمر وما جرى مجراهما.
فالسكر وصف منضبط دل عليه الدليل على أنَّ كل مسكر حرام.
والفقهاء قد يجعلون العلة مرادفة للسبب، وقد يجعلونها مباينة له، فيطلقون السبب على ما لا تعرف حكمته مما هو علامة على ثبوت حكم أو نفيه، مثل غروب الشمس، الذي هو علامة على وجوب صلاة المغرب، ويطلقون العلة على ما عرفت حكمته مما هو علامة على ثبوت حكم أو نفيه، مثل الإسكار علة للتحريم، وأنا أختار هذا النوع.
وقد يجعلون السبب أعم من العلة، فيقولون: السبب يطلق على ما عرفت حكمته وما لم تعرف، وأما العلة فلا تطلق إلا على ما عرفت حكمته، فهذه ثلاثة اصطلاحات لهم مشهورة[5].
ومنهم من يجعل العلَّة مرادفة للسبب وبمعنى واحد، قال صاحب المراقي:
ومع علة ترادف السبب * والفرق بعضهم إليه قد ذهب[6]
وعلى هذا يكون الفرق بينهما أنَّ العلَّة تطلق على ما عُرفت حكمته كالإسكار علة تحريم الخمر، وأمَّا السبب فيطلق على ما لم تُعرف حكمته، كالزوال سبب لوجوب صلاة الظهر.
والفرق بين العلة والحكمة: أنَّ العلَّة هي المعنى الذي بنيَ عليه الحكم، وأمَّا الحكمة فهي المصلحة التي من أجلها شُرع الحكم[7].
أسماء العلة:
وبعض العلماء يطلقون أسماء على العلَّة منها:
الأمارة.
والعلامة.
والمعرف.
والباعث.
والموجب.
والسبب.
والمناط.
والمستدعي.
والمؤثر.
والدليل.
والمقتضي.
والحامل[8].
أنواع العلة:
1) قد تكون العلَّة حكمًا شرعيًّا:
كتحريم بيع الخمر، وبه لا يجوز بيع لحم الميتة، بعلَّة تحريم بيع الخمر.
2) قد تكون وصفًا عارضًا:
كالسُّكر في الخمر.
3) قد تكون وصفًا لازمًا:
كالأنوثة في ولاية النِّكاح.
4) قد تكون وصفًا مجرَّدًا:
وهي ما تعرف بالعلَّة البسيطة، وهي التي لم تتركب من أجزاء، مثل الطعم في الأصناف الأربعة (المطعومة) في تحريم الربا، فعلَّته أنَّه طعام.
5) وقد تكون العلة مركبَّة:
وهي التي تتركب من جزأين فأكثر بحيث لا يستقلُّ كل واحد بالعليَّة، مثل: القتل العمد العدوان، فيشترط في القتل أن يكون عمدا وعدوانا لغير الوالد لإثبات الحكم.
6) وقد تكون من أفعال المكلَّفين:
كالسرقة فهي علَّة لإقامة الحكم إذا استوفى شروطها وانتفت موانعها.
7) وقد تكون عقليَّة:
أي ما استقلَّ العقل بإدراكها، كالحركة علَّة في كون المتحرِّك متحرِّكٌ[9].
8) وقد تكون مقدورًا عليها:
كالسرقة في الحد.
9) وقد تكون غير مقدورٍ عليها:
كالأنوثة في الولاية.
ويوجد أنواع أخرى...
ومن المقرَّر في الشريعة الإسلامية، وكل الشرائع الربانيَّة، أنَّ الأحكام لم تُشرَّع عبثًا، وإنَّما شُرعت لمصلحة العباد دنيا وأُخرى، وهذه المصلحة على قسمين، إمَّا جلب مصالح أو تكميلها، أو درء المفاسد أو تقليلها، وهذا في كل الشريعة من عبادات ومعاملات، فمن تتبع الأحكام الشرعية من الكتاب والسنَّة وجدها لا تخرج عن هذا، فمثلا قوله تعالى: ﴿ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾[البقرة: 184]، فقد أباح للمريض والمسافر الفطر في رمضان لدفع المشقَّة عنه، فقد قال تعالى في نفس الآية: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ وبه أيضا قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾[المائدة: 90]، فحرَّم الشارع الخمر والميسر لعلَّة صيانة العقل في الخمر، ومنع العداوة في الميسر، والأنصاب قال السعدي هي: الأصنام والأنداد ونحوها، مما يُنصب ويُعبد من دون الله، والأزلام التي يستقسمون بها[10].
