Şøķåŕą
01-08-2022, 08:04 PM
الأحاديث الموضوعة في كتاب سبل الهدى والرشاد
يعد كتاب "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد" من أجمع الكتب التي قامت على جمع ما يتعلق بالجناب النبوي الشريف، وقد استقصى فيه ما وسعه الاستقصاء، وقسمه تقسيمًا حسنًا لم يعهد في كتب السيرة من قبله؛ إذ جلُّها تقوم على الترتيب الزمني، لكن الإمام الصالحي جعل كتابه مبوبًا جاوزت أبوابه ألف باب بدأه بجماع أبواب بعض الفضائل والآيات الواقعة قبل مولده صلى الله عليه وسلم، وختمه بباب: "ما جاء أن جنة عدن مسكنه، وعلو منزلته في الجنة صلى الله عليه وسلم"؛ يقول رحمه الله في مقدمته: "فهذا كتاب اقتضبته من أكثر من ثلاثمائة كتاب، وتحريت فيه الصواب، ذكرت فيه قطرات من بحار فضائل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من مبدأ خلقه قبل خلق سيدنا آدم صلى الله عليه وسلم، وأعلام نبوته وشمائله، وسيرته وأفعاله، وأحواله وتقلباته، إلى أن نقله الله تعالى إلى أعلى جناته، وما أعده له فيها من الإنعام والتعظيم، عليه من الله أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ولم أذكر فيه شيئًا من الأحاديث الموضوعات ..."، ولما كان هذا الكتاب مهمًّا في بابه، بل لا يستغني عنه دارس للسيرة أو قارئ فيها، لا سيما الدعاة منهم، ولما رأيت بعض الناس ينقلون من هذا الكتاب مسلِّمين بكل ما جاء فيه من أخبار مقلدين لهذا الإمام المحدث، لا سيما وأنه قد نصَّ في مقدمته على أنه صانه عن الموضوعات، فيسبق لظنِّ كل قارئ أن هذا الكتاب لا يوجد فيه حديثًا موضوعًا، لكنني لما قمت بدراسة هذا الكتاب، وجدت أن الأمر ليس كذلك، وأن الكتاب فيه أخبار موضوعة ينبغي ألَّا تروى إلا مقرونة ببيان وضعها، والتنبيه على ما فيها؛ لهذا قمت بعمل دراسة للأحاديث الموضوعة في هذا الكتاب، لعلها تكون نواة لجمع علمي أكاديمي، يقوم بجمع هذه الأحاديث المبثوثة في الكتاب والتنبيه عليها.
وحتى تكون الدارسة شاملة لكل جوانب الأحاديث الموضوعة في هذا الكتاب، قمت بتقسيمها ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أحاديث ذكرها لينبه على وضعها وبطلانها.
القسم الثاني: أحاديث ذكرها ليدفع عنها الحكم بالوضع.
القسم الثالث: أحاديث ذكرها واكتفى بعزوها، وهي في كتب الموضوعات.
فالقسم الأول: لا تعقب عليه فيه.
والقسم الثاني محل اجتهاد قد يوافق عليه وقد يخالف.
القسم الثالث هو الذي لا محيدَ عن القول: إنه خالف فيه شرطه، وهز ما ذكره من غير تنبيه على حاله، مع أنه في كتب الموضوعات.
وإن كان يمكن الاعتذار عنه بما يلي:
1- إما أنه يرى أنه ليس موضوعًا، وفي هذه الحال كان ينبغي أن يبين كما فعل في القسم الثاني.
2- أنه أحسن الظن بمن عزا إليهم هذه الأحاديث.
وسأذكر مثالًا لكل قسم من هذه الأقسام:
مثال القسم الأول: وهو ما ذكره لينبِّهَ على بطلانه:
ما ذكره في (11/ 124) في الكلام على الخصائص نقل حديث: ((علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل))، نقله عمن كتب في الخصائص، ثم عقب عليه بقوله: "قال الحافظ – أي: ابن حجر – موضوع"[1].
