Şøķåŕą
02-28-2022, 05:06 PM
العمل الجماعي في الكتاب والسنة
المطلب الأول: العمل الجماعي في القرآن:
حينما ننظر في القرآن الكريم ونتدبر آياته نجد أن القرآن يغذي هذه الجماعية (العمل الجماعي) بتوجيهاته الدائمة إلى التعاون والتشاور والوفاق:
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2].
﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 103].
﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 29].
﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الشورى: 38].
كما يغذيها بالخطاب الجماعي والتوجيهات الجماعية التي تلقي المسؤولية على الجماعة كلِّها متساندة؛ لأنها في الواقع مسؤوليةُ كلِّ فرد، ومسؤولية الجميع: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 25].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 123].
﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6].
﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [الأنفال: 39]. ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ [الحج: 78].
فكلَّف تعالى كلَّ واحد بهذه المهمة بصورة خطاب جماعي، ولم يكلفْه بصورة خطاب فردي، إشارة إلى أن كلَّ واحد لا يستطيع أن ينهض بمهمته وحدَه، وإنما بمعاونة ومساندة الآخرين[1]، كما نجد في قوله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2] - دليلًا آخر على مشروعية التجمع والدعوة الجماعية، بل وجوبها إذا كان البرُّ لا يمكن تحصيله بدون بذلك[2].
قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَاد فِي أَحْكَامِهِ: وَالتَّعَاوُنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى يَكُونُ بِوُجُوهٍ، فَوَاجِبٌ عَلَى الْعَالِمِ أَنْ يُعِينَ النَّاسَ بِعِلْمِهِ فَيُعَلِّمُهُمْ، وَيُعِينُهُمُ الْغَنِيُّ بِمَالِهِ، وَالشُّجَاعُ بِشَجَاعَتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ مُتَظَاهِرِينَ كَالْيَدِ الْوَاحِدَةِ[3].
العمل الجماعي في القصص القرآني (ذو القرنين):
قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ﴾ [الكهف: 93 - 97].
أخبر القرآن عن مهمة ذي القرنين في الجهة الشمالية الواقعة جنوب جبال القوقاز، وهي المسماة الآن بأرمينيا وجورجيا وأذربيجان، والقوم الذين كانوا يسكنونها زمن ذي القرنين هم قبائل "كوشيا"، ولما شكوا إليه هجمات يأجوج ومأجوج عليهم عبر مضيق "داريال" سد ذلك المضيق وبنى عليه السد، وأقام في المنطقة تسع سنوات، حتى أتمَّ ذلك السد العظيم.
لقد كان أولئك القوم قوما اتكاليين، لا يريدون أن يبذلوا جهدًا، ولا أن يقوموا بعمل، ولذلك أحالوا المشكلة على ذي القرنين، وأوكلوا إليه حلها، أما هم فمستعدون لدفع المال له: ﴿ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا ﴾ [الكهف: 94].
عفَّ ذو القرنين عن مالهم وزهد فيه، أراد أن يتركوا العجز والكسل والاتكالية، وأن يعلمهم النشاط والعمل والكسب والسعي، فقال لهم: ﴿ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ﴾ [الكهف: 95].
لقد كان فقه ذي القرنين في التعامل مع الشعوب المستضعفة هو السعي الجاد لنقلها من الجهل والتخلف والكسل والضعف إلى العلم والتقدم والنشاط والقوة، فكان يدير العمل بروح الجماعة، ويشترك بنفسه مع إشراك غيره، ويدل على ذلك ضمير المتكلم الذي يتقابل في تسلسل متتابع رفيع مع ضمير المخاطب في النظم القرآني الكريم؛ مما يشير إلى روح الحماس والحيوية والتعاون المشترك[4].
وتعتبر هذه العبارة القرآنية الموجزة ﴿ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ ﴾ مَعلَمًا قرآنيًّا بارزًا في تضافر الجهود وتوحيد القدرات والطاقات والقوى، كما تقدم لنا قاعدة قرآنية مطردة في إنجاز الأعمال والقيام بالمطلوب.
إنَّ المجتمع المتكامل الناجح هو الذي تجتمع كافة القوى والطاقات، لتحقيق الخير فيه، وإن القيادة الناجحة الواعية هي التي تستقطب كافة الإمكانيات والقدرات لتحقيق الغايات المنشودة[5].
إن أمتنا الإسلامية مليئة بالمواهب الضائعة والطاقات المعطلة، والأموال المهدرة، والأوقات المبدَّدة، والشباب الحيارى، وهي تنتظر قيادتها الواعية في كل الأقطار والدول والبلاد لكي تأخذ بقاعدة ذي القرنين في الجمع والتنسيق والتعاون ومحاربة الجهل والكسل والتخلف.
درس للأمة الإسلامية:
وهنا وقفة مهمة ودرس مهم وضروري للأمة، وبخاصة في زماننا هذا؛ لأنها تواجه خطرًا ماحقًا مدمرًا، أشد وأقسى من يأجوج ومأجوج، إنه خطر الملاحدة واليهود والنصارى الذين يسعون لتدمير كيان الأمة، وسلخها من هويتها وعقيدتها وإسلامها، وجعلها عاجزة مكتوفة الأيدي أمام هذا الخطر، تستنجد وتستنكر وتشكو إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة، والدعوة إلى مؤتمر دولي.
إن القرآن الكريم يعلِّمنا ويرشدنا إلى طريق النجاة، ألا وهي الالتزام بمنهج الله، واتخاذ طريق العمل الصائب الصحيح بالجهاد والقتال والقوة والعلوم المتطورة؛ لكي تستحق الأمة رحمة الله، فعلى الأمة أن تودِّع الأماني والأحلام الخادعة، وعليها أن تدخل ميدان العمل والعطاء والجهاد والشهادة، فعندما تحرِّك القوم المستضعَفون نحو العمل بقيادة ذي القرنين، وصلوا إلى هدفهم المنشود، وغايتهم المطلوبة.
المطلب الأول: العمل الجماعي في القرآن:
حينما ننظر في القرآن الكريم ونتدبر آياته نجد أن القرآن يغذي هذه الجماعية (العمل الجماعي) بتوجيهاته الدائمة إلى التعاون والتشاور والوفاق:
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2].
﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 103].
﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 29].
﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الشورى: 38].
كما يغذيها بالخطاب الجماعي والتوجيهات الجماعية التي تلقي المسؤولية على الجماعة كلِّها متساندة؛ لأنها في الواقع مسؤوليةُ كلِّ فرد، ومسؤولية الجميع: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 25].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 123].
﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6].
﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [الأنفال: 39]. ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ [الحج: 78].
فكلَّف تعالى كلَّ واحد بهذه المهمة بصورة خطاب جماعي، ولم يكلفْه بصورة خطاب فردي، إشارة إلى أن كلَّ واحد لا يستطيع أن ينهض بمهمته وحدَه، وإنما بمعاونة ومساندة الآخرين[1]، كما نجد في قوله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2] - دليلًا آخر على مشروعية التجمع والدعوة الجماعية، بل وجوبها إذا كان البرُّ لا يمكن تحصيله بدون بذلك[2].
قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَاد فِي أَحْكَامِهِ: وَالتَّعَاوُنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى يَكُونُ بِوُجُوهٍ، فَوَاجِبٌ عَلَى الْعَالِمِ أَنْ يُعِينَ النَّاسَ بِعِلْمِهِ فَيُعَلِّمُهُمْ، وَيُعِينُهُمُ الْغَنِيُّ بِمَالِهِ، وَالشُّجَاعُ بِشَجَاعَتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ مُتَظَاهِرِينَ كَالْيَدِ الْوَاحِدَةِ[3].
العمل الجماعي في القصص القرآني (ذو القرنين):
قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ﴾ [الكهف: 93 - 97].
أخبر القرآن عن مهمة ذي القرنين في الجهة الشمالية الواقعة جنوب جبال القوقاز، وهي المسماة الآن بأرمينيا وجورجيا وأذربيجان، والقوم الذين كانوا يسكنونها زمن ذي القرنين هم قبائل "كوشيا"، ولما شكوا إليه هجمات يأجوج ومأجوج عليهم عبر مضيق "داريال" سد ذلك المضيق وبنى عليه السد، وأقام في المنطقة تسع سنوات، حتى أتمَّ ذلك السد العظيم.
لقد كان أولئك القوم قوما اتكاليين، لا يريدون أن يبذلوا جهدًا، ولا أن يقوموا بعمل، ولذلك أحالوا المشكلة على ذي القرنين، وأوكلوا إليه حلها، أما هم فمستعدون لدفع المال له: ﴿ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا ﴾ [الكهف: 94].
عفَّ ذو القرنين عن مالهم وزهد فيه، أراد أن يتركوا العجز والكسل والاتكالية، وأن يعلمهم النشاط والعمل والكسب والسعي، فقال لهم: ﴿ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ﴾ [الكهف: 95].
لقد كان فقه ذي القرنين في التعامل مع الشعوب المستضعفة هو السعي الجاد لنقلها من الجهل والتخلف والكسل والضعف إلى العلم والتقدم والنشاط والقوة، فكان يدير العمل بروح الجماعة، ويشترك بنفسه مع إشراك غيره، ويدل على ذلك ضمير المتكلم الذي يتقابل في تسلسل متتابع رفيع مع ضمير المخاطب في النظم القرآني الكريم؛ مما يشير إلى روح الحماس والحيوية والتعاون المشترك[4].
وتعتبر هذه العبارة القرآنية الموجزة ﴿ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ ﴾ مَعلَمًا قرآنيًّا بارزًا في تضافر الجهود وتوحيد القدرات والطاقات والقوى، كما تقدم لنا قاعدة قرآنية مطردة في إنجاز الأعمال والقيام بالمطلوب.
إنَّ المجتمع المتكامل الناجح هو الذي تجتمع كافة القوى والطاقات، لتحقيق الخير فيه، وإن القيادة الناجحة الواعية هي التي تستقطب كافة الإمكانيات والقدرات لتحقيق الغايات المنشودة[5].
إن أمتنا الإسلامية مليئة بالمواهب الضائعة والطاقات المعطلة، والأموال المهدرة، والأوقات المبدَّدة، والشباب الحيارى، وهي تنتظر قيادتها الواعية في كل الأقطار والدول والبلاد لكي تأخذ بقاعدة ذي القرنين في الجمع والتنسيق والتعاون ومحاربة الجهل والكسل والتخلف.
درس للأمة الإسلامية:
وهنا وقفة مهمة ودرس مهم وضروري للأمة، وبخاصة في زماننا هذا؛ لأنها تواجه خطرًا ماحقًا مدمرًا، أشد وأقسى من يأجوج ومأجوج، إنه خطر الملاحدة واليهود والنصارى الذين يسعون لتدمير كيان الأمة، وسلخها من هويتها وعقيدتها وإسلامها، وجعلها عاجزة مكتوفة الأيدي أمام هذا الخطر، تستنجد وتستنكر وتشكو إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة، والدعوة إلى مؤتمر دولي.
إن القرآن الكريم يعلِّمنا ويرشدنا إلى طريق النجاة، ألا وهي الالتزام بمنهج الله، واتخاذ طريق العمل الصائب الصحيح بالجهاد والقتال والقوة والعلوم المتطورة؛ لكي تستحق الأمة رحمة الله، فعلى الأمة أن تودِّع الأماني والأحلام الخادعة، وعليها أن تدخل ميدان العمل والعطاء والجهاد والشهادة، فعندما تحرِّك القوم المستضعَفون نحو العمل بقيادة ذي القرنين، وصلوا إلى هدفهم المنشود، وغايتهم المطلوبة.