رحيل
03-04-2022, 01:09 PM
وبين في آيات كثيرة : أن كفار هذه الأمة كمشركي قريش سألوا العذاب كما سأله من قبلهم ، كقوله : وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم [ 8 \ 32 ] ، وقولـه : وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب [ 38 \ 16 ] ، وأصل القط : كتاب الملك الذي فيه الجائزة ، وصار يطلق على النصيب : فمعنى عجل لنا قطنا أي : نصيبنا المقدر لنا من العذاب الذي تزعم وقوعه بنا إن لم نصدقك ونؤمن بك ، كالنصيب الذي يقدره الملك في القط الذي هو كتاب الجائزة ، ومنه قول الأعشى :
ولا الملك النعمان يوم لقيته بغبطته يعطي القطوط ويأفق
وقوله " يأفق " أي : يفضل بعضا على بعض في العطاء ، والآيات بمثل ذلك كثيرة ، والقول الأول أظهر عندي ; لأن ما لا تقدير فيه أولى مما فيه تقدير إلا بحجة [ ص: 305 ] الرجوع إليها تثبت المحذوف المقدر ، والله تعالى أعلم ، وقد ذكرنا في كتابنا ) دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ( وجه الجمع بين قوله تعالى هنا : وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين الآية [ 18 \ 55 ] ، وبين قوله تعالى : وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا [ 17 \ 94 ] ، بما حاصله باختصار : أن المانع المذكور في سورة " الإسراء " مانع عادي يجوز تخلفه ; لأن استغرابهم بعث رسول من البشر مانع عادي يجوز تخلفه لإمكان أن يستغرب الكافر بعث رسول من البشر ثم يؤمن به مع ذلك الاستغراب ، فالحصر في قوله تعالى : وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا [ 17 \ 94 ] ، حصر في المانع العادي ، وأما الحصر في قوله هنا : وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا [ 18 \ 55 ] ، فهو حصر في المانع الحقيقي ; لأن إرادته جل وعلا عدم إيمانهم ، وحكمه عليهم بذلك ، وقضاءه به مانع حقيقي من وقوع غيره .
وقولـه في هذه الآية الكريمة : أو يأتيهم العذاب قبلا ، قرأه الكوفيون : وهم عاصم وحمزة والكسائي " قبلا " بضم القاف والباء ، وقرأه الأربعة الباقون من السبعة : وهم نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر " قبلا " بكسر القاف وفتح الباء ، أما على قراءة الكوفيين فقوله " قبلا " بضمتين جمع قبيل ، والفعيل إذا كان اسما يجمع على فعل كسرير وسرر ، وطريق وطرق ، وحصير وحصر ، كما أشار إلى ذلك في الخلاصة بقوله :
وفعل لاسم رباعي بمد قد زيد قبل لام إعلالا فقد
ما لم يضاعف في الأعم ذو الألف . ، إلخ .
وعلى هذا ، فمعنى الآية أو يأتيهم العذاب قبلا أي : أنواعا مختلفة ، يتلو بعضها بعضا ، وعلى قراءة من قرءوا " قبلا " كعنب ، فمعناه عيانا ، أي : أو يأتيهم العذاب عيانا ، وقال مجاهد رحمه الله " قبلا " أي : فجأة ، والتحقيق : أن معناها عيانا ، وأصله من المقابلة ; لأن المتقابلين يعاين كل واحد منهما الآخر ، وذكر أبو عبيد : أن معنى القراءتين واحد ، وأن معناهما عيانا ، وأصله من المقابلة ، وانتصاب " قبلا " على الحال على كلتا القراءتين ، وهو على القولين المذكورين في معنى " قبلا " إن قدرنا أنه بمعنى عيانا ، فهو مصدر منكر حال كما قدمنا مرارا ، وعلى أنه جمع قبيل : فهو اسم جامد [ ص: 306 ] مؤول بمشتق ; لأنه في تأويل : أو يأتيهم العذاب في حال كونه أنواعا وضروبا مختلفة ، والمصدر المنسبك من " أن " وصلتها في قوله : أن يؤمنوا في محل نصب ; لأنه مفعول " منع " الثاني ، والمنسبك في " أن " وصلتها في قوله : إلا أن تأتيهم سنة الأولين في محل رفع ; لأنه فاعل " منع " لأن الاستثناء مفرغ ، وما قبل " إلا " عامل فيما بعدها ، فصار التقدير : منع الناس الإيمان إتيان سنة الأولين ، على حد قوله في الخلاصة :
وإن يفرغ سابق إلا لما بعد يكن كما لو إلا عدما
والاستغفار في قوله : ويستغفروا ربهم هو طلب المغفرة منه جل وعلا لجميع الذنوب السالفة بالإنابة إليه ، والندم على ما فات ، والعزم المصمم على عدم العود إلى الذنب .