مثال القسم الثاني الذي ذكره ليدفع عنه القول بالوضع:
ما ذكره في سبب صياح ديكة الأرض (7/ 668) من حديث جابر رضي الله عنه وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن لله تعالى ديكًا عنقه منطوية تحت العرش ورجلاه تحت التخوم، فإذا كانت هدأة من الليل، صاح: سبوح قدوس، فصاحت الديكة))، فساق الحديث وعزاه لمخارجه، وذكر له طرقًا عن سبعة من الصحابة؛ وهم: سيدنا جابر بن عبدالله، والعُرْس -بضم العين وسكون الراء - بن عَميرة، وابن عمر، وأبو هريرة، وثوبان، وابن عباس، والسيدة عائشة رضي الله عنهم، وذكر له طريقًا مرسلًا عن أبي راشد الحبراني، وعزا كل طريق من هذه الطرق لمخارجه، وتكلم على أسانيدها، ونقل عن شيخه السيوطي في بعض طرق حديث ابن عباس أنه صحيح، ثم قال: "إذا علم ذلك تبين أن قول من قال: إن هذا الحديث موضوع، ليس بصحيح"، والحديث قد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وذكره صاحب تنزيه الشريعة (1/ 214)، وذكر طرقه، ثم قال: "نقل صاحب لسان الميزان عن البخاري أنه قال: ليس في هذا المتن حديث يثبت، قلت: هذا القول في اللسان في ترجمة علي بن علي اللهبي (4/ 245)[2]، وكفى بكلمة البخاري دليلًا لردِّه مع ما في متنه من نكارة.
مثال القسم الثالث: وهو ما اكتفى بعزوه ولم يتكلم عليه، وهو في كتب الموضوعات:
ما ذكره صاحب سبل الهدى في الباب الأول من أبواب سيرته في النكاح (9/ 69) قال: "... وروى الديلمي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا خطب أحدكم المرأة، فليسأل عن شعرها؛ فإن الشعر أحد الجمالين))".
هكذا، واكتفى بعزوه، ولم يتكلم عليه، مع أن الحديث ذكره شيخه السيوطي في اللآلئ، وقال: إسحاق بن بشر الكاهلي، وهو أحد رواته، كذَّاب، وقال الشيخ أحمد الغماري في المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير (15): باطل، وفي سنده كذاب[3].
فهذه أحاديث ذكرها المؤلف، واكتفى بعزوها لمصادرها ولم يتكلم عليها، مع أن الوضع ظاهر على متونها، وقد تكلم على متون وأسانيد الكلام فيها أخف من هذه، فكانت هذه أولى بالكلام منها، وعدد الأحاديث التي من هذا القسم ليست بالقليلة، فقد أحصيت في الجزء الثالث عشر فقط ما يقارب العشرين حديثًا، وفي الجزء الحادي عشر فوق الخمسة عشر حديثًا، ولم أقصد الإحصاء الدقيق، وإنما هو إحصاء تقريبي، وهذا أمر ما كان ينبغي أن يقع فيه هذا الإمام المحدث ولكن الكمال لله وحده، والله تعالى أعلى وأعلم وأجل وأكرم، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه.
يعد كتاب "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد" من أجمع الكتب التي قامت على جمع ما يتعلق بالجناب النبوي الشريف، وقد استقصى فيه ما وسعه الاستقصاء، وقسمه تقسيمًا حسنًا لم يعهد في كتب السيرة من قبله؛ إذ جلُّها تقوم على الترتيب الزمني، لكن الإمام الصالحي جعل كتابه مبوبًا جاوزت أبوابه ألف باب بدأه بجماع أبواب بعض الفضائل والآيات الواقعة قبل مولده صلى الله عليه وسلم، وختمه بباب: "ما جاء أن جنة عدن مسكنه، وعلو منزلته في الجنة صلى الله عليه وسلم"؛ يقول رحمه الله في مقدمته: "فهذا كتاب اقتضبته من أكثر من ثلاثمائة كتاب، وتحريت فيه الصواب، ذكرت فيه قطرات من بحار فضائل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من مبدأ خلقه قبل خلق سيدنا آدم صلى الله عليه وسلم، وأعلام نبوته وشمائله، وسيرته وأفعاله، وأحواله وتقلباته، إلى أن نقله الله تعالى إلى أعلى جناته، وما أعده له فيها من الإنعام والتعظيم، عليه من الله أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ولم أذكر فيه شيئًا من الأحاديث الموضوعات ..."، ولما كان هذا الكتاب مهمًّا في بابه، بل لا يستغني عنه دارس للسيرة أو قارئ فيها، لا سيما الدعاة منهم، ولما رأيت بعض الناس ينقلون من هذا الكتاب مسلِّمين بكل ما جاء فيه من أخبار مقلدين لهذا الإمام المحدث، لا سيما وأنه قد نصَّ في مقدمته على أنه صانه عن الموضوعات، فيسبق لظنِّ كل قارئ أن هذا الكتاب لا يوجد فيه حديثًا موضوعًا، لكنني لما قمت بدراسة هذا الكتاب، وجدت أن الأمر ليس كذلك، وأن الكتاب فيه أخبار موضوعة ينبغي ألَّا تروى إلا مقرونة ببيان وضعها، والتنبيه على ما فيها؛ لهذا قمت بعمل دراسة للأحاديث الموضوعة في هذا الكتاب، لعلها تكون نواة لجمع علمي أكاديمي، يقوم بجمع هذه الأحاديث المبثوثة في الكتاب والتنبيه عليها.