فقد حرَّمهما تعالى لما فيهما من الشرك وهو أكبر المفاسد لا مفسدة مثل الشرك.
وقد تكون الحكمة من الحكم خفيَّة لا يمكن التحقق من وجودها، وقد تكون أمرا غير منضبط يختلف باختلاف الأحوال أو النَّاس، لذلك لا يُربط التَّشريع غالبا بحكمته، وإنَّما يُربط بالوصف الظاهر المنضبط، أي العلة، وهذا الوصف هو مظنَّة تحقيق الحكم، فمع هذا الوصف المنضبط غالبا ما تتحقق الحكمة من الحكم وهو الذي يُسمِّيه الأصوليُّون: علَّة الحكم أو مناطه، وهو معنى قولهم: إنَّ الحكم يدور مع علَّته لا مع حكمته وجودا وعدما، أي إذا وجدتِ العلَّة وُجد الحكم، وإذا انتفت العلَّة انتفى الحكم، بخلاف الحكمة، فمثلا السفر في رمضان علَّته تبيح الفطر والقصر، فعلَّتهما السفر في رمضان، وأمَّا الحكمة منه فهي المشقَّة، فلا يُنظر إلى الحكمة في هذا بل يُنظر إلى العلَّة، فإذا انتفت العلَّة انتفى الحكم وإن انتفت الحكمة لا ينتفي الحكم، فالمسافر إن انتفت حكمته وهي المشقَّة، يجوز له القصر والفطر، فلا يُلتفت للحكمة فيه، ولكن إن انتفت علَّته وهي السفر، انتفى الحكم ووجب عليه الصوم وإتمام الصلاة، هذا لأنَّ السفر هو علَّة القصر والفطر، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما، وليس الحكمة، ومن هذا يتبيَّن أنَّ الحكمة هي المصلحة التي قصد الشارع تحقيقها أو تكميلها، أو المفسدة التي أراد درءَها أو تقليلها، وربط الحكم بالعلَّة يؤدِّي إلى ضبط الأحكام واستقرار أوامر التَّشريع، فالعلَّة هي الوصف الضاهر المنضبط التي تُبنى عليه الأحكام[11].
يُلحق (شروط العلَّة).
(الجزء الأوَّل)
تعريف العلة:
العلة لغة: من عَلَّ بلام مشددة مفتوحة: فعل متعدٍ ولازمٌ، نقول فيهما: عَلَّ يُعلُّ بضم العين وكسرها، ومصدرهما: عَلاًّ وعَلَلًا، وأَعلَّهُ اللهُ: أي: أصابه بعلة، والعلة: المرض، عَلَّ واعتلّ، أي مرض، وصاحبها مُعتَلّ، فهو عليل، وهي حدث يشغل صاحبه عن وجهه، كأنَّ تلك العلة صارت شُغلًا ثانيًا، منعه عن شغله الأول.
وعَلَّلَهُ بالشيء تعليلًا، أي: لَهَّاه به، كما يُعلَّل الصبيُّ بشيء من الطعام عن اللبن، والتعليل: سقيٌ بعد سقي، وجنيُ الثمرة مرة بعد أخرى، والتعليل: تبيين عِلة الشيء، وأيضًا ما يستدل به من العلة على المعلول، وعَلَّلَ الشيءَ: بَيّن علتَهُ وأَثبتَهُ بالدليل، فهو مُعلَّل[1].
وقال القرافي: العلة باعتبار اللغة مأخوذة من ثلاثة أشياء: العرض المؤثر: كعلَّة المرض، وهو الذي يؤثر فيه عادة. والداعي للأمر: من قولهم: علَّة إكرام زيد لعمرٍو علمه وإحسانه.
وقيل من الدوام والتكرار: ومنه العلل للشرب بعد الري، يقال: شرب عللا بعد نهل[2].
العلة اصطلاحًا: هي: وصف ظاهر منضبط دل الدليل على كونه مناطا للحكم[3].