قوله تعالى : وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أنه ما يرسل الرسل إلا مبشرين من أطاعهم بالجنة ، ومنذرين من عصاهم بالنار ، وكرر هذا المعنى في مواضع أخر ، كقوله : وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون [ 6 \ 48 ] ، وقد أوضحنا معنى البشارة والإنذار في أول هذه السورة الكريمة في الكلام على قوله تعالى : لينذر بأسا شديدا من لدنه الآية [ 18 \ 2 ] ، وانتصاب قوله " مبشرين " على الحال ، أي : ما نرسلهم إلا في حال كونهم مبشرين ومنذرين .
ولا الملك النعمان يوم لقيته بغبطته يعطي القطوط ويأفق
وقوله " يأفق " أي : يفضل بعضا على بعض في العطاء ، والآيات بمثل ذلك كثيرة ، والقول الأول أظهر عندي ; لأن ما لا تقدير فيه أولى مما فيه تقدير إلا بحجة [ ص: 305 ] الرجوع إليها تثبت المحذوف المقدر ، والله تعالى أعلم ، وقد ذكرنا في كتابنا ) دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ( وجه الجمع بين قوله تعالى هنا : وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين الآية [ 18 \ 55 ] ، وبين قوله تعالى : وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا [ 17 \ 94 ] ، بما حاصله باختصار : أن المانع المذكور في سورة " الإسراء " مانع عادي يجوز تخلفه ; لأن استغرابهم بعث رسول من البشر مانع عادي يجوز تخلفه لإمكان أن يستغرب الكافر بعث رسول من البشر ثم يؤمن به مع ذلك الاستغراب ، فالحصر في قوله تعالى : وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا [ 17 \ 94 ] ، حصر في المانع العادي ، وأما الحصر في قوله هنا : وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا [ 18 \ 55 ] ، فهو حصر في المانع الحقيقي ; لأن إرادته جل وعلا عدم إيمانهم ، وحكمه عليهم بذلك ، وقضاءه به مانع حقيقي من وقوع غيره .
وقولـه في هذه الآية الكريمة : أو يأتيهم العذاب قبلا ، قرأه الكوفيون : وهم عاصم وحمزة والكسائي " قبلا " بضم القاف والباء ، وقرأه الأربعة الباقون من السبعة : وهم نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر " قبلا " بكسر القاف وفتح الباء ، أما على قراءة الكوفيين فقوله " قبلا " بضمتين جمع قبيل ، والفعيل إذا كان اسما يجمع على فعل كسرير وسرر ، وطريق وطرق ، وحصير وحصر ، كما أشار إلى ذلك في الخلاصة بقوله :
وفعل لاسم رباعي بمد قد زيد قبل لام إعلالا فقد
ما لم يضاعف في الأعم ذو الألف . ، إلخ .
وعلى هذا ، فمعنى الآية أو يأتيهم العذاب قبلا أي : أنواعا مختلفة ، يتلو بعضها بعضا ، وعلى قراءة من قرءوا " قبلا " كعنب ، فمعناه عيانا ، أي : أو يأتيهم العذاب عيانا ، وقال مجاهد رحمه الله " قبلا " أي : فجأة ، والتحقيق : أن معناها عيانا ، وأصله من المقابلة ; لأن المتقابلين يعاين كل واحد منهما الآخر ، وذكر أبو عبيد : أن معنى القراءتين واحد ، وأن معناهما عيانا ، وأصله من المقابلة ، وانتصاب " قبلا " على الحال على كلتا القراءتين ، وهو على القولين المذكورين في معنى " قبلا " إن قدرنا أنه بمعنى عيانا ، فهو مصدر منكر حال كما قدمنا مرارا ، وعلى أنه جمع قبيل : فهو اسم جامد [ ص: 306 ] مؤول بمشتق ; لأنه في تأويل : أو يأتيهم العذاب في حال كونه أنواعا وضروبا مختلفة ، والمصدر المنسبك من " أن " وصلتها في قوله : أن يؤمنوا في محل نصب ; لأنه مفعول " منع " الثاني ، والمنسبك في " أن " وصلتها في قوله : إلا أن تأتيهم سنة الأولين في محل رفع ; لأنه فاعل " منع " لأن الاستثناء مفرغ ، وما قبل " إلا " عامل فيما بعدها ، فصار التقدير : منع الناس الإيمان إتيان سنة الأولين ، على حد قوله في الخلاصة :
وإن يفرغ سابق إلا لما بعد يكن كما لو إلا عدما
والاستغفار في قوله : ويستغفروا ربهم هو طلب المغفرة منه جل وعلا لجميع الذنوب السالفة بالإنابة إليه ، والندم على ما فات ، والعزم المصمم على عدم العود إلى الذنب .
قوله تعالى : وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أنه ما يرسل الرسل إلا مبشرين من أطاعهم بالجنة ، ومنذرين من عصاهم بالنار ، وكرر هذا المعنى في مواضع أخر ، كقوله : وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون [ 6 \ 48 ] ، وقد أوضحنا معنى البشارة والإنذار في أول هذه السورة الكريمة في الكلام على قوله تعالى : لينذر بأسا شديدا من لدنه الآية [ 18 \ 2 ] ، وانتصاب قوله " مبشرين " على الحال ، أي : ما نرسلهم إلا في حال كونهم مبشرين ومنذرين .