وحتى تكون الدارسة شاملة لكل جوانب الأحاديث الموضوعة في هذا الكتاب، قمت بتقسيمها ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أحاديث ذكرها لينبه على وضعها وبطلانها.
القسم الثاني: أحاديث ذكرها ليدفع عنها الحكم بالوضع.
القسم الثالث: أحاديث ذكرها واكتفى بعزوها، وهي في كتب الموضوعات.
فالقسم الأول: لا تعقب عليه فيه.
والقسم الثاني محل اجتهاد قد يوافق عليه وقد يخالف.
القسم الثالث هو الذي لا محيدَ عن القول: إنه خالف فيه شرطه، وهز ما ذكره من غير تنبيه على حاله، مع أنه في كتب الموضوعات.
وإن كان يمكن الاعتذار عنه بما يلي:
1- إما أنه يرى أنه ليس موضوعًا، وفي هذه الحال كان ينبغي أن يبين كما فعل في القسم الثاني.
2- أنه أحسن الظن بمن عزا إليهم هذه الأحاديث.
وسأذكر مثالًا لكل قسم من هذه الأقسام:
مثال القسم الأول: وهو ما ذكره لينبِّهَ على بطلانه:
ما ذكره في (11/ 124) في الكلام على الخصائص نقل حديث: ((علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل))، نقله عمن كتب في الخصائص، ثم عقب عليه بقوله: "قال الحافظ – أي: ابن حجر – موضوع"[1].
مثال القسم الثاني الذي ذكره ليدفع عنه القول بالوضع:
ما ذكره في سبب صياح ديكة الأرض (7/ 668) من حديث جابر رضي الله عنه وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن لله تعالى ديكًا عنقه منطوية تحت العرش ورجلاه تحت التخوم، فإذا كانت هدأة من الليل، صاح: سبوح قدوس، فصاحت الديكة))، فساق الحديث وعزاه لمخارجه، وذكر له طرقًا عن سبعة من الصحابة؛ وهم: سيدنا جابر بن عبدالله، والعُرْس -بضم العين وسكون الراء - بن عَميرة، وابن عمر، وأبو هريرة، وثوبان، وابن عباس، والسيدة عائشة رضي الله عنهم، وذكر له طريقًا مرسلًا عن أبي راشد الحبراني، وعزا كل طريق من هذه الطرق لمخارجه، وتكلم على أسانيدها، ونقل عن شيخه السيوطي في بعض طرق حديث ابن عباس أنه صحيح، ثم قال: "إذا علم ذلك تبين أن قول من قال: إن هذا الحديث موضوع، ليس بصحيح"، والحديث قد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وذكره صاحب تنزيه الشريعة (1/ 214)، وذكر طرقه، ثم قال: "نقل صاحب لسان الميزان عن البخاري أنه قال: ليس في هذا المتن حديث يثبت، قلت: هذا القول في اللسان في ترجمة علي بن علي اللهبي (4/ 245)[2]، وكفى بكلمة البخاري دليلًا لردِّه مع ما في متنه من نكارة.
مثال القسم الثالث: وهو ما اكتفى بعزوه ولم يتكلم عليه، وهو في كتب الموضوعات:
ما ذكره صاحب سبل الهدى في الباب الأول من أبواب سيرته في النكاح (9/ 69) قال: "... وروى الديلمي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا خطب أحدكم المرأة، فليسأل عن شعرها؛ فإن الشعر أحد الجمالين))".
هكذا، واكتفى بعزوه، ولم يتكلم عليه، مع أن الحديث ذكره شيخه السيوطي في اللآلئ، وقال: إسحاق بن بشر الكاهلي، وهو أحد رواته، كذَّاب، وقال الشيخ أحمد الغماري في المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير (15): باطل، وفي سنده كذاب[3].
فهذه أحاديث ذكرها المؤلف، واكتفى بعزوها لمصادرها ولم يتكلم عليها، مع أن الوضع ظاهر على متونها، وقد تكلم على متون وأسانيد الكلام فيها أخف من هذه، فكانت هذه أولى بالكلام منها، وعدد الأحاديث التي من هذا القسم ليست بالقليلة، فقد أحصيت في الجزء الثالث عشر فقط ما يقارب العشرين حديثًا، وفي الجزء الحادي عشر فوق الخمسة عشر حديثًا، ولم أقصد الإحصاء الدقيق، وإنما هو إحصاء تقريبي، وهذا أمر ما كان ينبغي أن يقع فيه هذا الإمام المحدث ولكن الكمال لله وحده، والله تعالى أعلى وأعلم وأجل وأكرم، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه.