نور القمر
01-27-2022, 01:54 PM
نماذج من رسائل النبي للملوك (2) إلى المقوقس عظيم القبط
قراءة في السياسة الخارجية
للدولة الإسلامية في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (3)
"بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبدالله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط، سلامٌ على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يُؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم القبط و﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [ آل عمران: 64 ]"[1].
ويلاحظ كأن رسالة المقوقس نسخة مصورة من رسالة القيصر، إلا في بعض الكلمات (ربما كلمتين لا أكثر)، وسبب ذلك أن الملكين من أهل الكتاب، ولهما نفس الاعتقاد (النصرانية) ونفس التوجه السياسي.
ومن اللافت الإشارة في رسالة المقوقس (من محمد عبدالله) ولعل المقوقس كان من المغالين في قول أن عيس ابن الله، فجاءت هذه الكلمة للتأكيد على أن الرسل والأنبياء عليهم السلام هم عباد الله وليسوا أبناءه.
رد المقوقس عظيم القبط:
" لمحمد بن عبدالله من المقوقس، سلام، أما بعد: فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً بقي، وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسلك، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت إليك بغلة لتركبها، والسلام"[3].
التحليل السياسي للرد:
• خاطب المقوقس رسول الله باسمه (محمد بن عبدالله) وليس برسول الله وفي ذلك اعتبارات ربما لا تكون شخصية وإنما سياسية، ومنها رغبته بعدم تأليب القبط عليه في هذه المرحلة، وربما هي وسيلة لاختبار حلم النبي محمد - صلى الله عليه وسلم.
• استخدم عبارة (سلام) وفيها دلالة على رغبته واضحة باتفاق سلام بينهما، وعدم الترويج للمماحكة والتضاد التي قد تؤدي للحرب بينهما في المستقبل.
• ادعى أنه فهم مضمون الرسالة جيداً، ولعله يقصد مضمون الآية الكريمة، ولكنه لم يشر لها، أو لعله يقصد أنه علم أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - رسول الله.
• إيمانه بأن نبياً يظهر إشارة إلى أنه مؤمن بهذا الأمر ولكن هناك ما يمنعه، وخصوصاً لم يظهر أحد في الشام يزعم أنه نبي، أو لعل المانع يتعلق بالشأن الداخلي لمملكته، أو به شخصياً.
• تقديم الهدايا فيها إشارة إلى رغبته في ديمومة العلاقة بينهما في المستقبل، من أجل المزيد من الحب والود والتواصل، وأن المقوقس كأنه كان يحتاج إلى المزيد من الوقت، ليتخذ القرار المناسب.
• جاء في الرسالة ذكر الجاريتين (ماريا وسيرين )، أن (لهما مكان في القبط عظيم)، ما يعني أنهما من عائلات كريمة وأصول عريقة عند القبط وليستا بجاريتين اعتياديتين، فهذا يعني ربما هناك رغبته في مصاهرة العرب قوم النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، من أجل اتصال الأنساب (وهذا ما حصل بالفعل، فقد اتخذ رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - مارية لنفسه)، وهذا يدل على رغبة المقوقس بالقرب من النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، بل وإيمانه به ولكنه كان يخاف على ملكه مثل الباقين.
ملحوظات هامة على ردي قيصر الروم ومقوقس القبط:
• توفرت أثناء البحث مجموعة من الرسائل المتبادلة بين النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وقيصر وردودها، فوقع الاختيار على رسالة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - المعتمدة أعلاه وتم اختيار المناسب والملائم لها من الردود، لموثوقية مصادر هذه الرسائل عند أهل العلم.
• على الرغم من الاعتراف الصريح في رد القيصر، بشهادته برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والحذر الشديد (الدبلوماسية العالية) في رد المقوقس، والتهرب من الاعتراف بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - كرسول من الله، إلا أن القارئ يشعر أن ما جاء في رسالة المقوقس فيها الكثير من الصدق والعقل والرصانة والتؤدة، على عكس رسالة قيصر التي انطوت على المراوغة.
لذلك وعن بكر بن عبدالله قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من يذهب بهذا الكتاب إلى قيصر وله الجنة؟"، فقال رجل: وإن لم أقتل؟ قال: "وإن لم تقتل"، فانطلق الرجل، فأتاه بالكتاب فقرأه فقال: اذهب إلى نبيكم فأخبره أني معه ولكن لا أريد أن أدع ملكي، وبعث معه بدنانير هدية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرجع فأخبره فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " كذب " وقسم الدنانير "[4].
• يكتشف القارئ بما لا يقبل الشك تأثر كل من قيصر والمقوقس برسالتي النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - لهما لما فيهما من الحجة الدامغة الواضحة، فلهذا كان ردهما بهذا الشكل.
[1] نفس المصدر السابق، ص 111.
[2] مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، محمد حميد الله، ص137.
[3] نفس المصدر السابق، صفحة 136.