ومعنى قولهم: وصف أي: معنى من المعاني، ولهذا كثر في كلام الأصوليين والفقهاء إطلاق المعنى على العلة، بل إن المتقدمين لا يكادون يذكرون (العلة) بل (المعنى).
وقولهم: ظاهر: قيد يخرج الوصف الخفي الذي لا يطلع عليه إلا من قام به، مثل الرضى في البيع، فإنه لا يعلل به وإنما يعلل انعقاد البيع بقول الشخص بعت أو قبلت، فالنطق بالصيغة وصف ظاهر، ولهذا جعل هو العلة في انعقاد البيع.
قولهم: منضبط، فالوصف المنضبط هو الذي لا يختلف باختلاف الأفراد ولا باختلاف الأزمنة والأمكنة.
ومثلوا لغير المنضبط بالمشقة إذا قيل: علة الفطر في السفر المشقة، فإن المشقة تختلف باختلاف الأفراد والأزمان والأمكنة.
ومثلوا للمنضبط بالسفر إذا عللنا جواز الفطر به.
وقولهم: دل الدليل على كونه مناطا للحكم، أي: قام دليل معتبر من الأدلة الدالة على العلة على أن هذا الوصف علة الحكم.
ومعنى قولهم: مناطًا للحكم أي: متعلَّقًا للحكم، بمعنى أن الحكم يعلق على هذا الوصف فيوجد بوجوده ويعدم بعدمه.
وهذا التعريف يصلح لجميع المذاهب مع اختلافهم في أثر العلة[4].
ومن أمثلته: الإسكار علة لتحريم الخمر، والطعم مع اتحاد الجنس علة لتحريم التفاضل في بيع البر بالبر والتمر بالتمر وما جرى مجراهما.
فالسكر وصف منضبط دل عليه الدليل على أنَّ كل مسكر حرام.
والفقهاء قد يجعلون العلة مرادفة للسبب، وقد يجعلونها مباينة له، فيطلقون السبب على ما لا تعرف حكمته مما هو علامة على ثبوت حكم أو نفيه، مثل غروب الشمس، الذي هو علامة على وجوب صلاة المغرب، ويطلقون العلة على ما عرفت حكمته مما هو علامة على ثبوت حكم أو نفيه، مثل الإسكار علة للتحريم، وأنا أختار هذا النوع.
وقد يجعلون السبب أعم من العلة، فيقولون: السبب يطلق على ما عرفت حكمته وما لم تعرف، وأما العلة فلا تطلق إلا على ما عرفت حكمته، فهذه ثلاثة اصطلاحات لهم مشهورة[5].
ومنهم من يجعل العلَّة مرادفة للسبب وبمعنى واحد، قال صاحب المراقي:
ومع علة ترادف السبب * والفرق بعضهم إليه قد ذهب[6]
وعلى هذا يكون الفرق بينهما أنَّ العلَّة تطلق على ما عُرفت حكمته كالإسكار علة تحريم الخمر، وأمَّا السبب فيطلق على ما لم تُعرف حكمته، كالزوال سبب لوجوب صلاة الظهر.
والفرق بين العلة والحكمة: أنَّ العلَّة هي المعنى الذي بنيَ عليه الحكم، وأمَّا الحكمة فهي المصلحة التي من أجلها شُرع الحكم[7].
أسماء العلة:
وبعض العلماء يطلقون أسماء على العلَّة منها:
الأمارة.
والعلامة.
والمعرف.
والباعث.
والموجب.
والسبب.
والمناط.
والمستدعي.
والمؤثر.
والدليل.
والمقتضي.
والحامل[8].
أنواع العلة:
1) قد تكون العلَّة حكمًا شرعيًّا:
كتحريم بيع الخمر، وبه لا يجوز بيع لحم الميتة، بعلَّة تحريم بيع الخمر.
2) قد تكون وصفًا عارضًا:
كالسُّكر في الخمر.
3) قد تكون وصفًا لازمًا:
كالأنوثة في ولاية النِّكاح.
4) قد تكون وصفًا مجرَّدًا:
وهي ما تعرف بالعلَّة البسيطة، وهي التي لم تتركب من أجزاء، مثل الطعم في الأصناف الأربعة (المطعومة) في تحريم الربا، فعلَّته أنَّه طعام.
5) وقد تكون العلة مركبَّة:
وهي التي تتركب من جزأين فأكثر بحيث لا يستقلُّ كل واحد بالعليَّة، مثل: القتل العمد العدوان، فيشترط في القتل أن يكون عمدا وعدوانا لغير الوالد لإثبات الحكم.
6) وقد تكون من أفعال المكلَّفين:
كالسرقة فهي علَّة لإقامة الحكم إذا استوفى شروطها وانتفت موانعها.
7) وقد تكون عقليَّة:
أي ما استقلَّ العقل بإدراكها، كالحركة علَّة في كون المتحرِّك متحرِّكٌ[9].
8) وقد تكون مقدورًا عليها:
كالسرقة في الحد.
9) وقد تكون غير مقدورٍ عليها:
كالأنوثة في الولاية.
ويوجد أنواع أخرى...
ومن المقرَّر في الشريعة الإسلامية، وكل الشرائع الربانيَّة، أنَّ الأحكام لم تُشرَّع عبثًا، وإنَّما شُرعت لمصلحة العباد دنيا وأُخرى، وهذه المصلحة على قسمين، إمَّا جلب مصالح أو تكميلها، أو درء المفاسد أو تقليلها، وهذا في كل الشريعة من عبادات ومعاملات، فمن تتبع الأحكام الشرعية من الكتاب والسنَّة وجدها لا تخرج عن هذا، فمثلا قوله تعالى: ﴿ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾[البقرة: 184]، فقد أباح للمريض والمسافر الفطر في رمضان لدفع المشقَّة عنه، فقد قال تعالى في نفس الآية: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ وبه أيضا قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾[المائدة: 90]، فحرَّم الشارع الخمر والميسر لعلَّة صيانة العقل في الخمر، ومنع العداوة في الميسر، والأنصاب قال السعدي هي: الأصنام والأنداد ونحوها، مما يُنصب ويُعبد من دون الله، والأزلام التي يستقسمون بها[10].
فقد حرَّمهما تعالى لما فيهما من الشرك وهو أكبر المفاسد لا مفسدة مثل الشرك.
وقد تكون الحكمة من الحكم خفيَّة لا يمكن التحقق من وجودها، وقد تكون أمرا غير منضبط يختلف باختلاف الأحوال أو النَّاس، لذلك لا يُربط التَّشريع غالبا بحكمته، وإنَّما يُربط بالوصف الظاهر المنضبط، أي العلة، وهذا الوصف هو مظنَّة تحقيق الحكم، فمع هذا الوصف المنضبط غالبا ما تتحقق الحكمة من الحكم وهو الذي يُسمِّيه الأصوليُّون: علَّة الحكم أو مناطه، وهو معنى قولهم: إنَّ الحكم يدور مع علَّته لا مع حكمته وجودا وعدما، أي إذا وجدتِ العلَّة وُجد الحكم، وإذا انتفت العلَّة انتفى الحكم، بخلاف الحكمة، فمثلا السفر في رمضان علَّته تبيح الفطر والقصر، فعلَّتهما السفر في رمضان، وأمَّا الحكمة منه فهي المشقَّة، فلا يُنظر إلى الحكمة في هذا بل يُنظر إلى العلَّة، فإذا انتفت العلَّة انتفى الحكم وإن انتفت الحكمة لا ينتفي الحكم، فالمسافر إن انتفت حكمته وهي المشقَّة، يجوز له القصر والفطر، فلا يُلتفت للحكمة فيه، ولكن إن انتفت علَّته وهي السفر، انتفى الحكم ووجب عليه الصوم وإتمام الصلاة، هذا لأنَّ السفر هو علَّة القصر والفطر، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما، وليس الحكمة، ومن هذا يتبيَّن أنَّ الحكمة هي المصلحة التي قصد الشارع تحقيقها أو تكميلها، أو المفسدة التي أراد درءَها أو تقليلها، وربط الحكم بالعلَّة يؤدِّي إلى ضبط الأحكام واستقرار أوامر التَّشريع، فالعلَّة هي الوصف الضاهر المنضبط التي تُبنى عليه الأحكام[11].
يُلحق (شروط العلَّة).