[4]) مسند الحارث - كتاب الجهاد- باب منه في الدعاء إلى الإسلام.
قراءة في السياسة الخارجية
للدولة الإسلامية في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (3)
"بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبدالله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط، سلامٌ على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يُؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم القبط و﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [ آل عمران: 64 ]"[1].
ويلاحظ كأن رسالة المقوقس نسخة مصورة من رسالة القيصر، إلا في بعض الكلمات (ربما كلمتين لا أكثر)، وسبب ذلك أن الملكين من أهل الكتاب، ولهما نفس الاعتقاد (النصرانية) ونفس التوجه السياسي.
ومن اللافت الإشارة في رسالة المقوقس (من محمد عبدالله) ولعل المقوقس كان من المغالين في قول أن عيس ابن الله، فجاءت هذه الكلمة للتأكيد على أن الرسل والأنبياء عليهم السلام هم عباد الله وليسوا أبناءه.
رد المقوقس عظيم القبط:
" لمحمد بن عبدالله من المقوقس، سلام، أما بعد: فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً بقي، وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسلك، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت إليك بغلة لتركبها، والسلام"[3].
التحليل السياسي للرد:
• خاطب المقوقس رسول الله باسمه (محمد بن عبدالله) وليس برسول الله وفي ذلك اعتبارات ربما لا تكون شخصية وإنما سياسية، ومنها رغبته بعدم تأليب القبط عليه في هذه المرحلة، وربما هي وسيلة لاختبار حلم النبي محمد - صلى الله عليه وسلم.
• استخدم عبارة (سلام) وفيها دلالة على رغبته واضحة باتفاق سلام بينهما، وعدم الترويج للمماحكة والتضاد التي قد تؤدي للحرب بينهما في المستقبل.
• ادعى أنه فهم مضمون الرسالة جيداً، ولعله يقصد مضمون الآية الكريمة، ولكنه لم يشر لها، أو لعله يقصد أنه علم أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - رسول الله.
• إيمانه بأن نبياً يظهر إشارة إلى أنه مؤمن بهذا الأمر ولكن هناك ما يمنعه، وخصوصاً لم يظهر أحد في الشام يزعم أنه نبي، أو لعل المانع يتعلق بالشأن الداخلي لمملكته، أو به شخصياً.
• تقديم الهدايا فيها إشارة إلى رغبته في ديمومة العلاقة بينهما في المستقبل، من أجل المزيد من الحب والود والتواصل، وأن المقوقس كأنه كان يحتاج إلى المزيد من الوقت، ليتخذ القرار المناسب.
• جاء في الرسالة ذكر الجاريتين (ماريا وسيرين )، أن (لهما مكان في القبط عظيم)، ما يعني أنهما من عائلات كريمة وأصول عريقة عند القبط وليستا بجاريتين اعتياديتين، فهذا يعني ربما هناك رغبته في مصاهرة العرب قوم النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، من أجل اتصال الأنساب (وهذا ما حصل بالفعل، فقد اتخذ رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - مارية لنفسه)، وهذا يدل على رغبة المقوقس بالقرب من النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، بل وإيمانه به ولكنه كان يخاف على ملكه مثل الباقين.
ملحوظات هامة على ردي قيصر الروم ومقوقس القبط:
• توفرت أثناء البحث مجموعة من الرسائل المتبادلة بين النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وقيصر وردودها، فوقع الاختيار على رسالة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - المعتمدة أعلاه وتم اختيار المناسب والملائم لها من الردود، لموثوقية مصادر هذه الرسائل عند أهل العلم.
• على الرغم من الاعتراف الصريح في رد القيصر، بشهادته برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والحذر الشديد (الدبلوماسية العالية) في رد المقوقس، والتهرب من الاعتراف بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - كرسول من الله، إلا أن القارئ يشعر أن ما جاء في رسالة المقوقس فيها الكثير من الصدق والعقل والرصانة والتؤدة، على عكس رسالة قيصر التي انطوت على المراوغة.
لذلك وعن بكر بن عبدالله قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من يذهب بهذا الكتاب إلى قيصر وله الجنة؟"، فقال رجل: وإن لم أقتل؟ قال: "وإن لم تقتل"، فانطلق الرجل، فأتاه بالكتاب فقرأه فقال: اذهب إلى نبيكم فأخبره أني معه ولكن لا أريد أن أدع ملكي، وبعث معه بدنانير هدية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرجع فأخبره فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " كذب " وقسم الدنانير "[4].
• يكتشف القارئ بما لا يقبل الشك تأثر كل من قيصر والمقوقس برسالتي النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - لهما لما فيهما من الحجة الدامغة الواضحة، فلهذا كان ردهما بهذا الشكل.
[1] نفس المصدر السابق، ص 111.
[2] مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، محمد حميد الله، ص137.
[3] نفس المصدر السابق، صفحة 136.
[4]) مسند الحارث - كتاب الجهاد- باب منه في الدعاء إلى الإسلام.